(الموقف الشرعي من زلة العالم السلفي) للشيخ نور الدين السدعي

أضف رد جديد

كاتب الموضوع
عبدالملك الإبي
مشاركات: 274
اشترك في: شوال 1436

(الموقف الشرعي من زلة العالم السلفي) للشيخ نور الدين السدعي

مشاركة بواسطة عبدالملك الإبي »

بسم الله الرحمن الرحيم
(الموقف الشرعي من زلةالعالم السلفي)
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-
أما بعد:

فلما جعل الله لعلماء أهل السنة من القبول في أوساط الناس والثقة بفتاويهم تجد المبتدعة يتربصون بزلات هؤلاء العلماء، فإن صدرت من أحدهم زلة توافقهم في الظاهر طاروا بها فرحا وتشبثوا بها، لتمرير بدعهم وانحرافاتهم، قال الإمام الشوكاني –رحمه الله-: وقد جرت قاعدة أهل البدع في سابق الدهر ولاحقه بأنهم يفرحون بصدور الكلمة الواحدة عن عالم من العلماء ويبالغون في إشهارها وإذاعتها فيما بينهم، ويجعلونها حجة لبدعتهم، ويضربون بها وجه من أنكر عليهم. (أدب الطلب ومنتهى الأدب) (ص: 64)

وإن كانوا يرون أن هذه الزلة ستحط من قدر هذا العالم قاموا بإشاعتها وتضخيمها، وتحميلها فوق ما تحتمل، ولو تراجع صاحبها عنها وأبان مراده السليم منها، فإنهم لا يقبلون ذلك منه، بل يكذبونه ويقدحون في نيته ويحملون كلامه على أسوأ المحامل! عياذا بالله. حالهم كما قيل:

إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا ### مني وما سمعوا من صالح دفنوا
صم إذا سمعوا خيرا ذُكِرتُ به ### وإن ذُكِرتُ بشـر عندهم أذنوا

ويمثلهم في هذا العصر الفرقة الحدادية - وما يتفرع عنها بين الحين والآخر - المعروفة بعدائها لعلماء أهل السنة وتتبع عثراتهم وتضخيمها وإدانتهم وتبديعهم بها ولو تراجع أصحابها عنها،
قال الوالد العلامة ربيع المدخلي -حفظه الله: «الحدادية لهم أصل خبيث، وهو أنهم إذا ألصقوا بإنسان قولاً هو بريء منه ويعلن براءته منه، فإنهم يصرون على الاستمرار على رمي ذلك المظلوم بما ألصقوه به، فهم بهذا الأصل الخبيث يفوقون الخوارج

http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=143655 (64)./

ردا على هؤلاء وأمثالهم كتبت هذا المقال لبيان الموقف الشرعي تجاه الزلة من العالم السني، الموقف الوسط بين الغلو والجفاء، وبين الإفراط والتفريط.
فأقول –مستعينا بالله-:
من أعظم مميزات أهل السنة والجماعة ملازمة العدل والإنصاف مع الصديق والعدو، والقريب والبعيد، ومن عدلهم الذي امتازوا به عدم التسوية في التعامل مع الخطأ الصادر من العالم السني والخطأ الصادر من غيره من أهل البدع والأهواء، فالخطأ الصادر من المبتدع دليل على بدعته وانحرافه، والخطأ الصادر من العالم السني لا يكون دليلا على بدعته وانحرافه، بل يكون التعامل معه في هذه الحالة بثلاثة أمور:

الأول: حمل كلامه على محمله الحسن.

الثاني: رد زلته عليه بما لا يؤدي إلى منكر أعظم، والتماس العذر له في ذلك.

الثالث: لا تهدر بذلك مكانته، وتطمس محاسنه.

وهاك أخي الكريم من كلام السلف الصالح ما يدل على ذلك:
  • أما بالنسبة لرد خطئه عليه، فلأن الخطأ لا يجوز السكوت عنه مع القدرة على إنكاره واقتضاء المصلحة ذلك، للأدلة الكثيرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

  • وأما بالنسبة لالتماس العذر له في ذلك، فقال الإمام أبو قلابة الجرمي –رحمه الله-: )إذا بلغك عن أخيك شيئا تكرهه فالتمس له العذر جهدك، فإن لم تجد له عذرا فقل في نفسك: لعل لأخي عذرا لا أعلمه) (حلية الأولياء) (2/285)
    وقال سماحة الإمام ابن باز –رحمه الله-: «والمؤمن ينبغي أن يحمل كلام أخيه المسلم على أحسن المحامل، وقد قال بعض السلف: لا تظن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا». (مجموع فتاوى ابن باز) (7/ 313).
    وقال الإمام الألباني –رحمه الله-: «اللغة العربية واسعة فإذا تحمل كلام مسلم معنى سليما ومعنى غير سليم، وجب حمله على المعنى السليم وليس على المعنى غير السليم». (سلسلة الهدى والنور) رقم (164).
وأما بالنسبة لعدم هدر مكانته وطمس محاسنه بسبب ذلك، فيدل على ذلك ما في هذه الأقوال:
  • -قال الإمام ابن القيم –رحمه الله-: ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل ومأجور لاجتهاده؛ فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلم ((إعلام الموقعين عن رب العالمين) (3/ 220)
    وقال –رحمه الله-: ولكن من قواعد الشرع والحكمة أيضا أن من كثرت حسناته وعظمت وكان له في الاسلام تأثير ظاهر؛ فإنه يحتمل له مالا يحتمل لغيره ويعفي عنه مالا يعفي عن غيره، فإن المعصية خبث، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث، بخلاف الماء القليل فإنه لا يحمل أدنى خبث.

    وهذا أمر معلوم عند الناس مستقر في فطرهم أن من له ألوف من الحسنات فإنه يسامح بالسيئة والسيئتين ونحوها، حتى إنه ليختلج داعي عقوبته على إساءته وداعي شكره على إحسانه فيغلب داعي الشكر لداعي العقوبة كما قيل:
    وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ### جاءت محاسنه بألف شفيع
    )مفتاح دار السعادة (1/ 176-177)

  • -قال الإمام الذهبي –رحمه الله-:- ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتباعه، يغفر له زلله، ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم، ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك. (سير أعلام النبلاء (5/ 271)(
    وقال –رحمه الله-: ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفورا له، قمنا عليه، وبدعناه، وهجرناه، لما سلم معنا لا ابن نصر، ولا ابن مندة، ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق، وهو أرحم الراحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة. (سير أعلام النبلاء) (14/ 40)

  • قال الإمام الشاطبي –رحمه الله-: فلا بد من النظر في أمور تنبني على هذا الأصل:
    -منها: أن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة ولا الأخذ بها تقليدا له، وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع، ولذلك عدت زلة، وإلا فلو كانت معتدا بها؛ لم يجعل لها هذه الرتبة، ولا نسب إلى صاحبها الزلل فيها، كما أنه لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير، ولا أن يشنع عليه بها، ولا ينتقص من أجلها، أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتا، فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين. (الموافقات) )5L136-137(

  • قال الإمام الوادعي –رحمه الله-: والعالم إذا أخطأ وله فضائل غمرت أخطاؤه في فضائله، وما من أحد من العلماء إلا وله أخطاء، وكما قيل: لكل جواد كبوة، ولكل صارم نبوة. ولقد أحسن من قال: من الذي ما ساء قط ### ومن له الحسنى فقط
    ومن قال:
    ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها ### كفى المرء نبلا أن تعد معايبه
    ومن قال:
    ولست بمستبق أخا لا تلمه ### على شعث أي الرجال المهذب.
    (بلوغ المنى) (ص10-11)
ومع هذا فلا يكفي الإصابة في رد خطأ العالم السني، بل يجب الإخلاص لله تعالى في ذلك، وإلا كان الراد واقعا في الإثم بسبب فساد نيته.
قال الإمام العلائي -رحمه الله-: «جرح المجروحين من الرواة والشهود وذلك جائز بل واجب في غالب الصور للحاجة، قال: وهذا كله إذا صفت النيات وخلصت الطويات من شوب حسد أو عداوة دنيوية أو منافسة أو ما أشبه ذلك، فليتفقد القائل قلبه، وليتق الله ربه، فإنه لا يكون شيء من الأسباب الدنيوية كامناً ويلبس عليه الشيطان أن كلامه هذا إنما هو لله ولنصيحة المسلمين، وليس الأمر كذلك». ”نظم الفرائد“ (ص428-429).

كما ينبغي على الراد تحري العدل والإنصاف، وأن يتحرى الأساليب النافعة التي يرجى الانتفاع بها، قال سماحة الإمام ابن باز –رحمه الله-: «وما وجد من اجتهاد لبعض العلماء وطلبة العلم فيما يسوغ فيه الاجتهاد فإن صاحبه لا يؤاخذ به ولا يثرب عليه إذا كان أهلا للاجتهاد، فإذا خالفه غيره في ذلك كان الأجدر أن يجادله بالتي هي أحسن، حرصا على الوصول إلى الحق من أقرب طريق ودفعا لوساوس الشيطان وتحريشه بين المؤمنين، فإن لم يتيسر ذلك، ورأى أحد أنه لا بد من بيان المخالفة فيكون ذلك بأحسن عبارة وألطف إشارة، ودون تهجم أو تجريح أو شطط في القول قد يدعو إلى رد الحق أو الإعراض عنه، ودون تعرض للأشخاص أو اتهام للنيات أو زيادة في الكلام لا مسوغ لها. وقد كان الرسول –صلى الله عليه وعلى آله سلم- يقول في مثل هذه الأمور ما بال أقوام قالوا كذا وكذا». (مجموع فتاوى ابن باز) (7/ 313).
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كتبه/ نور الدين السدعي ليلة (2/11/1436هـ)

أضف رد جديد