تنبيه أهل الإيمان بفساد قول من قيد الإكراه بالسلطان

أضف رد جديد

كاتب الموضوع
أبوأنس بشير الجزائري
مشاركات: 77
اشترك في: صفر 1436

تنبيه أهل الإيمان بفساد قول من قيد الإكراه بالسلطان

مشاركة بواسطة أبوأنس بشير الجزائري »

تنبيه أهل الإيمان بفساد قول من قيد الإكراه بالسلطان


بسم الله الرحمن الرحيم



قال الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4/ 167 ـ 168) : (( وَلِهَذَا اعْتَمَدَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ البيهقي فِي كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي مَنَاقِبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - لَمَّا ذَكَرَ اعْتِقَادَهُ - اعْتَمَدَ عَلَى مَا نَقَلَهُ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْفَضْلِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ. وَلَهُ فِي هَذَا الْبَابِ مُصَنَّفٌ ذَكَرَ فِيهِ مِنْ اعْتِقَادِ أَحْمَدَ مَا فَهِمَهُ؛ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَلْفَاظَهُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ جُمَلَ الِاعْتِقَادِ بِلَفْظِ نَفْسِهِ وَجَعَلَ يَقُولُ: " وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ". وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُصَنِّفُ كِتَابًا فِي الْفِقْهِ عَلَى رَأْيِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ وَيَذْكُرُ مَذْهَبَهُ بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ وَرَآهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ بِمَذْهَبِ ذَلِكَ الْإِمَامِ أَعْلَمَ مِنْهُ بِأَلْفَاظِهِ وَأَفْهَمَ لِمَقَاصِدِهِ؛ فَإِنَّ النَّاسَ فِي نَقْلِ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ قَدْ يَكُونُونَ بِمَنْزِلَتِهِمْ فِي نَقْلِ الشَّرِيعَةِ. وَمِنْ الْمَعْلُومِ: أَنَّ أَحَدَهُمْ يَقُولُ: حُكْمُ اللَّهِ كَذَا أَوْ حُكْمُ الشَّرِيعَةِ كَذَا بِحَسَبِ مَا اعْتَقَدَهُ عَنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ؛ بِحَسَبِ مَا بَلَغَهُ وَفَهِمَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَعْلَمَ بِأَقْوَالِ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ وَأَعْمَالِهِ وَأَفْهَمَ لِمُرَادِهِ. فَهَذَا أَيْضًا مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يَكْثُرُ وُجُودُهَا فِي بَنِي آدَمَ. )) ا.هـ
أقول:
من عجيب وجهل ما رأيت في هذا الباب من التحريف في فهم كلام أهل العلم والتضييق لمقاصد الشريعة والتعطيل لحكمها النافعة من حصر الإكراه على كلمة الكفر ومواقعة المخالفة في السلطان ، أما إذا وقع هذا الإكراه أو الخوف من غيره من قطاع الطريق أو من العدو الغاشم أو من الباغي الظالم ، فلا عبرة به !!!
ومن ذلك ما شغب به ياسين العدني على الشيخ محمد بن عبدالله الإمام في قوله : (( أن القائم بمحنة خلق القرآن هو وليّ الأمر (المأمون)، فلا يستطيع العلماء أن يفرّوا منه، فسائر بلاد المسلمين تحت حكمه... أما محمد الإمام فإن الذين وقّع معهم ليسوا ولاة الأمر. )) ([1])
مع أن النصوص في هذا الباب جاءت مطلقة ولم تقيد وتحصر الإكراه في السلطان .
قال الله تعالى : {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ ([2])
قال الإمام القرطبي : (( لَمَّا سَمَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْكُفْرِ بِهِ وَهُوَ أَصْلُ الشَّرِيعَةِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ وَلَمْ يُؤَاخِذْ بِهِ، حَمَلَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ فُرُوعَ الشَّرِيعَةِ كُلَّهَا، فَإِذَا وَقَعَ الْإِكْرَاهُ عَلَيْهَا لَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ ولم يترتب عَلَيْهِ حُكْمٌ، وَبِهِ جَاءَ الْأَثَرُ الْمَشْهُورُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ" الْحَدِيثَ. والخبر وإن لم يصح سنده فإن معنا صَحِيحٌ بِاتِّفَاقٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ. وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ أَنَّ إِسْنَادَهُ صَحِيحٌ، قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَصِيلِيُّ فِي الْفَوَائِدِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابِ الْإِقْنَاعِ.
الرَّابِعَةُ- أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ حَتَّى خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْقَتْلَ، أَنَّهُ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنْ كَفَرَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ، وَلَا تَبِينُ مِنْهُ زَوْجَتُهُ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْكُفْرِ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالْكُوفِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّ، غَيْرَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَإِنَّهُ قَالَ: إِذَا أَظْهَرَ الشِّرْكَ كَانَ مُرْتَدًّا فِي الظَّاهِرِ، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْإِسْلَامِ، وَتَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إِنْ مَاتَ، وَلَا يَرِثُ أَبَاهُ إِنْ مَاتَ مُسْلِمًا. وَهَذَا قَوْلٌ يَرُدُّهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ} الْآيَةَ. وَقَالَ:{إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً } وَقَالَ:{ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ } الْآيَةَ ، وَقَالَ:{ إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ} الْآيَةَ. فَعَذَرَ اللَّهُ الْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ يَمْتَنِعُونَ مِنْ تَرْكِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَالْمُكْرَهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مُسْتَضْعَفًا غَيْرَ مُمْتَنِعٍ مِنْ فِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ، قَالَهُ الْبُخَارِيُّ... )) ([3])
إلى أن قال في مسألة الإكراه على الزنى : (( وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إِنْ أَكْرَهَهُ غَيْرُ السُّلْطَانِ حُدَّ، وَإِنْ
أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يُحَد ...،قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ السُّلْطَانِ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِ السُّلْطَانِ. )) ([4])
وقال في (10/ 190) : (( رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ الرَّجُلُ آمَنٌ عَلَى نَفْسِهِ إِذَا أَخَفْتَهُ أَوْ أَوْثَقْتَهُ أَوْ ضَرَبْتَهُ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَا كَلَامٌ يَدْرَأُ عَنِّي سَوْطَيْنِ إِلَّا كُنْتُ مُتَكَلِّمًا بِهِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: التَّقِيَّةُ جَائِزَةٌ لِلْمُؤْمِنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ يَجْعَلُ فِي الْقَتْلِ تَقِيَّةً.
وَقَالَ النَّخَعِيُّ: الْقَيْدُ إِكْرَاهٌ، وَالسَّجْنُ إِكْرَاهٌ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَالْوَعِيدُ الْمُخَوِّفُ إِكْرَاهٌ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ، إِذَا تَحَقَّقَ ظُلْمَ ذَلِكَ الْمُعْتَدِي وَإِنْفَاذَهُ لِمَا يَتَوَعَّدُ بِهِ، وَلَيْسَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي الضَّرْبِ وَالسَّجْنِ تَوْقِيتٌ، إِنَّمَا هُوَ مَا كَانَ يُؤْلِمُ مِنَ الضَّرْبِ، وَمَا كَانَ مِنْ سِجْنٍ يَدْخُلُ مِنْهُ الضِّيقُ عَلَى الْمُكْرَهِ.
وَإِكْرَاهُ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ مَالِكٍ إِكْرَاهٌ.)) ا.هـ
وأيضا مما جاء في هذا الباب مما يفضح جهل القوم ويكشف انحرافهم ما رواه ابن أبي شيبة (12 / 357 - 358) بسند صحيح عن الحسن - وهو البصري -: أن عيونا لمسيلمة أخذوا رجلين من المسلمين فأتوه بهما، فقال لأحدهما: أتشهد أن محمدا رسول الله؛ قال: نعم. فقال: أتشهد أن محمدا رسول الله؛ قال: نعم. قال: أتشهد أني رسول الله؛ قال: فأهوى إلى أذنيه فقال: إني أصم! قال: ما لك إذا قلت لك: تشهد أني رسول الله قلت: إني أصم؟ ! فأمر به فقتل. وقال للآخر: أتشهد أن محمدا رسول الله؛ قال: نعم. فقال: أتشهد أني رسول الله؛ قال: نعم. فأرسله. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! هلكت. قال:" وما شأنك "؛ فأخبروه بقصته وقصة صاحبه، فقال:" أما صاحبك؛ فمضى على إيمانه، وأما أنت؛ فأخذت بالرخصة ".([5])))
فهذا ما تيسر من التنبيه عليه مما جاء من غلط ياسين العدني في استشهاده بواقعة الإمام أحمد ، في أن من أجاب في المحنة محمول إجابته على إكراه السلطان فلهذا عذروا ، أما غيرهم فلا يتنزل عليهم هذا الإعتذار ، مع أن أهل العلم استشهدوا بواقعة المحنة وإعذار من استجاب فيها ، على أن الإكراه من البواعث التي يعذر بها أهل العلم .
قال الشيخ عبدالرحمن اللويحق في كتابه ( قواعد في التعامل مع العلماء)(ص 116) تقديم شيخ الإسلام عبدالعزيز ابن باز ـ رحمه الله ـ
(( إن من التماس العذر للعلماء التماسه لمن أجاب في فتنة خلق القرآن وما يشبهها خوفا من النكال والعذاب بما يخالف الحق ، فأتى الرخصة ـ التي قد ثبتت في النطق بكلمة الكفر مع اطمئنان القلب بالإيمان ـ ، والعالم بشر يعرض له الخوف ، فقد يقول تقية ما يُطلب منه خشية الضرب والسجن فيفعل الرخصة مع ترك العزيمة التي هي أولى في حق العالم الذي ينبغي منه الصبر على الأذى في الله عز وجل حتى لا يفتتن الناس بفعله وقوله .
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ العَسْكَرِ يَقُوْلُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: ابْنُ المَدِيْنِيِّ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ فَسَكَتَ. فَقُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ, قَالَ لِي عَبَّاسٌ العَنْبَرِيُّ: قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: وَذَكَرَ رَجُلاً, فَتَكَلَّمَ فِيْهِ, فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُم لاَ يَقبَلُوْنَ مِنْكَ إِنَّمَا يَقبَلُوْنَ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ. قَالَ: قَوِيَ أَحْمَدُ عَلَى السُّوطِ, وَأَنَا لاَ أَقْوَى. ([6])
وجاء أيضا في السير (9/ 114) : قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجُنَيْدِ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ فَحَمَلُوا عَلَيْهِ. فَقُلْتُ: مَا هُوَ عِنْدَ النَّاسِ إِلاَّ مُرتَدٌّ, فَقَالَ: مَا هُوَ بِمُرْتَدٍّ، هُوَ علَى إِسْلاَمهِ رَجُلٌ خَافَ, فَقَالَ .
قَالَ ابْنُ عَمَّارٍ المَوْصِلِيُّ فِي "تَارِيْخِهِ" قَالَ لِي عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَفِّرَ الجَهْمِيَّةَ، وَكُنْتُ أَنَا أَوَّلاً لاَ أُكَفِّرُهُمْ? فَلَمَّا أَجَابَ عَلِيٌّ إِلَى المِحْنَةِ، كَتَبْتُ إِلَيْهِ أُذَكِّرُهُ مَا قَالَ لِي وَأُذَكِّرُهُ اللهَ. فَأَخْبَرَنِي رَجُلٌ عَنْهُ: أَنَّه بَكَى حِيْنَ قَرَأَ كِتَابِي. ثُمَّ رَأَيْتُهُ بَعْدُ فَقَالَ لِي: مَا فِي قَلْبِيَ مِمَّا قُلْتُ وَأَجَبتُ إِلَى شَيْءٍ وَلَكِنِّي خِفتُ أَنْ أُقْتَلَ, وَتَعْلَمُ ضَعْفِيَ أَنِّي لَوْ ضُرِبتُ سَوْطاً وَاحِداً لَمِتُّ أَوْ نَحْوَ هَذَا.
قَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: وَدَفَعَ عَنِّي عَلِيٌّ امْتِحَانَ ابْنِ أَبِي دُوَادَ إِيَّايَ شَفَعَ فِيَّ وَدَفَعَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ المَوْصِلِ مِنْ أَجْلِي فَمَا أَجَابَ دِيَانَةً إِلاَّ خَوْفاً. ا.ه
وأخرج الحافظ الذهبي في السر (9/ 133) عن سَعِيْد بن عَمْرٍو البَرْذَعِيُّ أنه قال : سَمِعْتُ الحَافِظَ أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِيَّ، يَقُوْلُ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ لاَ يَرَى الكِتَابَةَ عَنْ أَبِي نَصْرٍ التَّمَّارِ، وَلاَ عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ امْتُحِنَ فَأَجَابَ.
قال الذهبي معلقا : هَذَا أَمرٌ ضَيِّقٌ، وَلاَ حَرَجَ عَلَى مَنْ أَجَابَ فِي المِحْنَةِ، بَلْ وَلاَ عَلَى مَنْ أُكرِهَ عَلَى صَرِيحِ الكُفْرِ عَمَلاً بِالآيَةِ. وَهَذَا هُوَ الحَقُّ. وَكَانَ يَحْيَى رَحِمَهُ اللهُ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ فَخَافَ مِنْ سَطْوَةِ الدَّوْلَةِ وَأَجَابَ تَقِيَّةً.)) ا.هـ
والحمد لله رب العالمين

كتبه : بشير بن سلة الجزائري

([1]) أنظر مقاله : الرد على من سوّى بين وثيقة محمد الإمام وبين محنة خلق القرآن
([2]) صَحِيح لطرقه ، انظر (مشكاة المصابيح)(3/ 1771)
([3]) الجامع لأحكام القرآن (10/ 181)
([4])الجامع لأحكام القرآن (10/ 183 ـ 184)
([5]) قال الإمام الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (12/ 725) : قلت: وهذه قصة جيدة، لولا أنها من مراسيل الحسن البصري؛ لكن الآية السابقة ـ أي قوله تعالى :{ من كفر بالله بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}ـ وسبب نزولها يشهدان لصحتها. والله أعلم.
وقد روى الشطر الأول منها ابن إسحاق في " السيرة " (2 / 74 - 75) بسند حسن عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة مرسلا أيضا، وسمى صاحبها حبيب بن زيد؛ أي: ابن عاصم الأنصاري المازني شهد العقبة، وقد ذكرها ابن كثير في تفسير الآية، وابن حجر في ترجمة حبيب من " الإصابة " جازمين بها. والله سبحانه وتعالى أعلم.
([6]) سير أعلام النبلاء (9/ 113)


كاتب الموضوع
أبوأنس بشير الجزائري
مشاركات: 77
اشترك في: صفر 1436

رد: تنبيه أهل الإيمان بفساد قول من قيد الإكراه بالسلطان

مشاركة بواسطة أبوأنس بشير الجزائري »

قال فضيلة الشيخ العالم الفقيه الأصولي سليمان الرحيلي ـ حفظه الله ـ في شرح ثلاثة الأصول : : يجوز للمسلم أن يُظهر للكفار الولاية عند الضرورة مع اطمئنان القلب بضدها. يعني: يكون هذا في الظاهر فقط أما القلب فهو يبغضهم ولا يحبهم، وذلك لأن الله -عز وجل- أجاز لمن أكره على النطق بكلمة الكفر أن ينطق بها بشرط اطمئنان قلبه بالإيمان، كما قال الله عز وجل : {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} وقال الله عز وجل:{ لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً}.
يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "نهى الله سبحانه المؤمنين أن يلاطفوا الكفار أو يتخذوهم وليجة من دون المؤمنين إلا أن يكون الكفار عليهم ظاهرين فيظهرون لهم اللطف وذلك في قوله: {إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً}" .
وقال -رضي الله عنه-: "التقاة: التكلم بالكفر وقلبه مطمئن بالإسلام" .
ويقول إمام المفسرين الإمام ابن جرير الطبري -رحمه الله عز وجل-: "{إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} -قال- إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم، ولا تظهروا لهم العداوة"، لكن قال: "ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر" ، يعني لا تقوموا بأعمال الكفر وإنما تُظهروا لهم الولاية في الظاهر مع اطمئنان القلب بالعداوة من جهة وعدم العمل بشعائر الكفر من جهة أخرى .
وقال ابن كثير -رحمه الله عز وجل-: "وقوله تعالى: {إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً } -قال- أي: إلا من خاف في بعض البلدان و الأوقات من شرهم، فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته، كما قال البخاري عن أبي الدرداء-رضي الله عنه- أنه قال: إنا لَنُكشِّرُ في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم" ، أي إنا لنضحك في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم، يقول: فيجوز للمسلم إذا اضطر أن يُظهر للكفار الولاية مع اطمئنان قلبه بالعداوة، وهذا أمر مهم جدا.ا.هـ


كاتب الموضوع
أبوأنس بشير الجزائري
مشاركات: 77
اشترك في: صفر 1436

رد: تنبيه أهل الإيمان بفساد قول من قيد الإكراه بالسلطان

مشاركة بواسطة أبوأنس بشير الجزائري »

قال الإمام الذهبي عند ترجمة الإمام الحافظ الحجة محدث ديار المصرية عبدالغني بن سعيد الازدي ـ رحمه الله ـ
صاحب كتاب " المؤتلف والمختلف " ، الذي قال فيه أَحْمَد بنُ مُحَمَّدٍ العَتِيْقِيّ: " كَانَ عَبْدُ الغَنِيّ إِمَامَ زَمَانِه فِي علمِ الحَدِيْثِ وَحِفْظِهِ، ثِقَةً، مَأْمُوْناً، مَا رَأَيْتُ بَعْد الدَّارَقُطْنِيِّ مِثْلَهُ "
قال الذهبي : قَالَ أَبُو الوَلِيْدِ البَاجِيُّ: " عَبْدُ الغَنِيِّ بنُ سَعِيْد حَافِظٌ مُتْقِنٌ ، قُلْتُ: لأَبِي ذَرٍّ الهَرَوِيّ: أَخذتَ عَنْ عَبْدِ الغَنِيّ؟
فَقَالَ: لاَ إِنْ شَاءَ اللهُ ، عَلَى مَعنَى التَأْكيدِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لِعَبدِ الغَنِيِّ اتصَالٌ بِبَنِي عُبيدٍ - يَعْنِي أَصْحَاب مِصْر "
قُلْتُ ( الذهبي ) : اتصَالُهُ بِالدَّوْلَة العُبَيْدِيَّة كَانَ مُدَارَاةً لَهُم، وَإِلاَّ فَلَو جَمحَ عَلَيْهِم، لاَستَأْصَلَهُ الحَاكِمُ خَلِيْفَةُ مِصْرَ، الَّذِي قِيْلَ: إِنَّهُ ادَّعَى الإِلهيَة.
وَأَظُنُّهُ وَلِيَ وَظِيفَةً لَهُم، وَقَدْ كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الأَثَرِ، نَشَأَ فِي سُنَّةٍ وَاتِّبَاع قَبْل وُجود دَوْلَةِ الرَّفضِ، وَاسْتمرَّ هُوَ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالحَدِيْثِ، وَلَكِنَّهُ دَارَى القَوْمَ وَدَاهَنَهُم، فَلِذَلِكَ لَمْ يُحِبَّ الحَافِظُ أَبُو ذرٍّ الأَخْذَ عَنْهُ
. ا.هـ ، انظر سير أعلام النبلاء(17/ 270 ـ 271)

أضف رد جديد