(11) اختصار درس تبصرة العقول في شرح ثلاثة الأصول
(المَرتَبَةُ الثَّالِثَةُ) أي: المرتبة
الثالثة من مراتب الدين.
وأعلى مراتب الدين: الإحسان، وبعد
الإحسان الإيمان، والإسلام.
(الإِحسَانُ رُكنٌ وَاحِدٌ وَهُوَ: أَن تَعبُدَ
اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِن لَم تَكُن تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) هذا تعريف الإحسان شرعًا،
فسَّره رَسُول اللَّهِ الله صلى الله عليه وسلم.
والإحسان لغة: الإتقان.
(كَأَنَّكَ
تَرَاهُ) أي: تشاهده.
(فَإِن لَم
تَكُن تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)إذا كنت لا
تراه فالله يراك.
(وَالدَّلِيل
قَولُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ
مُحْسِنُونَ (128) ﴾ [النحل: 128]) هذا دليل
الإحسان.
معية الله على قسمين:
معية عامة: أي أن الله معنا بسمعه وبصره وعلمه وقدرته، قال الله تَعَالَى: ﴿
وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)﴾[الحديد: 4]. وهذه المعية لجميع الخلق.
ومعية خاصة: وهي تقتضي النصرة والحفظ والتأييد، قال تَعَالَى: ﴿
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) ﴾
[النحل: 128].
(وقَولُهُ:
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ
(218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
(220) ﴾[الشعراء])
التوكل: صِدْقُ اعْتِمَادِ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ فِي
اسْتِجْلَابِ الْمَصَالِحِ، وَدَفْعِ الْمَضَارِّ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ كُلِّهَا.
﴿ الَّذِي
يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ﴾ أي: أن الله
يراه على أي حال، ويراه حين يقوم إلى الصلاة
راكعًا، ساجدًا.
(وقَولُهُ:
﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ
مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾[يونس: 71])
الشأن: الخَطْب والأمر.
﴿ إِذْ
تُفِيضُونَ فِيهِ ﴾الإفاضة: الدخول
في العمل.
وهذه
الأدلة فيها:
- أن الله مطلع على عباده
وأعمالهم.
-الحث على مراقبة الله.
المراقبة: دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى
على ظاهره وباطنه قاله ابن القيم.
(وَالدَّلِيلُ
مِنَ السُّنَّةِ حَدِيثُ جِبرَائِيلَ المَشهُورِ عَن عُمرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ: بَينَمَا نَحنُ جُلُوسٌ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ذات يوم إِذ طَلَعَ عَلَينَا رَجُلٌ، شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ،
شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعرِ)
(شَدِيدُ
بَيَاضِ الثِّيَابِ) في هذا عدة
فوائد تتعلق بالعلم وآدابه، منها:
-النظافة والتجمل عند الذهاب إلى مجالس العلم من
غير مبالغة.
-وفيه لباس الأبيض من الثياب، وهذا يحتاجه الرجل، أما
المرأة فتخرج بجلبابها الساتر.
-وفيه أن الطالب يجلس أمام معلمه.
وقوله: (فَأَسنَدَ رُكبَتَيهِ إِلَى رُكبَتَيهِ، وَوَضَعَ
كَفَّيهِ عَلَى فَخِذَيهِ) قد جاءت رواية أنه وضعها على ركبتي النّبِيّ صلى
الله عليه وسلم كما عند النسائي، ورواية النسائي
تفصل النزاع في المسألة.
(فَقَالَ:
صَدَقْتَ، فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ، وَيُصَدِّقُهُ)
تعجَّبُوا لأن الذي يسأل
يكون جاهلًا، ولكن لأن السائل في الحقيقة
جبريل عليه الصلاة والسلام، الذي ينزل بالوحي
على النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
فنستفيد منه: أنه
لا بأس أن يسأل عن الشيء الذي يعلمه؛ ليستفيد
الحاضرون.
(قَالَ:
فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: «مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ
السَّائِلِ»)
-فيه أنه لا يعلم أحد متى تقوم الساعة إلا الله.
-وفيه السكوت عن الإجابة فيما لا يعلمه، وكما قال تَعَالَى: ﴿وَلَا
تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾[الإسراء: 36].
(قَالَ:
فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا)
أي: علاماتها.
(قَالَ:
«أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا)
أي: سيدتها، وهذا
فيه أقوال، منها:
أن البنت تشتري جارية-أمَة-، ولا تعلم أنها أمها،
فتكون الأم خادمة لسيدتها التي هي البنت.
وهذا من علامات الساعة
نؤمن بهذا وبجميع أشراط الساعة.
(وَأَنْ
تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي
الْبُنْيَانِ)
يعني: فقراء، حفاة
ليس عندهم نعل، عراة لا كساء لهم، ثم يصيرون أصحاب أموال وعمائر، هذا من علامات الساعة.
(قَالَ:
فَمَضَى) أي: مضى جبريل عليه الصلاة والسلام.
(فَلَبِثْنَا
مَلِيًّا) الزمن الطويل.
(اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ) فيه أن الصحابة كانوا يقولون: «اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ» بإضافة الرسول، وهذا في حياته صلى الله عليه وسلم، أما بعد وفاته فيقتصر على «اللهُ أَعْلَمُ» حتى ولو كان في الأمور الدينية، روى البخاري (4625)، ومسلم (2860) عن ابن عباس الحديث، وفيه
أنه يقال للنبي صلى الله عليه وسلم: «إنك لا
تدري ما أحدثوا بعدك».
والنبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حي في قبره حياة برزخية الله أعلم بكيفيتها، وهذا مضمون ما استفدنا من والدي رَحِمَهُ اللهُ في
هذه المسألة.
واستفدنا: أهمية معرفة أركان الإسلام والإيمان والإحسان، وأن هذا هو ديننا «أَتَاكُمْ
يُعَلِّمُكُمْ أَمرَ دِينَكُمْ»، فهذه المسائل هي أصول ديننا، فينبغي أن نحفظها، ونفهمها، ونحرص على نشرها، ونحرص
على تعليم أبنائنا هذه الأركان العظيمة.
المصدر
https://alwadei967.blogspot.com/2023/08/11.html