نظرات فيما نشره الحذيفي مؤخرا من وقفات(الحلقة الثالثة) - الشيخ السدعي

أضف رد جديد

كاتب الموضوع
عبدالملك الإبي
مشاركات: 274
اشترك في: شوال 1436

نظرات فيما نشره الحذيفي مؤخرا من وقفات(الحلقة الثالثة) - الشيخ السدعي

مشاركة بواسطة عبدالملك الإبي »

بسم الله الرحمن الرحيم
نظرات فيما نشره الحذيفي من وقفات
(الحلقة الثالثة)
إنكاره على الشيخ الإمام التفصيل في الإخوان المسلمين والتبليغ.


الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-
أما بعد: فقد نقل الحذيفي في (الحلقة الثالثة) التي هي بعنوان (ثناؤه على بعض الناس في الجماعات والسبب في ذلك) عدة نقولات عن الشيخ الإمام –حفظه الله- يفصل فيها الشيخ في شأن أفراد الإخوان المسلمين وفرقة التبليغ.

ومن ذلك قول الحذيفي: تكلم محمد الإمام في (الوثائق التآمرية) في بعض كتبه عن الإخوان المسلمين بكلام جيد، ثم استثنى بعض الإخوان المسلمين فقال: نحن نعلم أنه يوجد في الإخوان المسلمين إخوة أفاضل، يكرهون الرافضة أينما كانت وحيثما حلت؛ بسبب ما هي عليه من الشر المبطن، ولكن الغالب أن هؤلاء يُحارَبون من قبل قيادة الإخوان المسلمين ويُراقَبون، فلا قدرة لهم على الإصلاح في داخل الحزب ولا على التأثير على الأفراد إلا ما ندر، وهؤلاء الأفاضل ليس بأيديهم شيء.

ومن ذلك قول الشيخ الإمام: وقد مثلت بحزب الإخوان المسلمين –والمعروف في بلاد اليمن بالتجمع اليمني للإصلاح– دون غيرهم؛ لأنهم يزعمون أنهم واجهة الإسلام. وهيهات هيهات أن يكونوا كذلك! فكم حاربوا الإسلام باسم الإسلام!
ومن كان في أوساطهم وفيه خير وصلاح، فلا يمكنونه من دعوتهم، فهو خارج الخط، على حسب النظام السري الذي يسيرون عليها اهـ
ثم قال الحذيفي –بعد عدة نقولات من هذا القبيل-: فمحمد الإمام يرى أن الرجل قد يكون مع الإخوان المسلمين أو مع جماعة أخرى، ويكون سلفيا في الوقت نفسه.
 فهذا يدل على أن دائرة أهل السنة عند محمد الإمام واسعة، بينما السنة عند الأئمة هي التمسك بالإسلام المحض الخالص عن الشوب كما قال شيخ الإسلام، ولن يكون كذلك حتى تجتمع فيه خصال السنة كلها. اهـ


أقول: أولا: ليس في كلام الشيخ الإمام –حفظه الله- أن في أوساط الإخوان المسلمين من هو سلفي كما زعم الحذيفي.
ثانيا: على فرض ذلك فليس الشيخ الإمام هو العالم الوحيد من علماء أهل السنة الذي يرى أن الرجل قد يكون منتسبا إلى فرقة من الفرق وهو سلفي في الوقت نفسه.
ولبيان ذلك فلتعلم أن التفريق في الحكم على المبتدعة وأهل الأهواء من حيث العموم والتعيين هو العدل الذي قرره ونبه عليه جماعة من علماء الإسلام.

فالحكم على المُعَيَّن بالبدعة أو الكفر لابد فيه من ثبوت الشروط وانتفاء الموانع، بخلاف الحكم من حيث العموم؛ فهؤلاء الجهمية الذين نقل الإمام اللالكائي في كتابه (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة) (1/ 260 -342) إجماع (550) من سلف الأمة على تكفيرهم لقولهم بخلق القرآن.
ومع ذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: (مع أن الإمام أحمد لم يكفر أعيان الجهمية، ولا كل من قال إنه جهمي كفره، ولا كل من وافق الجهمية في بعض بدعهم.
بل صلى خلف الجهمية الذين دعوا إلى قولهم، وامتحنوا الناس وعاقبوا من لم يوافقهم بالعقوبات الغليظة، لم يكفرهم أحمد وأمثاله، بل كان يعتقد إيمانهم وإمامتهم ويدعو لهم) (مجموع الفتاوى) (7/507)
وقال –رحمه الله- مبينا منهج السلف في التفريق في الحكم على المبتدعة من حيث العموم والتعيين: (ولهذا كان السلف والأئمة يكفرون الجهمية في الإطلاق والتعميم، وأما المُعَيَّن منهم فقد يدعون له ويستغفرون له؛ لكونه غير عالم بالصراط المستقيم.
وقد يكون العلم والإيمان ظاهراً لقوم دون آخرين، وفي بعض الأمكنة والأزمنة دون بعض، بحسب ظهور دين المرسلين) (بيان تلبيس الجهمية) (1/ 10)
وقال –رحمه الله- موضحا اشتراط ثبوت الشروط وانتفاء الموانع في الحكم على المُعَيَّن: (فإن نصوص الوعيد التي في الكتاب والسنة، ونصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق ونحو ذلك، ﻻ يستلزم ثبوت موجبها في حق المُعَيَّن ، إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، ﻻ فرق في ذلك بين الأصول والفروع) (مجموع الفتاوى) (10/372)
وقال –رحمه الله- موضحا هذا أيضا: (مع أني دائما ومن جالسني يعلم ذلك مني، أني من أعظم الناس نهيا عن أن ينسب مُعَيَّن إلى تكفير وتفسيق ومعصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية، التي من خالفها كان كافرا تارة، وفاسقا أخرى، وعاصيا أخرى) (مجموع الفتاوى) (10/ 327)
ولما حصل الاعتراض على شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في المناظرة التي جرت بينه وبين خصومه في شأن (العقيدة الواسطية) في قوله فيها: (ومن أصول الفرقة الناجية أن الإيمان والدين قول وعمل يزيد وينقص... قالوا: فإذا قيل: إن هذا من أصول الفرقة الناجية، خرج عن الفرقة الناجية من لم يقل بذلك ... وإذا لم يكونوا من الناجين لزم أن يكونوا هالكين) .
رد شيخ الإسلام على إلزام خصومه له بكلام فرَّق فيه في الحكم من حيث العموم والتعيين، حيث قال -رحمه الله-: (ليس كل من خالف في شيء من هذا الاعتقاد، يجب أن يكون هالكاً، فإن المنازع قد يكون مجتهداً مخطئاً يغفر الله خطأه، وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة، وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته) (مجموع الفتاوى) (3/ 179)

وفصل الإمام الذهبي –رحمه الله- في شأن أفراد بعض الفرق بقوله: (غلاة المعتزلة، وغلاة الشيعة، وغلاة الحنابلة، وغلاة الأشاعرة، وغلاة المرجئة، وغلاة الجهمية، وغلاة الكرامية قد ماجت بهم الدنيا، وكثروا، وفيهم أذكياء وعباد وعلماء). (سير أعلام النبلاء) (20/ 45-46)

وقال الإمام الألباني –رحمه الله- مبينا خطر عدم التفريق في الحكم على المبتدعة من حيث العموم والتعيين: (نحن لا نعطي حكما نهائيا بالنسبة لكل الفرق الضالة، الحكم النهائي أنها فرق ضالة، أما أن نعطي حكما نهائيا في كل فرد من أفراد الفرق الضالة، فهذا جنف وبغي وظلم وعدوان لا يجوز.
عندنا مثلا الشيعة ومن يقال فيهم الرافضة كثير من علمائهم لا نشك في كفرهم وضلالهم كالخميني مثلا؛ لأنه أعلن كفره في رسالته (الحكومة الإسلامية)
لكن لا نستطيع أن ندين كل فرد من أفراد الشيعة أنه يتبنى هذه العقيدة؛ فيمكن أن يكونوا على الفطرة) (دروس صوتية) (29/6)

وقال الإمام العثيمين –رحمه الله-: (وأما الخطأ في العقيدة: فإن كان خطأ مخالفًا لطريق السلف، فهو ضلال بلا شك، ولكن لا يحكم على صاحبه بالضلال حتى تقوم عليه الحجة، فإذا قامت عليه الحجة، وأصر على خطئه وضلاله، كان مبتدعًا فيما خالف فيه الحق، وإن كان سلفيًّا فيما سواه) (العلم) (ص: 148-149)

ومن أمثلة سير العلماء على هذا التأصيل العلمي الدقيق أن شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- الذي نكل بالأشاعرة وكشف عوارهم، اعترف أن في أفرادهم فضلاء لهم مساع مشكورة وحسنات مبرورة.
فقد قال –رحمه الله- بعد كلام طويل عن الأشاعرة، وتحذير العلماء منهم: (ثم إنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساع مشكورة، وحسنات مبرورة.
وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع، والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على من عرف أحوالهم، وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف) (درء تعارض العقل والنقل) (2/ 102)

وهذا سماحة الإمام ابن باز –رحمه الله- يفصل في شأن بعض أفراد الأشاعرة فيصفهم بالأئمة والعلماء والأخيار، حيث قال: (الأشاعرة من أهل السنة في غالب الأمور، ولكنهم ليسوا منهم في تأويل الصفات، وليسوا بكفار، بل فيهم الأئمة والعلماء والأخيار، ولكنهم غلطوا في تأويل بعض الصفات) (مجموع فتاوى ابن باز) (28/ 256)

وهكذا يجري التفصيل في الحكم على الإخوان المسلمين من حيث التعميم والتعيين.
فإذا كان التفصيل في الحكم على الفرق من حيث العموم والأفراد يقال في حق الرافضة والجهمية، فمن باب أولى أن يقال في حق الإخوان المفلسين.

وليس الشيخ الإمام -السيف المسلول على الإخوان المسلمين في اليمن- هو العالم الوحيد من علماء أهل السنة الذي سار على منهج السلف في التفصيل في شأن الإخوان المسلمين والتبليغ، مع بيانه لزيغهم وانحرافهم، وتصريحه هنا عن الإخوان أنهم طالما حاربوا الإسلام باسم الإسلام!
بل هذه فتوى الإمام الألباني والإمام الوادعي –رحمهما الله- في شأن هذه الفرقة الضالة المنحرفة عن الصراط المستقيم.

قال الإمام الألباني –رحمه الله-: (نرى جماعة التبليغ والإخوان المسلمين وحزب التحرير كجماعة لا أقول: كل فرد منهم؛ لأني أعرف أن في الإخوان وفي كل الجماعات هذه أفرادا يمشون معنا على الخط السلفي؛ لأنه لا يستطيع أحد أن يجادلنا بأن هذا الخط الذي نحن ماضون فيه هو الذي قال عنه ربنا: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)
ولذلك فنحن نعلم بالتجربة أن في كل هذه الجماعات أفرادا معنا على هذا الخط علما وعملا، لكن كجماعة كلهم لا يقومون بالفرض العيني). (دروس صوتية) (9/15)
وقال –أقر الله عينه بالجنة-: (الإخوان المسلمون فيهم من جميع الطوائف، فيهم سلفيون، فيهم خلفيون، فيهم شيعة، فيهم كذا وكذا ... فلا يصح أن يطلق عليهم صفة واحدة، وإنما نقول: من تبنى منهجا خلاف الكتاب والسنة من أفرادهم فهو ليس من الفرقة الناجية بل هو من الفرقة الهالكة). (سلسلة الهدى والنور) (666)

وسئل شيخنا الإمام الوادعي –رحمه الله- هل جماعة الإخوان المسلمين والتبليغ من أهل السنة والجماعة أم لا ؟
فأجاب: (جماعة الإخوان المسلمين والتبليغ والقطبية الأولى أن يُحكَم على مناهجهم،
فمناهجهم ليست بمناهج أهل السنة والجماعة.
أما الأفراد فبعض الناس يكون ملبساً عليه ويكون سلفيا، ويأتون إليه من باب نصر دين الله، ويمشي معهم ولا يدري ما هم عليه.
فالأفراد خليط لا يستطاع أن يحكم عليهم بحكم عام، لكن المناهج ليست مناهج أهل السنة) (غارة الأشرطة) (2/8)
وسئل –رحمه الله- ما هو موقف أهل السنة والجماعة من الإخوان المسلمين وحزب التحرير؟!
فأجاب: (موقف أهل السنة والجماعة من الإخوان المسلمين أنهم يحكمون على منهجهم بأنه منهج مبتدع، وعلى أفرادهم بأنه من كان يعلم بالمنهج ويلتزم به فإنه مبتدع.
ومن كان لا يعلم المنهج وهو يظن أنه ينصر الإسلام والمسلمين فيعتبر مخطئًا). (تحفة المجيب) (ص 203).
وقال–قدس الله روحه-: «من الإخوان المسلمين شباب طيبون يحبون السنة وما يتبعون الإخوان المسلمين إلا لأنهم يظنون أنهم على الحق وأنهم أهدى سبيلا». (من فقه الإمام الوادعي) (1 /80).
وقال –نور الله ضريحه-: «ما نَعُدُّ كل واحدٍ من الإخوان المفلسين ومن أصحاب الجمعية مبتدعًا، من عرف منهجهم وتبناه ورضي به فهو مبتدع.
أما رجل دخل معهم وهو يظن أنه ينصر دين الله فهو أضل من حمار أهله، لكن ما هو مبتدع، لا بد أن نضع الأشياء مواضعها، والله المستعان». شريط (أسئلة في المصطلح) لسنة (1419هـ)

فهذان الإمامان الألباني والوادعي –رحمهما الله- يفصلان في شأن الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ، ويصرحان بأن في أفرادهم من هو سلفي، وهذا أعظم مما صرح به الشيخ الإمام.

فإن كان تفصيل الشيخ الإمام في شأن أفراد الإخوان المسلمين يعد عند الحذيفي قدحا في سلفيته ودليلا على توسيعه لدائرة أهل السنة، فيلزمه أن يكون هذا أيضا قدحا في سلفية السلف الصالح الذين نقل عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- التفريق في الحكم على الجهمية من حيث الإطلاق والتعيين!
ويلزمه أيضا أن يكون هذا قدحا في سلفية شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- الذي صرح بالتفصيل في الجهمية وصرح أن في الأشاعرة فضلاء لهم مساع مشكورة وحسنات مبرورة.
ويلزمه أن يكون هذا قدحا في سلفية الإمام الذهبي –رحمه الله- الذي صرح أن في غلاة المعتزلة، والشيعة، والأشاعرة، والمرجئة، والجهمية، والكرامية، أذكياء وعباد وعلماء.
ويلزمه أن يكون هذا قدحا في سلفية سماحة الإمام ابن باز –رحمه الله- الذي صرح أن في الأشاعرة الأئمة والعلماء والأخيار.
ويلزمه أن يكون هذا قدحا في سلفية الإمام الألباني –رحمه الله- الذي صرح أن من أفراد المنتمين للإخوان والتبليغ وحزب التحرير من هو سلفي!
ويلزمه أن يكون هذا قدحا في سلفية الإمام العثيمين –رحمه الله- الذي صرح أنه لا يُحكَم على صاحب الخطأ في العقيدة بالضلال حتى تقوم عليه الحجة، ويصر على خطئه.
ويلزمه أن يكون هذا قدحا في سلفية الإمام الوادعي –رحمه الله- الذي صرح أن من أفراد الإخوان والقطبية والتبليغ من هو سلفي، وأن من الإخوان المسلمين شباب طيبين يحبون السنة!

ويلزم الحذيفي أن يكون هذا أيضا دليلا على توسيع هؤلاء العلماء لدائرة أهل السنة!!!
حيث إن الحذيفي يرى أنه لا يمكن أن يكون في فرقة من الفرق من هو سلفي في حقيقة الأمر، بل يجعل هذا قدحا في سلفية من يرى ذلك ودليلا على توسيعه لدائرة أهل السنة! كما سبق نص كلامه -بفضل الله-

وتأصيل الحذيفي الذي هنا من تعميم الحكم بالبدعة على كل فرد من أفراد أهل البدع، يلزم منه التبديع لكل من وقع في بدعة بغض النظر عن ثبوت الشروط وانتفاء الموانع، وهذا تأصيل حدادي خبيث.
وسيأتي بيان فساده أكثر في (الحلقة الرابعة) –إن شاء الله-

وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه/ نور الدين السدعي (25/12/1436هـ)

أضف رد جديد