الإنصاف الإنصاف أيها السلفيون
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد:
فقد أمر الله تعالى بالانصاف والعدل في القول والحكم فقال سبحانه وتعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كونوا قَوّامينَ بِالقِسطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَو عَلى أَنفُسِكُم أَوِ الوالِدَينِ وَالأَقرَبينَ إِن يَكُن غَنِيًّا أَو فَقيرًا فَاللَّهُ أَولى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الهَوى أَن تَعدِلوا وَإِن تَلووا أَو تُعرِضوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعمَلونَ خَبيرًا﴾ [النساء: ١٣٥]
وقال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كونوا قَوّامينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالقِسطِ وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ عَلى أَلّا تَعدِلُوا اعدِلوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبيرٌ بِما تَعمَلونَ﴾ [المائدة: ٨]
وإن من المؤسف أن نرى الصف السلفي يخترقه أعداؤه فيسعون في تشتيت شمله وتفريق صفه ويستخدمون بعض أبناء هذا الصف السلفي المتين لهذا الغرض المهين فيقتحمونه في عروة من أوثق عراه ألا وهي عروة الولاء والبراء والحب والبغض والمودة والكراهية حتى آل الحال بكثير من هذا الصف المتين ان يكون معيار هذه العروة عنده هو الموافقة له أو لشيخه، فإن خالفهما مخالف استحق عنده أقبح الصفات وأوسع الذم
بل وصل الحال ببعضهم إلى أن جعل الحزبية والبدعة شعارًا على كل من خالف شيخه او انتقده، فيزعم بدعية فلان الفلاني وحزبيته، لا لمخالفته أصلًا من أصول أهل السنة ولكن لأنه يتكلم في الشيخ الفلاني وينتقد العالم العلاني، ولعمر الله إن هذا لمن الإجحاف واتباع خطوات الشيطان وقد يصل إذا ضاق العطن كثيرا بصاحبه إلى درجة الحزبية البغيضة التي يرمي بها مخالفيه، وهل الحزبية إلا اتباع للمتبوع من غير دليل، وتعصب له من غير حجة، وموالاة بغير برهان إلا لأنه فلان؟!
وإلا فقل لي بربك ما معنى كون الشخص الفلاني في هذا اليوم إمام من الأئمة وعالم من علماء الأمة ثم في الغد القريب يكون عند هذا الشخص نفسه ليس بشيء ولا يساوي بصلة ولا يحفظ الأربعين النووية، ويصنفه حزبيًا بغيضًا وعدوًا لدودًا،
لا لشيئ إلا لاختلاف حاصل وسوء تفاهم واقع وخلاف شخصي نازل، كان هذا سببًا لحط طبقة هذا العالم الإمام عند هؤلاء الفئام إلى درجة الأسافل الطغام الذين يرونه لما خالفهم لا يستحق قدرا ولا وزنا.
وقل لي بريك كيف يكون الشخص الفلاني في هذا اليوم ناصح أمين وباحث نحرير وعالم عظيم وخليفة لإمام المسلمين ثم في الغد القريب يكون حزبيًا بغيضًا وجاهلًا عنيدًا وبدعيًا مريدًا
وقل لي بربك كيف يكون الشخص الفلاني هذا اليوم هو العالم الذي لا يشق له غبار، والباحث الذي ليس مثله أحد في الاقطار، وصاحب التآليف التي لم يسبقه لمثلها علماء الامصار
ثم في الغد القريب ولمجرد الخلاف شخصي أو اختلاف في وجهات النظر يصبح هذا الشخص عينُه ضائعًا مميعًا ومفتونًا مضيعًا لا يستحق أن يكون من أهل العلم ولا من طلابه، وليس أهلًا لأن يطلب عنده العلم أو يذكر في أربابه.
ثم هو نفسه في الجانب الآخر كان قديمًا لا يساوي شيئًا ولا يُذكر، بل عند بعضهم ليس من أهل العلم ولا على طريق السلف، ثم في عشية وضحاها ولمجرد موافقته لوجهات نظر محددة أصبح عالم الأمة بحق وزينة فقهاء الخلف.
بل من المصائب الجسام أن تسمع من يناقش في العالم الفلاني الذي مات على السنة والسلفية ولا يُعلم أنه خالف أصلًا من أصولهما، ثم تسمع طالبا صغيرا عند موت هذا العالم الكبير يناقش: هل يجوز الترحم عليه أم لا يجوز، لا لشيء إلا لخلاف بين هذا العالم وشيخ هذا الطالب.
وفي المقابل تسمع من الفرح الشديد إذا مست لأواء أو ضراء الطرف الآخر، وترى من يصنف تلك المصائب والابتلاءات بأنها عقوبات نازلة من رب الأرض والسموات وترى بعضهم يجزم بذلك وكأنه نزل معها أو أتاه بقوله هذا من الله برهان!!
وأيم الله إنها هذه التخرصات كلها لمن أكابر الكبر، دعا إليها التعصب المقيت الذي يعمي ويصم فلم يُلقُوا إلى (رحماء بينهم) بالًا، ولا تذكروا (إنما المؤمنون إخوة).
فهضم بعضهم حق بعض، وأجحف كل منهم في حق أخيه حتى وصل الحال بكثير منهم إلى عدم إلقاء السلام على المخالف، وإلى عدم رده عليه إن ألقاه، وأما مصافحته أو محادثته - بغير الردود الفظة القاسية - فليس إليها من سبيل.
فبالله عليكم أين الإنصاف في مسائل الخلاف والاختلاف؟!
وأين كلمة الحق في الغضب والرضا؟!
وأين أخلاق السلف في هذا الباب؟!
هل ضاعت واضمحلت حتى لم نعد نجدها الا في كتاب، أو نسمع بها في صفات شخص تحت تراب؟!.
أين نحن من الإمام أحمد رحمه الله وقد سَأل بعض تلاميذه : من أين أقبلتم؟
قالوا: من مجلس أبي كريب. فقال: اكتبوا عنه؛ فإنه شيخ صالح.
فقالوا: إنه يطعن عليك!!
قال: فأي شيء حيلتي؟! شيخ صالح قد بلي بي!!
«السير» (11/317)
وأين مثل أبي نعيم الحافظ رحمه الله وقد ذكر له ابن منده فقال:
كان جبلًا من الجبال!
فعلق الإمام الذهبي رحمه الله قائلًا: فهذا يقوله أبو نعيم مع الوحشة الشديدة التي بينه وبينه".
السير (17/32)
وأين نحن من عبد الله بن وهب تلميذ الإمام مالك إذ قال عن عبد الله بن زياد بن سمعان: ثقة.
فقيل له: إن مالكًا يقول فيه: كذاب.
فقال: لا يقبل قول بعضهم في بعض".
جامع بيان العلم وفضله 2/305
فالله الله في التأسي بهؤلاء القوم فهم أئمتنا وبهم نقتدي، وهم سلفنا وبهم نأتسي، ولن يضل من اتبع طريقهم، ولن يفلح من خالف سبيلهم، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل.
كتبه:
أبو أيوب عمر بن سعيد بن عمر الحسني
غفر الله له ولوالديه وأحبابه وللمسلمين.
يوم الأحد 22 من شهر جمادى الأولى 1443هـ.
الإنصافَ الإنصافَ أيها السلفيون
-
كاتب الموضوع - مشاركات: 42
- اشترك في: ذو القعدة 1437