معنى التسبيح: العلامة عبد الرزاق البدر

يشمل هذا القسم كل موضوع لا يندرج تحت الأقسام المخصصة
أضف رد جديد

كاتب الموضوع
أبو إلياس العبيدي
مشاركات: 54
اشترك في: جمادى الأولى 1440

معنى التسبيح: العلامة عبد الرزاق البدر

مشاركة بواسطة أبو إلياس العبيدي »

🌺معنى التسبيح:

لا ريب أنَّ التسبيح يُعدُّ من الأصول المهمّة والأُسُس المتينة التي ينبني عليها المُعتَقَد فيما يتعلّق بمعرفة الربّ تبارك وتعالى وأسمائه وصفاته، إذ إنَّ المُعتَقَدَ في الأسماء والصفات يقوم على أصلين عظيمين وأساسين متينين هما الإثبات للصفات بلا تمثيل، وتنزيه الله عن مشابهة المخلوقات بلا تعطيل.

👈والتسبيح هو التنزيه، فأصل هذه الكلمة من السَّبح وهو البُعد، قال الأزهري في تهذيب اللغة: "ومعنى تنزيه الله من السوء تبعيده منه، وكذلك تسبيحه تبعيده، من قولك: سبحتُ في الأرض إذا أبعدتَ فيها، ومنه قوله جلّ وعزّ: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} 1، وكذلك قوله: {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً} 2") .
فالتسبيح هو إبعادُ صفات النقص من أن تُضافَ إلى الله، وتنزيهُ الربِّ سبحانه عن السوء وعمَّا لا يليقُ به، "وأصلُ التسبيح لله عند العرب التنزيه له من إضافة ما ليس من صفاته إليه، والتبرئة له من ذلك".
وقد ورد هذا المعنى في تفسير التسبيح في حديث يُرفع إلى

النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلاَّ أنَّ في إسناده كلاماً، فقد روى الحاكمُ في المستدرك عن عبد الرحمن بن حمّاد، ثنا حفص بن سليمان، ثنا طلحة بن يحيى بن طلحة، عن أبيه، عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير سبحان الله، فقال: "هو تنزيه الله عن كلِّ سوءٍ". قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وتعقّبه الذهبي في تلخيصه للمستدرك بقوله: "بل لم يصح فإن طلحة منكر الحديث، قاله البخاري، وحفصٌ واهي الحديث، وعبد الرحمن قال أبو حاتم: منكر".
ورويَ الحديث من وجه آخر مرسلاً.
وورد في هذا المعنى آثارٌ عديدةٌ عن السلف رحمهم الله، روى جملةً منها الطبريُّ في تفسيره والطبرانيُّ في كتابه الدعاء في باب: تفسير سبحان الله، وغيرهما من أهل العلم، منها:
ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "سبحان الله: تنزيه الله عزّ وجلّ عن كُلِّ سُوءٍ".
وعن عبد الله بن بريدة أنَّ رجلاً سأل علياًّ رضي الله عنه عن سبحان الله فقال: "تعظيم جلال الله".
وجاء عن مجاهد أنه قال: "التسبيح انكفاف الله من كلِّ سوءٍ". قال ابن الأثير في النهاية: "أي تنزيهه وتقديسه".
وعن ميمون بن مهران قال: "سبحان الله اسم يُعظَّمُ الله به،

ويحاشى به من السوء".
وعن أبي عبيدة معمر بن المثنّى قال: "سبحان الله: تنزيه الله وتبرئته".
وعن محمد بن عائشة قال: "تقول العرب إذا أنكرت الشيء وأعظمته سبحان الله، فكأنّه تنزيه الله عز وجل عن كلِّ سوء، لا ينبغي أن يوصف بغير صفته".
والآثار في هذا المعنى عن السلف كثيرة.
ونقل الأزهري في كتابه تهذيب اللغة عن غير واحد من أئمّة اللغة تفسير التسبيح بالمعنى السابق وقال: "وجِماعُ معناه بُعدُه تبارك وتعالى عن أن يكون له مثلٌ أو شريكٌ أو ضِدٌّ أو نِدٌّ"1.
وبهذه النقول المتقدِّمة يتبيَّنُ معنى التسبيح والمراد به، وأنَّه تنزيه الله عز وجل عن كلِّ نقص وعيبٍ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والأمر بتسبيحه يقتضي تنزيهه عن كلِّ عَيبٍ وسُوءٍ، وإثباتَ المحامد التي يُحمد عليها، فيقتضي ذلك تنزيهه وتحميده وتكبيره وتوحيده". اهـ كلامه رحمه الله.
وبه يتبيّن أنَّ تسبيحَ الله إنَّما يكون بتبرئة الله وتنزيهه عن كلِّ سوء وعيبٍ، مع إثبات المحامد وصفات الكمال له سبحانه، على وجهٍ يليقُ به، أمَّا ما يفعله المعطِّلةُ من أهل البدع كالمعتزلة وغيرهم من تعطيل للصفات وعدم إثبات لها وجحدٍ لحقائقها ومعانيها بحجة أنَّهم

يسبِّحون الله وينزِّهونه، فهو في الحقيقة ليس من التسبيح في شيء، بل هو إنكارٌ وجحودٌ، وضلالٌ وبهتانٌ، ولذا يقول ابن هشام النحوي في كتابه مغني اللبيب: "ألا ترى أنَّ تسبيحَ المعتزلة اقتضى تعطيل كثير من الصفات".
ويقول ابن رجب رحمه الله في معنى قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}  أي: "سبِّحه بما حمد به نفسه؛ إذ ليس كلُّ تسبيحٍ بمحمود، كما أنَّ تسبيح المعتزلة يقتضي تعطيل كثير من الصفات".
وقوله رحمه الله: "إذ ليس كلُّ تسبيح بمحمود" كلامٌ في غاية الأهميَّة والدقَّة؛ إذ إنَّ تسبيح الله بإنكار صفاته وجحدها وعدم إثباتها أمرٌ لا يُحمد عليه فاعله، بل يُذمُّ غايةَ الذمِّ، ولا يكون بذلك من المسبِّحين بحمد الله، بل يكون من المعطّلين المنكرين الجاحدين، من الذين نزّه الله نفسه عن قولهم ووصفهم بقوله تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلاَمٌ عَلَى المُرْسَلِينَ وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} . فسبّح الله نفسه عمّا وصفه به المخالفون للرسل وسلَّم على المرسلين لسلامة ما قالوه في الله من النقص والعيب.
إنَّ تسبيحَ الله وتنزيهَه وتقديسَه وتعظيمَه يجب أن يكون وفق الضوابط الشرعيّة، وعلى ضوء الأدلّة النقليّة، ولا يجوز بحال أن يُبنى

ذلك على الأهواء المجرّدة، أو الظنون الفاسدة، أو الأقيسة العقليّة الكاسدة كما هو الشأن عند أرباب البدع المعطّلين لصفات الربّ سبحانه، ومن كان يعتمد في باب التعظيم على هواه بغير هدى من الله، فإنَّه يزِلُّ في هذا الباب ويقع في أنواع من الباطل وصنوف من الضلال. جاء عن عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله وقد ذُكر عنده أنَّ الجهميّة ينفون أحاديث الصفات، ويقولون: الله أعظم من أن يوصف بشيء من هذا أنَّه قال: "قد هلك قوم من وجه التعظيم فقالوا: الله أعظم من أن ينزل كتاباً أو يرسل رسولاً ثم قرأ: {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِن شَيْءٍ} 1 ثم قال: هل هلكت المجوس إلاّ من جِهة التعظيم؟ قالوا: الله أعظم من أنْ نعبُدَه، ولكن نعبدُ من هو أقربُ إليه منّا، فعبدوا الشمس وسجدوا لها، فأنزل الله عز وجل: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} 2") .
وفي كلامه هذا رحمه الله إشارة إلى أنّ التعظيم والتنزيهَ إنْ لم يكن على هديِ الكتاب والسنة فإنّه يكون غاية التعطيل، ومنتهى الجحود والعياذ بالله، ومن يتأمّل حالَ الطوائف الضالّة والفرق المنحرفة التي سلكت في التنزيه والتعظيم هذا الطريق يجد أنهم لم يستفيدوا من ذلك سوى التنقّص لربّ العالمين وجحد صفات كماله ونعوت جلاله، حتى

آل الأمر ببعضهم في التنزيه إلى الاعتقاد بأنّه ليس فوق العرش إله يُعبد ولا ربٌّ يُصلى له ويُسجدُ تعالى الله عمّا يقولون، وسبحان الله عمّا يصفون.
إنّ التسبيحَ طاعةٌ عظيمةٌ وعبادةٌ جليلةٌ، والله تبارك وتعالى يحبُّ المسبّحين، والواجب على عبد الله المؤمن أن يكون في تسبيحه لربّه على هديٍ مستقيمٍ، فيُسبّح الله وينزّهه عن كلِّ ما لا يليقُ به من النقائص والعيوب ويُثبتُ له مع ذلك نعوتَ جلاله وصفات كماله، ولا يتجاوزُ في ذلك كلِّه كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال الإمام أحمد رحمه الله: "لا يُوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسولُه صلى الله عليه وسلم لا يُتجاوَزُ القرآن والحديث". ومن كان على ذلك فهو على هدي قويمٍ، وعلى صراطٍ مستقيمٍ.

🔶العلامة عبد الرزاق البدر حفظه الله تعالى

⭕فقه الأدعية والأذكار(٢١٩ إلى ٢٢٤/ ١)

أضف رد جديد