(11)مقتطف من دروس بلوغ المرام
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ شَعْرَ رَأْسِي،
أَفَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ وَفِي رِوَايَةٍ: وَالْحَيْضَةِ؟ فَقَالَ:
«لَا، إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ» رَوَاهُ
مُسْلِمٌ.
قوله:
(وَالْحَيْضَةِ) هذه الرواية أيضًا عند مسلم، وقد حكم عليها ابن القيم في تهذيب
السنن»(1/259): أنها ليست محفوظة في حديث أم سلمة.
هذا الحديث من فوائده:
أنه
لا يلزم المرأة أن تنقض شعرها في غسل الحيض والجنابة.
وهذا عليه جمهور أهل العلم إلا إذا كان الماء لا
يصل إلى أصول الشعر إلا بنقضه فيجب نقضه،
أما إذا كان يصل فلا.
قال
ابن رجب في «فتح الباري»(2/110): أكثر العلماء على التسوية بين غَسَلَ الجنابة
والحيض، وأنه لا ينقض الشعر في واحد منهما. هذا كله إذا وصل الماء إلى غضون الشعر
المضفور، فإن لم يصل بدونه وجب نقضه عند الأكثرين. اهـ.
وقد بلغ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أن
عبدالله بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كان يأمر النساء أن ينقضن شعورهن
إذا اغتسلن من الجنابة، فأنكرت عليه، كما في الحديث الذي رواه مسلم (331).
وهذا من مناقب أم المؤمنين عائشة
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وأنها كانت تصدع بالحق، وترد بالدليل إذا بلغها شيء يخالف
الدليل.
أما
من حيث الاستحباب فيستحب للمرأة أن تنقض شعرها في غسل الجنابة والحيض؛ فقد بوب الامام
البخاري في «صحيحه» (بَابُ امْتِشَاطِ المَرْأَةِ عِنْدَ غُسْلِهَا مِنَ المَحِيضِ)،
ثم أخرج حديث عائشة، وفيه: فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَمْسِكِي عَنْ عُمْرَتِكِ» ورواه مسلم
(1211).
والشاهد
أنه إذا كان هذا للإحرام يستحب نقض الشعر، فالغسل من الحيض والجنابة من باب أولى
أنه مستحب.
وغسل الحيض كغسل الجنابة إلا في بعض المسائل:
يقول النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى
آلِهِ وَسَلَّمَ في غسل الحيض: «تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا
فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ
دَلْكًا شَدِيدًا، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا
المَاءَ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا». فَقَالَتْ
أَسْمَاءُ: وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا؟ فَقَالَ: «سُبْحَانَ الله! تَطَهَّرِينَ
بِهَا»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ-كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ-: تَتَبَّعِينَ أَثَرَ
الدَّمِ، وَسَأَلَتْهُ عَنْ غُسْلِ الجَنَابَةِ، فَقَالَ: «تَأْخُذُ مَاءً
فَتَطَهَّرُ، فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، أَوْ تُبْلِغُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ
عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تُفِيضُ
عَلَيْهَا المَاءَ»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ،
لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الحَيَاءُ، أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ. رواه مسلم
(332) عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وقد أفاد ثلاثة أحكام في غسل الحيض:
الأول:
استعمال الحواد في غسل الحيض كالسدر والشامبو.
الثاني:
المبالغة في دلك الرأس أشد من دلكه في غسل الجنابة « فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا
شَدِيدًا ».
والثالث:
تأخذ فرصة ممسكة وتتبع بها المواضع التي أصابها الدم.
وهذا الثالث يكون بعد الغسل، روى
البخاري (315)، ومسلم (332)عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ امْرَأَةً مِنَ
الأَنْصَارِ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ أَغْتَسِلُ
مِنَ المَحِيضِ؟ قَالَ: «خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً، فَتَوَضَّئِي ثَلاَثًا»
ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَحْيَا، فَأَعْرَضَ
بِوَجْهِهِ، أَوْ قَالَ: «تَوَضَّئِي بِهَا» فَأَخَذْتُهَا فَجَذَبْتُهَا،
فَأَخْبَرْتُهَا بِمَا يُرِيدُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فنستفيد:
استحباب تطييب المواضع التي أصابها الدم، كالمسك ونحوه من أنواع الطيب المناسبة
لتلك المواضع.
واستعمال
الصابون المطيب أثناء الغسل هذا كافٍ؛ لأن المقصود إزالة الرائحة الكريهة التي
علقت بالمحل، وبعضهم يقول: استعمال المسك في هذا الموضع بعد الغسل؛ لتكون المرأة
سريعة الحمل، لكن هذا التعليل غير صحيح؛ لأن هذا الحكم عام للمتزوجات ولغيرهن، والله
أعلم.
[مقتطف
من 33 من دروس بلوغ المرام لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]
المصدر
https://alwadei967.blogspot.com/2024/03/11_13.html