مقارنة بين موقف الإمام الشنقيطي وأهل السنة في المدينة وبين موقف الشيخ الإمام في اليمن - نور الدين السدعي

أضف رد جديد

كاتب الموضوع
عبدالملك الإبي
مشاركات: 274
اشترك في: شوال 1436

مقارنة بين موقف الإمام الشنقيطي وأهل السنة في المدينة وبين موقف الشيخ الإمام في اليمن - نور الدين السدعي

مشاركة بواسطة عبدالملك الإبي »

(مقارنة بين موقف الإمام الشنقيطي وأهل السنة في المدينة
وبين موقف الشيخ الإمام في اليمن)
للشيخ نور الدين السدعي

بسم الله الرحمن الرحيم
(مقارنة بين
موقف الإمام الشنقيطي وأهل السنة في المدينة
وبين موقف الشيخ الإمام في اليمن)

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-
أما بعد:

فدأب العقلاء عند حلول المضايق هو النظر إلى المصالح والمفاسد والترجيح بينها، قال الإمام الشاطبي –رحمه الله-: «إذا تقابلت المصلحة والمضرة فشأن العقلاء النظر إلى التفاوت». ”الاعتصام“ (2/119).
وقال الإمام الشنقيطي –رحمه الله-: «ولأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وإن كان النفع أرجح، فالأظهر الجواز؛ لأن المقرر في الأصول أن المصلحة الراجحة تقدم على المفسدة المرجوحة». ” أضواء البيان“ (7/ 497).
ومن ذلك تَركُ سيد الخلق –عليه الصلاة والسلام- هدم بناء الكعبة وإعادتها على قواعد إبراهيم، لأن قومه حديثوا عهد بالإسلام، وتركه قتل المنافقين، حتى لا يقال إن محمدا يقتل أصحابه.
ولا زال علماء الإسلام على هذا المنوال حتى الساعة بفضل الله.

وقد أحببت أن أكتب هنا –بإذن الله- مقارنة يسيرة بين ما حصل من الإمام الشنقيطي لإخراج (رابطة العالم الإسلامي) من مأزق من المآزق، وما حصل من بعض أهل السنة في (المدينة النبوية) لأجل هذا الغرض أيضا، وبين ما حصل من الشيخ الجليل محمد الإمام لإخراج الدعوة السلفية في اليمن من مأزق أعظم من المأزقين السابقين بكثير جدا، حيث إن الثلاث القضايا لأهل السنة مع الرافضة، وبنود التشابه بينها كثيرة.

أما ما حصل من الإمام المفسر الكبير محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله- لـ(رابطة العالم الإسلامي) فقد بينه الشيخ عطية محمد سالم –رحمه الله- في صدد ترجمته لشيخه الإمام الشنقيطي –رحمه الله- قائلا: «أذكر له –يعني الإمام الشنقيطي- موقفا حدثني به، جَنَّب الرابطة مأزقا كاد أن يدخل عليها شقاقا أو انثلاما.
حينما قدم مندوب (إيران) وقدَّم طلبا باعتراف الرابطة بالمذهب الجعفري، ومعه وثيقة من بعض الجهات العلمية الإسلامية ذات الوزن الكبير تؤيده على دعواه وتجيبه إلى طلبه.
فإن قبلوا طلبه دخلوا مأزقا، وإن رفضوه واجهوا حرجا، فاقترحوا أن يتولى الأمر فضيلته رحمه الله في جلسة خاصة.
فأجاب في المجلس قائلا: لقد اجتمعنا للعمل على جمع شمل المسلمين والتأليف بينهم وترابطهم أمام خطر عدوهم، ونحن الآن مجتمعون مع الشيعة في أصول هي:

الإسلام دين الجميع.
والرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- رسول الجميع.
والقرآن كتاب الله،
والكعبة قبلة الجميع.
والصلوات الخمس،
وصوم رمضان،
وحج بيت الله الحرام.
ومجتمعون على تحريم المحرمات من قتل وشرب وزنا وسرقة ونحو ذلك.
وهذا القدر كاف للاجتماع والترابط.
وهناك أمور نعلم جميعا أننا نختلف فيها وليس هذا مثار بحثها، فإن رغب العضو الإيراني بحثها واتباع الحق فيها فليختر من علمائهم جماعة، ونختار لهم جماعة، ويبحثون ما اختلفنا فيه ويعلن الحق ويلتزم به، أو يسحب طلبه الآن.
فأقر الجميع قوله وسحب العضو طلبه.
وهكذا كان -رحمه الله- حكيما في تعليمه، حكيما في دعوته، حكيما في بحثه وإقناعه، وقد ظهر ذلك كل الوضوح في مؤلفاته» (أضواء البيان) (9/ 497)

هكذا صنع الإمام الشنقيطي –رحمه الله- لإخراج (الرابطة) من هذا المأزق، مع كونه لو صرح برد الرافضة الجعفرية بغير هذه الطريقة لما حصل من وراء ذلك من المفاسد سوى الوقوع في شيء من الحرج.
ومع هذا لا نعلم أن أحدا من علماء (رابطة العالم الإسلامي) ولا غيرهم ممن اطلع على هذه الفقرة في آخر (أضواء البيان) أنكر هذا الفعل على الإمام الشنقيطي –رحمه الله- فضلا عن تبديعه أو التعريض بتكفيره وإخراجه من دائرة الإسلام.

فرحم الله علماء أهل السنة وحفظ أحياءهم، ما أعظم تراحمهم فيما بينهم! وما أعظم التماس العذر لبعضهم بعضا! وإحسانهم الظن ببعضهم!
وهذا بخلاف الحدادية ومن تشبه بهم من الحجاورة والبريكيين أصحاب الغلظة والعنف على علماء أهل السنة والحَمْل لكلامهم على أسوأ محامله، بل والتعيير والتبديع بالزلة التي قد تراجع عنها العالم السني أو بان عذره فيها!
قال الوالد العلامة ربيع المدخلي -حفظه الله-: «الحدادية لهم أصل خبيث، وهو أنهم إذا ألصقوا بإنسان قولاً هو بريء منه ويعلن براءته منه، فإنهم يصرون على الاستمرار على رمي ذلك المظلوم بما ألصقوه به، فهم بهذا الأصل الخبيث يفوقون الخوارج»
http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=143655 (64)./143


وأما ما يتعلق بأهل السنة والرافضة في (المدينة النبوية) فقد حصل في (المدينة النبوية) شيء من النزاع بين بعض أهل السنة والرافضة أدى ذلك إلى الاشتباك بالعصي وما شابه ذلك، فقام أمير (المدينة النبوية) آنذاك –وفقه الله- بجمع جماعة من الطرفين لإنهاء هذه الفتنة التي لا تساوي شيئا بالنسبة للفتن الحاصلة في اليمن، وقام السنة والشيعة في المدينة بكتابة وثيقة فيما بينهم هذا نصها:

(وثيقة مصالحة تعايش وإيخاء بين السنة والشيعة في المدينة المنورة) ثم ذكروا كلاما أن السنة والشيعة في المدينة النبوية اتفقوا برعاية أمير المدينة على ما يلي:
1- على الوجهاء والأعيان والعقلاء عموما من الفريقين توجيه شبابهم إلى الخير وحسن الجوار والمعاشرة الطيبة وخدمة الوطن.
2- التأكيد على أن الوطن للجميع، وأن المواطنين سواء في نظر حكومتنا الرشيدة.
3- التعاون على البر والتقوى والسعي لخير الوطن والمواطنين بصفة عامة، وخدمة (المدينة النبويةالشريفة) بصفة خاصة، والعمل على إعلاء سمعتها ومكانتها والحفاظ على قدسيتها.
4- الرفض التام للتعدي على الآخرين والتحريض على كراهيتهم، وذلك من أي مصدر كان، وصاحبه عرضة للعقاب الرادع من قبل الدولة.
5- تشجيع الحوارات التي تؤدي إلى السلم والأمن الاجتماعي.
وقد التزم جميع من حضر من الوجهاء والأعيان بما ورد من بنود أعلاه، مما يؤدي إلى الوئام والتعايش كأسرة واحدة، وأن يضمن كلا منهم مَن بطرفه عن التعدي مستقبلا، وعلى هذا جرى التوقيع (يوم الجمعة، 18 محرم 1432هـ الموافق 24 ديسمبر 2010م)».
وقد علق أمير (المدينة النبوية) –وفقه الله- على هذا الحوار في حوار مع ”جريدة عكاظ“ بقوله: «المطلوب الآن هو التركيز على العوامل المشتركة بين المذاهب، وأعتقد أنه لا يوجد عامل مشترك بين المذاهب في (المدينة) أسمى من (لا إله إلا الله) وما من شيء أكفأ من الرجوع إليه عند الاتفاق مثل الكتاب والسنة، وأما البحث في مواطن الخلاف فهو عامل تعميق التفرقة.
إلى أن قال: وقد اجتمعت بمشايخ القبائل والدين المعنيين بالحادثة وقلت لهم: جميعكم مسلمون وجميعكم سعوديون ومتساوون في الحقوق والواجبات، وليس هناك أية ميزة أو تفرقة بين مذهب وآخر، ... وطلبت منهم أن كل شيخ قبيلة يجتمع بشبابها اليوم ويحثهم على الهدوء والتواؤم، وقد أنذرتهم في حالة تكرر الحادثة ثانية ستتم محاسبتهم جميعا، والزج بالمتسببين في السجن، وحقيقةً: الإخوان السنة والشيعة كان لهم موقف مشرف، فعقدوا مجلس صلح واتفقوا على بنود تحمل كل سمات الخير» http://hajrnet.net/hajrvb/showthread.php?t=403005478


حصل هذا الاتفاق بين الرافضة وأهل السنة في (المدينة النبوية) -والدولة لها نفوذها وسلطتها وهيبتها- وليس هناك ضرورة تحوجهم إلى ذلك سوى مراعاة المصلحة والمفسدة، من غير إنكار نعلمه من العلماء على هذا الأمر.
وأما ما حصل في اليمن من الشيخ الحكيم محمد الإمام -حفظه الله- فهو التوقيع على تلك الوثيقة المشهورة دفعا لمفاسد كبيرة متحققة وتحقيقا لاستمرار مصالح عظيمة للدعوة السلفية في اليمن، مما صار حاليا أوضح من الشمس في رابعة النهار.
يوضح ذلك الشيخ الإمام الذي هو أعلم بحاله من غيره بقوله: (بالنسبة للرافضة بعد سقوط دماج كنا نعلم أن المرحلة الثانية معبر، وبالفعل فقد أصبح بيننا وبينهم جبل فقط، فجَرت وساطة بيننا، ثم جاءت الوساطة بهذه الوثيقة جاهزة للتوقيع، وكان أمامنا خيارين إما الحرب أو عقد هذا الصلح، فبت تلك الليلة أستخير الله عز وجل فاخترت الصلح)
ثم قال الشيخ الإمام: (ونحن نعلم أن في الوثيقة شر ولكن دفعنا بها شرا أعظم).
وقول الشيخ الإمام: (فقد أصبح بيننا وبينهم جبل فقط) إشارة إلى الهجوم الذي حصل قبل الوثيقة بأيام على قرية (سمح) المجاورة لمعبر، وتشريد أهلها وتفجير مرافق المسجد التابع للشيخ الإمام هناك، وطرد القائم عليه الذي هو من طلاب الشيخ الإمام، ثم القيام بعد ذلك بالتهديد باقتحام الدار، ونصب الأسلحة على جبل مطل على (معبر) بطريقة استفزازية للدخول في الفتنة.

وقول الشيخ الإمام: (ونحن نعلم أن في الوثيقة شر ولكن دفعنا بها شر أعظم) رد صريح على من يزعم أن الشيخ محمد الإمام مقر لما في الوثيقة من الأخطاء، وأن الشيخ وقعها مختارا لا مكرها على ذلك.

والخلاصة: أنه قد حصل الاشتراك بين ما صنعه الإمام الشنقيطي وأهل السنة في (المدينة النبوية) مع ما صنعه الشيخ الإمام في عدة أمور:
الأول: عدم التكفير للرافضة.
الثاني: أن رب الجميع واحد.
الثالث: أن رسول الجميع واحد.
الرابع: أن كتاب الجميع واحد.
الخامس: التعاون على البر والتقوى.
السادس: الاتفاق على عدم التحريض على الكراهية.
السابع: عدم البحث في مواطن الخلاف.
الثامن: أن الكل إخوان.
التاسع: أن هذا كاف للاجتماع والترابط.

وخطابي هنا للمنصفين ممن اطلع على هذه الثلاثة المواقف: أيهما أولى بالعذر الإمام الشنقيطي وعلماء (رابطة العالم الإسلامي) وأهل السنة في (المدينة النبوية) أم أهل السنة في (دار الحديث بمعبر) ودور الحديث التابعة لها ممثلة بالشيخ الجليل محمد الإمام؟!

والجواب: لا مقارنة بين الحالين، فالفرق بين حال أهل السنة في اليمن حاليا وبين ما حصل للرابطة وبين حال أهل السنة في (المدينة النبوية) كما بين السماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع، بل لا مقارنة البتة لا من قريب ولا من بعيد.
وهذه بعض الأسئلة والإلزامات تطرح نفسها لمن أبى إلا المخاصمة في الباطل والاصطياد في الماء العكر ممن يبتغون للبراء العنت، ولو ظهر عذره كالشمس في رابعة النهار.

الأول: أيهما أشد وقوعا في الحرج الشيخ الإمام أم الإمام الشنقيطي وأهل السنة في المدينة؟

الثاني: أيهما أولى بإخراج الدعوة من الحرج الشيخ الإمام أم الإمام الشنقيطي وأهل السنة في المدينة؟
فإن قلتم الشيخ الإمام أولى من الإمام الشنقيطي ومن أهل السنة في المدينة بدون شك، فلماذا الإنكار على الشيخ الإمام دون الإمام الشنقيطي وأهل السنة في المدينة؟

الثالث: إن كنتم تبدعون الشيخ الإمام بسبب التوقيع على هذه الأخطاء فيلزمكم تبديع الإمام الشنقيطي وأهل السنة في المدينة من باب أولى.

الرابع: إن كنتم تلمحون بتكفير الشيخ الإمام بسبب هذه الأخطاء فيلزمكم التعريض بتكفير الإمام الشنقيطي وأهل السنة في المدينة من باب أولى.

أطلب من الحدادية ومن سار على دربهم من الحجاورة والبريكيين أن لا يكيلوا بمكيالين بل يجيبون عن هذه الأسئلة والإلزامات بعدل وإنصاف حتى نعلم عدلهم وإنصافهم، وأن الحامل لهم على الإنكار على الشيخ الإمام هو الغيرة على السنة ليس شيء آخر (نبئوني بعلم إن كنتم صادقين)
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كتبه أبو عمرو/ نور الدين بن علي السدعي (14/11/1436هـ)

أضف رد جديد