نظرات فيما نشره الحذيفي مؤخرا من وقفات (الحلقة الرابعة ) - الشيخ السدعي

أضف رد جديد

كاتب الموضوع
عبدالملك الإبي
مشاركات: 274
اشترك في: شوال 1436

نظرات فيما نشره الحذيفي مؤخرا من وقفات (الحلقة الرابعة ) - الشيخ السدعي

مشاركة بواسطة عبدالملك الإبي »

بسم الله الرحمن الرحيم
نظرات فيما نشره الحذيفي من وقفات
(الحلقة الرابعة)
إنكار الحذيفي على الشيخ الإمام عدم الإخراج من السنة بالخطأ الكبير الصادر عن اجتهاد.

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-
أما بعد: فقد بينت –بفضل الله- في (الحلقة الثالثة) المنهج السلفي في التفريق في الحكم على الفرق المنحرفة من حيث العموم والتعيين، وأنه لابد في تنزيل الحكم على المعين من ثبوت الشروط وانتفاء الموانع.
مدعما ذلك بأقوال أهل العلم من السابقين واللاحقين، مبينا زلل الحذيفي ومخالفته للمنهج السلفي العتيق في هذه المسألة.
وبينت هناك –بفضل الله- أن إنكار الحذيفي للتفريق في الحكم على الفرق المبتدعة من حيث العموم والتعيين، يلزم منه تعميم الحكم بالبدعة على كل فرد انتسب إلى فرقة من الفرق المبتدعة.
ويلزم منه أيضا التبديع لكل من وقع في بدعة، بغض النظر عن ثبوت الشروط وانتفاء الموانع، وهذا من أبرز علامات الحدادية التي عرفوا بها.
قال الوالد العلامة ربيع –حفظه الله- في ذكر علامات الحدادية: (قولهم بتبديع كل من وقع في بدعة).

وقد أحببت أن أدلل أيضا –بإذن الله- في هذه (الحلقة) على وقوع الحذيفي في هذا المنهج المنحرف، وبيان براءة المنهج السلفي منه؛ ليكون تتمة لما سبق في الحلقة السابقة.
فأقول: صرح الحذيفي في منشوره: (وقفات مع الإبانة) بقوله: (الزلات المانعة من القدح فيه –يعني السني- مقيدة بأن يكون الخطأ صغيرا، وأن يكون صادرا عن اجتهاد دون علم بالنص الذي خالفه).اهـ

أقول: هذا التأصيل الحدادي يخرج العشرات من علماء أهل السنة من السنة الذين لم يسلموا من زلة من الزلات الكبيرة عن طريق الخطأ في الاجتهاد.
فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: (وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة.
إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة؛ وإما لآيات فهموا منها ما لم يرد منها، وإما لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم) (مجموع الفتاوى) (19/ 191-192)
فهل يستطيع الحذيفي أن يحكم على هؤلاء المجتهدين من السلف والخلف بالبدعة؛ لأنهم ارتكبوا الخطأ الكبير بقولهم وفعلهم ما هو بدعة؟!!
وهل يستطيع الحذيفي أن يحكم على الإمام ابن عبد البر –رحمه الله- بالخروج من السنة بسبب زلته في صفة الضحك لله سبحانه وتعالى؟!
وهل يستطيع الحذيفي أن يحكم على الإمام ابن خزيمة –رحمه الله- بالخروج من السنة بسبب زلته في مسألة الصورة لله تعالى؟!

ولا نعلم أحدا سبق الحذيفي إلى تبديع العالم السني بارتكاب الخطأ الكبير الصادر عن اجتهاد، بل القاعدة عند أهل العلم أن التعامل مع الزلة -الصادرة من العالم السني عن اجتهاد- يكون بثلاثة أشياء.
الأول: حمل كلامه على محمله الحسن.
الثاني: رد زلته عليه بما لا يؤدي إلى منكر أعظم، والتماس العذر له في ذلك.
الثالث: لا تهدر بذلك مكانته، وتطمس محاسنه.
وقد ذكرت –بفضل الله- شيئا من أقوال أهل العلم التي تدل على هذا التقعيد في منشوري (الموقف الشرعي من زلة العالم السني)

ومن ذلك:
قول الإمام ابن القيم –رحمه الله-: «ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل ومأجور لاجتهاده؛ فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين» (إعلام الموقعين) (3/220)

وقول الإمام الذهبي –رحمه الله-: «ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتباعه، يغفر له زلله، ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم، ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك» (سير النبلاء) (5/271)

وقول الإمام الشاطبي –رحمه الله-: «فلا بد من النظر في أمور تنبني على هذا الأصل، منها: أن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة ولا الأخذ بها تقليدا له، وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع، ولذلك عدت زلة، وإلا فلو كانت معتدا بها؛ لم يجعل لها هذه الرتبة، ولا نسب إلى صاحبها الزلل فيها.
كما أنه لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير، ولا أن يشنع عليه بها، ولا ينتقص من أجلها، أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتا، فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين» (الموافقات) (5/136-137)

فهؤلاء الأئمة ابن القيم والذهبي والشاطبي –رحمهم الله- ينصون على أن العالم السني قد تقع منه الزلة –أي عن اجتهاد- ولا يخرج بذلك عن السنة.
فمن أين للحذيفي أن الزلة المغتفرة من العالم السني مقيدة بأن يكون الخطأ صغيرا؟! ومن هو سلفه في هذا التأصيل والتقعيد؟! أم أن حاله كما قيل:
وإني وإن كنت الأخير زمانه### لآت بما لم تستطعه الأوائل

وتقييد الحذيفي الزلة التي لا يخرج صاحبه من السنة بالخطأ الصغير لا فائدة منه، بل هو تحصيل حاصل فمن الذي يسلم من الخطأ الصغير؟! سوى الأنبياء والرسل –عليهم الصلاة والسلام-
وإنما الشأن في وقوع العالم السني في الزلة والخطأ الكبير عن اجتهاد هل يخرج بذلك من السنة أم لا؟!

والمعروف أن الذين لا يفرقون في الحكم على الفرق المنحرفة من حيث العموم والأفراد، ويخرجون الشخص من السنة بمجرد الخطأ الكبير والزلة ولو كانت ناتجة عن اجتهاد هم الحدادية، لا السلفيون.
فلهذا حكم الحدادية على الإمامين الجليلين النووي وابن حجر –رحمهما الله- بالبدعة والخروج من السنة!
وهذا مما يلزم الحذيفي لأنه يرى أن الخطأ الكبير يخرج العالم السني من السنة ولو كان صادرا عن اجتهاد؟!!
ولأن الحذيفي لا يفرق في الحكم على المبتدعة من حيث العموم والتعيين، بل ويجعل ذلك قدحا في سلفية من يفرق! ودليلا على توسيعه لدائرة أهل السنة؟! كما سبق نص كلامه –بفضل الله- في (الحلقة الثالثة)

وقد تصدى للحدادية علماء السنة في هذا العصر، ودافعوا عن الإمامين ابن حجر والنووي –رحمهما الله- والتمسوا لهما الأعذار، ونصو ا على أن أخطاءهما هذه لا تخرجهما من أهل السنة.
فقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الإمام ابن باز –رحمه الله-: ما هو موقفنا من العلماء الذين أولوا في الصفات مثل ابن حجر والنووي وابن الجوزي وغيرهم هل نعتبرهم من أئمة أهل السنة والجماعة أم ماذا؟ وهل نقول: إنهم أخطأوا في تأويلاتهم أم كانوا ضالين في ذلك؟
فأجابت بعد كلام طويل: (موقفنا من أبي بكر الباقلاني والبيهقي وأبي الفرج بن الجوزي وأبي زكريا النووي وابن حجر وأمثالهم ممن تأول بعض صفات الله تعالى أو فوضوا في أصل معناها: أنهم في نظرنا من كبار علماء المسلمين الذين نفع الله الأمة بعلمهم -فرحمهم الله رحمة واسعة وجزاهم عنا خير الجزاء-
وأنهم من أهل السنة فيما وافقوا فيه الصحابة رضي الله عنهم وأئمة السلف في القرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير.
وأنهم أخطأوا فيما تأولوه من نصوص الصفات وخالفوا فيه سلف الأمة وأئمة السنة -رحمهم الله- سواء تأولوا الصفات الذاتية وصفات الأفعال، أم بعض ذلك) (فتاوى اللجنة الدائمة) (3/ 240-241)

ونص على عدم إخراج ابن حجر والنووي –رحمهما الله- من السنة بسبب زلاتهما الإمام الألباني –رحمه الله- كما في (سلسلة الهدى والنور) (724)
والإمام ابن عثيمين –رحمه الله- كما في كتاب (العلم) (ص149)
والإمام الوادعي –رحمه الله- كما في (إتحاف الخليل بمن تكلم فيهم الإمام الوادعي من الرواة بجرح أو تعديل) (ص170)

وسيرا على هذا المنهج السلفي السليم لما وقع العلامة بكر أبو زيد –رحمه الله- في تلك الزلة وهي الدفاع عن سيد قطب، لم يبدعه كبار علماء السنة في هذا العصر كالألباني وابن باز والعثيمين والوادعي والفوزان والمفتي والعباد.
بل العلامة ربيع –حفظه الله- الذي ناقشه بمؤلف خاص في هذه المسألة لم يبدعه بل اكتفى بتخطئته وأنكر على من نقل عنه تبديعه.
وزاد الإمام العثيمين –رحمه الله- على ذلك أنه شرح رسالة العلامة بكر –رحمه الله- (حلية طالب العلم) وأثنى عليه.

وسيأتي زيادة إيضاح للمنهج السلفي في هذه المسألة، وبيان زلل الحذيفي ومخالفته للمنهج السلفي فيها في (الحلقة الخامسة) -بإذن الله-
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كتبه/ نور الدين السدعي، بتاريخ (27/12/1436هـ)

أضف رد جديد