حال نعيم بن حماد الخزاعي وكتابه (الفتن)
سؤال: ما حال نعيم بن حماد الخزاعي؟ وكيف نتعامل مع كتابه: (الفتن)؟ الجواب: النظر في حاله من جهتين: الجهة الأولى: من حيث مكانته في الدين وإمامته، فهو أحد أعلام المسلمين الذي نفع الله بهم نفعًا عظيمًا في بيان الحق للناس ودعوتهم إلى السنة والتمسك بها. فمن نفعه للناس نصيحته للإمام أحمد وانتفاع أحمد بها، قال أحمد رحمه الله ،كما في "تهذيب الكمال" (29/468-469): جاءنا نعيم ونحن على باب هشيم نتذاكر المقطعات، فقال: جمعتم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعنينا بها من يومئذ، وقال أبو الحسن الميمونيرحمه الله عن أحمد بن حنبل رحمه الله: (أول من عرفناه بكتب المسند نعيم بن حماد)، وقال الحافظ أبو بكر الخطيب رحمه الله: (يقال: إن أول من جمع المسند وصنفه نعيم بن حماد)، وقال جعفر بن محمد بن أحمد بن الحكم المؤدب: (حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، وذكر حديثًا لشعبة عن أبي عصمة، قال عبد الله: سألت أبي: من أبو عصمة هذا؟، قال: رجل روى عنه شعبة ليس هو أبو عصمة صاحب نعيم بن حماد، وكان أبو عصمة صاحب نعيم خراسانيا، وكان نعيم كاتبًا لأبي عصمة، وكان أبو عصمة شديد الرد على الجهمية وأهل الأهواء، ومنه تعلم نعيم بن حماد). قلت: تصانيفه كثيرة لا سيما على الجهمية. قال العبّاس بن مُصْعَب في "تاريخه": (نُعَيْم بن حمّاد الفارضي وضع كتبًا في الرّدّ على أبي حنيفة، وناقَضَ محمد بنَ الحَسَن، ووضع ثلاثة عشر كتابًا في الرّدّ على الْجَهْميّة، وكان من أعلم النّاس بالفرائض، ثمّ خرج إلى مصر، فأقام بها نيّفًا وأربعين سنة، وحُمل إلى العراق في امتحان القرآن مع البُوَيْطيّ مقيدين، فمات نُعَيْم بسُرّ من رأى). "تاريخ الإسلام(5/712)، و "الميزان"(8591). الجهة الثانية: من جهة ضبطه وحفظه، لأهل العلم في ذلك قولان: الأول: أنه محتج به ثقة أو صدوق وله أخطاء، وهذا مذهب أحمد وابن معين في رواية وأبي حاتم والعجلي وابن حبان وغيرهم. الثاني: أنه ضعيف، وهو قول النسائي وابن معين في رواية، وصالح بن محمد وأبي داوُد وغيرهم. ويجمع بين هذه الأقوال: أنه ثقة في دينه، أما حديثه فقد كثر غلطه وتفرده عن الثقات، فهو لين كثير الخطأ في حديثه. قال علي بن حسين بن حبان: قال أبو زكريا: نعيم بن حماد صدوق ثقة، رجل صدق أنا أعرف الناس به، كان رفيقي بالبصرة، وقد قلت له قبل خروجي من مصر: هذه الأحاديث التي أخذتها من العسقلاني، فقال: إنما كانت معي نسخ أصابها الماء فدرس بعضها، فكنت أنظر في كتابه في الكلمة تشكل علي، فأما أن أكون كتبت منه شيئا قط فلا قال ابن معين ثم قدم عليه بن أخيه بأصول كتبه. "التهذيب"(4/234). وأما هو فكان من أهل الصدق، وقال أبو علي النيسابوري كما في "تهذيب الكمال": (سمعت أبا عبد الرحمن النسائي يذكر فضل نعيم بن حماد وتقدمه في العلم والمعرفة والسنن، ثم قيل له في قبول حديثه، فقال: قد كثر تفرده عن الأئمة المعروفين بأحاديث كثيرة، فصار في حد من لا يحتج به. وقد أحسن الدارقطني حيث قال: (إمام في السنة كثير الوهم). وقال الذهبي في "الميزان": (أحد الأئمة الأعلام على لين في روايته). الخلاصة: أنه ثقة في دينه، صلب في السنة، ضعيف في حديثه، يصلح في الشواهد، وذلك في غير الأحاديث التي أنكرت عليه، أما ما أنكر عليه فالمنكر أبدًا منكر. وقد أصاب الحافظ في قوله: (صدوق يخطأ كثيرًا، وقد تتبع ابن عدي ما أخطأ فيه، وقال: باقي حديثه مستقيم). أما بالنسبة لكتبه: فقد درج أهل العلم على النقل منها، فينقل من كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وغيرهما من أهل العلم من غير ذكر لضعفه. فالذي نراه: أن كتابه الفتن، وكتبه الأخرى لا بأس بالنقل منها، والاستئناس بها ما لم يكن في السند ما لا يصلح معه. وهنا مسألة ألمح إليها، وهي: هل مصنف الكتاب يدخل ضمن السند الذي يتم الحكم عليه، أم يكتفى بشيخ المصنف ومن فوقه ويغض الطرف عن المصنف؟ الذي وقفت عليه في بعض صنيع أهل العلم، كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، أنه يقتضي التفصيل وذلك: - إذا كان المصنف منسوبًا إلى الكذب والتهمة، فهذا لا يقبل منه تصنيفه، وذلك كمحمد بن الحسن بن زبالة، ولوط أبي مخنف. - وإذا كان ضعفه محتمل كنعيم بن حماد وابن بطة والدينوري – على قول -، فأهل العلم ينقلون عنه، ويحكمون على السند بغض النظر عن ضعفه. - أما إذا كان صدوقًا كالبزار، فلا يعرجون على النظر في حاله، بل يحكمون على السند الذي يسوقونه بما يستحقه من الصحة أو الحسن أو غير ذلك. وهذا عليه صنيع أهل العلم المتأخرين، كالحافظ ابن حجر، وشيخه العراقي، ومن في طبقتهم، وهكذا في هذا العصر، كالعلامة الألباني وشيخنا الوادعي، وهذا ما ظهر لي بتتبع مواضع من كلام أهل العلم، ولم أجد أحدًا نصَّ على هذه المسألة لفظًا. والله تعالى أعلم، وبالله التوفيق أجاب عنه الشيخ/ مراجعة فضيلة الشيخ العلامة/ أبو الحسن علي بن أحمد الرازحي محمد بن عبد الله الإمام 20/4/1438هـرابط المادة الأصلية في موقع الشيخ الإمام:
http://sh-emam.com/show_fatawa.php?id=1959