(59)التذكير بسيرة سيد البشر
تسأل
إحدى النساء: يذكرون أن بعض أحاديث البخاري ومسلم تطعن في النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كحديث محاولة انتحار النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
يعني فما هو الجواب عنه؟
الجواب:
لقد مرَّ بنا في «الفصول
في سيرة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»(97): ثم مكث رسول الله صلى
الله عليه وسلم ما شاء الله أن يمكث لا يرى شيئًا، وفتر عنه الوحي، فاغتمَّ لذلك
وذهب مرارًا؛ ليتردى من رؤوس الجبال، وذلك من شوقه إلى ما رأى أول مرة، من حلاوة
ما شاهده من وحي الله إليه.
وكان هذا التعليق
التالي:
هذه اللفظة هي من
بلاغات الزهري رَحِمَهُ الله تَعَالَى، وهي عند البخاري برقم (6982) (وَفَتَرَ
الوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فِيمَا بَلَغَنَا، حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رُءُوسِ
شَوَاهِقِ الجِبَالِ، فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَيْ يُلْقِيَ
مِنْهُ نَفْسَهُ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ
رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ، وَتَقِرُّ نَفْسُهُ،
فَيَرْجِعُ، فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ،
فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ
ذَلِكَ).
قال الحافظ رَحِمَهُ
الله تعالى في «فتح الباري» تحت الرقم
المذكور: إن القائل: (فيما بلغنا) هو الزهري.
وقال الشيخ الألباني
رحمه الله تعالى في «الضعيفة» (10/ 453): يعني: أنه ليس بموصول.
وحكم الشيخ الألباني رَحِمَهُ
الله على المتن بالنكارة، وأنه قد جاء عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ في الحديث المتفق عليه «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ
فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا».
وبعد هذا حاشا
الشيخين البخاري ومسلم أن يطعنا في النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما
ألَّفا « الصحيحين»
إلا للذب عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن سنته.
قال الحافظ في مقدمة «فتح الباري»(7): وروينا
بِالْإِسْنَادِ الثَّابِت عَن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن فَارس، قَالَ: سَمِعت
البُخَارِيّ يَقُول: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وكأنني وَاقِف بَين يَدَيْهِ وَبِيَدِي مروحة أذب بهَا عَنهُ، فَسَأَلت بعض
المعبِّرين، فَقَالَ لي: أَنْت تذب عَنهُ الْكَذِب، فَهُوَ الَّذِي حَملَنِي على
إِخْرَاج «الْجَامِع الصَّحِيح».
وقد كان أبو زرعة الرازي أنكر على الإمام
مسلم تأليفه لكتابه الصحيح، وكذلك محمد بن مسلم بن وارة، فلما بيَّن الإمام مسلم
لابن وارة مراده، وحسن قصده قبِلَ عذره،
وهذا نصه:
في «أجوبة أبي زرعة
على سؤالات البرذعي»(2/676)، قال البرذعي: فلما رجعت إلى نيسابور في المرة الثانية
ذكرت لمسلم بن الحجاج إنكار أبي زرعة عليه روايته في هذا الكتاب، عن أسباط بن نصر،
وقطن بن نسير، وأحمد بن عيسى. فقال لي مسلم: إنما قلت: صحيح، وإنما أدخلت من حديث
أسباط، وقطن، وأحمد، ما قد رواه الثقات، عن شيوخهم، إلا أنه ربما وقع إليّ عنهم
بارتفاع، ويكون عندي من رواية من هو أوثق منهم بنزول، فأقتصِر على أولئك، وأصْل
الحديث معروف من رواية الثقات. وقَدِم مسلم بعد ذلك إلى الري، فبلغني أنه خرج إلى
أبي عبد الله محمد بن مسلم بن وارة فجفاه، وعاتبه على هذا الكتاب، وقال له نحوًا
مما قالــه أبو زرعة: إن هذا يطرق لأهل البدع علينا.
فاعتذر إليه مسلم،
وقال: إنما أخرجت هذا الكتاب، وقلت: هو صحاح، ولم أقل: إن ما لم أخرجه من الحديث
في هذا الكتاب ضعيف، ولكني إنما أخرجت هذا من الحديث الصحيح؛ ليكون مجموعًا عندي،
وعند من يكتبه عني فلا يرتاب في صحتها، ولم أقل: إن ما سواه ضعيف، ونحو ذلك مما
اعتذر به مسلم إلى محمد بن مسلم، فقبِل عذره، وحدثه.
وأُحذِّرُك من البحث
في مواقع أهل البدع، والقراءة في كتبهم، وسماع كلامهم؛ روى البخاري (4547)، ومسلم
(2665) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: تَلا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ، مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ
هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ، وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ،
وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ، وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ،
وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ
رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلْبَابِ﴾ [آل عمران:7]، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ
فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ».
وكوني على ثباتٍ من
دينك، وعقيدتك.
الإمام مالكُ جاء
إليه رجل وقال: إنِّي أريد أن أناظرَكَ، قال: فإن غلبتَني قال: اتبعتَني. قال فإن
جاءني رجلٌ آخر يناظرني وغلبَني. قال: اتبعتَه. قال: إذًا يصير دينُنا عرضةً
للتنقل، اذهب إلى شاكٍّ مثلِك؛ فإني على ثبات من دينِي.
اللهم احفظ لنا ديننا
وتوفنا مسلمين.
المصدر
https://alwadei967.blogspot.com/2023/05/59.html