جديد :(الضابط لتقديم الجرح المفسر على التعديل) - نور الدين السدعي

أضف رد جديد

كاتب الموضوع
عبدالملك الإبي
مشاركات: 274
اشترك في: شوال 1436

جديد :(الضابط لتقديم الجرح المفسر على التعديل) - نور الدين السدعي

مشاركة بواسطة عبدالملك الإبي »

بسم الله الرحمن الرحيم

(الضابط لتقديم الجرح المفسر على التعديل)

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-
أما بعد: فقد سألني أكثر من أخ من طلبة العلم عن مسألة تقديم الجرح المفسر على التعديل، هل هي على إطلاقها أم لا؟ وقد استحسن بعضهم نشر الجواب، وبما أني قد كتبت بحثا حول هذه المسألة في رسالتي (وقفات مع الطاعنين في علماء أهل السنة في اليمن) فقد رأيت أن أقتصه من هناك مع تصرف وزيادة.

قلت هناك مع زيادة هنا: بعض إخواننا طلبة العلم –وفقهم الله- يفهم أن كل جرح مفسر يكون مقدما على التعديل! وربما فهم البعض أن الجرح مقدم على التعديل مطلقا! وهذا فهم خاطئ جدا يترتب عليه من المفاسد الكبيرة والأضرار الوخيمة ما لا يعلمه إلا الله.
قال الإمام الصنعاني –رحمه الله-: «وأما الجامد في ذهنه الأبله في نظره، فإنه يقول: قد تعارض هنا الجرح والتعديل فيقدم الجرح؛ لأن الجارح أولى وإن كثر المعدل، وهذه القاعدة لو أخذت كلية على عمومها وإطلاقها لم يبق لنا عدل إلا الرسل! فإنه ما سلم فاضل من طاعن، لا من الخلفاء الراشدين، ولا من أحد من أئمة الدين»
وقال الإمام الألباني –رحمه الله-: «والهدام -يعني حسين بن عبد المنان- على منهجه المنحرف عن الجماعة يأخذ أسوأ ما قيل في الراوي مقدماً الجرح على التعديل مطلقاً! وهذا مذهب باطل لا يقول به إلا جاهل أو مغرض» ”النصيحة“ (ص193) بواسطة ”مصطلح الحديث للألباني“ (ص295).

قلت: والصحيح في هذه المسألة المهمة أنه ليس كل جرح سواء كان مفسرا أو غير مفسر يكون مقدما على التعديل، بل الأخذ بقاعدة (الجرح المفسر مقدم على التعديل) مقيد بقيد عظيم جدا وهو: (أن يكون الجرح مفسرا بشيء قادح) وإلا فمتى لم يكن مفسرا بشيء قادح، كأن يكون الجرح في حد ذاته ليس قادحا وإن كان مفسرا، أو يكون المجروح معذورا بشيء يمنع من قبول الجرح فيه وما شابه ذلك، فهنا لا يؤخذ بالجرح وإن كان مفسرا.
نبه على هذين الأمرين شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- حيث قال: «قد يعتقد أحد المجتهدين ضعف رجل ويعتقد الآخر ثقته أو قوته، وقد يكون الصواب مع المضعف لاطلاعه على سبب خفي على الموثق، وقد يكون الصواب مع الآخر لعلمه بأن ذلك السبب غير قادح في روايته وعدالته، إما لأن جنسه غير قادح، وإما لأن له عذراً أو تأويلاً يمنع الجرح» ”الصواعق المرسلة“ (2/556).
وقال الحافظ ابن حجر –رحمه الله- في شأن الطعن في من أخرج له الشيخان أو أحدهما: «لا يقبل –أي الطعن- إلا مبين السبب مفسرا بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي وفي ضبطه مطلقا أو في ضبطه لخبر بعينه؛ لأن الأسباب الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة، منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح» ”هدي الساري“ (ص: 381)
والشاهد من كلام الحافظ ابن حجر قوله: «فلا يقبل إلا مبين السبب مفسرا بقادح» فلم يكتف بكونه مفسرا، بل قال: «مفسرا بقادح»
وقال الإمام الألباني –رحمه الله-: «الجرح مقدم على التعديل وليس هذا على إطلاقه أيضاً، وإنما مع بيان العلة، وليس هذا أيضاً على إطلاقه لأنه قد يبين العلة ولا تكون علة قادحة، فنقول: مع بيان العلة القادحة» ”فتاوى الألباني في المدينة والإمارات“ (ص205-206). والشاهد من كلام الألباني قوله: «مع بيان العلة القادحة»

والخلاصة: أن الأسباب المانعة من قبو الجرح المفسر ثلاثة أشياء:

الأول: ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- أن يكون المجروح معذورا بشيء يمنع قبول الجرح فيه.

وبناء على ذلك لم يقبل العلماء جرح الإمام أحمد لمن أجاب في المحنة ونهيه عن الكتابة عنهم، مع كون جرحه مفسرا بأنهم أجابوا في المحنة، وذلك لكونهم معذورين بعذر الإكراه الذي يمنع من قبول الجرح، قال الإمام الذهبي –رحمه الله- بعد أن ذكر نهي الإمام أحمد عن الكتابة عن ابن معين وغيره ممن أجاب في المحنة: «هذا أمر ضيق، ولا حرج على من أجاب في المحنة، بل ولا على من أكره على صريح الكفر عملا بالآية، وهذا هو الحق» ”سير النبلاء“ (9/133)
ولم يقبل العلماء جرح الإمام أحمد للإمام ابن المديني بسبب المحنة وإدخال العقيلي له بسبب ذلك في كتاب (الضعفاء)، بل رد ذلك الإمام ابن معين بقوله عن ابن المديني: رجل خاف فقال ما عليه! يعني فلماذا التشنيع عليه!
ورد جرح العقيلي لابن المديني الإمام الذهبي في (ميزان الاعتدال 3/140) بكلام نفيس يطول نقله هنا.

الثاني: أن يكون الجرح من كلام الأقران، فهنا لا يلتفت إليه ولو كان مفسرا.
قال الإمام الصنعاني رحمه الله: «لا يقبل الجرح من المتعادين مجملاً ولا مفسراً لمانع العداوة» ”توضيح الأفكار“ (2/146).

وبناء على ذلك لم يلتفت العلماء إلى جرح النسائي لأحمد بن صالح المصري، ولا لجرح الإمام مالك المفسر لابن إسحاق بأنه دجال من الدجاجلة.
ولا لتكذيب الإمام الفلاس للإمام محمد بن بشار بندار، مع أن التكذيب جرح مفسر، بل قال الإمام الذهبي في ترجمة بندار من ”الميزان“ (3/490): «ثقة صدوق كذبه الفلاس فما أصغى أحد إلى تكذيبه لتيقنهم أن بندارا صادق أمين»
ولم يلتفت العلماء لجرح الذهلي المفسر للإمام البخاري، وترك أبي حاتم وأبي زرعة للإمام البخاري بسبب ذلك، بل قال الإمام الذهبي في البخاري «حجة إمام ولا عبرة بترك أبي زرعة وأبي حاتم له من أجل اللفظ؛ لأنه مجتهد في المسألة بل ومصيب» ”المغني في الضعفاء“ (2/165)

الثالث: ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- أن يكون الجرح وإن كان مفسرا غير كاف في القدح.

وبناء على ذلك لم يقبل العلماء جرح الإمام شعبة بن الحجاج –رحمه الله- المفسر للمنهال بن عمرو بقوله: «أتيت منزل المنهال بن عمرو فسمعت منه صوت الطنبور فرجعت» أخرجه الفسوي في ”المعرفة والتاريخ“ (2/779)
بل قال الإمام ابن القيم –رحمه الله- بعد أن حكى هذه القصة: «فهذا سبب جرحه، ومعلوم أن شيئاً من هذا لا يقدح في روايته؛ لأن غايته أن يكون عالماً به مختاراً له ولعله متأول فيه فكيف؟ وقد يمكن أن لا يكون ذلك بحضوره ولا إذنه ولا علمه؟! وبالجملة فلا يرد حديث الثقات بهذا وأمثاله» ”تهذيب السنن“ (13/91)
ولم يقبل العلماء جرج ابن القطان المفسر لهشام ابن عروة بالاختلاط، بل قال الإمام الذهبي أيضاً في هشام بن عروة: «أحد الأعلام حجة إمام لكنه في الكبر تناقص حفظه ولم يختلط أبداً، ولا عبرة بما قاله أبو الحسن ابن القطان من أنه وسهيل ابن أبي صالح اختلطا وتغيرا، نعم الرجل تغير قليلاً ولم يبق حفظه كهو في حال الشبيبة فنسي بعض محفوظه أو وهم فكان ماذا؟! أهو معصوم من النسيان» (ميزان الاعتدال 4/410).

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه/ نور الدين السدعي (19/11/1436هـ)

أضف رد جديد