(118) نصائح وفوائد
فضل الأخوة
الإيمانية
قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ
الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقالُوا هذا إِفْكٌ
مُبِينٌ (12)﴾[النور].
أي: بإخوانهم، كما
قال تَعَالَى:
﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾، وقال سُبحَانَهُ: ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾[النور] أي:
إخوانكم، وقال:
﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ
تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾[البقرة:85]، وقال تَعَالَى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ
بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾[ البقرة:188]، أي: أموال إخوانكم، وهذا من رابطة الإسلام
والاخوة الإيمانية، فالمؤمنون كالجسد الواحد وكالبنيان المرصوص، وكما في الحديث
الذي رواه البخاري (481)، ومسلم (2585) عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ
يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ».
فكيف يهتك عرضه، ويطعن فيه وينقل الإشاعات من غير علم ولا براهين؟!
أما
الرابطة النسبية فإنها تتلاشى إذا فَقد الدين، ولو كان أخًا أو أبًا وأمًّا، قال
الله سبحانه
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ
وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ
وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23)
﴾[التوبة: 23] وقال سبحانه:
﴿
لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ
حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ
إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ
وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ
أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
﴾[المجادلة:22]، وهذا من فضائل الإسلام وهداية القرآن.
قال الشنقيطي
في «أضواء البيان» ( ٤١ / ٣ ): وَمِنْ هَدْيِ الْقُرْآنِ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ
هَدْيُهُ إِلَى أَنَّ
الرَّابِطَةَ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَرْبِطُ
بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ، وَأَنْ يُنَادَى بِالِارْتِبَاطِ بِهَا دُونَ
غَيْرِهَا إِنَّمَا هِيَ دِينُ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَرْبِطُ
بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ، حَتَّى يَصِيرَ بِقُوَّةِ تِلْكَ الرَّابِطَةِ
جَمِيعُ الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ كَأَنَّهُ جَسَدٌ وَاحِدٌ «إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ
بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».
فَرَبْطُ الْإِسْلَامِ لَكَ بِأَخِيكِ كَرَبْطِ
يَدِكَ بِمِعْصَمِكَ، وَرِجْلِكَ بِسَاقِكَ، كَمَا
جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ
مَثَلَ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ كَمَثَلِ
الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ
الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».
وَلِذَلِكَ يَكْثُرُ فِي
الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ إِطْلَاقُ النَّفْسِ وَإِرَادَةُ الْأَخِ؛ تَنْبِيهًا عَلَى
أَنَّ رَابِطَةَ الْإِسْلَامِ تَجْعَلُ أَخَا الْمُسْلِمِ كَنَفْسِهِ، ثم ذكر
أدلةً في ذلك سبق ذِكْرُهَا.
قال: وَلِذَلِكَ ثَبَتَ فِي
الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا
يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» .
وَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ -عَلَى
أَنَّ الرَّابِطَةَ الْحَقِيقِيَّةَ هِيَ الدِّينُ، وَأَنَّ تِلْكَ الرَّابِطَةَ
تَتَلَاشَى مَعَهَا جَمِيعُ الرَّوَابِطِ النِّسْبِيَّةِ وَالْعَصَبِيَّةِ-
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَا
تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ
حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ
إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ [المجادلة - 22]، إِذْ لَا رَابِطَةَ نِسْبِيَّةً
أَقْرَبُ مِنْ رَابِطَةِ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْإِخْوَانِ وَالْعَشَائِرِ،
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ
وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ الْآيَةَ [التوبة - 71]، وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ
فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ [الحجرات - 10] ، وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَصْبَحْتُمْ
بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ الْآيَةَ [آل عمران - 103]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ
الْآيَاتِ.
فَهَذِهِ الْآيَاتُ وَأَمْثَالُهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النِّدَاءَ
بِرَابِطَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَالْعَصَبِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ
بِالْقَوْمِيَّةِ لَا يَجُوزُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ بِإِجْمَاعِ
الْمُسْلِمِينَ.
وقوله
رَحِمَهُ الله: (
كَرَبْطِ يَدِكَ بِمِعْصَمِكَ،
وَرِجْلِكَ بِسَاقِكَ)، هذان مثلان بليغان في قوة الأُخوة الإيمانية؛ فإن
المعصم لا ينفك عن اليد، والرِّجل لا تنفك من الساق، والمعصم موضع السوار.
[مقتطف
من الدرس السادس من سورة النور لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]
المصدر
https://alwadei967.blogspot.com/2023/12/118.html