لا ننفي عن الله ما لم يثبت لنفسه
مرسل: السبت 26 جمادى الآخرة 1438هـ (25-3-2017م) 6:00 pm
لا ننفي عن الله ما لم يثبت لنفسه
سؤال: تنتشر عندنا فكرة أننا لا ننفي عن الله ما لم يثبت لنفسه مثال: لا ننفي عن لله رموشا لأنه لم يذكر شيئا في هذا الصدد مدار السؤال: هل ننزهه مما لم يثبت من الصفات و نثبت له ما أثبت لنفسه ؟
الجواب :
الذي عليه أهل السنة والجماعة أن باب الأسماء والصفات توقيفي فلا نثبت لله إلا ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، وننفي عن الله ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، مع إثبات كمال الضد، وما لم يرد إثباته ولا نفيه يُنظر فيه فما كان نقصاً محضاً نفيناه عن الله جل وعلا لفظاً ومعنىً، وما كان محتملاً وجب التوقف في لفظه فلا نخوض فيه إثباتاً ولا نفياً، لعدم ورود الدليل في ذلك.
وأما معناه فيفصّل فيه فإن أريد به حق يليق بالله فهو مقبول، وإن أريد به معنى لا يليق بالله عز وجل وجب ردّه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في مجموع الفتاوى 12/114 :ﻭﺃﻣﺎ اﻷﻟﻔﺎﻅ اﻟﺘﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺏﻭاﻟﺴﻨﺔ ﻭﻻ اﺗﻔﻖ اﻟﺴﻠﻒ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻴﻬﺎ ﺃﻭ ﺇﺛﺒﺎﺗﻬﺎ ﻓﻬﺬﻩ ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪ ﺃﻥ ﻳﻮاﻓﻖ ﻣﻦ ﻧﻔﺎﻫﺎ ﺃﻭ ﺃﺛﺒﺘﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﻔﺴﺮ ﻋﻦ ﻣﺮاﺩﻩ ﻓﺈﻥ ﺃﺭاﺩ ﺑﻬﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﻳﻮاﻓﻖ ﺧﺒﺮ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﺃﻗﺮ ﺑﻪ ﻭﺇﻥ ﺃﺭاﺩ ﺑﻬﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﺧﺒﺮ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﺃﻧﻜﺮﻩ. ﺛﻢ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺃﻟﻔﺎﻇﻪ اﺷﺘﺒﺎﻩ ﺃﻭ ﺇﺟﻤﺎﻝ ﻋﺒﺮ ﺑﻐﻴﺮﻫﺎ ﺃﻭ ﺑﻴﻦ ﻣﺮاﺩﻩ ﺑﻬﺎ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺤﺼﻞ ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻟﺤﻖ ﺑﺎﻟﻮﺟﻪ اﻟﺸﺮﻋﻲ؛ ﻓﺈﻥ ﻛﺜﻴﺮا ﻣﻦ ﻧﺰاﻉ اﻟﻨﺎﺱ ﺳﺒﺒﻪ ﺃﻟﻔﺎﻅ ﻣﺠﻤﻠﺔ ﻣﺒﺘﺪﻋﺔ ﻭﻣﻌﺎﻥ ﻣﺸﺘﺒﻬﺔ. انتهى.
وقال رحمه الله تعالى كما في المصدر المذكور 5/305 : اﻟﺠﻮاﺏ اﻟﺮاﺑﻊ: ﺟﻮاﺏ ﺃﻫﻞ اﻻﺳﺘﻔﺼﺎﻝ ﻭﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: ﻟﻔﻆ " اﻟﺘﺤﻴﺰ " ﻭ" اﻟﺠﻬﺔ " ﻭ" اﻟﺠﻮﻫﺮ " ﻭﻧﺤﻮ ﺫﻟﻚ ﺃﻟﻔﺎﻅ ﻣﺠﻤﻠﺔ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﺃﺻﻞ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ ﻭﻻ ﻓﻲ ﺳﻨﺔ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﻭﻻ ﻗﺎﻟﻬﺎ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ ﺳﻠﻒ اﻷﻣﺔ ﻭﺃﺋﻤﺘﻬﺎ: ﻓﻲ ﺣﻖ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ؛ ﻻ ﻧﻔﻴﺎ ﻭﻻ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎ. ﻭﺣﻴﻨﺌﺬ ﻓﺇﻃﻼﻕ اﻟﻘﻮﻝ ﺑﻨﻔﻴﻬﺎ ﺃﻭ ﺇﺛﺒﺎﺗﻬﺎ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻣﺬﻫﺐ " ﺃﻫﻞ اﻟﺴﻨﺔ ﻭاﻟﺠﻤﺎﻋﺔ " ﺑﻼ ﺭﻳﺐ ﻭﻻ ﻋﻠﻴﻪ ﺩﻟﻴﻞ ﺷﺮﻋﻲ؛ ﺑﻞ اﻹﻃﻼﻕ ﻣﻦ اﻟﻄﺮﻓﻴﻦ ﻣﻤﺎ اﺑﺘﺪﻋﻪ " ﺃﻫﻞ اﻟﻜﻼﻡ" اﻟﺨﺎﺋﻀﻮﻥ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻓﺈﺫا ﺗﻜﻠﻤﻨﺎ ﻣﻌﻬﻢ ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻘﻠﻲ اﺳﺘﻔﺼﻠﻨﺎﻫﻢ ﻋﻤﺎ ﺃﺭاﺩﻭﻩ ﺑﻬﺬﻩ اﻷﻟﻔﺎﻅ. انتهى.
وقال العلامة ابن أبي العز الحنفي رحمه الله تعالى وهو يتكلم عن قول الإمام الطحاوي :«وتعالى عن الحدود والغايات » : ﻭﺃﻣﺎ اﻷﻟﻔﺎﻅ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﺮﺩﻧﻔﻴﻬﺎ ﻭﻻ ﺇﺛﺒﺎﺗﻬﺎ ﻓﻼ ﺗﻄﻠﻖ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻣﻘﺼﻮﺩ ﻗﺎﺋﻠﻬﺎ: ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﻨﻰ ﺻﺤﻴﺤﺎ ﻗﺒﻞ، ﻟﻜﻦ ﻳﻨﺒﻐﻲ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻨﻪ ﺑﺄﻟﻔﺎﻅ اﻟﻨﺼﻮﺹ، ﺩﻭﻥ اﻷﻟﻔﺎﻅ اﻟﻤﺠﻤﻠﺔ، ﺇﻻ ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺎﺟﺔ، ﻣﻊ ﻗﺮاﺋﻦ ﺗﺒﻴﻦ اﻟﻤﺮاﺩ، ﻭاﻟﺤﺎﺟﺔ ﻣﺜﻞ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ اﻟﺨﻄﺎﺏ ﻣﻊ ﻣﻦ ﻻ ﻳﺘﻢ اﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﻣﻌﻪ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﺨﺎﻃﺐ ﺑﻬﺎ، ﻭﻧﺤﻮ ﺫﻟﻚ. انتهى.
وقال العلامة العثيمين رحمه الله تعالى في القواعد المثلى ص 83 : اﻷﺩﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺜﺒﺖ ﺑﻬﺎ ﺃﺳﻤﺎء اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﺻﻔﺎﺗﻪ ﻫﻲ ﻛﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﺳﻨﺔ ﺭﺳﻮﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻓﻼ ﺗﺜﺒﺖ ﺃﺳﻤﺎء اﻟﻠﻪ ﻭﺻﻔﺎﺗﻪ ﺑﻐﻴﺮﻫﻤﺎ.
ﻭﻋﻠﻰ ﻫﺬا: ﻓﻤﺎ ﻭﺭﺩﺇﺛﺒﺎﺗﻪ ﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭاﻟﺴﻨﺔ ﻭﺟﺐ ﺇﺛﺒﺎﺗﻪ.
ﻭﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻧﻔﻴﻪ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻭﺟﺐ ﻧﻔﻴﻪ ﻣﻊ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﻛﻤﺎﻝ ﺿﺪﻩ.
ﻭﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺮﺩ ﺇﺛﺒﺎﺗﻪ ﻭﻻ ﻧﻔﻴﻪ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻭﺟﺐ اﻟﺘﻮﻗﻒ ﻓﻲ ﻟﻔﻈﻪ، ﻓﻼ ﻳﺜﺒﺖ ﻭﻻ ﻳﻨﻔﻰ، ﻟﻌﺪﻡ ﻭﺭﻭﺩ اﻹﺛﺒﺎﺕ ﻭاﻟﻨﻔﻲ ﻓﻴﻪ.
ﻭﺃﻣﺎ ﻣﻌﻨﺎﻩ: ﻓﻴﻔﺼﻞ ﻓﻴﻪ؛ ﻓﺈﻥ ﺃﺭﻳﺪ ﺑﻪ ﺣﻖ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻬﻮ ﻣﻘﺒﻮﻝ، ﻭﺇﻥﺃﺭﻳﺪ ﺑﻪ ﻣﻌﻨﻰ ﻻ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﻭﺟﺐ ﺭﺩﻩ. انتهى
وقال رحمه الله في شرح القواعد المثلى : هذا إذا لم يكن ذلك الاسم دالاً على نقص، فإن دل على نقص فيجب علينا نفيه بكل حال، أما إذا كان محتملاً فإنا نتوقف في لفظه، ونستفصل في معناه. انتهى
وقال العلامة العثيمين أيضاً في شرح العقيدة السفارينية ص118 :ﻓﺼﺎﺭا ﻋﺘﻘﺎﺩﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺤﻮ اﻵﺗﻲ :
ﺃﻭﻻ : ﺇﺛﺒﺎﺕﻣﺎ ﺃﺛﺒﺘﻪ اﻟﻠﻪ ﻟﻨﻔﺴﻪ ،
ﻭاﻟﺜﺎﻧﻲ : ﻧﻔﻲ ﻣﺎ ﻧﻔﺎﻩ اﻟﻠﻪ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ،
ﻭاﻟﺜﺎﻟﺚ : اﻟﺘﻮﻗﻒ ﻓﻴﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺮﺩ ﺇﺛﺒﺎﺗﻪ ﻭﻻ ﻧﻔﻴﻪ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﻀﻤﻦ ﻧﻘﺼﺎ ﻣﺤﻀﺎ ، ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﻨﻔﻴﻪ ﻋﻦ اﻟﻠﻪ:
1 - ﺇﺛﺒﺎﺕ ﻣﺎ ﺃﺛﺒﺘﻪ اﻟﻠﻪ ﻟﻨﻔﺴﻪ : ﻛﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭاﻟﻌﻠﻢ ﻭاﻟﻘﺪﺭﺓ ﻭاﻟﺴﻤﻊ ﻭاﻟﺒﺼﺮ ﻭاﻟﻮﺟﻪ ﻭاﻟﻌﻴﻦ ﻭاﻟﻴﺪ ﻭاﻟﻘﺪﻡ ﻭاﻷﺻﺒﻊ ﻭﻣﺎ ﺃﺷﺒﻪ ﺫﻟﻚ ،
2 - ﻧﻔﻲ ﻣﺎ ﻧﻔﺎﻩ اﻟﻠﻪ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ : ﻛﺎﻟﻈﻠﻢ ﻭاﻟﺠﻬﻞ ﻭاﻟﻐﻔﻠﺔ ﻭاﻟﻨﺴﻴﺎﻥ ﻭﻣﺎ ﺃﺷﺒﻪ ﺫﻟﻚ ،
ﻧﻧﻔﻲ ﻣﺎ ﻧﻔﺎﻩ اﻟﻠﻪ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ ، ﻭاﻟﻌﻮﺭﺃﻳﻀﺎ ، اﻟﻌﻮﺭﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ ﻓﻨﻨﻔﻰ ﻣﺎ ﻧﻔﺎﻩ اﻟﻠﻪ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ ،
3 - اﻟﺜﺎﻟﺚ : ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺮﺩ ﻧﻔﻴﻪ ﻭﻻ ﺇﺛﺒﺎﺗﻪ : ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺘﻮﻗﻒ ﻓﻴﻪ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﻀﻤﻦ ﻧﻘﺼﺎ ، ﻓﺈﻥ ﺗﻀﻤﻦ ﻧﻘﺼﺎ ﻣﺤﻀﺎ ﻭﺟﺐ ﺭﺩﻩ ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﺮﺩ ﻧﻔﻴﻪ انتهى، والله ولي التوفيق.
أجاب عن السؤال وراجعه الشيخ العلامة
الشيخ/ بكري بن محمد اليافعي محمد بن عبد الله الإمام
16 جماد الآخر 1438
رابط المادة الأصلية في موقع الشيخ الإمام:
http://sh-emam.com/show_fatawa.php?id=2065