مؤلف الكتاب: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني رَحِمَهُ اللهُ.
شرح مختصر لألفاظ المقدمة
(الحَمْدُ للهِ) الحمدهُوَ الْإِخْبَارُ بِمَحَاسِنِ الْمَحْمُودِ مَعَ الْمَحَبَّةِ لَهُ. كما في «مجموع الفتاوى» لابن تيمية(6/259)
(عَلَى نِعَمِهِ الظَاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ) النعم على قسمين:
الظاهرة: ما يظهر للناس كالسمع، والبصر، والعقل، والصحة، والأمن، والعلم، وحفظ القرآن، والفهم الصحيح، التمسك بالسنة.
الباطنة: ما يخفى على الناس كالإيمان، ومحبة الله، ومحبة الخير، والخشية، ويدخل فيه أيضًا ستر الله عَزَّ وَجَل عيوب الشخص عن الآخرين.
(قَدِيْمًا)أي: سابقًا، (حَدِيْثًا) أي: لاحقًا.
(وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ)صلاة الله على نبيه: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى كما قال أبو العالية، وعلقه الإمام البخاري.
(عَلَى نَبِيِّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ) اشتهر عند العلماء في تعريف النبي والرسول:
أن النبي من أوحي إليه ولم يؤمر بتبليغه.
والرسول من أوحي إليه وأمر بتبليغه، وهذا قول الجمهور، وهو غير صحيح.
ومن الأقوال:
النبي: مَن بُعِث لتقرير شريعة سابقة.
والرسول: من بعثه الله بشريعة يدعو الناس إليها، سواء كانت جديدة أو متقدِّمة.
(مُحَمَّدٍ) هو الذي كثر حمد الحامدين له مرة بعد أخرى، أو الذي يستحق أن يحمد مرة بعد أخرى.
(وَآلِهِ) هم أهل بيته: وهم آل العباس، وآل علي، وآل جعفر، آل عقيل. كما قال زيد بن أرقم.
ويدخل في أهل البيت نساء النّبِيّ صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾[الأحزاب: 33]، والآية في سياق نساء النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ويشمل أيضًا كل من حرمت عليه الصدقة.
فبعبارة أخرى: أهل البيت: من حرمت عليهم الصدقة، كأزواجه وأولاده ومَنْ ذُكِر عن زيد بن أرقم.
وقال بعضهم: آل النّبِيّ صلى الله عليه وسلم هم أتباعُه، وهذا من الأقوال المشهورة، مع أنه ليس بصحيح؛ إذ لو كان أتباعه لَمَا كان هناك مصرف للصدقة؛ لأن الصدقة تحرم على أهل البيت.
(وَصَحْبِهِ) الصحابي: من لقي النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به ومات على ذلك.
(وَارِثًا وَمَوْرُوثًا) الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مورثون، والوارث من بعدهم من ورث العلم. كما في «شرح بلوغ المرام»(1/49) للعثيمين.
(أَمَّا بَعْدُ) أما حرف شرط وتفصيل. ومعناها: مهما يكُ من شيءٍ، حُذِفَ مهما يكُ من شيء، وأُقيم (أمَّا) مقامه.
و(بعدُ) ظرف زمان متعلق بفعل الشرط المحذوف.
(فَهَذَا مُخْتَصَرٌ) المختصر: هو الذي جمع معاني كثيرة بألفاظ يسيرة.
(حَرَّرْتُهُ تَحْرِيْرًا بَالِغًا؛ لِيَصِيْرَ مَنْ يَحْفَظُهُ بَيْنِ أَقْرَانِهِ نَابِغًا...) هذا فيه ثناء الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ على هذا الكتاب، والحث على حفظه والاهتمام به.
(وَقَدْ بَيَّنْتُ عَقِبَ كُلِّ حَدِيْثٍ مَنْ أَخْرَجَهُ مِنَ الأَئِمَةِ؛ لِإِرَادَةِ نُصْحِ الأُمَّةِ) فيه بيان الحافظ ابن حجر سبب ذِكْرِ من أخرج الحديث.
وهذا نستفيد منه: أن عزو الحديث إلى من أخرجه من النصح للأمة، ومن النصح للأمة والأمانة أيضًا عزو الفائدة لقائلها.
(فَالمرَادُ بِالسَّبْعَةِ) أحمد، البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه.
(وَبِالسِّتَّةِ) البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه.
(وَبِالخَمْسَةِ) أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه.
(وَبِالأَرْبَعَةِ) أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
(وَبِالثَّلَاثَةِ مَنْ عَدَاهُمْ وَالأَخِيْرَ) أبوداود، والنسائي، والترمذي.
(وبالمتَّفَقِ: البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ) البخاري ومسلم.
قوله رَحِمَهُ الله: كِتَابُ الطَّهَارَةِ
مادة كتب: تدور على الجمع والضم.
أما في الاصطلاح: ما خُطَّ على القرطاس لإبلاغ الغير، أو ما خُطَّ؛ لحفظه عن النسيان. كما في «توضيح الأحكام»(1/113)
الطهارة لغة: النظافة والنزاهة عن الأقذار، وهي نوعان: معنوية، وحسية.
المعنوية: نظافة القلب من الشرك، والحسد، والرياء، والنفاق، والعجب، إلى غير ذلك.
الحسية: فهي إِما عن حَدَث - أصغر أو أكبر- ، وإِما عن نجس.
الباب لغة كما في «سبل السلام»(1/18): مَا يُدْخَلُ وَيُخْرَجُ مِنْهُ.
أما اصطلاحًا: فهو اسم لجملة متناسبة من العلم تحته فصول ومسائل غالبًا. كما في «توضيح الأحكام شرح بلوغ المرام»(1/113).
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
«الطَّهُورُ» بفتح الطاء، الماء الذي يتطهر به. والطُّهور بالضم الفعل، وهذا على المشهور.
هذا الحديث له سبب، روى أبو داود (83) عن أبي هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ».
نستفيد من هذا الحديث:
v سؤال أهل الذكر.
v وفيه بيان أسئلة الصحابة، وأنها أسئلة دينية فقهية، فهكذا ينبغي أن تكون الأسئلة مفيدة نافعة، وحسن السؤال نصف العلم.
v وفيه طهارة ماء البحر فهو طاهر في نفسه، مطهر لغيره.
v فيه حل ميتة البحر، فحيوانات البحر حيها وميتها حلال، قال تَعَالَى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ﴾[المائدة: 96].
ويقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «أُحِلَّتْ لَكُمْ مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ، فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ، فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» رواه الترمذي (3314)عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.
والمراد بميتة البحر: ما يعيش فيه، أما إذا كان حيوانًا بريًّا ثم سقط في البحر فمات فهذا لا يحل أكله؛ لأنه ليس من ميتة البحر.
وهناك نوع من الحيوان يقال له: البرمائي، يعني: يعيش في البر ويعيش في البحر، كالتمساح، فهل إذا مات في البحر يحل أكله؟
نحن استفدنا من والدي رَحِمَهُ اللهُ في هذه المسألة: أنه إذا كان الأغلب أنه يعيش في البحر فحكمه حكم ميتة البحر، وإذا كان الأغلب أن يعيش في البر، فحكم ميتته حكم ميتة البر ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ ﴾[البقرة: 173].
v وفيه جواز الزيادة في الجواب؛ لأن الصحابة سألوا عن ماء البحر، فزادهم النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مسألة أخرى؛ لاحتياجهم إليها وللفائدة « الْحِلُّ مَيْتَتُه».
أما ما يقال: الجواب على قدر السؤال، فهذا هو الأصل، ولكن إذا كان هناك حاجة ومصلحة في الزيادة فالمشروع للمفتي أن يزيد في الجواب.
المصدر
https://alwadei967.blogspot.com/2023/01/1_30.html