النَّصِيْحَةُ الْمَفْتُوْحَةُ لمِنَ ْحَذَّرَ مِنْ طَلَبَةِ الفيُوْشِ وَأَمَرَ بِمُقَاطَعَتِهِمْ

أضف رد جديد

كاتب الموضوع
عبدالملك الإبي
مشاركات: 274
اشترك في: شوال 1436

النَّصِيْحَةُ الْمَفْتُوْحَةُ لمِنَ ْحَذَّرَ مِنْ طَلَبَةِ الفيُوْشِ وَأَمَرَ بِمُقَاطَعَتِهِمْ

مشاركة بواسطة عبدالملك الإبي »

النَّصِيْحَةُ الْمَفْتُوْحَةُ
لمِنَ ْحَذَّرَ مِنْ طَلَبَةِ الفيُوْشِ وَأَمَرَ بِمُقَاطَعَتِهِمْ


كتبها الفقير إلى الله
أبو سعد محمد قريش بن طيّب الأوغندي


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, أما بعد: فهذه نصيحة مفتوحة وتوجيه مختصر لاخوين في الله وهما الأستاذ الشهير والداعي السلفي الفاضل أبو الفضل قاسم مافوتا التنزاني حفظه الله القائم على مركز ابن تيمية بتنغا والأستاذ الفاضل أبو هاشم الكيني حفظه الله القائم على مركز التوحيد بمنباسا, وفقني الله وإياهما لمجانبة ما يحوّل العافية, ويقلّب النِّعم إلى النِّقم, والأخوّة والمحبة إلى العداوة والبغضاء, إنه سميع قريب.

وسبب هذه النصيحة ما صدر منهما قريبا من التحالف ضد الشيخ عبد الرحمن ومركزه وطلابه, والتحذير من الأخ الفاضل أبي معاوية حسن بن عوض حفظه الله, والأخ الفاضل أبي أيمن محمد سالم الكيني والحكم عليهما بأنهما مفتونان, والدعوة إلى مقاطعتهما وعدم التعاون معهما في الدعوة حتى يعلنا موقفهما من الشيخ الفاضل عبد الرحمن بن مرعي حفظه الله تعالى ومن مركزه المبارك المعروف بدار الحديث بالفيوش. وقد نَشر الأخ قاسم تحذيره من أبي معاوية ظلما أو غفلة عن عواقبه في وسائل الإعلام الاجتماعية كالواتسآب ونحوه فابتدره السلفيون وغيرهم حتى عمّ الشر وشبّت الفتنة واشتدّت الفوضى – ولا حول ولا قوة إلا بالله.

تنبيهات
وقبل الشروع في هذه النصيحة أحب أن أنبه على ثلاثة أمور:
الأول: أن هذه النصيحة إنما جعلتها مفتوحة – وهذا خروج عن الأصل المعروف عند العامة فضلا عن الخاصة – لسببين: الأول أن الأخ قاسما حفظه الله – وأخصه بالخطاب أكثر - قد تكلم سلبا عن الأخ أبي معاوية في هذه الفتنة ثلاث مرَّات فيما وصل إلينا, وكل مرة يَنشر مقولته التي يسميها "نصيحة" في عموم المسلمين عبر الوسائل المفتوحة للسلفي ولغيره كالواتسآب ونحوه مما جعلت القضية معلومة ومشهورة عند الجميع!

فاقتضى المقام أن تكون النصيحة أيضا مفتوحة لكشف بعض اللبس عما يشاع وينتفع بها كل من وصلتْ إليه الفتنة والتحذير والتلبيس. ووالله لقد اضطررتُ إلى ذلك اضطرارا بعدما أقفل الأخ الفاضل قاسم غرفة النصيحة التي ينبغي أن تعالج فيها قضايا الدعاة سرا واحتراما حفاظا على الدعوة وجمعا للكلمة. لأن الدعاة هم صفوة المجتمع, وحملة العلم والدين, ولهم مكانة وتأثير في قلوب المسلمين وإن تفاوتت منازلهم وشهرتهم ونفعهم. هذا هو الواجب إن ثبت أنهم وقعوا في بعض المخالفات, فكيف ولم يقعا – فيما يظهر لنا - في أي انحراف كما سأبين قريبا, وإنما الآفة: فَهمٌ خاطئ أو ظنون سيئة أو وساوس شيطانية أو حظوظ نفسية! لكن الأخ قاسم - سامحه الله - مع الأسف الشديد أقفل غرفة النصيحة فكانت هذه النصيحة مني مفتوحة لكي يفتحها فندخل, وعسى أن يكون قريبا.

والسبب الثاني: أنه قد أعلن للجميع عدم رغبته في أي معالجة سرية! ولا يرضى بشيء أقل من امتثال أوامره وإلزاماته! حتى بلغ به الأمر إلى إعلان رفض الجلسة مع أبي معاوية بعد ما طلبَها منه تواضعا معه وحبا لجمع الكلمة وقطعا لمادة الفرقة!

الأمر الثاني: لستُ متكلّما نيابة عن أبي معاوية حفظه الله ولا عن أبي أيمن حفظه الله, فإنهما – ولله الحمد - حيّان يُرزقان والأخبار تصل إليهما بكثرة, فإنْ رأيا المصلحة في الكلام سيتكلّمان وإن رأياها في الاستمرار على السكوت فلن يضرهما أحد ما داما على الحق الذي لا يجوز تركه, فإن الرفع والخفض مما تفرد به رب العباد. قال تعالى: "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ" (26) آل عمران, فلا ينبغي أن يُنسب إليهما شيءٌ مما في هذه النصيحة والناصح لم يُخفِ شخصيته.

الثالث: يعلم ربي, وهو الذي لا تخفى عنه خافية, أني لا أحب الخوض في الفتن. وأما هذه الملزمة والتي كتبتُها في قضية الغرباء وسميتُها "نصرة المظلوم" فهي أمر ابتلاني به ربي فما وجدتُ منه مفرّا! أما "نصرة المظلوم" فلأني امرؤ عجمي, وغريب في اليمن, فاضطررتُ إلى بيان شيء من ظلمِ قومٍ أنتسب إليهم لشيخهم اتقاء للفتنة التي "لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً" (25) الأنفال. ولذلك اشترطتُ على نفسي عدم الجواب على من يجيب عنها, وإن أتى بأوهى وأهزل رد كرد ياسين العدني, بل وإن اتهمني بكبير كما اتهمني – سامحه الرحمن – بالتزلف.

وأما هذه, فلأن هذه الفتنة قد شبّت في منطقتي المعروفة بشرق أفريقيا وهي عند الإطلاق عبارة عن خمسة دول: على رأسها كينيا وتنزانيا وأوغندا. فيجب علينا أن نقوم بما نقدر عليه من إطفائها لعل الله يصرف عنا هذا الشر. فأسأل الله أن يلين قلوب إخواننا, ولا يشغلوننا بما لا يعود علينا ولا عليهم بنفع. وأسأله الإعانة والتوفيق والسداد – إنه ولي ذلك والقادر عليه. فأقول وبالله التوفيق:

لماذا نستشرف للفتن؟

يا أبا الفضل – حفظك الله – هل نستحضر ما كان في أذهاننا عندما خرجنا من بلادنا إلى اليمن وإلى غيرها من دول العلم لنطلب العلم؟ من وقف مع نفسه وأنصفها وكان ممن منَّ الله عليه بالرحلة في طلب العلم, سيقول إنما خرجتُ لأرفع الجهل عن نفسي ثم أرجع إلى قومي منذرا لهم من عقاب الله ومبشرا لهم بنعيمه المقيم. فلما وصلنا إلى المراكز ووجدنا بغيتَنا نبذنا قصدنا وتعلقنا ببعض الأفاضل واتخذناهم محلا للولاء والبراء حتى وُجد في الساحة الدعوية نَتنٌ من الانتساب إلى الأشخاص والانتصار لهم, كل ذلك على حساب دعوة الناس إلى البعد عن الشركيات والضلالات والبدع والخرافات والمعاصي حتى يكونوا عباد الرحمن الصالحين.

فكلما جاءت فتنة تسابقنا إليها وتكلفنا في استيرادها إلى بلادنا وإن كانتْ بلادنا في غنى عنها! فكأنه لابد أن تكون لنا فيها كلمة! وموقفٌ! وكأن سلفيتنا لا تصح إلا بالمشاركة في الفتن! وإن كنا نتضرر بها ولا يضرنا اعتزالها – كل ذلك حتى يُقال: ما خَلتْ المنطقة من المرجعية في الجرح والتعديل! أو ما خَلتْ من مرجعية للسلفيين! أو رجاء أن يُصبّ علينا بتزكيات من بعض الأفاضل الذين أظهرنا الغيرة عليهم والانتصار لهم! أو يقال: فلان سنّي صلب! أو هو الذي تصدّى للدفاع عن فلان! وكل ذلك من الخذلان وعدم التوفيق, والتنفير عن السلفية - عياذا بالله.

كم كان شيخنا عبد الله بن مرعي حفظه الله يحذرنا من الخوض في الفتن ويقول لنا: ليس من الضروري أن يكون لك موقف في كل فتنة! اطلبوا العلمَ واتركوا هذه القضايا للعلماء. سبحان الله! يقول لنا ذلك وهو الذي كنا نريد أن ندافع عنه من ظلم الحجوري, ولا يرضى هذا منا! ونحن في اليمن, وطلبة علم في مركزه, ونتألّم ألما شديدا من ظلم الحجوري لشيخنا, ولا يرى عدم خوضنا فيها قادحا في سلفيتنا, فكيف بمن يبث الفتن في العوام! ويبذل الوسع في تشهيرها, والناس منها في بُعد, بينها وبينهم دُول عديدة, وليس لهم فيها مصلحة, والمضرة فيها متحققة! ولا يعرفون من ينتصرون له ولا من يذمونه ويسبونه! ولا يعرفون موطن النقاش والخلاف فيها! أفلا يلحقه هذا ذمّ النبي عليه الصلاة والسلام لمن كان مغلاقا للخير مفتاحا للشر؟ فاتق الله يا أبا الفضل في المسلمين, ولا تفتح لهم أبواب الشقاوة, فإن المكانة التي أنت فيها اليوم إنما هي ابتلاء من رب العالمين؛ فقد يرفعك الله بها بين خلقه وقد يكون العكس – عياذا بالله. أسأل الله لي ولك العافية.

وأشكر ربي الذي وفقني في آخر زيارتي لمركزك المبارك, وهذا قبل سنتين ونصف تقريبا: فإني أطلتُ الكلام حول هذه المسألة ونبهتُ وحذرتُ من هذا المسلك الذميم المفسد لدعوتنا والمنفر عنها في كلمة ألقيتُها في مركزك وقدمتَ لها – جزاك الله خيرا, لِتعلم أن هذا هو موقفي من هذا الشغب والفوضى التي تنسب إلى السلفية وهي منها بريئة. وبمثلها تحدثت مع إخواني في كلمة ألقيتُها في مسجد عمر بن الخطاب في دار السلام في نفس هذه الرحلة الدعوية الأخيرة إلى تنزانيا. فإنه لم يكن هناك فتنة آنذاك حتى يُقال إنما نقول هذا اليوم تبريرا للباطل وسترا للمفتونين والمجروحين ونحو ذلك من إشاعات أهل الباطل.

فأكرر هاهنا – على رغم أنوف حطب الفتن - راجيا من الله المثوبة, أنه: لا حاجة لنا إلى الخوض في كل فتنة تقع في اليمن أو المملكة أو غيرها من البلاد. وهي وصية العلماء كالفوزان وغيره. ولا يجوز لنا أن نحملها إلى بلادنا لنَنْشغل بها ونُشغل بها المسلمين الذين يجهلون كثيرا من مبادئ دينهم! وبين أيديهم فتن محلّية متراكمة, إي والله! متراكمة: بعضها في الشبهات وبعضها في الشهوات. أما إذا ابتلينا بفتنة في أوساطنا كما ابتُلينا بالحجاورة الذين كانوا بين أظهرنا ويقعون في أهل العلم, ويأتي من اليمن من يقوي شوكتهم, ففي هذه الحالة نستعين بالله عليهم ونقوم بما أوجبه الله علينا من البيان للناس وكشف باطلهم بالعدل والإنصاف.

الأمر الثاني:

فإن قلتَ: إنما تدخّلنا في هذه الفتنة لوجود طلبة العلم التنزانيين أو الكينيين أو الأوغنديين في الفيوش مع وجود جرح الشيخ عبيد حفظه الله للشيخ عبد الرحمن حفظه الله فخشينا على مجتمعنا مِنْ شرّ مَنْ نتوقع منه الانحراف فكان التحذير! فالجواب من عدة أوجه:

الأول: (وهو من باب الإلزام فقط) هلا حذرتَ من الجامعة الإسلامية ومن طلابها التي قد تحقق خروج عدد كبير منها على غير السلفية, بعضهم متصوفة, وبعضهم تبليغيون, وبعضهم إخوانيون وبعضهم سروريون بل وبعضهم لا يُرى عليه أثر العلم والدين قط! إنما هو أشبه بالمحامي العلماني!! أليس "نورين" الذي قد تم تحذيركم منه أنه حدادي صاحب فتنة من طلبة الجامعة الإسلامية حاليا؟! أفلا حذرتم من الجامعة الإسلامية ومن طلابها خوفا على مجتمعكم من شر المفتونين مثله وممن هو شر منه؟! أو انحراف أهل الفيوش هو الانحراف وانحراف غيرهم منقبة؟!! بل كيف! ولم نسمع منحرفا واحدا في بلادنا خرج من الفيوش؟!

الثاني: قد قمتُ بكتابة ملزمة سمَّيتُها "نصرة المظلوم وكشف اللبس عن قضية الغرباء في الفيوش" دافعتُ فيها – بحقٍ - عن شيخنا المبارك عبد الرحمن, فنفع الله بها وكَتبَ لها القبول الذي ما توقعتُ رُبعَه والله, وهذا من فضل الله وحده ومن جوده وإحسانه على المساكين. بيّنتُ فيها حقيقة ما جرى في الفيوش وسبب كلام الشيخ عبيد في الشيخ عبد الرحمن. وأنا على علم أنها وصلتْ إليك, وأنصحُ من لم يقرأها - وهو منشغلٌ بهذه الفتنة - أن يقرأها, ومَن لم يكن منشغلا بها فقراءة القرآن خير له.

وخلاصة الكلام في ذلك أن الشيخ عبد الرحمن جُرح بغير جارح, ولم نقف إلى يومنا هذا على مخالفة شرعية ارتكبها فاستحق بها الجرح. فقول الشيخ عبيد حفظه الله تعالى فيه أنه "مغفل لا يصلح للتدريس" خلا من البرهان والدليل الذي تعبدنا الله به. فغاية ما احتج به الشيخُ الفاضل, أن الشيخ عبد الرحمن وصف وثيقة الشيخ الإمام أنها "باطلة" ولم يصفها كما وصفها الشيخ عبيد أنها "كافرة, ظالمة, فاجرة" ولا يخفى على طلبة العلم أن الله سمى الشرك والكفر باطلا. قال تعالى: "وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ" (52) العنكبوت.

فالمنصف يرى أن وصف الشيخ عبد الرحمن للوثيقة ليس بأقل من وصف الشيخ عبيد لها بل كلاهما اتفقا في ذمّها وإنما اختلفا في شيئين: الأول: إعذار الشيخ الإمام بالاضطرار إليها, والثاني: إلزامه بالمبادرة إلى نقضها. فالشيخ عبد الرحمن كغيره من علماء اليمن وبعض علماء المملكة أعذر الشيخ الإمام بالاضطرار, وأيضا لم يذهب إلى إلزامه بمبادرة نقضها لما في ذلك من الخطر المتحقق, لكنه ألزمه بتبرئة أهل السنة منها متى ما سمحت له الفرصة حتى لا تبقى وثيقة تاريخية منسوبة ظلما إلى أهل السنة. ولستُ في سياق الدفاع عن الشيخ الإمام وإنما أحكي لمن بَعُد عن المسألة ثم أشغلنا بخوضه فيها. فإذا علمتَ هذا يا أبا الفضل – حفظك الله, إليك هذه الأسئلة التي لا تحتمل السكوت عن الجواب عليها – وأرجو منك الصدق مع ربك إنْ أجبتَ:

الأول: هل وقفتَ على شيءٍ جَرح به الشيخُ عبيد الشيخَ عبد الرحمن غير الذي ذكرتُ؟ فإن كنت وقفتَ عليه فاذكره لنا, وإن كنتَ لم تقف عليه, فأجبْ عن السؤال الثاني:

الثاني: هل ترى قول الشيخ عبيد حفظه الله في الشيخ عبد الرحمن أنه بمجرد ما ذكرتُ: "مغفل لا يصلح للتدريس" صحيحا ويجب الأخذ به؟

الثالث: إن كان جوابك: صحيح!! ولا أتوقعه من منصف, فهل ترى أن هذا الخطأ الذي وقع فيه الشيخ عبد الرحمن – على التقدير أنه خطأ – يخرجه من دائرة أهل السنة ويصير منحرفا زائغا لا يجوز الدراسة عنده؟

الرابع: إذا كان جوابك: نعم! فعرِّفْ لنا السلفية؟ فإنّا صرنا بجوابك لا ندري ما السلفية! ولا ندري أنحن من أهل السنة أم لم نكن قط من جملتهم!!!

الخامس: إذا كان جوابك لا, فبأي حق يُلزَم مَن يطلب العلم في الفيوش بالخروج منها؟ بل بأي حق يُحذّر من مركز الشيخ؟ ويا سبحان الله! هل ترى مركزك أصلح للدراسة من الفيوش؟!!

السادس: إذا قلتَ: نحن إذا تكلّم الشيخ عبيد أخذنا بكلامه بدون التفات إلى غيره وبدون سؤال ولا انتظار ولا تدقيق, ومن فعل شيئا من ذلك فهو غير محترم "للكبار" كما يقال في الاصطلاح البريكي. قلنا لك: فلِماذا إِذنْ تحذر من حال المتصوفة الذين يكونون مع مشايخهم كالميت عند المغسل, أو الرافضة الذين اعتقدوا العصمة في أئمتهم, أو أهل الكتاب الذين "اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا" (31) التوبة؟

هذه الأسئلة يا أبا الفضل مطروحة عندك ولا تحتمل السكوت عنها ما دمتَ مصرا على موقفك من الأخ أبي معاوية ومَن معه مِن طلبة العلم في الفيوش. فالإفساد من كلامك في إخوانك كبير, وتأثيره السلبي فيهم وفي دعوتهم كبير, وقد وُقِّفت المساعدة التي كانت ترسل إليهم منذ أعلنتَ موقفك الظالم منهم. حتى في وقت الحرب الذي كان المرءُ في أشد الحاجة إلى شيء من المال. وهم في سكوت عنك, وفي صبر عليك, لم تسمع منهم كلمة سيئة فيك وفيمن وافقك منذ وقفتَ منهم هذا الموقف وهذا قبل ثمانية أشهر تقريبا, لرجائهم أنك ستعيد النظر في موقفك مع إخوانك, أو يبدو لك ما كان خفي عنك, فما زادك سكوتُهم إلا انتفاخا وتعاظما! فبلغ بك الحد إلى التحذير منهم والأمر بمقاطعتهم – سامحك الله.

الأمر الثالث
لما أعلنتَ موقفك من أبي معاوية بأشرس عبارة, وحكمتَ عليه أنه مفتون, وأمرتَ بمقاطعته وعدم التعاون معه في الدعوة - وهذا قبل أسبوعين تقريبا, جاءني إلى بيتي فأراني كلامك فيه. فجعلتُ أتكلم معه وهو مهموم جدا لا يفقه ما أقوله له! فقال لي: دعني يا أبا سعد أذهب إلى بيتي, فإني غائب عنك, لعلي سأعقل بعد النوم. فقام – حفظه الله - فانصرف.

فلما التقيتُ به بعد الظهر من الغد, قال لي أبو معاوية: قد استصغرتُ نفسي وعظمتُ دعوة الله فاتصلتُ بأبي الفضل. فأخبرته أن لي رحلة دعوية إلى تنزانيا مع بعض الإخوة الفضلاء في المستقبل القريب. فصرّح لي قاسم أنه لن يتعاون معي في شيء حتى أبيّن موقفي من الشيخ عبدالرحمن والشيخ محمد الإمام. فقلتُ له, أي لأبي الفضل: قد شعرتُ هذا منك لكني أرغب في جلسة معك إذا جئتُ للدعوة, فقال: طيب, فانتهت المكالمة. فقلتُ لأبي معاوية: إن كانتْ نيته حسنة, فسيكفّ عما يقوله فيك حتى تقع الجلسة.

ثم فوجئنا بعد يومين بمقولة جديدة نشرتَها في الواتسآب فزادت الطين بلّه! وهي التي هيّجتني والله لهذا العمل. وخلاصتها: أنك أخبرتَ باتصال أبي معاوية بك وما جرى بينكما في ذلك الاتصال, ثم أكدتَ في مقولتك موقفَك من أبي معاوية وأنه لم يتغير ولن يتغير حتى يعلن موقفه من الفتنة! وأنك لن تجلس معه حتى يخضع لذلك! وأنه لا ينبغي التعاون معه في الدعوة ....! فأقول لك يا أبا الفضل – رعاك الله وختم لك بالحسنى:

هل تدرك خطر هذا المسلك الذي فتحته لنفسك؟ إنه لخطير جدا والله, انتبه! انتبه! فقد سقط به أناس كانت لهم مكانة عظيمة في قلوب الناس, ولهم كلمة نافذة في الدعوة, وشهرتهم بلغت الآفاق, ولهم ملايين من المحبين, وشأنهم عظيم عظيم – ليس لك منه رُبع عُشر! فلما فتحوا لأنفسهم هذا الباب المشئوم, وترفّعوا على عباد الرحمن, وبطشوا بالضعفاء بطش الجبارين, وسلّطوا عليهم السفهاء, انتقم الله منهم وانتصر للمظلومين, فصاروا عبرة للمعتبرين.
فاحذر أخي الفاضل فإن الموفّق من اعتبر بغيره. فقصة الحجوري معلومة عندك, كيف لا وقد كنتَ من أشد الناس على الحجاورة, ويُعد هذا من مناقبك وسيرتك الحسنة, لكنه لا ينبغي لك أن تنسى أن الحجوري كان من أشد الناس على أبي الحسن المأربي, فصار معجبا بما قام به, وظن أنه لا يواجه أحدا إلا هزمه, فطغى وتجبّر وبغى على إخوانه, فكانت عاقبته وخيمة. أسأل الله له التوفيق للتوبة.

فلا تَغرنَّك انتصاراتك على باراهيان وعلى الحجاورة التي منّ الله بها عليك ليبتليك بها. فإن هؤلاء أسقطتهم وأهانتهم ذنوبهم وربك أغير على دينه, فالمطلوب بعد التمكين هو رد الفضل والمنة لله وحده, ثم التواضع لعباده المؤمنين وإصلاح العباد والبلاد. فإن من أكبر الذنوب الإفساد في الأرض بعد إصلاحها. قال الله تعالى: "ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ" (14) يونس, وقال تعالى: "وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ" (56) الأعراف.

ثم لي وقفات معك يا أبا الفضل – حفظك الله:
وقفات
الأولى: هل وقفتَ على كتابة أو كلامٍ مسموعٍ لأبي معاوية في هذه الفتنة؟ فإن كنتَ وقفت عليه فاذكره لنا. فإن لم تقف عليه, فبأي حق جعلتَه "مفتونا" وحذرتَ منه لِتفسد عليه دعوته التي قد ظهرت ثمارها في جزيرة "زنجبار" وغيرها من مناطق الجمهورية؟

الثانية: إذا كانت هذه هي معاملتك مع إنسان تطالبه ببيان وإعلان موقفه فما هي معاملتك مع إنسان قد أبان موقفه الباطل عندك؟ فلو صرّح أبو معاوية بما يسوؤك ماذا بقي معك بعد التحذير والأمر بالمقاطعة؟ تكفير؟! حبس؟! قتل؟! ماذا؟!

الثالثة: لمّا اعتقدتَ أن أبا معاوية على موقف باطل, هل أخلصتَ له النصيحة؟ هل اتصلتَ به لتنصحه؟ أوليس معك رقمه؟ كيف سهُل لك مخاطبة الجماهير تحذيرا منه ولم يسهل لك التواصل معه؟! أهكذا دعوتنا؟ صلابة: لا أخوة, ولا رحمة, ولا رفق, ولا نصح؟ ثم ندّعي التأسي بالمرضي عنهم؟!! فاللهم اهدنا, اللهم اهدنا.

الرابعة: ثم يا أسفا على دعْوَتنا! كيف يتواضع الأخ معك ويتصل بك بعد ما حذرتَ منه بغير حق, ويطلب منك الجلسة, ثم لا تتفطّن أنك كنت أولى بمثل هذا الاتصال إنْ كُنتَ مخلصا له في إرادة الخير, بل ظننتَ أن اتصاله بك ناشئ عن ضعف, فقمتَ بإعلان عدم الاستعداد للجلوس معه, وقد أظهرتَ له الموافقة في الاتصال, فسبحان الله! أين تذهب بنا يا أبا الفضل؟ تأبى الجلسة مع أخيك أبي معاويه! لماذا يا أخي؟ لو عاملتَ عاميا من العوام هذه المعاملة لما ارتضيناها منك, فكيف تعاملها داعيا إلى الله مقطوعا بسلفيته – إن شاء الله, وله قدر في الدعوة؟ ألم يقل النبي : «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إِلَّا الْحُدُودَ» (رواه أبو داود من حديث عائشة, وصححه الألباني رحمه الله). فأنزلوا الناس منازلهم, فإنه "قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا" (3) الطلاق.

الخامسة: إذا كنتَ مقتنعا بجرح الشيخ عبيد في الشيخ عبد الرحمن, وأبو معاوية يرى خلاف ما تراه أنت, هل يجوز له اعتقاد صحة ما يعلم بطلانه؟ وهل يلزمه اعتقاد ما تراه أنت - صوابا كان أم لا؟ فإن قلتَ: نعم!! ألزمتَه بما ذم الله به أهل الكتاب, قال تعالى عنهم: "اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ" (31) التوبة, وحديث عدي بن حاتم رضي الله عنه في هذه الآية معلوم. فلا يجوز لأحد عرف الحق أن يتركه تزلفا أو تقليدا لأحد بعد الرسول عليه الصلاة والسلام, من فعله ففيه شبه بمقلدة أهل الكتاب الذين كفّرهم الله وخلّدهم في النار – عياذا بالله.

السادسة: هناك شبهة "بريكية" تدندنون حولها, وهي قولكم: نحن مع العلماء الأكابر. فمن هم العلماء الأكابر عندكم؟ إن كنتم تقصدون حصرهم في الشيخ عبيد والشيخ ربيع حفظهما الله تعالى دون غيرهما – وهو مرادكم بلا شك – فاعلموا أن هذه هي الحزبية حقا! نعم نعم والله. فإن الحزبية هي الولاء والبراء الضيّق. ومن فهم معنى الحزبية فإنه يعلم قطعا أن بعض من يدّعي السلفية على حزبية غليظة! وإن كنتم تقصدون الشيخين مع غيرهما من الأعلام كالفوزان, والعباد, والسحيمي, والرحيلي, واللحيدان, والمفتي, ووصي الله, والوصابي, والراجحي, وأمثالهم – حفظهم الله تعالى, فنحن معكم والله؛ فإنّ هؤلاء جميعا علماؤنا. ومع التنبيه أننا لا نقول أنه يلزم في قبول الجرح الإجماع, ولكن إذا نوزع الجرح, فلا لوم على من طلب من الجارح البرهان, فإن أتى به وإلا أخذ بقول غيره. فإنه لو يعطى الناس بدعواهم, لادّعى رجال أموال قوم ودماءهم. فإذا اتضح ذلك, أقول لك يا أبا الفضل – حفظك الله وسلّمك من كل سوء:

ما رأيك نسأل الشيخ الفوزان أو العباد أو السحيمي أو سليمان الرحيلي أو وصي الله عباس أو المفتي عن حكم الدراسة في الفيوش وحال طلبة العلم فيه؟ فإن خضعتَ لذلك, فللّه درّك يا أبا الفضل. وإن أبيتَ إلا إلزامنا بقول الشيخ عبيد, فأنت إنما تدعونا إلى الحزبية التي فررنا منها, "وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا" (89) الأعراف. ولا تنس أن لك مركز, "وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ" (140) آل عمران. فاستعد لدورك.

ومن هنا أيضا أسألك سؤالا: ما نصيحتك لنا في علمائنا الذين لهم رأي غير رأي الشيخ عبيد حفظه الله في المسالة؟ كيف نتعامل معهم؟ مع التنبيه هنا أنّا لم نسمع ولم نقرأ شيئا من جرح الشيخ ربيع حفظه الله للشيخ عبد الرحمن – سِوى ما وضعه ياسين العدني الذي قد ارتضى لنفسه المهانة بعد الكرامة. فلا يلتفت إلى شغبه. فإن قلتَ لنا: لا تسمعوا من أحد بعد الشيخ عبيد ضللتَ باعتقاد ملازمة الحق والصواب لغير المعصوم! وخالفتَ ما قرره الشيخ عبيد حفظه الله نفسه في كثير من كتبه وفتاويه وتوجيهاته, فهو بريء منك. وقال الإمام الشاطبي رحمه الله: "ولقد زل بسبب الإعراض عن الدليل والاعتماد على الرجال أقوام خرجوا بسبب ذلك عن جادة الصحابة والتابعين واتبعوا أهواءهم بغير علمٍ, فضلّوا عن سواء السبيل". (الإعتصام 2-863).

أما نحن, فنحترم الشيخ عبيدا حفظه الله, وهو من علمائنا بلا شك, وقد اعتبرنا كلامه في شيخنا اجتهادا يثاب عليه بأجر. وعَلِمنا منبع الشر وأنهم هم البريكيون الذين يحرشون بين العلماء ويفسدون ذات بينهم. ومن أراد المزيد من ذلك فليقرأ "نصرة المظلوم" المشار إليها أعلاه وهي متوفرة في الشبكات.

السابعة: كيف تتصرّف تصرُّف المرجعية لأهل السنة في منطقتك: تأمر وتلزم وتحذّر وتجرّح وتعدّل, ولا تعتقد أنّ أهل السنة في اليمن الذين لهم نصيب في تعليمك وتربيتك - ودعوتهم تعتبر من أحسن دعوات أهل السنة تحت الشمس – ليس لهم علماء ومرجعية؟! ولا ترى أدنى وزن لقولهم وموقفهم؟! فإن عدم موافقتهم في موقفهم مع اعتقاد علمهم وفضلهم وأنهم هم المرجعية للمسلمين في اليمن شيء, وإهدارهم واحتقارهم شيء آخر.

الثامنة: أنت وأبو هاشم حكمتم على جميع علماء اليمن ومراكزهم وطلابهم بالضلالة!!! ولا حول ولا قوة إلا بالله. فإنكم على علم أن علماء اليمن كلّهم على رأي واحد في هذه الفتنة سوى بعض الكلمات المنتقدة على الشيخ الإمام, وقد أعلن تراجعه عنها حيا وميتا – وربه أعلم به, ومن كان على رأيهم أو كان رأيه ليس بيّنا مثل أبي معاوية وأبي أيمن, فهو عندكما مفتون يجب التحذير منه ومقاطعته! فأقول لكم – سامحكم الله: لماذا تدفعوننا إلى إساءة الظن بكما؛ أنكما تريدان إغلاق باب طلب العلم في اليمن ليبقى السلفي لا يجدُ مكانا يدْرس فيه إلا مركز قاسم ومركز أبي هاشم, وحتى لا يكون هناك من يفوقكما أو يساويكما أو يقرب منكما - على ظنكما أنكما أعلم أهل منطقتنا – فتكون لكما الكبرياء؟ لا تدفعونا إلى هذا الظن بارك الله فيكم.










أبو هاشم
التاسعة: يا أبا هاشم – حفظك الله, لمّا اشتدّت الفتنة, أخذتَ الطائرة وفاجأتنا بزيارتك للفيوش, فأخبرتَنا أنك جئتَ لتسمع من الشيخ عبد الرحمن وممّن كان ضده حتى تعلم الحقيقة في هذه الفتنة. فرحّب بك الشيخ وضيّفك وأكرمك وألقيتَ في مركزه كلمة وتواضع معك فحدثك ما أردته بطول, ثم جلستَ معنا وأنا بجنبك ليس بيني وبينك أحد, وقلتَ لنا بعدم الالتفات إلى ما قاله الشيخ عبيد, وأن كل واحد يؤخذ من قوله ويرد, ثم رجعتَ.

فبعد رجوعك, ألقيتَ محاضرة ودافعت فيها عن الشيخ عبد الرحمن – ولا تنس أنّي لا أفرح بإشهار فتنة وإن كنتَ على موقف سليم, فإن جلوسك معنا, وليس هناك طالب من منطقتك في الفيوش غيرنا كان يكفي, فلمْ يكن هناك حاجة تذهب وتشْهرها في العوام – لكنا قلنا: جزاه الله خيرا على ما قام به من بيان الحق. ثم سمعنا أنه استدعاك قاسم وأنكر عليك فغيّرتَ موقفك! فما لبثتَ أن قمتَ بإلقاء محاضرة تتوب فيها إلى الله! وتعلن توبتك من دخولك الفيوش! وأنك تتبرأ من الفيوش! ومن عبد الرحمن! ومن طلابه الذين في الفيوش! وأنك لم تكن تعلم أن هناك كلاما للعلماء في عبد الرحمن! وما زلتَ إلى يومنا هذا تُلقي محاضرات هنا وهناك في ذم الفيوش وشيخها وطلابها! وتسمي بعضهم وتحذر منهم وتأمر بمقاطعتهم مع أنهم ساكتون, كما فعلتَ بأبي أيْمن محمد سالم الكيني حفظه الله. فأقول: بدون التفات إلى ما في كلامك من الكذب والزّيف والخلط, أقول لك فقط:

يا أبا هاشم – سامحك الله, لو أنصفتَ نفسك, أما ترى أن هذا التخبط من شؤم الترؤّس والتصدّر قبل النضوج؟! ما الذي يجرّك إلى الخوض فيما لا تحسنه؟ لعمري, إن أمرك لغريب. لو كنتُ في مقامك, لتبتُ إلى الله من الخوض فيما لا أحسنه قبل التوبة من دخول الفيوش. فأنصحك بالاعتبار من هذا التخبّط المذل, الذي صوّرك كهزيل الرأي, ولا تتدخلنّ فيما لا تحسنه وفيما لا يَعْنيك, فإن الفتن ما زالت. ستأتي وتأتي وتأتي يرقّق بعضه بعضا كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام – أسأل الله لي ولك السلامة والعافية. فهذه الفتنة قد أهانتْك والله! وأظهرتْك كضعيف الرأي – عياذا بالله! وصِرتَ كما يقال: فلان لمن جلس معه!! ولا مزيد على هذه الإهانة. فخذ درسا منها تنتفع به في الآتية.

كما أنصح أبا الفضل – وهو عظيم القدر عندي - بالابتعاد عن الأسباب التي هلك بها الحجوري وغيره؛ ومن هذه الأسباب كثرة الخوض والكلام في الناس باسم الجرح والتعديل والذب عن السلفية! فإنه نصب لنفسه كرسيّا يُسأل عن فلان وعلان فيجرّح ويعدّل. وأنتَ فيما بلغنا قد سلكتَ نفس المسلك المشئوم. كل خميس لك درس تُسأل فيه عن حال فلان وعلان, وهذا باب خطير تزلُّ فيه الأقدام عياذا بالله. وإن زعم صاحبه أنه في الدفاع عن السنة! فلعمري لو كان هذا المسلك قربة, لسبقكم إليه ابن باز وابن عثيمين والألباني والوادعي والعباد والفوزان وربيع وعبيد والوصابي وغيرهم من أعلام السنة. فإن منهجهم ذكر الأشخاص عند الحاجة أو إذا طرح عليهم سؤال لا اتخاذ يوم أو درس لذلك فقط. فانتبه لهذا أخي واجتنبه, ولا ترب شبابك على هذه الفوضى التي يزينها الشيطان للهالكين. وكم يُنفّر عن السلفية باسم السلفية!!!!
وأختم بأمرين:
الأول: إذا علمنا ما سبق ذكره, اعلموا جميعا أنّا على السلفية ولله الحمد, لم نعتقد ولم نعمل ولم نقل ما يخرجنا منها. سواء صرحنا بموافقتنا لموقف علماء اليمن أو سكتنا. فإذا كنتَ علمتَ منا ما يخرجنا من السلفية – على ميزان الشريعة وليس على رأي فلان وعلان - فاذكره لنا لنبادر إلى التوبة منه. فإن لم تجده فاتق الله في إخوانك وعاملهم بما تحب أن تعامل به – بارك الله فيك.

أما ما يتعلق بعلمائنا, فنحن نحب علماء الأمة جميعا الذين عُرفوا بالتوحيد والسنة والذب عن هذا الدين القويم – سواء أكانوا في السعودية أو اليمن أو غيرهما من البلاد. ونعتقد تفاوت منازلهم في العلم والسبق والتجربة, ولا نتعصب لأحد منهم, لا شيخنا ولا غيره. فلا نأخذ بقاعدة "البركة مع أكابركم" ونخصها في بعض الأكابر فقط فنمشي وشقنا مائل, لا, بل نجمع بينها وبين أختها, ألا وهي: "كل واحد يؤخذ من قوله ويرد". باجتماع هاتين القاعدتين تعتدل الموازين وبهما يكون الدين كله لله. من أخذ بالأولى فقط صار حزبيا, ومن أخذ بالثانية فقط صار حداديا. فاعذرونا إن لم نوافقكم على ما ذهبتم إليه فإنا ما تربينا تربية التقليد والغلو في الأفاضل ولا تربية الزهد والتزهيد فيهم باسم التجرد للحق. فاللهم زدنا من فضلك, إنك أكرم الأكرمين.

الثاني وبه أختم: قد ثبت عندنا فضلك يا أبا الفضل وأحببناك في الله, ومعاذ الله أن نجحد شيئا من فضلك, نعتقد فيك السلفية والدعوة النافعة, وقد أثمرتْ ولله الحمد والمنة, ولا نرى ما أنكرناه عليك قادحا في سلفيتك, فإن السلفية معصومة وأفرادها ليسوا معصومين. فلو بدّعنا, أو حزّبنا, أو أخرجنا من السلفية كل من حصل منه زلة, أو هفوة, أو خطأ في اجتهاده, أو في تأويله السائغ, أو اشتبه عليه الأمر فلم يتخذ فيه موقفا, أو عرف الحق واعتقده لكنه ترك الأمر للعلماء فلم يظهر موقفه, فلو حذرنا من هؤلاء لما بقي في السلفية أحد. لا أنا ولا أنت. لأن كل فرد من أفرادها عرضة للخطأ والزلل. وكما قال بعض السلف: لو كانت للذنوب روائح لما خرجنا من بيوتنا. لكنا نرجو منك التصحيح والتراجع عن الخطأ, ونسأل الله لنا ولك الإعانة.

فالمطلوب فيما بيننا هو النصح ومبالغة الإخلاص فيه, والمحافظة على غرفة النصيحة, مع التماس الوسائل النافعة للمنصوح. والمطلوب من المنصوح التواضع لله والخضوع للحق وإن صدر من حقير جاهل, وألا تأخذه العزة بالإثم, والاغترار بالمشجّعين والمتعصبين الطائشين من حاشيته ومن الأتباع, بل يسلك مسلك ملكة سبأ الذكية الفطنة لمن قال لها: "نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ" (33) النمل, فإنها بتوفيق الله عرفت أن هؤلاء يحمّسونها إلى الهلاك, فقالت: "إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ" (34) النمل, فنجتْ ونجوا جميعا, ولو أخذتْ بطيشهم لهلكت في الدنيا والآخرة ولهلكوا جميعا. فاضبط الشباب, واعلم أن الرجوع إلى الحق والخضوع له من أعظم الكرامات يُكرم الله بها عبده. أستغفر الله لي ولك من كل ذنب, إنه هو التوّاب الرحيم. اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على سيرهم إلى يوم الدين, وال و حمد لله رب العالمين.

محمّد قريش الأوغندي
دار الحديث بالفيوش.
20 \ محرّم \ 1437

أضف رد جديد