(180)سلسلة التوحيد والعقيدة
ضمة
القبر
عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً، وَلَوْ
كَانَ أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْهَا نَجَا مِنْهَا
سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ » رواه الإمام أحمد(327).
ومعنى ضغطة القبر، أي:
ضيقا لا ينجو منه صالح ولا طالح، لكن الكافر يدوم ضغطه والمؤمن لا، والمراد به
التقاء جانبيه على الميت، كما في
«فيض القدير
»(2/501) للمناوي.
ومن أدلة
ضمة القبر:
عَنْ ابْنِ عُمَرَ،
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «هَذَا الَّذِي
تَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ، وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَشَهِدَهُ
سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، لَقَدْ ضُمَّ
ضَمَّةً، ثُمَّ فُرِّجَ عَنْهُ» رواه النسائي(2055).
وذكره والدي الشيخ مقبل
بن هادي الوادعي رَحِمَهُ الله في «الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين»(1/599).
ففي هذين
الدليلَين:
الإيمان بضمة القبر، وأنها ضمة مؤلمة كما يدل له ألفاظ الحديثَين، ففي الحديث الأول:
«وَلَوْ كَانَ
أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْهَا نَجَا مِنْهَا
سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ».
وفي اللفظ الثاني
«
لَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً، ثُمَّ فُرِّجَ عَنْهُ».
وما قيل: إن أصل ذلك أن
الأرض أمهم: منها خلقوا فغابوا عنها طويلًا، فتضمهم ضمة والدة غاب عنها ولدها،
فالمؤمن برفق، والعاصي بعنف؛ غضبًا عليه. كما في
«فيض
القدير
»(2/501) للمناوي.
فهذا قولٌ يرده الدليل كما سبق.
وما
الحكمة من ضغطة القبر للمؤمن؟
قال شيخ الإسلام في
«مجموع الفتاوى
»(7/501):
مَا يَحْصُلُ فِي الْقَبْرِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالضَّغْطَةِ وَالرَّوْعَةِ،
فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يُكَفَّرُ بِهِ الْخَطَايَا.
وهل هذه
الضمة من عذاب القبر؟
قال الذهبي في
«سير أعلام النبلاء
»(1/290):
هَذِهِ الضَّمَّةُ لَيْسَتْ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ فِي شَيْءٍ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ
يَجِدُهُ المُؤْمِنُ، كَمَا يَجِدُ أَلَمَ فَقْدِ وَلَدِهِ وَحَمِيْمِهِ فِي
الدُّنْيَا، وَكَمَا يَجِدُ مِنْ أَلَمِ مَرَضِهِ، وَأَلَمِ خُرُوْجِ نَفْسِهِ،
وَأَلَمِ سُؤَالِهِ فِي قَبْرِهِ وَامْتِحَانِهِ، وَأَلَمِ تَأَثُّرِهِ بِبُكَاءِ
أَهْلِهِ عَلَيْهِ، وَأَلَمِ قِيَامِهِ مِنْ قَبْرِهِ، وَأَلَمِ المَوْقِفِ
وَهَوْلِهِ، وَأَلَمِ الوُرُوْدِ عَلَى النَّارِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذِهِ
الأَرَاجِيْفُ كُلُّهَا قَدْ تَنَالُ العَبْدَ، وَمَا هِيَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ،
وَلاَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّم قَطُّ، وَلَكِنَّ العَبْدَ التَّقِيَّ يَرْفُقُ اللهُ
بِهِ فِي بَعْضِ ذَلِكَ أَوْ كُلِّهِ، وَلا رَاحَةَ لِلْمُؤْمِنِ دُوْنَ لِقَاءِ
رَبِّهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَأَنْذِرْهُم
يَوْمَ الحَسْرَةِ﴾
، وَقَالَ: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ
يَوْمَ الآزِفَةِ، إِذِ القُلُوْبُ لَدَى الحَنَاجِر﴾.
فَنَسْأَلُ اللهَ
تَعَالَى العَفْوَ وَاللُّطْفَ الخَفِيَّ، وَمَعَ هَذِهِ الهَزَّاتِ، فَسَعْدٌ
مِمَّنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَرْفَعِ الشُّهَدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
كَأَنَّكَ يَا هَذَا
تَظُنُّ أَنَّ الفَائِزَ لاَ يَنَالُهُ هَوْلٌ فِي الدَّارَيْنِ، وَلا رَوْعٌ،
وَلا أَلَمٌ، وَلا خَوْفٌ، سَلْ رَبَّكَ العَافِيَةَ، وَأَنْ يَحْشُرَنَا فِي
زُمْرَةِ سَعْدٍ.
[مقتطف من درس العقيدة
الواسطية، الدرس (35) لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]
المصدر
https://alwadei967.blogspot.com/2025/07/180.html