(49)أوصاف طالب العلم الشرعي
المجاهدة في تحصيل العلم
قال تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ
سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].
استنبط
الإمام السعدي رَحِمَهُ الله في «تفسيره»(635) في سورة العنكبوت
فوائد من هذه الآية، وقال:
دل
هذا على أن أحرى الناس بموافقة الصواب أهل الجهاد.
وعلى أن من أحسن فيما أُمر به أعانه الله ويسر
له أسباب الهداية.
وعلى أن من جد واجتهد في طلب العلم الشرعي، فإنه يحصل له من الهداية والمعونة على تحصيل
مطلوبه أمور إلهية، خارجة عن مدرك اجتهاده، وتيسر له أمر العلم،
فإن طلب العلم الشرعي من الجهاد في سبيل الله،
بل هو أحد نَوْعَي الجهاد، الذي لا يقوم به
إلا خواص الخلق، وهو الجهاد بالقول واللسان، للكفار والمنافقين،
والجهاد على تعليم أمور الدين، وعلى رد نزاع
المخالفين للحق، ولو كانوا من المسلمين. اهـ.
والله
الميسِّر، فليس كل أحدٍ يتيسر له سُبُلُ العلم، فكم من محبٍّ للعلم ولكنه لا يصبر على العلم
والحفظ؛ لضعْفِ همَّتِه وعزيمته، أو لا يجد
الحلقات ومن يتلقى على يديه ومَنْ يعينه، أو
لا يجد الأنيس من الجلساء الصالحين، فجلساؤه
من المهملين الذين لا يهمهم العلم النافع ولا زاد الآخرة فيتأثَّر بهم، أو يُصرَفُ بصوارفَ لا يستطيع دفعَها عافانا الله. إما مسؤولية كبيرة فوق الطاقة، مثل: بعض
النساء يستغرق وقتُها في أمور الطباخة بإلزام،
إما لكثرة ضيوف أو لكِبَر العائلة مع عدمِ المساعد فما يتهيأ لها أن تستفيد.
أو
أمراض في النفس، أو في الأهل فيُشغَل
بمداواتهم وخِدْمتِهم وتمريضهم والقيام عليهم،
أو انشغالات بالمكاسب، أو فتن. والفِتَنُ من أعظَمِ الصوارفِ عن العلم، ولهذا النّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى
آلِهِ وَسَلَّمَ يقول:«بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ
اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ
مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي
مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ
دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» رواه مسلم (118) عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وكان والدي يقول: اجتهدوا قبل أن تأتيكم الصوراف.
ونحن
في زمن الفتن، فتنة الحروب والحوادث، وفتنة الجدل والخلافات والتعصبات، وفتنة الدنيا والحزبيات...،
والمعافَى مَنْ عافاه الله. نسأل الله السلامة
والعافية.
وعلينا
أن نسلُكَ الأسباب التي تكون عونًا لنا في تيسير سُبُلِ العلم وتسهيله، ولا نستسلم للعَقَبَاتِ والنكبَات والعوائق التي
تقف في طريق العلم.
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكَها
...
إنَّ السفينة لا تمشي على
اليَبَسِ
نسأل الله سبحانه أن ييسرَ لنا طلب
العلم حتى نلقاه، وأن ييسر لنا ما قاله الإمام
أحمد: من المحبرة إلى المقبرة. آمين.
[مقتطف من دروس
التبيان في آداب حملة القرآن لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]
المصدر
https://alwadei967.blogspot.com/2023/11/49.html