اختصار دروس الأمثال في القرآن

أضف رد جديد

كاتب الموضوع
أم عبدالله الوادعية [آلي]
مشاركات: 1274
اشترك في: جمادى الآخرة 1437

اختصار دروس الأمثال في القرآن

مشاركة بواسطة أم عبدالله الوادعية [آلي] »

(11) اختصار دروس الأمثال في القرآن

 
ضرب المثل في قوله تعالى: ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ(49)كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ(50)فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ﴾ [المدثر: 51].
 ﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ﴾ بضم الميم جمع حمار، وأما حمْر بإسكان الميم فهي الإبل النفيسة.
﴿ مُسْتَنْفِرَةٌ قال ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ: (وَتَحْتَ الْمُسْتَنْفِرَةِ مَعْنًى أَبْلَغُ مِنْ النَّافِرَةِ؛ فَإِنَّهَا لِشِدَّةِ نُفُورِهَا قَدْ اسْتَنْفَرَ بَعْضُهَا بَعْضًا وَحَضَّهُ عَلَى النُّفُورِ)، فلم يقل سبحانه: نافرة؛ لأن مستنفرة أبلغ في المعنى من النافرة، فهي لشدة نفورها مما تخاف قد استنفر وهيَّجَ بعضُها بعضًا على النفور.
مستنفرة فيها قراءتان: مستنفِرة اسم فاعل، أي: نافرة، يستنفر بعضها بعضا، والقراءة الثانية: مستنفَرة اسم مفعول، قال أبو حيان الأندلسي في «البحر المحيط»(10/339): مُسْتَنْفَرَةٌ بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَالْمَعْنَى: اسْتَنْفَرَهَا فَزَعُهَا مِنَ الْقَسْوَرَةِ.
﴿فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ﴾ فيه قولان للمفسرين، أحدهما: الأسد، والثاني: الرامي، وهو الصائد، وهذا من الألفاظ المشتركة.
أركان التشبيه: المشبه: وهم المشركون، وحرف التشبيه: وهو حرف الكاف، والمشبه به: حمر مستنفرة، ووجه التشبيه: من حيث الغباء والبلادة وشدة النفور، فهؤلاء المشركون يعرضون عن سماع القرآن وينفرون منه كما تنفر الحمر الوحشية ممن يريد افتراسها وعقرها، فهذا التشبيه في غاية الذم لهؤلاء المعرضين عن التذكير.
ونستفيد: التحذير من الإعراض عن التذكير والموعظة.
 وكما قال ربنا سبحانه: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)﴾[السجدة: 22]. فالمعرض عن التذكير من أعظم الناس ظلمًا، وتوعد الله عَزَّ وَجَل المعرض، فقال: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)﴾[طه: 124].
 والإعراض عن التذكير قد يكون بعدم السماع، وقد يكون بعدم العمل بما سمع، «وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ» رواه البخاري (66) عن أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ.
وهذا فيه تخويف لمن يطلب العلم أن يحذر من التساهل والتكاسل في العمل بما تعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [الجمعة: 5].
﴿ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ﴾ أوتوا التوراة.
﴿ أَسْفَارًا﴾ الأسفار: الكتب الكبار.
﴿بِئْسَ﴾ كلمة يؤتى بها للذم.
نستفيد من الآية أن من حمل العلم وحفظ من غير تدبر ولا تفهم ولا عمل به، فهذا مثله كمثل حمار على ظهره زاملة أسفار لا يدري ما فيها.
وهذا المثل ليس خاصًّا باليهود الذين نزل عليهم التوراة، قال ابن القيم رحمه الله: (فَهَذَا الْمَثَلُ وَإِنْ كَانَ قَدْ ضُرِبَ لِلْيَهُودِ، فَهُوَ مُتَنَاوِلٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِمَنْ حَمَلَ الْقُرْآنَ فَتَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ، وَلَمْ يُؤَدِّ حَقَّهُ، وَلَمْ يَرْعَهُ حَقَّ رِعَايَتِهِ) فكل من تعلم العلم ولم يعمل به فهو داخل في الآية.
أركان التشبيه: المشبه: الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها، يعني: الذي لا يعمل بعلمه، وحرف التشبيه: الكاف، والمشبه به: الحمار، ووجه تشبيه الذي لا يعمل بما تحمله من العلم بالحمار: لأن الحمار لا ينتفع بما يحمله من الكتب والعلم النافع، ولا يدري ما الذي يحمل هل يحمل كتبًا أو أمتعة أو غير ذلك، فكذلك اليهود يقرؤون التوراة ولم ينتفعوا بما فيها، والذي كان مِنْ أهمِّ ما فيها وأعظمه الإخبار برسالة نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، فكذبوا ولم ينتفعوا، كما قال عز وجل: ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)﴾[البقرة: 89].
وقد شبههم بالحمير وهم أسوأُ منه وأشد قبحًا؛ لأنهم لم ينتفعوا بما أعطاهم الله من آلة الإدراك والسمع والبصر والقلب، قال الحافظ ابن كثير في «تفسيره»(8/117): فَهُمْ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الْحَمِيرِ؛ لِأَنَّ الْحِمَارَ لَا فهمَ لَهُ، وَهَؤُلَاءِ لَهُمْ فُهُومٌ لَمْ يَسْتَعْمِلُوهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾[الأعراف: 179وقال هاهنا: ﴿بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. اهـ.
ونستفيد من هذه الآية مع ما تقدم:
-العمل بالعلم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن.
-الحث على تفهم المعاني، معاني آيات القرآن والأحاديث النبوية والشروحات المفيدة، فلا يكن حفظٌ من غير فهم. وقد امتن الله سُبحَانَهُ على نبيه سليمان، فقال: ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾[الأنبياء: 79].
فمن علم ولم يعمل بعلمه فهو داخل في الآية، ومن علم ولم يفهم له نصيب من الآية، وقد قال الله تَعَالَى: ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)﴾[العنكبوت: 43]. أثنى ربنا على أهل الفهم الذين يفهمون الأمثال.
-قبح اليهود وذمهم ومن كان على شاكلتهم.
-البراءة والعداوة لليهود ﴿ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.

المصدر
https://alwadei967.blogspot.com/2023/01/11_11.html


كاتب الموضوع
أم عبدالله الوادعية [آلي]
مشاركات: 1274
اشترك في: جمادى الآخرة 1437

(12) اختصار دروس الأمثال في القرآن

مشاركة بواسطة أم عبدالله الوادعية [آلي] »

(12) اختصار دروس الأمثال في القرآن

 

ضرب المثل في قوله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ الآية[الأعراف: 175-176].
﴿ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا ﴾ فيه دليل أن الله هو الذي يُعطي العلم ويُنعم به.
 ﴿فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ قال ابن القيم: أَيْ: خَرَجَ مِنْهَا كَمَا تَنْسَلِخُ الْحَيَّةُ مِنْ جِلْدِهَا، وَفَارَقَهَا فِرَاقَ الْجِلْدِ يَنسَلِخُ عَنْ اللَّحْمِ وَلَمْ يَقُلْ: فَسَلَخْنَاهُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي تَسَبَّبَ إلَى انْسِلَاخِهِ مِنْهَا بِاتِّبَاعِ هَوَاهُ .
هذه نصيحة من ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ أن القارئ يتأمل ويمعن النظر فيما تضمنه هذا المثل من الحِكم والمعاني.
﴿فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ﴾ أي: لحقه وأدركه، كما قال تعالى في قوم فرعون: ﴿ فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ﴾، ومعنى ﴿مُشْرِقِينَ﴾: أي: عند شروق الشمس.
﴿ لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ﴾ فيه قولان: أحدهما: أن الضمير وهو الهاء عائد إلى الإنسان المذكور، أي: لو شئنا لرفعنا منزلته بما علَّمْناه.
الثاني: عائد إلى الكفر بالآيات، كما قال مجاهد وعطاء: لرفعنا الكفر عنه بالإيمان وعصمناه، وهذا تعقبه ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ بأن التفسير الأول هو المراد، وأما القول الثاني فمن لوازم  تفسير الآية.
 ونستفيد أن الرفعة من الله سبحانه وليست بمجرد العلم وحده، وكما قال ربنا عز وجل: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)﴾[النور: 40]. قال ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ: (وَإِنَّمَا هِيَ-أي: الرفعة-بِاتِّبَاعِ الْحَقِّ وَإِيثَارِهِ وَقَصْدِ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى.
﴿ وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ ﴾ فيه أقوال للمفسرين متقاربة: ركن إلى الأرض، سكن، رضي بالدنيا.. الخ. والمعاني متقاربة.
﴿إِلَى الأَرْضِ ﴾ قال القنوجي رَحِمَهُ اللهُ في «فتح البيان»(5/79): هي هنا عبارة عن الدنيا؛ لأن بها المفاوز والقفار والمدن والضياع والمعادن والنبات، ومنها يستخرج ما يعاش به في الدنيا فالدنيا كلها هي الأرض.
﴿ وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ ﴾ هذا اللفظ جاء في آيات أخرى وهي تدل على البقاء والدوام، كقوله عز وجل: ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ﴾، وقال عز وجل: ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)﴾[الهمزة: 1-3أي: يظن أنه يبقى ولا يموت بسبب ماله.
الاستدراك بـ«لكن» يقتضي (أَنْ يُثْبِتَ بَعْدَهَا نَفَي مَا قَبْلَهَا، أَوْ يُنفِي مَا أَثْبَتَ)، ولكنه سبحانه وتعالى قال: ﴿ وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ ﴾ ولم يقل: لكنا لم نشأ أو فلم نرفع، ففيه إشكال: أن الله عَزَّ وَجَل ذكر المشيئة في رفعه، ثم استدرك بفعل العبد وهو الإخلاد إلى الأرض، فابن القيم رَحِمَهُ اللهُ يجيب عن هذا ويقول: (وَذَلِكَ أَنَّ مَضْمُونَ قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا﴾ [الأعراف: 176] أَنَّهُ لَمْ يَتَعَاطَ الْأَسْبَابَ الَّتِي تَقْتَضِي رَفْعَهُ بِالْآيَاتِ مِنْ إيثَارِ اللَّهِ وَمَرْضَاتِهِ عَلَى هَوَاهُ، وَلَكِنَّهُ آثَرَ الدُّنْيَا وَأَخْلَدَ إلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) فالله عَزَّ وَجَل قال: ﴿ وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ﴾؛ لأنه انسلخ من الآيات ولم يعمل بها. والباء في قوله: ﴿ لَرَفَعْنَاهُ بِهَا﴾ سببية، أي: بسببها.
وأما قول الزمخشري المعتزلي:وَلَوْ لَزِمَ آيَاتِنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا. فالزمخشري معتزلي قدري ينفي مشيئة الله عَزَّ وَجَل لأفعال العباد، فابن القيم رَحِمَهُ اللهُ تعقبه وناقشه و أبطل قوله، وأن الآية نص في إثبات مشيئة الله عز وجل، فلا مفرَّ من ذلك.
 فَأَيْنَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَوْ شِئْنَا﴾ [الأعراف: 176] مِنْ قَوْلِهِ: وَلَوْ لَزِمَهَا، ثُمَّ إذَا كَانَ المَلزُومُ لَهَا مَوْقُوعًا عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ وَهُوَ الْحَقُّ بَطَلَ أَصْلُهُ .
ففعل العبد واقع بمشيئة الله عَزَّ وَجَل، فما شاء الله كان، وما لم يشاء لم يكن ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)﴾[التكوير: 29].
﴿وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ أي: آثر سخط الله على مرضاته والدنيا وعاجلها على الدار الآخرة.
﴿ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ﴾(قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْكَلْبُ مُنْقَطِعُ الْفُؤَادِ، لَا فُؤَادَ لَهُ) معنى: ﴿ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ ﴾ أي: تطرده. ﴿ يَلْهَثْ ﴾(لَهَثَ)الْكَلْبُ أَخْرَجَ لِسَانَهُ مِنَ الْعَطَشِ أَوِ التَّعَبِ. كما في «مختار الصحاح»(285).  
﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَنستفيد منه: الحث على تدبر الأمثال والقصص والعبر.
هاتان الآيتان جاء أنها نزلت في عابد من بني إسرائيل كان اسمه بلعام بن باعوراء، وهذا من الإسرائيليات لم يثبت.
أركان التشبيه في هذه الآية: المشبه: من آتاه الله علمًا ولم ينتفع بعلمه وسلك طريق الضلال، حرف التشبيه: الكاف، والمشبَّه به: الكلب، وجه التشبيه: أن من لم ينتفع بعلمه فيثبت عليه ويهتدي بهديه يكون حاله كحال الكلب الذي يلهث إن طُرد لهث وإن ترك لهث، فهكذا من لم ينتفع بعلمه وآثر الدنيا على الآخرة شديد اللهف بعد الدنيا لا يشبعه شيء، قال ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ في كتاب الأمثال: (وَفِي تَشْبِيهِ مَنْ آثَرَ الدُّنْيَا وَعَاجِلِهَا عَلَى اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ مَعَ وُفُورِ عِلْمِهِ) أي: غزارة علمه. (بِالْكَلْبِ فِي حَالِ لَهَثِهِ سِرٌّ بَدِيعٌ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا الَّذِي حَالُهُ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ مِنْ انْسِلَاخِهِ مِنْ آيَاتِهِ وَاتِّبَاعِهِ هَوَاهُ إنَّمَا كَانَ لِشِدَّةِ لَهَفِهِ عَلَى الدُّنْيَا لِانْقِطَاعِ قَلْبِهِ عَنْ اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ فَهُوَ شَدِيدُ اللَّهَفِ عَلَيْهَا، وَلَهَفُهُ نَظِيرُ لَهَفِ الْكَلْبِ الدَّائِمِ فِي حَالِ إزْعَاجِهِ وَتَرْكِهِ) إلى أن قال: (فَهَذَا يَلْهَفُ عَلَى الدُّنْيَا مِنْ قِلَّةِ صَبْرِهِ عَلَيهَا، وَهَذَا يَلْهَثُ مِنْ قِلَّةِ صَبْرِهِ عَلَى الْمَاءِ، فَالْكَلْبُ مِنْ أَقَلِّ الْحَيَوَانَاتِ صَبْرًا عَنْ الْمَاءِ).
·    هذه الآية موعظة في التحذير من فتنة الدنيا وحطامها، وأنها من أسباب الانحراف.
·    ترهيب من أعطاه الله علمًا ولم ينتفع به.
·    أن العلم يحمي صاحبه من الشيطان ومن الفتن إذا عمل به، فإذا ترك العمل به سلط الله عليه الشيطان وأزاغه وأضله وأشقاه.
·    تخويف الإنسان من أن يوكله الله إلى نفسه، وأن من أعرض عن الله تخلى الله عنه.
·    وفيه خطر اتباع الهوى.
·    فيه التنفير من التشبه بالكلاب.

المصدر
https://alwadei967.blogspot.com/2023/01/12_31.html


كاتب الموضوع
أم عبدالله الوادعية [آلي]
مشاركات: 1274
اشترك في: جمادى الآخرة 1437

(13) اختصار دروس الأمثال في القرآن

مشاركة بواسطة أم عبدالله الوادعية [آلي] »

(13) اختصار دروس الأمثال في القرآن

 

قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: 12].
فوائد الآية:
- فيه تقسيم الظن إلى قسمين: منهي عنه وهو كثير، وجائز.
-تحريم سوء الظن بالمسلم الذي ظاهره العدالة والخير، كما في الحديث: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ»رواه البخاري (6064ومسلم (2563)عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. ويقول الله سبحانه: ﴿ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ﴾[يونس: 36].
-تحريم تجسس المسلم على أخيه المسلم.
-نستفيد: الأخذ بما ظهر وترك تتبع عيوب الآخرين، والجزاء من جنس العمل، كما في الحديث: «مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ» أخرجه الترمذي في «سننه» (2032)عَنْ ابْنِ عُمَرَ، والحديث في «الصحيح المسند»للوالد رحمه اللهجَوْفِ رَحْلِهِ» أي: بيته.
- التنفير عن الغيبة.
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ فيه تقوى الله، وترك هذه الخصال التي تنافي الأخوة الإيمانية. والحث على التوبة، فمن تاب توبة صادقة تقبَّل الله توبته، وجعله من المرحومين.
-هذه الآية فيها تشبيه تمثيلي، مثَّل المغتاب بمن يمزِّق جثة أخيه ويأكله، وهذا مما تنفر منه النفوس وتستبشعه، وخاصة الميت، وهذا غاية التنفير والتحذير عن الغيبة.
-ولذكر الموت في قوله: ﴿ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا ﴾ فائدة:وذلك لأن الغِيبة في حق الغائب دون الحاضر فكأنه ميت؛ لأنه يغتابه في حال غَيبته.
-وأيضًاالشخص الذي اغتيب غائب، فلا يستطيع أن يدفع عن نفسه، فكان هذا بمنزلة الميت الذي يمزَّقُ لحمه، ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه.
وذكر سُبحَانَهُ لفظ الأخ ﴿لَحْمَ أَخِيهِ؛ لأن مقتضى الأخوة التحابب والتراحم والنصرة، وكانت الغِيبة لأخيه بمنزلة تقطيع لحمه، فهي تنافي الأخوة الإيمانية.
-وشبه الغِيبة بالتفكه بالأكل؛ لأن المغتاب يتفكه ويتمتع بغِيبة أخيه والطعن في عرضه. فالمحبة معنى زائد على مجرد الأكل، فهذا يحب لحم أخيه،والأكل قدر زائد على تمزيق العرض، فهو يمزق ويأكل.
مسألة: هل الغِيبة تكون في الحضور والغَيبة أم في الغَيبة فقط؟
كلام ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ يفيد أنها تكون في حال الغَيبة فقط، وهذا الذي رجحه الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ وأخذه من اشتقاق الغِيبة.
وتحريم الغيبة عام حق المسلم صغيرًا أو كبيرًا ذكرًا أو أنثى، ويدخل فيه عيب الصورة الظاهرة والباطنة، كذلك نسبه، ويدخل فيه القول والفعل والكتابة.
ونستفيد من الآية: أن الغيبة من كبائر الذنوب، والغيبة داخلة في الظلم؛ لأنها من نهش الأعراض.
أدلة في تحريم الغيبة مع ما ذُكِر:
يقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الِاسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ» رواه أبو داود (4876)عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وهو في «الصحيح المسند»(435)لوالدي رَحِمَهُ الله.
ويقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا»رواه البخاري (1739)واللفظ له، ومسلم (1679) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
ويقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ، قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ» رواه أبو داود (4878) عَنْ أَنَسِ، وهو في «الصحيح المسند»(112)لوالدي رَحِمَهُ الله.
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا!، -تَعْنِي: قَصِيرَةًفَقَالَ: «لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْهُ»، قَالَتْ: وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَانًا، فَقَالَ: «مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ إِنْسَانًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا». رواه أبو داود (4875).
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» رواه مسلم (2581).
ويستثني من الغيبة ستة أمور، قال الشاعر:

الــــذَّمُّ لَيْسَ بِغِيبَـــــــــــــةٍ فِي سِتَّةٍ

مُتَظَلِّمٍ وَمُعَــــــــرِّفٍ وَمُحَـــــــذِّرٍ
وَلِمُظْهِرٍ فِسْقًا وَمُسْتَفْتٍ وَمَنْ

طَلَبَ الْإِعَانَةَ فِي إزَالَةِ مُنْكَرٍ
 

المصدر
https://alwadei967.blogspot.com/2023/02/13_26.html


كاتب الموضوع
أم عبدالله الوادعية [آلي]
مشاركات: 1274
اشترك في: جمادى الآخرة 1437

(14) اختصار دروس الأمثال في القرآن

مشاركة بواسطة أم عبدالله الوادعية [آلي] »

(14) اختصار دروس الأمثال في القرآن

 

قَوْله
تَعَالَى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ
اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا
عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ﴾ [إبراهيم: 18].

قوله
تَعَالَى: ﴿مَثَلُ﴾ أي: صفة.

 ﴿أَعْمَالُهُمْ﴾
أي: أعمالهم الخيرية تذهب أدراج الرياح، وكما ثبت في «صحيح مسلم»(214)عَنْ
عَائِشَةَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ
الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟
قَالَ: «لَا يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ».

﴿
كَرَمَادٍ﴾ الرَّمَادُ: مَا بَقِيَ بَعْدَ احْتِرَاقِ الشَّيْءِ. كما في «تفسير
القرطبي»(9/353).

﴿ذَلِكَ
هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ﴾ قال أبو حيان
رَحِمَهُ اللهُ في «البحر المحيط»(6/424): ذَلِكَ
إِشَارَةٌ إِلَى كَوْنِهِمْ بِهَذِهِ الْحَالِ. وَعَلَى
مِثْلِ هَذَا الْغَرَرِ الْبَعِيدِ الَّذِي يُعْمِقُ فِيهِ صَاحِبُهُ، وَأُبْعِدَ عَنْ طَرِيقِ النَّجَاةِ، وَالْبَعِيدُ عَنِ الْحَقِّ، أَوِ الثَّوَابِ.

﴿في يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾
 فيه قولان: أن العصوف من صفة الريح،
وإنما وُصف اليوم بالعصوف؛ لأن الريح
تكون فيه، كما يقال:
«
يوم حار، ويوم بارد».

أن في الآية حذف، أي: في يوم
عاصف الريح. فحذف الريح؛ لأنها قد ذُكِرت قبل ذلك في قوله تَعَالَى: ﴿وَجَرَيْنَ
بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾.

قوله سبحانه: ﴿ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ﴾ قال
ابن القيم: لَا يَقْدِرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِمَّا كَسَبُوا مِنْ
أَعْمَالِهِمْ عَلَى شَيْءٍ، فَلَا يَرَوْنَ لَهُ أَثَرًا مِنْ ثَوَابٍ وَلَا
فَائِدَةٍ نَافِعَةٍ.

الأعمال
أربعة: واحد مقبول وثلاثة مردودة.

المقبول: الْخَالِصُ
الصَّوَابُ، فَالْخَالِصُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ لَا لِغَيْرِهِ، وَالصَّوَابُ:
أَنْ يَكُونَ مِمَّا شَرَعَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

والمردود:

أن يكون العمل
لغير الله.

أن
يكون غير موافق لشرع الله عَزَّ وَجَل.

ما اتصف فيه
الأمران، يعني: اجتمع
فيه الأمران: عمل لغير الله، وغير موافق لشرع الله.

من
فوائد هذه الآية:

-بطلان عمل الكافر، وإحباطه، وضياعه.

قال ابن
الجوزي رَحِمَهُ اللهُ في «زاد المسير»(2/509): قال المفسرون: ومعنى
الآية: أن كل ما يتقرَّب به المشركون يُحْبَط
ولا ينتفعون به، كالرماد الذي سَفَتْه الريح
فلا يُقدَر على شيء منه، فهم لا يقدرون مما
كسبوا في الدنيا على شيء في الآخرة، أي: لا يجدون ثوابه، ذلِكَ
هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ من النجاة. اهـ.

أركان
التشبيه في هذه الآية:

المشبه: أعمال الكفار. حرف
التشبيه: الكاف. المشبه
به: الرماد الذي طيَّرته الريح في يوم عاصف. وجه الشبه: اضمحلال
أعمال الكفار التي عملوها من البر والخير كاضمحلال الرماد الذي طيَّرته الريح في
يوم عاصف، لا يبقى منه شيء، وهكذا أعمال الكفار لا يبقى لها أثر ولا نفع.

سبب التشبيه
بالرماد: قال ابن القيم: وَذَلِكَ لِلتَّشَابُهِ الَّذِي بَيْنَ أَعْمَالِهِمْ
وَبَيْنَ الرَّمَادِ فِي إحْرَاقِالنَّارِ،
وَإِذْهَابِهَا لِأَصْلِ هَذَا وَهَذَا. 
فَكَانَتْ الْأَعْمَالُ الَّتِي لِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَل وَعَلَى
غَيْرِ مُرَادِهِ طُعْمَةً لِلنَّارِ. وَبِهَا تُسَّعَرُ النَّارُ عَلَى
أَصْحَابِهَا، وَيُنْشِئُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمُ
الْبَاطِلَةِ نَارًا وَعَذَابًا.

 

المصدر
https://alwadei967.blogspot.com/2023/08/14_5.html


كاتب الموضوع
أم عبدالله الوادعية [آلي]
مشاركات: 1274
اشترك في: جمادى الآخرة 1437

(15) اختصار دروس الأمثال في القرآن

مشاركة بواسطة أم عبدالله الوادعية [آلي] »

(15) اختصار دروس الأمثال في القرآن

 



وَمِنْهَا
قَوْله تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا
كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ
وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ(24)تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا
وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ(25)﴾
[إبراهيم].

﴿أَلَمْ
﴾ الهمزة للاستفهام
الإنكاري، وهي تقتضي أن ما بعدها غير واقع، وأن مدعيه كاذب، فإذا
جاء بعدها نفي كان مثبتًا؛ لأن نفي النفي
إثبات.

وقد دخلت في هذه
الآية على نفي، فيكون المعنى: لقد ضرب الله مثلًا كلمة.


﴿
تَرَ ﴾ بمعنى: تعلم.

﴿كَلِمَةً
﴾ بدل من ﴿ مَثَلا﴾. الكلمة الطيبة: شهادة أن لا إله إلا الله
عند جمهور المفسرين، ولا مانع أن تكون الكلمة
الطيبة أعم كما قال تَعَالَى: ﴿وَهُدُوا إِلَى
الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)﴾[الحج: 24]. ولكن
أعلاها كلمة (لا إله إلا الله).

﴿
كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ﴾ فيه أقوال في
بيان الشجرة الطيبة: الإيمان، المؤمن، أنها
النخلة وهذا قول جمهور المفسرين واختاره ابن جرير، ودليله
حديث عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَهِيَ مَثَلُ
الْمُسْلِمِ
، حَدِّثُونِي
مَا هِيَ
؟». فَوَقَعَ
النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَادِيَةِ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ
.

 قَالَ عَبْدُاللهِ: فَاسْتَحْيَيْتُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنَا بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«هِيَ
النَّخْلَةُ».

 قَالَ عَبْدُاللهِ: فَحَدَّثْتُ أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي
نَفْسِي، فَقَالَ: لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ
إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا. رواه البخاري(131)، ومسلم(2811).

وقيل: شجرة في
الجنة. ولا دليل عليه. 

﴿
أَصْلُهَا ثَابِتٌ ﴾ الأصل: جذور الشجرة.

﴿تُؤْتِي
أُكُلَهَا ﴾ أي: ثمارها.

﴿
كُلَّ حِينٍ﴾ أي: في كل وقت ليلًا ونهارًا صيفًا وشتاءً. وثمارها أنواع: بلح، بُسر، رُطب، تمر رطبًا ويابسًا.

خلاصة
 فوائد درس هذا المثل:

-هاتان الآيتان من أدلة العقيدة، وأن العقيدة هي الأساس في السعادة، في قبول العمل، في
النجاح والفوز بالجنة.

-أن الكلمة الطيبة تُثمر الأعمال الصالحة.

-وفيه تصوير المعاني بالأمور المحسوسة؛ للتقريب إلى
الفهم، فثبات الإيمان في قلب المؤمن كثبوت
النخلة الراسخة التي ضربت عروقها في الأرض، فمهما هبت الريح لا تسقطها ولا تزحزحها.

-
أن شجرة الإيمان شجرة
مباركة، لها أصول وفروع، وثمار.

- قول جمهور المفسرين في الكلمة الطيبة أنها كلمة
التوحيد لا إله إلا الله، وأن الشجرة الطيبة
النخلة.

-
أن تفسير الشجرة الطيبة
بالنخلة، وتفسيرها بالمؤمن لا اختلاف بينهما؛ فكلاهما مشبَّهٌ بالآخر.

ذكر ابن القيم
فوائد وحِكَمًا بيَّن من خلالِها وجه التشابه بين المؤمن والنخلة:

الأول: أن هذه الشجرة لا بد لها من عدة أمور: أن يكون لها عروق وساق
،
وفروع، وورق،
وثمر، فكذلك شجرة الإيمان لا بد لها من
عروق، وأصول وهو الساق، وفروع، وثمر.

فالعروق العلم
والمعرفة واليقين، وأن يكون لها ساق-أي: أصل-وهو الإخلاص لله، وفروع
وهي الأعمال الصالحة، وثمر وهو ما تثمره هذه
الكلمة الطيبة من الأعمال الصالحة والتقوى والأخلاق والمكارم.

ومنها: أن
النخلة لا تبقى إلا بسقيها، فلا حياة لها بدون
ماء، فهكذا شجرة الإسلام في القلب تحتاج إلى
سقي بالوحي والعلم النافع.

ومنها: أن
الغرس والزرع الذي ينفع لا بد من رعايته؛ بإزالة
ما دخل بينه من نبت غريب ليس من جنسِهِ، ومن
أوساخ، فإذا رعاه وتعاهده كمُل غرسه وزرعه، وحصل النفع به، وإن
تركه أوشك أن يتلف أو تضعف الثمرة، فهكذا شجرة
الإيمان يرد عليها ما يُضعفها من فسوق، وخيانة، وفتن، وشهوات
وشبهات، ووسوسة الشيطان، والنفس الأمارة بالسوء،
فيحتاج إلى تنقيتِهِ وإزالة ما يوهنه.

 

المصدر
https://alwadei967.blogspot.com/2023/08/15_7.html

أضف رد جديد