مِنْ فقه أسماء بنت أبي بكرٍ الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما
عَنْ عَبْدِ اللهِ، مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ خَالَ وَلَدِ عَطَاءٍ، قَالَ: أَرْسَلَتْنِي أَسْمَاءُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَالَتْ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ ثَلَاثَةً: الْعَلَمَ فِي الثَّوْبِ، وَمِيثَرَةَ الْأُرْجُوَانِ، وَصَوْمَ رَجَبٍ كُلِّهِ.
فَقَالَ لِي عَبْدُ اللهِ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ رَجَبٍ فَكَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الْأَبَدَ؟
وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنَ الْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ»، فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ الْعَلَمُ مِنْهُ.
وَأَمَّا مِيثَرَةُ الْأُرْجُوَانِ، فَهَذِهِ مِيثَرَةُ عَبْدِ اللهِ، فَإِذَا هِيَ أُرْجُوَانٌ، فَرَجَعْتُ إِلَى أَسْمَاءَ فَخَبَّرْتُهَا، فَقَالَتْ: هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ كِسْرَوَانِيَّةٍ لَهَا لِبْنَةُ دِيبَاجٍ، وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ بِالدِّيبَاجِ.
فَقَالَتْ: هَذِهِ كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ حَتَّى قُبِضَتْ، فَلَمَّا قُبِضَتْ قَبَضْتُهَا، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا، فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى يُسْتَشْفَى بِهَا. رواه مسلم (2069).
وللشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ الله في « شرح بلوغ المرام»(1/123) توضيح على هذا الحديث، من المناسب ذِكْرُهُ هنا، يقول رَحِمَهُ الله: أرسلت أسماء إلى ابن عمر تقول: إنه بلغني أنك تحرم العلم في الثوب - يعني: علم الحرير- وأنك تحرم ميثرة الأرجوان، وأنك تحرم صوم شهر رجب كله، الأرجوان: لون أحمر، والميثرة: وطاء يربط على ظهر الحمار من أجل أن يكون ألين للراكب وهي البرذعة، أرسلت إليه مولاها قال: أما ما ذكرت عن صوم رجب فكيف بمن يصوم الدهر كله؛ أصوم الدهر كله كيف أحرم شهر رجب؟ ! إذن صار القول بأنه يحرمه كذب.
وأما ما ذكرت من العلم فإني سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحرير: «إنما يلبسه من لا خلاق له»، وإني خفت أن يكون العَلَم من ذلك، فإذًا تركه؛ احتياطا وورعا ولم يحرمه.
وأما ما ذكرت من الميثرة - ميثرة الأرجوان- فهذه ميثرة عبد الله - يعني: نفسه- فإذا هي أرجوان، فيكون قد حرمها أو أحلها؟ أحلها، فانظر إلى السلف الصالح كيف يتأدب بعضهم مع بعض، ولا يذهب إذا نُقل عن شخص ما لم يقله يذهب ينشره بين الناس، لا بل أرسلَتْ إليه تسأله، وتبَيَّن أن ما نسب إليه ليس بصحيح، هذه لعلها تكون فائدة أفيد بكثير من الدروس. اهـ.
أقول: رضي الله تَعَالَى عن أسماء المرأة الفقيهة الصابرة الحكيمة؛ لقد دلَّ هذا الحديث على فقهِهَا من أوجُهٍ، منها:
-تثبُّتها في الشائعات، فكم مِنْ مسألة تُشاع وليس لها زِمام!
-نِقاشها لابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بأدبٍ واحترام في المسائل المختلف فيها، وهذا عين الفقه؛ فليس الفقه والرد بالسب والشتم.
-الرجوع عند الاختلاف إلى الأدلة؛ فأسماء احتجت بجواز عَلَمِ الحرير للرجل، وهذا ما لم يزد على أربع أصابع كما في حديث عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
- فهمُهَا للعقيدة؛ فهي تعلم مشروعية التبرك بآثار النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبما لامس جسده الشريف، وهذا خاص به دون أمته.
-حرصها على الخير هي وأختها عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ فقد حفظت أم المؤمنين عائشة جبة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ للتبرك بها، ثم أختها أسماء حفظتْهَا عندها؛ ليستمر خيرُها.
-حِرْصها على نفع الناس والتعاون معهم؛ فقد كانت تغسل الجبة للمرضى؛ لشفائهم، بإذن الله عَزَّ وَجَل.
-محبتها وكذا جميع الصحابة للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعظيمهم له؛ ولهذا يستشفون ويتبركون بآثار النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
المصدر
https://alwadei967.blogspot.com/2023/03/22.html