رفض الوالد تزويجه فعقد له شيخ القبيلة بولاية قريب آخر
مرسل: السبت 26 جمادى الآخرة 1438هـ (25-3-2017م) 7:21 am
رفض الوالد تزويجه فعقد له شيخ القبيلة بولاية قريب آخر
سؤال: يحصل في بعض المناطق أن بعض الشباب يرغب في الزواج من بعض النساء، فيتقدم لخطبتها عند أبيها، فيرفض والدها فيكرر الخطبة مرة أخرى، وربما كرر مرة أخرى، فإذا رفض الأب رفضًا تامًا، اتفق مع المرأة على أن يتم إيصالها إلى بيت أحد مشايخ القبيلة، في نفس القبيلة أو في قبيلة أخرى، إلا أنه ليس على مسافة سفر، لا يزال في البلدة نفسها، فيقوم هذا الشيخ ويستدعي والد المرأة ويلزمه أن يزوج ابنته على الخاطب لها، فإن رفض أقام أحد أقارب المرأة للعقد بها، وهذه الحالة ربما تتكرر في السنة أكثر من مرة، في بعض المناطق، فما حكم الشرع في ذلك وجزاكم الله خيرًا؟
الجواب:
إن عقد النكاح من العقود المهمة في دين الإسلام، إذ جعل الله له شروطًا وقيودًا؛ حفاظًا على النسل وصيانة للعرض، وجعل الشرع من شروط صحة النكاح، أن يعقد عليها وليها الأقرب والأب هو أقرب الأولياء وأحقهم بالعقد لابنته فلا يتقدمه أحد.
قال الله تعالى في حق والد زوجة موسى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ}، فالمنكح هو والد المرأة، وقال الله سبحانه: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ}، وقالت عائشة رضي الله عنها: (نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ –أي في الإسلام –، يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ فَيُصْدِقُهَا، ثُمَّ يَنْكِحُهَا) أخرجه البخاري. وأخرج أبو داود وغيره، عن أبي موسى رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: »لا نكاح إلا بولي». فجعل الله سبحانه الولاية والإذن في النكاح بيد الأب أو من بعده من الأولياء الشرعيين، وما ذُكِرَ في السؤال مخالف لنصوص هذه الأدلة وغيرها في هذه المسألة ولما درج عليه أهل الإسلام من زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، فنقل العقد من ولي المرأة وهو أبوها، إلى غيره، لحصول الزواج المذكور يعتبر نقلًا غير شرعي، لأن الوالد ليس عنده ما نع شرعي من العقد، فيكون نقل العقد المذكور، بطريق التسلط والحيلة، وهذه طريقة لا وجود لها في تاريخ المسلمين، لا في محاكمهم ولا في ولاية الاحتساب، ولا عند من يستعملون نوعًا من الضغط، كالمتسلطين، فحذار حذار من سلوك هذا المسلك السيء، لما يترتب عليه من مفاسد وأضرار منها :
1- هذا التوافق مع الشابة الفلانية من قبل الخاطب لها، غزو للأسرة وفتح باب التوصل إلى الأعراض بطرق محرمة.
2- هذه دعوة للمرأة أن تتمرد على وليها، إذا لم يرضَ والدها بالعقد لها بمن تريد وكفى بهذا إفساد لها.
3- أن في هذا تطبيق لرغبات الشابات الطائشات، لأن هذا الفعل لا يقبله إلا من كان هكذا وهذا يعود على المرأة بالفساد والخراب في حياتها الزوجية والأسرية، ولضعف المرأة فإنها تغفل عن حيل بعض الرجال ومكرهم بها، فقد يقضي هذا الرجل غرضه، ثم يطلقها ويهملها، وتصير بعد ذلك غير مرغوبة لزوجها عند أهلها ولا يشتهيها الخطاب.
4- تشويه ولي المرأة وأسرته التي هو منها بين قبيلته، بل وإلحاق الفضيحة بها.
5- قد يترتب على ذلك الفتن والخلافات الشديدة بين أولياء المرأة وبين أولياء الرجل الذي يريد الزواج بالمرأة وأوليائه، وقد يؤدي هذا إلى قتال بين الأسرتين، وقد يصل إلى ما هو أبعد من ذلك.
6- قد يسبب ذلك قطع رحم المرأة من أهلها حيث أنها هي التي هربت منهم وافتأتت عليهم، وألحقت بهم الضميمة السيئة.
7- أنها تعتبر عاقة لوالديها ومسيئة إلى أقاربها بهذا الفعل.
8- تعرض نفسها وأهلها وأولادها موضع التعيير بين من يعرف فعلها ذلك علي مر الزمن، وهكذا الزوج. إلى غير ذلك من المفاسد التي يعلمها عقال الناس.
وهذه القضية فيها أربعة أطراف المرأة، ووليها، والخاطب، وشيخ القبيلة: فالمرأة: ينبغي لها أن ترفع نفسها وتحفظ سمعتها عن هذا التصرف الذي هو نتيجة أمور محرمة من عشق وغرام، وقد يؤدي بها هذا وبمن عشقها إلى المهالك، وتعمل بقول الله آمرًا نساء نبيه الطاهرات: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}، وبقول: النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ، وَأَقْرَبُ مَا تَكُونُ مِنْ وَجْهِ رَبِّهَا وَهِيَ فِي قَعْرِ بَيْتِهَا» أخرجه الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه ولتعلم أنه لا يجوز لها الخروج من البيت إلا بإذن وليها، قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}، وتحذر من عقوق والديها بهذا الفعل، وما يترتب عليها من مفاسد: وأما ولي المرأة: فليكن كيِّسًا فطنًا لحاله وحال ابنته، ولا ينتظر حتى يقع هذا المحذور، فإذا وجد من الرجل أنه كفء للمرأة وصالح لتزويجه زوَّجَه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «احرص على ما ينفعك واستعن بالله»، وإذا جاء من هو مرضي الخلق والدين فيزوج، ومنع المرأة من كفئها يعتبر عضلًا والعضل محرم.
وأما الخاطب: فينبغي له أن يربأ بنفسه عن هذا الصنيع، حيث أنه يجلب له الشبه والفتن والريب، ثم العار الذي فعله على نفسه وأهله، ومن يريدها زوجة له وأهلها، وقد تكون المرأة فيها أخلاق سيئة فيحتملها ويصبر عليها؛ فيتجرع بذلك العلقم، وليعلم الشاب أن هذا ناتج عن العشق المحرم، فيربأ بنفسه عنه؛ لحرمة العشق والغزل من جهة، ولما يترتب على فعله من المفاسد من جهة أخرى.
وأما شيخ القبيلة: فالواجب عليه الحد من هذا الصنيع السيئ الذي يترتب عليه مفاسد كثيرة في مجتمعه، وهل رضى بها لو حصل في ابنته؟! فعليه أن يجمع قبيلته ويسلك بهم المسلك الصحيح، وهو: التحذير من هذا التصرف القبيح.
والواجب على جميع الأطراف المذكورة التوبة إلى الله، والرجوع إلى شرع الله، والوقوف عند حدود الله، والبعد عما نهى الله عنه، فبذلك تصلح الشؤون وتجتمع الأسر، ويزوج الشباب، وتأتلف القلوب، وتنتفي المفاسد.
أصلح الله أحوالكم والهمكم رشدكم وبالله التوفيق
أجاب عن السؤال الشيخ/ راجعه/
أبو الحسن علي بن أحمد الرازحي فضيلة الشيخ محمد بن عبد الله الإمام
20/6/1438
رابط المادة الأصلية في موقع الشيخ الإمام:
http://sh-emam.com/show_fatawa.php?id=2061