(8)من أحكام النكاح وآدابه
هل التعدد مباح أم مستحب؟
نحن استفدنا من والدي رَحِمَهُ اللهُ أنَّ التعدد مباح
.
أي
: لا يصل على حدِّ السنية والاستحباب
، وهذا قول جمهور أهل العلم
.
قال المرداوي رَحِمَهُ الله في
«الإنصاف
»(8
/16
): وَيُسْتَحَبُّ أَلَّا يَزِيدَ عَلَى وَاحِدَةٍ
، إنْ حَصَلَ بِهَا الْإِعْفَافُ
. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ
.
وقال الشافعي
: وأحِب له أن يقتصر على واحدة وإن أبيح له أكثر
؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا ﴾
[النساء
: 3
][النساء
: 3
].
فاعترض ابن داود على الشافعي
، وقال
: لِمَ قال الاقتصار على واحدة أفضل
، وقد كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع بين زوجات كثيرة
، ولا يفعل إلا الأفضل
، ولأنه قال
: «تناكحوا تكثروا»؟
فالجواب
: أن غير النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما كان الأفضل في حقه الاقتصار على واحدة
؛ خوفًا منه ألَّا يعدل
، فأما النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه كان يؤمَن ذلك في حقه
.
وأما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: «تناكحوا تكثروا»، فإنما ندب إلى النكاح لا إلى العدد
.
وقال صاحب
«زاد المستقنع
»: وَيُسَنُّ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ
، فعلَّقَ عليه الشيخ ابن عثيمين في
«الشرح الممتع
»(12
/10
) وذكر قولين لأهل العلم
.
وقال عن القول الثاني
: وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يسن أن يقتصر على واحدة
، وعلَّلَ ذلك بأنه أسلم للذمة من الجَوْرِ
؛ لأنه إذا تزوج اثنتين أو أكثر فقد لا يستطيع العدل بينهما
، ولأنه أقرب إلى منعتشتت الأسرة
، فإنه إذا كان له أكثر من امرأة تشتت الأسرة
، فيكون أولاد لهذه المرأة
، وأولاد لهذه المرأة
، وربما يحصل بينهم تنافر
؛ بناء على التنافر الذي بين الأمهات
، كما هو مشاهد في بعض الأحيان
، ولأنه أقرب إلى القيام بواجبها من النفقة وغيرها
، وأهون على المرء من مراعاة العدل
؛ فإن مراعاة العدل أمر عظيم
، يحتاج إلى معاناة
، وهذا هو المشهور من المذهب
.
فإن قال قائل
: قوله تعالى
: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ﴾[النساء
: 3
] ألا يرجَّح قولُ من يقول بأن التعدد أفضل
؟ لأنه قال
: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ﴾، فجعل الاقتصار على واحدة فيما إذا خاف عدم العدل
، وهذا يقتضي أنه إذا كان يتمكن من العدل فإن الأفضل أن ينكح أربعًا
؟
قلنا
: نعم
، قد استدل بهذه الآية من يرى التعدد
، وقال
: وجه الدلالة أن الله تعالى يقول
: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾[النساء
: 3
]، فجعل الاقتصار على واحدة فيما إذا خاف عدم العدل
.
ولكن عند التأمل لا نجد فيها دلالة على هذا
؛ لأن الله يقول
: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ﴾[النساء
: 3
]، كأنه يقول
: إن خفتم ألا تعدلوا في اليتامى اللاتي عندكم
، فإن الباب مفتوح أمامكم إلى أربع
، وقد كان الرجل تكون عنده اليتيمة بنت عمه أو نحو ذلك
، فيجور عليها
، ويجعلها لنفسه
، ويخطبها الناس ولا يزوجها
، فقال الله تعالى
: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَالنِّسَاء﴾، أي
: اتركوهن والباب أمامكم مفتوح لكم
، إلا أنه لا يمكن أن تتزوجوا أكثر من واحدة إذا كان في حال خوف عدم العدل
، فيكون المعنى هنا بيان الإباحة لا الترغيب في التعدد
.
وعلى هذا فنقول
: الاقتصار على الواحدة أسلم
، ولكن مع ذلك إذا كان الإنسان يرى من نفسه أن الواحدة لا تكفيه ولا تعفه
، فإننا نأمره بأن يتزوج ثانية وثالثة ورابعة
، حتى يحصل له الطمأنينة
، وغض البصر
، وراحة النفس
. اهـ.
فاستفدنا تقرير صحة ما قاله والدي رَحِمَهُ الله
، أن التعدد مباح
، وأن الاستدلال بآية النساء على أن التعدد أفضل في غير موضعه
؛ لأنها في سياق الإنكار على من يتزوج باليتيمة ويظلمها
.
وقد يصل إلى حدِّ السنية إذا كان عنده القدرة المالية والبدنية والعدل
، وعنده نية حسنة مما هو معروف من مصالح التعدد
، وكلٌّ أعرف وأدرى بنفسه
، فالمسألة مسؤولية أمام الله عَزَّ وَجَل
، وكلٌّ أعرف بنفسه
، والرجل يحتاج إلى قلبٍ من حديد
، أما إذا كان عاطفيًّا
، رقيق القلب فهذا يتعب
، يشقى
؛ لأنه سيلعب به النساء ويصير فريسةً لهُنَّ
.
-حال حديث: «إن الله كتب الغيرة على النساء
، فمن صبرت احتسابا كان لها مثل أجر شهيد»، هذا الحديث فيه عبيد بن الصباح ضعفه أبو حاتم
، وذكره الذهبي في ترجمته من
«ميزان الاعتدال
»(3
/20
)؛ إشارة إلى أنه من مناكيره
.
وذكره الشيخ الألباني في
«الضعيفة
»(813
)، وقال
: منكر
.
ويغني عنه قول ربِّنا عَزَّ وَجَل
: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ
(10
)﴾[الزمر
: 10
].
وهذا من الفتن والامتحان بالنسبة للمرأة
، والسلامة لا يعادلها شيء
، كما روى أبو داود
(4263
) عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ
، قَالَ
: ايْمُ اللَّهِ
، لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
: «إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنِ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنُ، وَلَمَنْ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهًا». ومن ابتُليت فلتصبر
.
والله أحكم الحاكمين هو الذي قدَّر هذا وشرعه
، ولكن بشرط القدرة على الإنفاق والعدل
﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً
﴾[النساء
: 3
].
هل يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق إذا تزوج عليها زوجها؟
ثبت عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
، قَالَ
: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» رواه أبو داود
(2226
).
فإذا كان طلبها الطلاق
؛ لمجرد أنه تزوج عليها
، هذا في غير ما بأس
، هذه كبيرة
.
ويبقى إذا خشيت على دينها الفتنة
. تخشى المرأة على دينها
؛ تخشى ألا تصبر
، أو تخشى أن تمتنع من القيام بحقوق الزوج
، فإنها مطالَبة ما دامت في عصمته مطالبة بالقيام بحقوقه، إذا كان لا يتنازل عن حقوقه
، فإذا كانت تخشى على دينها
، على ضعف إيمانها وعقيدتها فلا بأس يجوز لها أن تطلب الطلاق
.
أخرج البخاري
(5276
) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
، قَالَ
: جَاءَتْ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
، فَقَالَتْ
: يَا رَسُولَ اللَّهِ
، مَا أَنْقِمُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلاَ خُلُقٍ
، إِلَّا أَنِّي أَخَافُ الكُفْرَ
، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: «فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟» فَقَالَتْ
: نَعَمْ
، فَرَدَّتْ عَلَيْهِ
، وَأَمَرَهُ فَفَارَقَهَا
.
فالمختلعة ترد المهر للزوج
.
وقد سمعت والدي الشيخ مقبل الوادعي رَحِمَهُ الله يقول
: إذا خشيت على دينها من الفتنة لها أن تطلب الطلاق
. وهذا قول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في
«فتاوى نور على الدرب
»، قال رحمه الله
: فإذا تعذر الصبرُ على الزوج وخافت المرأة ألَّا تقيم حدود الله الواجبة عليها لزوجها، فلا بأس أن تطلب الطلاق
.
المصدر
https://alwadei967.blogspot.com/2023/02/8.html