تنبيهات على حديث صحفي للكاتب عيسى الغيث
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد، فقد اطلعت على حديث صحفي من شبكة المعلومات للكاتب عيسى الغيث أجرته معه صحيفة إيلاف الإلكترونية الصادرة في 26/2/2016م، وقد رأيت كتابة هذه الكلمة لأنبه على بعض ما جاء فيه من انحراف وضلال.
1- قال الكاتب في أول حديثه: «بداية أشكر "إيلاف" وجميع العاملين فيها، على رأسهم الصديق عثمان العمير، على هذه الاستضافة، وأتشرف أن أكون الضيف الثاني في سلسلة اللقاءات التي بدأتم بها في هذا العام، ولا سيما أن اللقاء الأول كان مع المفكر السعودي الدكتور تركي الحمد، ويسعد الإنسان أن يكون بجانب هؤلاء الرموز الكبيرة الفكرية».
أقول: في كلامه هذا تصريحه بصداقته للصحفيين ومع أنه محسوب على المشايخ فلم يظفروا بصداقته، بل ظفر بها غيرهم، وأما احتفاؤه بالزنديق تركي الحمد ووصفه إياه بأنه من الرموز وأنه يسعد أن يكون بجانب هؤلاء الرموز الكبيرة الفكرية فهو دليل واضح على انحرافه وسوء حاله، وكيف يرضى من كان من المشايخ أن يحتفي بهذا الزنديق الذي اشتمل كتابه «الكراديب» على كلمات تدل على منتهى سوء انحرافه وردته عن الإسلام؟! وقد ذكرت جملة منها في كلمات عديدة سبق نشرها، آخرها بعنوان: «الزنديق المنافق تركي الحمد يستهزئ بالله ويحقد على الدولة السعودية وعلمائها»، نشرت في 9/11/1435هـ، والاحتفاء بمثله داخل تحت قول الله عز وجل: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}، وقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، وقد أحسن الشيخ الأديب أبو عبدالرحمن بن عقيل في قوله: «أما تركي الحمد منذ أن قرأت كتابه (الكراديب) فأشهد الله على بغضه وبغض من شايعه، فوالله إن بطن الأرض خير لنا من ظاهرها إن عجزت الأمة عن صد من يسومها في عقيدتها ودينها»، جاء ذلك في مقال نشر في ملحق صحيفة المدينة في 22/1/1431هـ، وفيه أيضا بغضه للكاتب المحتفي لأنه مشايع للزنديق المحتفى به.
2- قال الكاتب: «للأسف من يقود المعركة ضد التجديد وضد الاستقلال وضد الحرية هم أناس متعلمون، هناك حديث ورد عن الرسول عليه السلام يقول "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"، وللأسف كلما أتينا بتجديد للطرح وتبين أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان ترى الهجوم تجاه كل مجدد في الفكر، وإذا أردت معرفة توجه المجتمع هل هو ايجابي أو سلبي، هل هو مجتمع مريض أو صحيح فشاهد موقفه من الواعين والمفكرين والمجددين في المجتمع».
أقول: الحديث الذي أشار إليه الكاتب أخرجه أبو داود (4291) بإسناد حسن، انظر تخريجه في «السلسلة الصحيحة للألباني» (599)، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت» رواه البخاري (3484)! كيف لم يستح هذا الكاتب أن يحشر نفسه في المجددين الذين عناهم الحديث؟! وشتان ما بينه وبينهم!! فإن التجديد الحاصل منه ومن تركي الحمد وأمثالهما تجديد للزيغ والضلال، نعوذ بالله من الخذلان، ويصدق على هذا التجديد المزعوم قول الشاعر:
لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى سامها كل مفلس
وقد قال الله عز وجل: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}، وقال: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ}، وقال الشاعر:
يُقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
وأحمد الله عز وجل الذي وفقني لأن أكون من المتعلمين الذين يقفون في وجوه هذا النوع المشين من الواعين والمفكرين والمجددين في المجتمع للتحذير منهم وبيان باطلهم، والتجديد الذي جاء ذكره في الحديث ليس من المعقول أن يدعيه كل من هب ودب حتى التغريبيون، بل الذين يصلحون لبلوغ رتبة هذا التجديد في غاية الندرة، مثل سماحة شيخنا شيخ الإسلام ومفتي الأنام الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله الذي بلغت فتاواه ورسائله عشرات المجلدات، إضافة إلى عموم نصحه للخاصة والعامة، وبذله المال والجاه في وجوه الخير المتنوعة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
3- قال الكاتب: «وأرى أن من حق أي انسان أن ينتمي إلى من يشاء، سواء أكان إخوانياً أو حتى ملحداً ما دام مستترًا ولسنا مكلفين باختبار القلوب، بشرط عدم المجاهرة وأذية الآخرين».
أقول: من عجيب أمر هذا الكاتب تسويغه لمن يريد الإلحاد أن يلحد ما دام مستترا غير مجاهر ومؤذ للآخرين؛ فإن الواجب على كل من وفقه الله للاشتغال بالعلم النافع والنصح للمسلمين أن يحذر من الإلحاد ظاهرا وباطنا لا أن يهون من شأنه ويفتي بأنه من حق أي إنسان ما دام مستترا، وهذه الفتوى شبيهة بفتوى صحفية نشرت فتواها صحيفة الوطن بتاريخ 27/4/1431هـ معلقة على خبر ارتداد عدد من المبتعثين السعوديين وتحولهم إلى النصرانية، قالت: «اختلف الفقهاء في حكم المرتد عن الإسلام، والآراء الأقوى (كذا) هي التي تترك للإنسان حرية الاختيار حتى لو ولد من أبوين مسلمين وما دام لا يقوم بأية خيانة للجماعة المسلمة فليس عليه أية عقوبة»!! وقد أوردت كلام هذه الصحفية ضمن كلمة بعنوان: «كلمات زندقة وزيغ وضلال تقيأها أخيراً كتَّاب في بلاد الحرمين» نشرت في 13/7/1434هـ.
4- قال الكاتب في جواب سؤال له عن توقفه عن الكتابة في الصحف، قال: «من ناحية الانقطاع، فقبل وفاة الملك عبدالله بأشهر، بدأت بالانشغال بمجلس الشورى والسفر إضافة إلى أعمالي الخاصة، ثم بعد ذلك حدثت العديد من التحولات السياسية والفكرية والاجتماعية، وحدثت العديد من المستجدات التي تتطلب اعادة نظر وعليها يُبنى مسار جديد، توقفت ما يقارب السنة، ثم عدت تدريجيًا بدءًا من تويتر، ومن ثم كتابة مقالة أسبوعية في صحيفة الوطن، أكتب عن دفع المجتمع نحو التجديد والوسطية والاعتدال. وهناك سبب آخر للتوقف، ففي العهد الجديد في المملكة يحتاج الإنسان إلى التوقف لمعرفة الوضع السياسي الجديد، فقد تحتاج إلى إعادة تموضع، لترى هل الفكر الذي تطرحه موافق للفكر السياسي الحالي. فكما هو معلوم، سقف مقالاتي أو الفكر الذي أكتب عنه عالٍ، وإن لم تكن مدعومة فعلى الأقل لا يوقف في طريقها»
أقول: أوضح الكاتب سبب توقفه عن الكتابة بعد وفاة الملك عبدالله رحمه الله وتولي الملك سلمان حفظه الله الأمر بعده، وهو تخوفه ألا يكون لكتاباته مجال في العهد الجديد، لاسيما وقد حصل في الأسبوع الأول من ولاية الملك سلمان قرارات ما كان يتوقعها هو وأمثاله من التغريبيين، وصدق أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه في قوله: «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، وبعد مدة رجع إلى كتاباته المعهودة وعادت حليمة إلى عادتها القديمة، وعاد بعض المنحرفين بعد التوقف إلى كتاباتهم الساقطة المشتملة على الاعتداء على شرع الله ودينه.
والمأمول من خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ووفقه لما فيه رضاه إصدار توجيه تُخرس فيه ألسنة من يتطاولون على شرع الله ودينه وتُقطع به أطماعهم في الاستمرار على ما اعتادوه من الباطل، وذلك بتخصيص لجنة في رئاسة البحوث العلمية والإفتاء أو غيرها تحاكم كل من يحصل منه اعتداء على الشرع والدين.
وقد جاء في قرار هيئة كبار العلماء بتاريخ 6/8/1436هـ المنشور في صحيفة الرياض بتاريخ 7/9/1436هـ ما يلي: «ومن تلك المهالك والمخاطر العظيمة رد حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم اتباعاً للهوى أو بدعوى مخالفة العقل، فإن هذا الرد لحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ناقض للإيمان بإجماع العلماء»، ومما جاء فيه أيضاً: «وأن من وقع في شيء من ذلك وجب رفع أمره للقضاء للنظر فيه وإنزال العقوبة المستحقة عليه».
هذه أربعة تنبيهات على ما في حديثه الصحفي من انحرافات كثيرة.
وقد ذكر الكاتب أن له مذكرات طويلة دوَّنها وأوصى أولاده بنشرها بعد رحيله، وأقول: إن من الخير له أن يستعد ليوم الرحيل بالاستقامة على أمر الله ولزوم الصراط المستقيم الذي ينفعه في دنياه وآخرته، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ» رواه البخاري (6412)، وأورد البخاري في باب الأمل وطوله من كتاب الرقاق أثراً عن علي رضي الله عنه، قال: «ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل».
وأسأل الله عز وجل له الهداية والتوفيق والإخراج من الظلمات إلى النور؛ وإن من الخير له اتلاف مذكراته، وإن بقيت بعده فمن بر أولاده به ألا ينشروها بل يقومون بإتلافها.
وأسأل الله عز وجل أن يحفظ لهذه البلاد أمنها وإيمانها وسلامتها وإسلامها، وأن يقيها شر الأشرار وكيد الفجار، وأن يوفق المسلمين لمعرفة الحق واتباعه، إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
رابط المادة الأصلية:
http://al-abbaad.com/articles/991764