إصلاح نظارات الحذيفي التي أفسدت عليه النظر الصحيح إلى رحلة عبدالرحمن العدني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أما بعد :
فهذه بعض إصلاحات لنظارات أبي عمار الحذيفي ([1]) التي أفسدت عليه النظر الصحيح السليم في بيان رحلة العمرة لفضيلة الشيخ المبجل عبدالرحمن العدني ـ حفظه الله ورعاه ـ
قوله في المقدمة : " وبعد " السنة أن تقول " أما بعد " كما بينت ذلك في مقدمة شرح مختصر العلامة خليل .([2])
قال العلامة محمد بن علي الأتيوبي في قرة عين المحتاج في شرح مقدمة صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (1/242) : (( .. أن السنة في الخطب والرسائل والمصنفات أن يؤتى بـ " أما بعد " ، وهذه مما يتساهل فيه كثير من الخطباء وأصحاب الرسائل والكتب ، فاكتفوا بقولهم :"وبعد" ، وليس له أصل في السنة ، ومنهم من يقول :"ثم أما بعد" ، بزيادة "ثم" وهذا أيضا لم يرد ، فالعمل بما ورد في السنة ، وهو "أما بعد " هو المتعين لمن يدعي الاقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}،وقال :{واتبعوه لعلكم تهتدون}، وقال :{وإن تطيعوه تهتدوا} )) ا.هـ
وقال الإمام الألباني مستدركا على أحد طلبة العلم في الشريط 404 من (سلسلة الهدى والنور ) لما قال "وبعد " في مقدمة كلامه بدلا من "أما بعد" : (( أما كلمة "وبعد" ، فهذه خلاف السنة ، و السنة " أما بعد " .))
وقالَ العلامة محمد بن هادي المدخلي - حَفِظهُ اللهُ تَعَالىٰ – في (شَرح نُزهة النَّظر فِي تَوضيح نُخْبة الفِكَر / المجلس الأَوَّل ) : (( وقد تقدم أَيضاً في لقاءاتنا السَّابقة التَّنبيه علىٰ أنَّ قول « وبعد » لحن .
وأَمَّا الصَّواب فهو أَنْ تقول : « أَمَّا بَعْدُ » ، وأَمَّا "وبَعد " فهٰذا لحن ، وإِنْ جاءَ بهِ بعضُ المُتكلمين ،
بعضُ العُلماء ، بعضُ الخُطَباء ، لـٰكن الصَّحيح « أَمَّا بَعْدُ » .
فَما جاءَ عن رَسُولِ اللهِ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوقفٍ واحدٍ قَطْ فِي ما أَحفظ وأَعلم أَنَّه قالَ :« وبَعد » ؛ وإِنَّما يقول : « أَمَّا بَعْدُ » )) ا.هـ
قال الحذيفي : " ذكر في أول شرحه ـ أي : عبدالرحمن العدني ـ ما تعرضت له بعض البلدان العربية كسوريا وغيرها من خراب بسبب الربيع العربي كما حصل في سوريا وغيرها. وحذر من الدخول في الفتن في اليمن، وذكر أن مركز دماج إنما دمروه بسبب الاسترسال مع المؤامرات أي: الدخول في فتنة الحرب."
ثم علق :" يعرّض بفتوى العلماء في دفع الحوثيين، وأن اليمنيين إذا استجابوا لنداء العلماء في دفع صولة الحوثيين، فيخشى أن تصير البلاد كما حصل في سوريا وغيرها، ويجاب عنه بأن هناك فرقا كبيرا، فلماذا هذا التخليط ؟ فما يحصل في سوريا وغيرها كان سببه ثورة الشعوب على الحكام، وأما كلام العلماء فكان في دفع صولة الحوثيين، ولذلك أفتى العلماء في موضع دون آخر، فهل عرفت الفرق بينهما ؟!."
أقول
الأمر الأول : ما حكاه فضيلة الشيخ العالم المبجل عبدالرحمن العدني ـ حفظه الله ورعاه ـ عن واقع الأمة الإسلامية ، وما يحدث فيها من الفتن والحروب ، وأن ذلك مؤامرة من اليهود والنصارى ، فهذا لا يخفى أمره على العامة فضلا عن الخاصة من أهل العلم والسنة .
وهم قد يستغلون الحزبية وأهل البدع لتسليك مخططهم وتنفيذ مؤامرتهم في أراضي الإسلام كما حدث في فتنة الجزائر التي عاشتها في تلك العشرية ، ويحدث الآن في الشعوب الإسلامية ، فغاية هذا العدو الغاشم هو تحطيم الإسلام ووأد شريعته ، فالحرب ليست مقصودة ومحصورة في الحكام بل الإسلام .
فمن الجهل أو التجاهل أن تُحصر الحروب في الحكام كما صورها الحذيفي في قوله :" فما يحصل في سوريا وغيرها كان سببه ثورة الشعوب على الحكام" ، وتعامى أن أصل تلك الحروب هو تحطيم الإسلام .
وقد تفطن العلماء والخبراء والأذكياء لذلك ، ولهذا هم يسعون إلى غلق وسد الوسائل الباعثة على الفتنة والاقتتال بين المسلمين ، في وجه أعداء الإسلام .
قال الإمام مقبل الوادعي ـ رحمه الله ـ : " وينبغي أن نذكر إخواننا شيعة اليمن أن هناك شيوعيين وبعثيين وناصريين يريدون التحريش بين أهل السنة وبين إخوانهم الشيعة ، فنحن لا نكتمكم أننا نعتبركم مبتدعة ، لكن ممكن أن ترجعوا إلى السنة في أسرع وقت .. والسنة ليست حقنا ولا حق آبائنا بل هذا يعتبر شرفا لكم أننا ندعوكم إلى أننا نحن وأنتم نتبع جدكم رسول الله صلى الله عليه وسلم "([3])
فتشغيب الحذيفي على الشيخ عبدالرحمن في هذه القضية ما هو إلا سوفسطائية وجدل في الضروريات وقدح فيها بالجهالات وقلب الحقائق ، واللوازم الباطلة ، وهذا النوع من المعارضة قد ذمه أهل العلم .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أن القدح فِي الضَّرُورِيَّاتِ بِالنَّظَرِيَّاتِ ([4]).. غَيْرُ مَقْبُولٍ بِمَنْزِلَةِ حُجَجِ السوفسطائية. فَإِنَّ مَا عَلِمْنَاهُ بِالِاضْطِرَارِ وَقَدَحَ فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ بِالنَّظَرِ وَالْجَدَلِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْنَا أَنْ نُجِيبَ عَنْ الْمُعَارِضِ جَوَابًا مُفَصَّلًا يُبَيِّنُ حِلَّهُ بَلْ يَكْفِينَا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّهُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ عَارَضَ الضَّرُورِيَّ وَمَا عَارَضَهُ فَهُوَ فَاسِدٌ " ([5])
الثاني : أين كلامه بأنه يعرض بفتوى العلماء في دفع الحوثيين ؟!
مع أن الشيخ عبدالرحمن قد صرح في بيان رحلته بأنه فتح مع الإمام ربيع المدخلي ـ حفظه الله وأطال عمره في طاعته ـ ملف فتوى الجهاد وناقشه فيها كما هو مصرح في (د13) من الشريط المسجل .
فلماذا هذه المغالطة من الحذيفي ؟! فهل هو يضحك على نفسه أو يضحك على من اغتر به ؟
أو يريد أن يملئ صفحة الورقة البيضاء بسواد الجهل والظلم !!
الثالث : مسألة الجهاد قد اشترط فيه أهل العلم القدرة والاستطاعة ، فهل لأهل السنة في اليمن استطاعة وقدرة على دفع ورد صولة الحوثيين ؟!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4/ 442 ـ 443)
(( أَنَّ الْأَمْرَ بِقِتَالِ الطَّائِفَةِ الْبَاغِيَةِ مَشْرُوطٌ بِالْقُدْرَةِ وَالْإِمْكَانِ. إذْ لَيْسَ قِتَالُهُمْ بِأَوْلَى مِنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَالْكُفَّارِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِالْقُدْرَةِ وَالْإِمْكَانِ فَقَدْ تَكُونُ الْمَصْلَحَةُ الْمَشْرُوعَةُ أَحْيَانًا هِيَ التَّآلُفُ بِالْمَالِ وَالْمُسَالَمَةُ وَالْمُعَاهَدَةُ كَمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَالْإِمَامُ إذَا اعْتَقَدَ وُجُودَ الْقُدْرَةِ وَلَمْ تَكُنْ حَاصِلَةً كَانَ التُّرْك فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَصْلَحَ ."
قال العلامة الأصولي الفقيه محمد بازمول ـ حفظه الله ورعاه ـ في كتابه " الجهاد تعريفه و أنواعه و ضوابطه في ضوء الكتاب والسنة" (ص 40 ـ 43) : (( الضابط الثاني : لا يجب الجهاد إلا في حال قوة وقدرة.
وهذا هو الأصل في تكاليف الإسلام، إذ القدرة مناط التكليف. يقول الله تعالى: { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا }[البقرة: 286]، ويقول سبحانه وتعالى: { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا }[الطلاق: 7]، ويقول سبحانه وتعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ }[التغابن: 16].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بسؤالهم وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ" ))
إلى أن قال : ((ومما يدل على أن القدرة شرط في الجهاد ما جاء عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ: "ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ!
الحديث وفيه ذكر الدجال ، ثم ذكر نزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام فقال: إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمْ اللَّهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ... "
ففي هذا الحديث أنه لما كان عيسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين لا طاقة لهم بقتال يأجوج ومأجوج أمره الله ألا يقاتلهم ويجاهدهم، فما الحال في أمة الإسلام وهم في حال ضعف القوة والقدرة؟!
فإن قيل: فإن هذا الحديث ما هو في جهاد الدّفع، وكلامنا في جهاد الطلب، فالجواب: إذا كانت القدرة معتبرة في جهاد الدفع - كما دل عليه الحديث - فمن باب أولى جهاد الطلب والدعوة. )) ا.هـ
قال في (ص 90) : (( أن لجهاد الدفع حالين، الحال الأولى : إذا فجأ العدو أهل بلد وحصرهم، فهذا يشبه دفعه الصائل، فإنه يدفع بما أمكن و لا يشترط هنا ما يشترط في الجهاد ومن شروط.
الحال الثانية: إذا تمكن العدو من البلد ولم يكن في المسلمين قدرة على دفعه، فهنا لا بد من مراعاة شروط الجهاد، ومنها إذن ولي الأمر، والوالدين، والقدرة والطاقة.))
قال الحذيفي : " وذكر ـ أي الشيخ عبدالرحمن ـ أنه زار الشيخ ربيعاً بعد الانتهاء من عمرته، وأنه حصل بينه وبين الشيخ ربيع نقاش ساخن حول موضوع مواجهة مد الحوثيين، فقال للشيخ ربيع: "لو تعلم يا شيخ حقيقة ما يجري في اليمن لتغير الموقف".
ثم علق :" هذا فيه تجهيل للعلماء بما يدور في بلاد المسلمين، وأقول: إن الشيخ ربيعا وغيره من مشايخ أهل السنة من أعرف الناس بالواقع، وقد كان شيخنا مقبل رحمه الله تعالى يصفون له ما يحصل في أفغانستان أو أندونيسيا وغيرهما فيفتي بالجهاد في هذه الأماكن."
أقول
لك يا أيها فضيلة الشيخ الأريب المحترم عبدالرحمن العدني أن تتمثل بكلام شيخ الإسلام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في هذا المقام : " وَاللَّهُ يَشْكُرُ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ سَعْيَهُ، وَيُعْلِي دَرَجَتَهُ. وَيَجْزِيهِ أَفْضَلَ جَزَائِهِ. وَيَجْمَعُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي مَحَلِّ كَرَامَتِهِ. فَلَوْ وَجَدَ مُرِيدُهُ سِعَةً وَفُسْحَةً فِي تَرْكِ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ وَاعْتِرَاضِ كَلَامِهِ لَمَا فَعَلَ. كَيْفَ وَقَدْ نَفَعَهُ اللَّهُ بِكَلَامِهِ؟ وَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَجْلِسَ التِّلْمِيذِ مِنْ أُسْتَاذِهِ، وَهُوَ أَحَدُ مَنْ كَانَ عَلَى يَدَيْهِ فَتْحُهُ يَقَظَةً وَمَنَامًا؟
وَهَذَا غَايَةُ جُهْدِ الْمُقِلِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ عِلْمٍ فَلْيَجُدْ بِهِ، أَوْ فَلْيَعْذُرْ، وَلَا يُبَادِرُ إِلَى الْإِنْكَارِ. فَكَمْ بَيْنَ الْهُدْهُدِ وَنَبِيِّ اللَّهِ سُلَيْمَانَ؟ وَهُوَ يَقُولُ لَهُ: {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} [النمل: 22] وَلَيْسَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَعْلَمَ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ. وَلَا الْمُعْتَرِضُ عَلَيْهِ بِأَجْهَلَ مِنْ هُدْهُدٍ. وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ وَهُوَ أَعْلَمُ."([6])
إنا نبرأ من جهالات وسفهات الحذيفي وأمثاله من أن تنسب إلى منهج أهل الحديث وأهله .
قال الحذيفي :" قال ـ أي الشيخ عبدالرحمن ـ: "وشعرنا بعد ذلك أن الله قذف في قلب الشيخ أن هؤلاء يناقشونه عن تدين وليسوا عن هوى، وأن الله عطف بقلب الشيخ ربيع عليه فأصر على تناول العشاء."
ثم علق :"يعلم أخونا الشيخ عبد الرحمن بن مرعي في قرارة نفسه أن الشيخ ليس براض عنه ولا عن طريقته، ولكنه يموه على السامعين ..."
أقول
هذا التعليق مبني على تخرصات نسجها الحذيفي من كيسه يتنزه عنها عامة أهل السنة فما بالك بشيخ وإمام أهل السنة ربيع بن هادي المدخلي .
وذلك : أنه إذا دار الأمر بين تصديق الشيخ عبدالرحمن وبين الحذيفي ، فيصدق الشيخ عبدالرحمن لأنه هو صاحب المجلس والقصة ، أما الحذيفي لم يكن حاضرا ، فالحذيفي يريد منا أن نكذب الحاضر وصاحب القصة ، ونصدق الغائب !!!
وقد تقرر في الأصول أن من أوجه الترجيح أن يقدم قول صاحب القصة على غيره لأنه أدرى بها من غيره .
وأيضا إذا دار الأمر بين المثبت والنافي يقدم قول المثبت ، فالشيخ عبدالرحمن يثبت أن الشيخ ربيعا قد أرتاح للنقاش وإلى ما بينه له الشيخ عبدالرحمن ، والحذيفي يأتي وينفي ذلك ، فيحتاج منه أن يقدم أدلة واضحة ظاهرة صريحة في إبطال ما بينه الشيخ عبدالرحمن .
قال الحذيفي : " وأنت أيضا حذر منك العلماء وعليك ملاحظات كثيرة "
أقول للحذيفي
ما هي هذه الملاحظات التي ثبتت عن الشيخ عبدالرحمن العدني ؟ أخرجها للناس لحذر منها طلابه وتحذر منها الأمة !!
ومن العلماء الذين حذروا منه ، أذكرهم ؟
فكم رجفت الحدادية بهذا السلاح الإرهابي وهددت به علماء السنة ودعاة التوحيد لإسقاطهم .
قال الإمام ربيع المدخلي في نصيحته الثانية لفالح الحربي مبينا مجازفات الحربي في جرحه دعاة السنة بغير حجة ودليل : ((إنكم سئلتم عن أشخاص معينين مشهورين عند الناس بالسلفية والدعوة إليها وفيهم علماء في نظر الناس فأخرجتهم من السلفية وهذا الإخراج جرح شديد فيهم يحتاج إلى أدلة، فإذا لم تأت بالأدلة وأسباب هذا الجرح رأى الناس أنك قد ظلمتهم وتعديت عليهم وطعنت في دينهم بغير وجه حق، فصرت متهماً عند الناس فتحتاج إلى استبراء دينك وعرضك.
فإن لم تفعل طعن فيك الناس ولن ترضى أنت ولا غيرك بهذا الطعن، فتقوم الفتنة ويحصل الاختلاف بين السلفيين وتكثر الطعون المتبادلة ولا يحسم ذلك إلا بذكر الأسباب المقنعة بهذا الإخراج وقد تطالب أنت نفسك بذكر الأسباب إن جرحك أحد أو أخرجك من السلفية.)) ([7])
قال الحذيفي : " ثم ذكر أنه زار بعض المشايخ مثل الشيخ العباد وذكر أنه من كبار علماء السنة في هذا العصر، وذكر أن من علماء المملكة العربية السعودية من يوافق مشايخ اليمن في فتوى ترك قتال الحوثيين كالشيخ العباد. ودار كلام للشيخ العباد أن أهل اليمن أعلم الناس بالمصلحة فيما يتعلق في هذه القضية، ويتمثل بقول القائل: "إن الحاضر يرى ما لا يرى الغائب". وقد ذكر عن الشيخ العباد أنه سأل عن موقف أهل اليمن فقال عبد الرحمن بن مرعي: "نصبر حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر". ثم قال العباد: "أخبروهم أنا على ذلك". ثم نقل عن الشيخ العباد أن الحوثي اليوم بمثابة دولة، فقال الشيخ عبد الرحمن له: "وكانك تعيش بين أظهرنا"
ثم علق :" ذكرت قبل قليل أنك قلت للشيخ ربيع: "لو تعلم يا شيخ حقيقة ما يجري في اليمن لتغير الموقف". فكيف عرف الشيخ العباد من واقع اليمن ما لم يعرفه الشيخ ربيع، مع أن الشيخ ربيع ([8] ) يتابع أمور الدعوة في اليمن بدقة متناهية منذ موت شيخنا رحمه الله، وهو أعرف بوضع الدعوة من الشيخ العباد وغيره بدون أدنى شك."
أقول
أوردها سعد وسعد مشتمل ... ما هكذا يا سعد تورد الإبل.
قد أتعبت نفسك بهذه النظارات وأخفيت بها نور الحق وحكمت على نفسك بأنك تسير على خطى فالح الحربي !!
فالأمة لا تجهل مكانة علماء اليمن فيها وأنهم أهل الاجتهاد والنظر والحكم ، وأن ما حكموا به من كف عن مواجهة الرافضة هو عين المصلحة ، التي وافقهم فيها غيرهم من علماء الأمة ومنهم عبدالمحسن العباد وصالح السحيمي ، وهؤلاء إن شاء الله عندك ممن أمرنا الله تعالى بالرجوع إليهم في ملمة تنزل بالأمة ويكتفى بهم لعلمهم وثقتهم ، بل قد صرح الإمام ربيع المدخلي في نصيحته لفالح الحربي بأن الرجوع إلى واحد من هؤلاء العلماء في ملمة نزلت به يكفي فما بالك إذا اجتمعت كلمة مجموعة العلماء على قول واحد .
قال الشيخ ربيع : ((إن الله قد ربط الناس جميعاً بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من كتاب وسنة وأمر من لا يفقه نصوصهما أن يرجع إلى أهل الذكر أي العلماء بالكتاب والسنة فعاد الأمر إلى محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به...
فهل إذا اكتفى شخص في ملمة نزلت به بعالم واحد في نظره من بين عشرات أو مئات العلماء، يثق به وبعلمه ودينه وإدراكه لمثل هذه المشكلة التي نزلت به وبغيره.
ألا ترى أنه بعمله هذا قد عمل بمقتضى قول الله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، لأنه رضي بالرجوع إلى من يعتقد أنه من أهل العلم )) ([9])
ثم قولك :" وهو أعرف بوضع الدعوة من الشيخ العباد وغيره بدون أدنى شك" ، أليس هذا منك تنقص وتجهيل لمكانة الإمام عبدالمحسن العباد ولغيره من العلماء الذي أنت ترمي به الشيخ العدني ؟!
فهذه الطريقة من ضرب العلماء بعضهم بالبعض قد استخدمها كثيرا الحزبية والمميعة والحدادية لإحداث الفجوة والعداوة بين علماء السنة !!
أما نحن فلا نشك أن علماءنا سواء كان عبدالمحسن العباد أو ربيع المدخلي أو غيرهما ـ نفع الله بهم أهل الإسلام ـ أنهم فقهاء الواقع ، وأنهم لا يحكمون في النوازل والقضايا إلا بعلم وورع وعدل وبعد تثبت ، وأنه إذا اجتهد أحدهم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، ونستغفر لهم ونترحم عليهم ولا نذكرهم إلا بجميل ، ولا نظهر للعامة ما ينقص قدرهم ويخدش مكانتهم، ويذهب هيبتهم ويسقط مرجعيتهم .
يتبع إن شاء الله .............
([1]) كما هي في مقاله نظرات في رحلة الشيخ عبد الرحمن العدني إلى العمرة / للشيخ الفاضل علي الحذيفي حفظه الله المنشور في شبكة سحاب السلفية .
([2]) يسر الله تعالى إتمامه وإخراجه
([3]) المصارعة (ص 129)
([4]) فما بالك بالجهل واللوازم الباطلة
([5]) مجموع الفتاوى (5/ 302)
([6]) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 52)
([7]) مجموع كتب ورسائل وفتاوى فضيلة الشيخ العلامة ربيع المدخلي (9/ 147)
([8]) كذا
([9]) مجموع كتب ورسائل وفتاوى فضيلة الشيخ العلامة ربيع المدخلي (9/ 127)