خطب الجمعة لعام 1434هـ

أضف رد جديد

كاتب الموضوع
صالح بن فوزان الفوزان [آلي]
مشاركات: 1244
اشترك في: جمادى الآخرة 1437

خطب الجمعة لعام 1434هـ

مشاركة بواسطة صالح بن فوزان الفوزان [آلي] »

رمضان... شهر الصيام والقيام




الخطبة الأولى
الحمد لله ذي الفضل والإنعام، أهل علينا شهر رمضان، شهر الصيام والقيام، ليفيض فيه علينا من واسع الكرم والجود والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من صلى وصام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، وسلم تسليماً كثيرا،  أما بعد:
أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، وشكروه على نعمه التي من أجلها وأعظمها وأفضلها بلوغ هذا الشهر العظيم، والموسم الكريم الذي جعله الله لكم فرصة عظيمة في أعماركم تتكرر عليكم كل سنة بما فيه من الخيرات والبركات قال الله سبحانه وتعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) خصه الله جل وعلا بأن جعل صيامه أحد أركان الإسلام، وخصه بفضائل عظيمة لا توجد في غيره من شهور العام.
فاغتنموه رحمكم الله، وأعظم عمل يؤدى فيه صيام أيامه، وقيام لياليه، قال الله سبحانه: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) فمن أدرك شهر رمضان وهو بالغ صحيح مقيم وجب عليه الصيام أداءً، ومن كان مريضا أو مسافرا يشق عليهما الصيام فإن الله رخص لهما في الإفطار بشرط القضاء (مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، ومن أدركه رمضان وهو لا يقوى على الصيام لكبر وهرم أو لمرض مزمن لا يرجى شفاءه ولا يستطيعان الصيام فإنه يحب عليهما دفع الفدية عن كل يوم طعام مسكين بمقدار نصف الصاع، كيلو ونصف عن كل يوم تخفيفا من الله سبحانه، ولأجل أن يحصل كل مسلم من هذا الشهر على ما قدر الله له من الخير والمغفرة والرحمة، من أنكر وجوب صيام رمضان فهو كافر مرتد عن الإسلام، يستتاب فإن تاب وصام وإلا قتل مرتدا، ومن أقر بوجوب صيامه وأفطر متعمدا من غير عذر فإنه يجب أن يؤدب تأديبا بليغا وأن يلزم بالصيام.
فالصيام معناه: ترك المفطرات بنية من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، والمفطرات من أكل وشرب وجماع وغير ذلك مما يلحق بهذه الأشياء، من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس قال تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) إلى قوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)، فجعل الصيام ما بين طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس يتجنب المسلم المفطرات بنية الصيام، هذا هو الصيام الذي فرضه الله على عباده، والمفطرات: هي الأكل والشرب قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)، فمن أكل أو شرب متعمدا وهو صائم بطل صيامه، وعليه التوبة إلى الله، وأن يمسك بقية اليوم ويقضي بدل ذلك اليوم، ومن جامع في نهار رمضان فإنه يجب عليه التوبة إلى الله عز وجل ويجب عليه قضاء هذا اليوم وتجب عليه الكفارة المغلظة وهي عتق رقبة (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ)، (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً)، ومثل الأكل والشرب كل ما كان بمعناهما مما يصل إلى الجوف من الأدوية الجامدة والحبوب ونحوها، ومن الأشربة الدوائية ومن الإبر المغذية إلى غير ذلك مما يقوم مقام الأكل والشرب فإنه يجب تجنب هذه الأشياء في فترة الصيام، ومن أكل أو شرب ناسيا فإنه صيامه صحيح وباقي لقوله صلى الله عليه وسلم: "من نَسِي وهو صائم فَأَكَلَ أو َشَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ"، ولقوله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا).
ومما يفطر الصائم استخراج ما فيه قوة البدن وذلك بتقي الطعام من المعدة عن طريق الفم، فإذا تعمد القيء والاستفراغ بطل صيامه، وأما إذا غلبه القيء وخرج بدون اختياره فلا شيء عليه وصيامه باقي وصحيح والحمد لله.
ومن ذلك الحجامة كما صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يحتجم وهو صائم قال صلى الله عليه وسلم: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، فدل على أن الحجامة تفطر الصائم، والحجامة: هي استخراج الدم بواسطة المحجم، وهي نوع من العلاج ومثل الحجامة سحب الدم الكثير من البدن ليتبرع به أو ليسعف به مريضا، فإنه إذا سحب الدم الكثير فإنه يبطل صيامه بذلك كما يبطل صيام المحتجم.
فيجب على المسلم أن يصون صيامه عن كل ما يبطله، ويحذر من الترخصات ومن الفتوى الخاطئة التي كثرة في هذا الوقت عليه أن يحافظ على صيامه، وإذا احتاج إلى  شيء من الأدوية أو غيرها فليسأل أهل العلم يسأل جهات الفتوى لا يسأل من هب ودب فيفرط في صيامه.
فحافظوا على صيامكم رحمكم الله، ومما رخص الله فيه للحائض والنفساء أن تفطرا ولا يصح منهما الصوم لأنه لا يجتمع عليهما مشقة الصيام ومشقة الحيض والنفاس، فالحائض والنفساء تقضيان ولا تصومان وقت الحيض ووقت النفاس، لأن هذا مخالف للسنة، كما أنهما لا تصليان والصلاة أعظم من الصيام فكذلك لا تصومان في فترة الحيض والنفاس وهذا رحمة من الله بهما، لأنهما إذا صامتا وعليهما الحيض أو النفاس اجتمعا عليهما مؤثران يضعفان بدنهما.
فعلى المسلم أن يحافظ على صيامه، عباد الله، وليس الصيام مجرد ترك الأكل والشرب، ولكنه مع ذلك ترك كل ما حرم الله لأن هناك مفطرات معنوية تذهب بالأجر هي لا تبطل الصيام ولكنها تفرغه من الأجر، وذلك كالغيبة والنميمة والسباب والشتم وغير ذلك، وكذلك النظر إلى ما حرم الله، وكذلك استماع ما حرم الله.
فيجب على المسلم أن يصوم سمعه وبصره وقلبه عن كل ما حرم الله، ولا يظن أنه إذا ترك الطعام والشراب أن هذا يكفي؛ بل لابد مع ذلك من ترك كل ما حرم الله، وهذه أشياء محرمة على المسلم دائما؛ ولكنها على الصائم أشد لأنها إذا فعلها في غير وقت الصيام يأثم، وإذا فعلها وقت الصيام فإنه يأثم ويذهب أجر صيامه، تجتمع عليه عقوبتان الإثم وذهاب أجر صيامه، قد قال صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ"، وقال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"، فيترك المسلم هذه الأشياء دائما وأبدا، ولكنه إذا كان صائما فإنه يتركها من باب أولى لأنه تجرح صيامه "وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرِقْهَا" كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، قيل وما يخرقها؟ قال: "بغيبة أو نميمة"، وهذا مما يتساهل فيه كثير من الناس، فيظنون أن الصيام مجرد ترك الطعام والشراب ولا يفكرون في ترك الغيبة والنميمة والسباب وقول الزور والشتم قال صلى الله عليه وسلم: "فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ شاتمه فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ" ولا يرد عليه.
فحافظوا على صيامكم رحمكم الله، لئلا يكون صوماً مفرغا لا معنى له ولا أجر فيه، ويكون تعباً بلا فائدة، وعليكم بذكر الله، وعليكم بتلاوة القرآن، عليكم بملازمة المساجد مهما أمكن ذلك، أن تصرفوا أوقات فراغكم في المساجد بتلاوة القرآن والاعتكاف فيها، لتحافظوا على صيامكم، كان السلف الصالح إذا دخل رمضان أحضروا المصاحف وجلسوا في المساجد يقولون نحفظ صومنا ولا نغتاب أحدا.
فحافظوا على صيامكم رحمكم الله، حتى ولو ذهب الإنسان إلى عمله أو وظيفته فإنه يحافظ على صيامه مما يؤثر فيه أو يفرغه من معناه فيعود تعبا بلا فائدة.
فاتقوا الله عباد الله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
 
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحدهُ لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا،    أما بعد:
أيُّها النَّاس، اتقوا الله تعالى، لقد مضى من شهركم عشره الأول، وأنتم على أبواب العشر الأوسط، ثم لا تلبثون أن يأتي عليكم العشر الأواخر، ثم ينتهي الشهر، فانظروا، ماذا أودعتموه من الأعمال الصالحة؟ فكروا بماذا مضى؟ ما مضى منه؟ وبماذا تقضون ما بقي؟
فكروا في أنفسكم، فمن كان محسنا فليواصل وليتمم بالإحسان، ومن كان مفرطا وغافلا فليتب إلى الله مما مضى ويستدرك ما بقي فإن الأعمال بالخواتيم.
فاتقوا الله، عباد الله، حافظوا على شهركم الذي جعله الله فرصةً لكم في حياتكم لا تضيعوها، شهر عظيم، شهر الصيام والقيام، تغلق فيه أبواب النيران وتفتح فيه أبواب الجنان، ويصفد فيه الشيطان، ويقال: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر وذلك في كل ليلة فأجيبوا داعيا الله يا عباد الله، ولا تستمروا على غفلتكم وإهمالكم فإن الأعمار قصيرة والمدة محدودة والعمل محفوظ، وأنتم محاسبون ومجزيون فتصوروا مآلكم، وأصلحوا أعمالكم، نسأل الله عز وجل أن يوقفنا وإياكم في هذا الشهر وفي غيره من أعمارنا لصالح القول والعمل.
ثم اعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن بقية الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد آمنا مستقرا وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللَّهُمَّ كف عنا بأس الذين كفروا فأنت أشد بأسا وأشد تنكيلا، اللَّهُمَّ أجعل كيدهم في نحورهم وكفنا شرورهم إنك على كل شيء قدير، اللَّهُمَّ من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، وردد كيده في نحره وجعل تدميره في تدبيره إنك على كل شيء قدير، اللَّهُمَّ أحفظ هذه البلاد بلاد الحرمين الشريفين، اللَّهُمَّ أحفظها آمنة مستقرة وحفظ بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أحفظ علينا أمننا وإيماننا واستقرارنا في أوطاننا، وأصلح سلطاتنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، اللَّهُمَّ أدفع عنا من البلاء ما لا يدفعه سواك، اللَّهُمَّ فرج هم المهمومين، وكرب المكروبين من المسلمين في كل مكان، اللَّهُمَّ دمر أعداء الدين الذين بغوا وطغوا وتكبروا وأعجبوا بقوتهم، اللَّهُمَّ إنك القوي العزيز الذي لا يغلبه شيء وهم ضعفه مهما كانت قوتهم فهي ضعيفة فإنك أقوى منهم، اللَّهُمَّ خذهم أخذ عزيز مقتدر، اللَّهُمَّ خذهم أخذ عزيز مقتدر، اللَّهُمَّ كف شرهم عن المسلمين وجعلهم عبرة للمعتبرين يا رب العالمين، يا قاصم الجبابرة، يا قاهر الجبابرة، يا كاسر الطغاة والمجرمين، اللَّهُمَّ عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللَّهُمَّ إنهم طغوا وبغوا، اللَّهُمَّ إنهم طغوا وبغوا، اللَّهُمَّ إنهم طغوا وبغوا وغرتهم قوتهم، اللَّهُمَّ فجعلها في نحورهم، ورد كيدهم في نحورهم إنك على كل شيء قدير، حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فذكروا الله يذكركم، واشكُروه على نعمه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.


المادة الصوتية:

تحميل


رابط المادة الأصلية:
http://alfawzan.af.org.sa/node/14912


كاتب الموضوع
صالح بن فوزان الفوزان [آلي]
مشاركات: 1244
اشترك في: جمادى الآخرة 1437

توجيهات للأئمة في رمضان

مشاركة بواسطة صالح بن فوزان الفوزان [آلي] »

توجيهات للأئمة في رمضان




 الخطبة الأولى:
الحمد لله ذي الفضل والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خص شهر رمضان بالصيام والقيام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من صلى وصام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، وسلّم تسليماً كثيراً، أما بعد أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن ما يُشرع ويتأكد في رمضان بعد الصيام قيام لياليه، قال صلى الله عليه وسلم: "شهر فرض الله عليكم صيامه، وسننت لكم قيامه"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة"، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم "قام رمضان إيماناً واحتساباً" إيماناً بمشروعية قيام شهر رمضان، يقوم مؤمناً ومصدقاً بذلك، لا يقوم تقليداً أو مضاهاةً أو رياءً أو سمعة، بل يقوم مؤمناً بذلك مصدقاً به، واحتساباً أي طلباً للأجر، احتساباً للأجر، فمن جمع هاتين، من جمع هذه الصفات الثلاث قيام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم أي ما سلف في عمره أو في السنة من ذنبه وذلك في الذنوب الصغائر فإنها تُكفّر بالأعمال الصالحة، أما الكبائر فإنها لا تُكفّر إلا بالتوبة منها، قال تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) [النساء:31]، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر"، ليلة القدر هي ليلة واحدة من ليالي رمضان، أنزل الله فيها القرآن، ولها فضل عظيم، وهي خير من ألف شهر، أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر وذلك لفضلها وشرفها، وهذه الليلة لا شك ولا ريب أنها في رمضان، لكن لا يُعلم في أي ليلة من ليالي رمضان، ربما تكون في أوله، ربما تكون في وسطه، ربما تكون في آخره، أخفاها الله سبحانه من أجل أن يجتهد المسلم في قيام ليالي رمضان كلِها من أولها إلى آخرها، ليظفر بأمرين، الأمر الأول: قيام رمضان، الأمر الثاني: قيام ليلة القدر، فيحصل له الأجران أجر قيام رمضان وأجر قيام ليلة القدر لأن الله يحب الخير لعباده، يحب لهم المغفرة، يحب لهم الثواب، فهو يحب لهم أن يجتهدوا في ليالي رمضان احتساباً لثواب قيامها وطلباً لليلة القدر فيها، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة" يعني إذا قام مع الإمام في كل الليالي من أول الشهر إلى آخره فإنه قد قام شهر رمضان، حتى ينصرف الإمام من الصلاة ولا ينصرف قبله، وبناءً على ذلك فالإمام عليه مسئوليةٌ نحو من خلفه من جماعة المسجد، فعليه أن يحتسب الأجر وأن يخلص النية لله عز وجل فيقوم بهم ليالي رمضان قياماً يوافق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه"، ولم يحدد عدد الركعات وإنما هذا يرجع إلى نوعية الصلاة، فإن كان يطيل القراءة ويطيل الركوع ويطيل السجود فإنه يقلل عدد الركعات ويطيل في الصلاة وإن كان يخفف الصلاة تخفيفاً لا يخل بها فإنه يزيد في عدد الركعات، والعلماء اختلفوا في عدد الركعات في رمضان على أقوال كثيرة مما يدل على أن الأمر واسع ولكن الشأن في نوعية الصلاة بأن تكون صلاة معتدلة، صلاةً تامة القيام والركوع والسجود والخشوع لله عز وجل، فيها الطمأنينة، هذا هو المطلوب، فلو صلى ثلاثاً وعشرين أو صلى أربعين أو صلى ستاً وثلاثين أو صلى عشر ركعات بخمس تسليمات فكل ذلك موافق للسنة، لكن الشأن في نوعية الصلاة لا في عدد الركعات فقط لأن بعض الأئمة يسردها في دقائق، يسرد عشر ركعات في دقائق محصورة، لا يخشع فيها ولا يطمئن ولا يمكن من خلفه من الإتيان بالأذكار الواردة في الركوع والسجود، لا يُسمعهم الآيات من السرعة، هذا إخلال بالصلاة، هذا إخلال بالصلاة ونقص في ميزانها، فعلى الإمام وفقه الله أن يعتدل في صلاته وفي قراءته وفي قيامه وركوعه وسجوده، لأنه في عبادة ليس في سجن، ليس في حبس، وإنما هو في عبادة وطاعة لله يقوم بين يدي الله يناجي ربه عز وجل، يؤم المسلمين من خلفه، فعليه أن يحتسب الأجر والثواب، عليه أن يخلص النية لله عز وجل لا يداخله الرياء والسمعة فيباهي بكثرة من يصلون خلفه أو يحسن صوته من أجل أن يمدحه الناس بذلك، عليه أن يخلص النية لله، فإن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه وصواباً على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقراءة القرآن على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: القراءة المرتلة المجودة وهذه تأخذ من الإنسان وقتاً طويلاً تشق عليه وتشق على من خلفه.
النوع الثاني: قراءة الهذ والهذرمة التي يسقط معها بعض الحروف من السرعة ولا يستفيد القارئ ولا المستمع منها وهذه لا تجوز.
النوع الثالث: القراءة المتوسطة بين التمطيط والتمديد والتكرار وبين الهذ والهذرمة وهي ما تسمى قراءة الحدر وهي الموجودة في المصاحف المرتلة فإن المصاحف المرتلة أغلبها على قراءة الحدر القراءة المتوسطة التي لا تشق على القارئ ولا يمل منها السامع، فعلى الإمام أن يختار هذا النوع من القراءة، أن يقرأ بقراءة الحدر التي يراعي فيها أحكام التجويد ويراعي فيها آداب القراءة ولا يشق على نفسه ولا يشق على من خلفه، وأما عدد الركعات فكما قلنا لا ينبغي أن تقل عن عشر ركعات بخمس تسليمات يسلم من كل ركعتين، لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى"، أي يسلم من كل ركعتين ولا يسرد عدد الركعات بتسليم واحد هذا خلاف السنة، وصلاة التراويح مثنى مثنى لأنها من صلاة الليل، وصلاة الليل مثنى مثنى، يسلم من كل ركعتين، هذا هو الموافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تقل قراءته عن خمس أوراق في كل ركعة وجه حتى يتمكن من ختم القرآن في آخر الشهر مع ما يأتي في التهجد في العشر الأواخر يضيف هذا إلى ما يقرأه في صلاة التهجد في العشر الأواخر فيتمكن من ختم القرآن ولا يشق على من خلفه لأن الإمام مؤتمن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن"، فالإمام ضامن لصلاة من خلفه، إن أتمها صار له الأجر ولمن خلفه، وإن أخل بها صار عليه الإثم والأجر لمن خلفه، قال صلى الله عليه وسلم: "يصلون لكم فإن أحسنوا فلكم ولهم، يعني الأجر لكم ولهم، وإن أساؤوا فلكم وعليهم"، لكم الأجر وعليهم الإثم، والإمام إنما سُمي إماماً لأنه قدوة يقتدي به المأمومون فعليه أن يكون قدوة حسنة في صلاته، في قراءته، في ركوعه وسجوده وخشوعه وطمأنينته، هكذا تكون الصلاة يا عباد الله فلا يتلاعب بها بحسب رغبات الأئمة، كلٌ له رغبة، كلٌ له اجتهاد، لا، المطلوب أن الأئمة يكونون على وتيرة واحدة موافقين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسنون صلاتهم ويتقنونها ويخففون على المأمومين، كما قال صلى الله عليه وسلم: "أيكم أمَّ الناس فليخفف فإن فيهم الكبير والمريض وذا الحاجة فإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء"، فالإمام مسئول وهو مؤتمن على الصلاة وسيسأله الله عز وجل عن هذه الأمانة، وبعض الأئمة يراوغ، يراوغ في أيام رمضان عن صلاة التراويح والتهجد يذهب هنا وهنا، يذهب للعمرة، يقول أنا سأذهب للعمرة، يا أخي أنت إمام، أنت موكول إليك إمامة هذا المسجد، وأن تؤم بالناس، محمَّل بأمانة، أنت مؤتمن، فعليك أن تتقيَ الله تعالى في أمانتك وأن تبقى في مسجدك، وأن تصلي بجماعتك أفضل لك من العمرة، لأن العمرة مستحبة وأما الإمامة فأنت قد تحملتها فصارت واجبة في ذمتك فكيف تتركها وتذهب إلى العمرة، بعض الأئمة تختلف صلاته، في بعض الليالي يطيل، ويخفف في بعضها، أو لا يحضر في بعضها، هذا تلاعب، فيجب على الإمام أن يتقيَ الله وأن يؤدي الأمانة التي في ذمته، وإذا كان لا يستطيع الإمامة أو لا يريدها فليتركها لغيره ولا يتحملها ثم يضيعها، إذا كان ليس عنده رغبة في الإمامة واستعداد للقيام بها على الوجه المطلوب فليتركها ويُلتمس غيره ممن يقوم بها على الوجه المطلوب، هذا ما يتأكد على الأئمة وفقهم الله في هذا الشهر لأنه شهر عظيم وموسم كريم فلا يفوّت الإمام على نفسه ولا يفوّت على من خلفه هذا الفضل العظيم بسبب تساهله، بسبب كسله، بسبب ملله، يحتسب الأجر والثواب، يصبر على ذلك والله جل وعلا لا يضيع أجر المحسنين، وأهم شيء نوعية القراءة لأن بعض الأئمة يشق على نفسه بمتابعة التجويد وأحكام التجويد والمدود والغنة إلى آخره فيشق على نفسه ويشق على من خلفه فهذا قد بالغ مبالغة شقت عليه ولا يستطيع التكميل للقرآن فهو كالمنبت، قال صلى الله عليه وسلم: "المنبتَّ لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع" فينقطع في أثناء الطريق ويمل من الإمامة ويستثقلها بسبب أنه أثقل على نفسه ولو أنه وازن الأمور ووازن القراءة والصلاة بين الليالي واطمأن فيها لاستراح وأدى الواجب عليه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) [الأحزاب:21]، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
 
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه وأشكره على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد أيها الناس اتقوا الله واستدركوا وقتكم قبل فواته، استدركوا شهر رمضان قبل انقضائه، إنه ينبغي للمأمومين ولجماعة المسجد أن يحرصوا على حضور صلاة التراويح مع الإمام من بدايتها إلى نهايتها، من أول الشهر إلى آخره، وأن لا ينشغلوا عنها بالقيل والقال والمجالس التي لا خير فيها أو حتى لو كان فيها خير فإن صلاة التراويح أهم منها وأفضل، وقد يكون الإنسان مشغولاً بدنياه وببيعه وشرائه ومزاولة مهنة تجارته وأسفاره، ألا يجعل شهر رمضان خاصاً يتفرغ فيه لعبادة الله عز وجل ويترك الأشغال لبقية السنة فإن هذه فرصة قد لا تمر عليه مرة ثانية ولأنه يجمع بذلك بين خيري الدنيا والآخرة، تجارة الدنيا وتجارة الآخرة، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ) [الصف:10]، الله جل وعلا يقول لنا (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الصف:10-11]، قال تعالى: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [الجمعة:11]، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ) [المنافقون:9]، وقال سبحانه وتعالى في وصف عُمّار المساجد: (يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ* رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ* لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [النور:36-38]، الرزق بيد الله عز وجل، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2-3]، صلاة التراويح يا أخي ما تأخذ منك وقتاً طويلاً تحصل على هذا الأجر العظيم يبارك الله لك فيها، فاتقوا الله عباد الله ولا تضيعوا أوقاتكم إما باللهو واللعب والغفلة وإما بطلب الدنيا والإعراض عن الآخرة، اتقوا الله في أنفسكم وبادروا أوقاتكم قبل فواتها واغتنموا أعماركم قبل انقضائها، واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مستقراً وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللهم أصلح ولاة أمورنا، اللهم اجعلهم هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، اللهم أصلح بطانتهم، وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم دمر أعداءك أعداء الدين من اليهود والنصارى وسائر الكفرة والمشركين والمنافقين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واردد كيده في نحره واجعل تدميره في تدبيره إنك على كل شيء قدير، اللهم قنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ادفع عنا الغلا والوباء والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
عباد الله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل:90-91]، فاذكروا اللهَ يذكرْكم، واشكُروه على نِعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.


المادة الصوتية:

تحميل


رابط المادة الأصلية:
http://alfawzan.af.org.sa/node/13428


كاتب الموضوع
صالح بن فوزان الفوزان [آلي]
مشاركات: 1244
اشترك في: جمادى الآخرة 1437

المداومة على الأعمال الصالحة بعد رمضان

مشاركة بواسطة صالح بن فوزان الفوزان [آلي] »

المداومة على الأعمال الصالحة بعد رمضان





المداومة على الأعمال الصالحة بعد رمضان
الخطبة الأولى:
الحمد لله على فضله وإحسانه ما زال يوالي على عباده مواسم الخير ليتزودوا فيها من الطاعات والقُربات فضلا منهُ وإحسانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له، لهُ الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شي قدير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا،  أما بعد:
أيها الناس، أحمدوا الله وشكروه على ما أولاكم من النعم وما دفع عنكم من النقم، فإن الله وعد الشاكرين بالمزيد وتوعد الكافرين لنعمه بالعذاب الشديد.
عباد الله، إنكم في عشر هي أفضل أيام هذا الشهر المبارك شهر رمضان الذي كله خير، كله بركات، كله خيرات ليله ونهاره ساعاته وأوقاته كلها خير ومغنم لمن أغتنمها وبادرها قبل فواتها، وإن هذه العشر تزداد خيراً وفضلاً على غيرها من أيام الشهر، العشر الأواخر من رمضان التي هي ختام الشهر، والتي هي أيام الإعتاق من النار، والتي كان النبي صلى الله عليه وسلم يخصها بمزيد اجتهاد على غيرها من أيام الشهر، كان صلى الله عليه وسلم: "إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان شمر وشد المئزر وأحيا ليله وأيقظ أهله"، وهذا يدل على فضل هذه الأيام، وعلى مشروعية الزيادة في العمل فيها على غيرها، ومعنى أنه "شمر" صلى الله عليه وسلم يعني: شد العزم على فعل الخير، "وشد المئزر" يعني: أعتزل نساءه لأنه يعتكف، والمعتكف ممنوع من قربان النساء: (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ)، "وأيقظ أهله" أيقظ أهل بيته ليشاركوا في مثل هذه الأيام وهذه الليالي ولا يتركهم يغفلون وينامون فمن باب أولى، ومن باب أولى إيقاظ الأولاد للمشاركة في هذه العشر المباركة واغتنامها وتربيتهم على تعظيمها وتوقيرها واحترمها، فإن التربية على الخير لها أهمية عظيمة فلا يترك الأولاد ويقال هؤلاء صغار وإنما يدربون على الخير ويكون لهم أجر ولوليهم أجر في إيقاظهم لصلاة الليل، "أيقظ أهله" فلا يكتفي أنه يقوم هو وإنما يقظ أهله لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)، وقوله تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)، فالمسلم يهتم بأهل بيته لأنه مسئول عنهم، أنت مسئول عن أهل بيتك وما يحدث فيه ومحاسب على ذلك لأنهم رعيتك، وأنت راعي عليهم: "وما استرع الله رجل رعية فمات وهو غاش لها إلا وجبت له النار" كما هو في الحديث، فلا يجوز إهمال الذراري والنساء والأولاد لا يجوز إهمالهم لا في رمضان ولا في غيره، وإذا كان هذا في الاهتمام بالنوافل وقيام الليل، فكيف بالاهتمام بالفرائض؟ واجب عليك أن تلزمهم بأداء الفرائض إن كانوا ذكوراً مع الجماعة في المسجد، وإن كانوا نساءً ففي البيوت لا يتركها لا كبير ولا صغير ممن بلغ سن التميز أنت مسئول عنهم قال صلى الله عليه وسلم: "كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِ بيته وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" فتحملوا هذه المسئولية بأمانة وأدوها بأمانة حتى تسلموا من مسئوليتها وتغنموا أجرها عند الله سبحانه وتعالى، "وأيقظ أهله وأحيا ليله" أحيا ليله يعني: سهر، بماذا يسهر؟ لصلاة الليل والتهجد، وهذا يدل على أن هذه العشر تخص بزيادة اجتهاد في صلاة الليل، نعم كان صلى الله عليه وسلم في العشرين الأول يصلي وينام، فإذا دخلت العشر لم يذق غمض صلى الله عليه وسلم.
فينبغي للمسلم الذي يرجوا الله والدار الآخرة أن يغتنم هذه الليالي وأن يحضر صلاة التهجد بعد صلاة التراويح، تكون صلاة الترويح في أول الليل في وقتها، ويكون التهجد في آخر الليل هكذا كان السلف الصالح رحمهم الله، كانوا يحيون المساجد في ليالي رمضان عموماً وفي ليالي العشر الأواخر خصوصاً كانوا يطيلون القيام، كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام، وكانوا يجعلون الحبال بين السواري يتعلقون بها من طول القيام خلف إمامهم هذه أهمية عظيمة لهذه العشر ولصلاة التهجد فيها، فاغتنموها رحمكم الله وحضروا في المساجد في بيوت الله مع المسلمين، أحضروا صلاة القيام صلوها مع المسلمين ولا تفرطوا فيها فتخسروها، لا تفرطوا فيها فتندموا على تضيعها، إن أعماركم محدودة وليس لكم إلا ما قدمتم فيها من خير أو ما تجدون فيها من شر فهي لا تضيع سدا هي محفوظة لكم أو عليكم ستفتح لكم هذه الأيام وهذه الليالي يوم القيامة، فالمؤمنون يجدون في خزائنهم العزة والكرامة، والمضيعون يجدون فيها الحسرة والندامة: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ* إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) كثير من الناس يذهبون مع الملذات والمشتهيات في ليالي رمضان بين الاستراحات وبين التجمعات الليلية أو يسهرون على المسلسلات وعلى التمثيليات والخزعبلات أو يسهرون على الانترنت والتويتر وما ينشر فيها فيضيعون ليلهم، ويضيعون أعمارهم، ويضيعون شهرهم لاسيما هذه العشر.
اتقوا الله، عباد الله، أرجعوا إلى ربكم قبل الفوات، فإن الفرصة لا تزال أمامكم مفتوحة وعما قريب ستغلق ولا تستطيعون ردها إلا بالتوبة إلى الله عز وجل والإحسان فيما بقي من أعماركم ولا تدرون هل تدركون شهر رمضان مرةً أخرى أو لا تدركونه؟ فاختموا أعماركم بخير، أعتبر كل يوم يمر عليك فهو ختام عمرك لأنك لا تدري هل تعيش بعده أو لا؟ واصل العمل الصالح، بارك الله فيك، أيقظ أهله وأحيا ليله، إحياء الليل لا يكون بالسهر على المضحكات والملهيات والمغفلات أو أشد من ذلك يكون على المحرمات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أنت مسلم يا أخي، قدر الإسلام، وقدر شهر رمضان، وقدر أوقات الفضائل لأنها هي خزينتك عند الله سبحانه وتعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ).
فاتقوا الله، عباد الله، حاسبوا أنفسكم، أرجعوا إلى ربكم، استدركوا وقتكم قبل فواته، فإن الله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل، ولا يضيع عمل عامل.
فاتقوا الله، عباد الله، وبادروا الفرص قبل فواتها، وحاسبوا النفوس على هفواتها، (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
 
الخطبة الثانية
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحدهُ لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا،   
أعلموا أيها الإخوان أن شهر رمضان يتبع بالحسنات، يتبع بالأعمال الصالحة.
يتبع أول شيء بالتكبير عند نهايته: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، تكبر الله إذا ثبت هلال العيد إلى أن تصلي العيد وأنت تكبر الله بين الحين والآخر ليلا ونهارا، تكثر من التكبير كما أمر الله جلَّ وعلا بذلك.
ثانياً: صدقة الفطر، وهي فريضة على كل مسلم ولو كان لم يصم لعذر شرعي ولو كان لم يصم رمضان لعذر شرعي أو لصغر فإنها تجب عليه صدقة الفطر على جميع المسلمين، وهي فريضة وصدقة واجبة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل مسلم ينتهي عليه شهر رمضان أن يخرجها، ووقت إخراجها من حين يثبت هلال شوال إلى أن تصلى صلاة العيد كل هذا وقت لإخراج صدقة الفطر، وكل ما تأخر قبل صلاة العيد فهو أفضل، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين يخرجها المسلم ويوصلها إلى الفقير بنفسه أو بوكيله لابد أن تصل إلى الفقير قبل صلاة العيد، لا تتأخر عن صلاة العيد يوصلها إلى الفقير قبل صلاة العيد إما يوصلها هو بنفسه أو بوكيله الذي يثق منه أن يوصلها لأنها أمانة وواجب وفريضة لا يتساهل فيها، وهي صاع من الطعام الذي يؤكل في البلد، والصاع ثلاث كيلو تقريباً يخرجها بالوفاء والتمام عنه وعن من يمونهم ومن ينفق عليهم من أهل بيته وحتى من يمونهم حتى ولو كانوا من غير أهل بيته ولو في رمضان يخرجها عنهم مع صدقته، وإذا كان الإنسان يريد السفر قبل يوم العيد فإنه يخرجها في البلد الذي يأتي عليه العيد وهو فيه في فقراء البلد الذي هو فيه من المسلمين أو يوكل أهله يخرجونها نيابة عنه في بلده، المهم أنه لابد من إخراجها في وقتها ولا تجزئ فيها النقود يا عباد الله لا تغير سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، الرسول فرضها صاعاً من الطعام ونوع صاعاً من بر أو صاع من شعير أو صاع من تمر أو صاع من أقط أو صاع من زبيب مما يقتاد في البلد ولم يذكر النقود أبداً.
واليوم يوم العيد يوم طعام يوم أكل وشرب فيناسب أن يخرج فيه الطعام، والفقير أذا أعطيته النقود وهو ليس عنده شيء لا يستفيد من النقود في هذا اليوم لأنه لا يجد بيعاً وشراء المحلات مغلقة، أما إذا أعطيته الطعام فإنه ينتفع به ويطبخه ويأكل هو وأولاده قال صلى الله عليه وسلم: "أَغْنُوهُمْ عن السؤال فِي هَذَا الْيَوْمِ"، فصدقة الفطر من الطعام لا تغير، قيل للإمام أحمد رحمه الله: إن فلانا يقول تخرج النقود في صدقة الفطر، فقال رحمه الله: يتركون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأخذون برأي فلان هذا استنكار منه رحمه الله، فالمسألة ليست مسألة آراء أو استحسانات إنما هي مسألة تقيد بما شرعه الله، والحكمة قد لا يعلمها الناس حتى يقول النقود أنفع من الطعام أنت لست موكولا إليك هذا الأمر هذا إلى رسول لله صلى الله عليه وسلم وقد أمرك بالطعام فلا تعدل إلى غيره.
 فاتقوا الله، عباد الله، مما يتبع به شهر رمضان صلاة العيد يخرج المسلمون إلى المصلى يبرزون لربه أهل البلد كلهم يجتمعون في مصلى واحد إذا أمكن ذلك أو يتوزعون بحسب الحاجة في مصليات، ولكن صلاة العيد شعيرة عظيمة يخرج لها المسلمون ويصلونها وتحضرها الملائكة ويرجعون مغفورا لهم من مصلاهم وينالون الجوائز من الرب سبحانه وتعالى في مصلاهم، فهذه شعيرة عظيمة أحرصوا إلى حضورها.
مما يتبع به شهر رمضان صيام ستة أيام من شوال قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فكأنما صامُ الدَّهْرِ" هكذا يتبع رمضان بالعبادات والطاعات لا يتبع باللهو والغفلات والانطلاق إلى الشهوات والانطلاق إلى الملهيات كما يفعله بعض الأشقياء يجعلون الفرح بنهاية رمضان الفرح بالمعاصي والرجوع إلى المعاصي والملهيات كأنه عدو تخلصوا منه لا بل يتبع رمضان بالطاعات، نعم لا بأس بالفرح الذي ليس فيه فعل محظور ولا فيه ترك واجب لا بأس به، أما أن تضيع الفرائض وأن ترتكب المحرمات في الملاهي فهذا شيء محرم وهذا : (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً) نعم نقض رمضان بعد ما أبرمه نقضه ورجع إلى أنكاث وإلى لهو ولعب.
فاتقوا الله عباد الله، وختموا شهركم بخير ختام.
واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، أعني جماعة المسلمين وإمام المسلمين ألزموا جماعة المسلمين وإمام المسلمين لاسيما في أيام الفتن لاسيما في أيام كما تعلمون أيام الفتن المزعجة تمسكوا بجماعتكم وإمامكم وسيروا على طريقكم إلى الخير ولا تلتفتوا يمنة ولا يسرة ولا تشتغلوا بأخبار العالم وما يقال والقيل والقال اشتغلوا بما يهمكم وما يصلح دينكم ودنياكم، واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللَّهُمَّ دمر أعداء الدين من اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين والعلمانيين، اللَّهُمَّ  دمرهم تدميرا، اللَّهُمَّ شتت شملهم، اللَّهُمَّ خالف بين كلمتهم، اللَّهُمَّ أجعل بأسهم بينهم وأرح المسلمين من شرهم إنك على كل شيء قدير، اللَّهُمَّ كفى عنا بأس الذين كفروا فأنت أشد بأسا وأشد تنكيلا،اللَّهُمَّ أحفظ هذه البلاد، اللَّهُمَّ أحفظ هذه البلاد، اللَّهُمَّ أحفظ هذه البلاد، آمنة مستقرة، وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين من كل سوء ومكروه إنك على كل شي قدير، اللَّهُمَّ من أرد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه وردد كيده في نحره وجعل تدميره في تدبيره إنك على كل شي قدير.
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فذكروا الله يذكركم، واشكُروه على نعمه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

خطبة الجمعة 25-09-1434هـ


المادة الصوتية:

تحميل


رابط المادة الأصلية:
http://alfawzan.af.org.sa/node/14934


كاتب الموضوع
صالح بن فوزان الفوزان [آلي]
مشاركات: 1244
اشترك في: جمادى الآخرة 1437

أمانة الأموال والأولاد

مشاركة بواسطة صالح بن فوزان الفوزان [آلي] »

أمانة الأموال والأولاد




الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين يبتلي بالأموال والأولاد من يشاء من خلقه ليتبين بذلك الشاكر القائم بالأمانة ممن يضيعها قال الله سبحانه وتعالى: (أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يوفق من شاء إلى أداء الأمانة والنصيحة فيما حمَّل، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير قدوة وأحسن أسوة، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الله حمَّلكم أمانة الأموال والأولاد وهما حمل ثقيل، ولكن من وفقه الله وأعانه خف عليه ذلك وقام بحقه ونجا من مسئوليته أمام الله سبحانه وتعالى، وهذا يحتاج إلى جهد، ويحتاج إلى اهتمام، ويحتاج إلى نية صالحة، فهؤلاء الأولاد أمانة في أعناق والديهم منذٌ نشأتهم إلى أن يبلغوا الرشد، وهم أمانة في أعناق أبائهم وأمهاتهم حتى يؤدوها ويسلموا من تبعتها، وإلا فإنهم يكونون ممن قال الله تعالى فيهم: (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)، وقال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ) ليس معنى ذلك أنك تترك الأموال والأولاد لتسلم من شرهم، ولا أن تدعو بالله بأن لا يرزقك مالا ولا ولدلا ليس هذا هو المقصود، ولكن المقصود أن تسأل الله الذرية الطيبة الصالحة كما قال زكريا عليه السلام: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)، وقال إبراهيم السلام: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ)، لاشك أن الأولاد والأموال إنهما حمل ثقيل إلا من سهله الله عليه على حمله ونجا من مسئوليته وإلا فإنهما حمل ثقيل على الإنسان قال صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ" يعني: على الدين والصلاح في أصله وفطرته، "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ" ولم يقل أو يسلمانه لأن الإسلام هو الأصل وإنما التربية هي التي تحرف عن الإسلام، التربية السيئة هي التي تحرف المولود عن الإسلام، وهي تكون على يد الوالدين، لأن الولد بيد الوالدين إلى أن يبلغ الرشد وهو تحت أيديهما فإما أن يحافظ على فطرته السليمة وينمينها على الخير والطاعة وإما أن يصرفاه عن فطرته إلى اليهودية أو إلى النصرانية أو إلى المجوسية، فالوالدان يربيان الأولاد بلا شك إما على الخير وإما على الشر ليس معنى التربية أن توفر للأولاد المال والمأكل والمشارب والملابس والسيارات الفارهة وتضن أنك بذلك أدية حقهما وربيتهما؛ ولكن المراد بالتربية الدينية، التربية على الخير، على الأخلاق، على حسن السلوك، على ملازمة الخير، على الصلاة: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)، وقال عن إسماعيل عليه السلام: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً* وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً)، قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) فأنقذ نفسك من هذه النار بتقوى الله وأنقذ أولادك من هذه النار بالتربية الصالحة على الإسلام، وعلى الدين، وعلى الأخلاق الفاضلة وإلا فإنك تكون خائنا لأمانتك وما حمَّلت.
إننا في هذه الأيام في أيام بدأ الفصل الثاني من الدراسة يهتم الآباء بتوجيه أولادهم نحو المدارس، وهذا شيء لا يلومون عليه هذا شيء طيب، ولكن الأمر لا يقتصر على ذلك قبل ذلك، لماذا لا يوجهون أولادهم إلى المساجد؟ لماذا لا يستصحبون معهم يتركونهم في الشوارع مع السيارات والتفحيط مع الأشرار يتركونهم ولا يدرون أين يذهبون؟ أين الرعاية؟ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وصاحب البيت رَاعٍ فِي بيته ومَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"، فكما توجه أولادك للمدارس وجهم للمساجد قبل ذلك وداوم على ذلك كما قال صلى الله عليه وسلم: "مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ لسَبْعِ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لعَشْرِ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ" فأمركم أن تأمروهم بالصلاة إذا ميزوا وبلوغ سن التمييز، فإذا قاربوا البلوغ فإذا رأيتم منهم تكاسلا على الصلاة فضربوهم "وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لعَشْرِ" ولا يكفي هذا بل أيضا راقبوهم في المضاجع، في منامهم: "وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ" بأن تبعدوا بعضهم عن بعض خشية الفتنة فأنت مسئول عن أولادك في يقظتهم وفي نومهم أنت مسئول عنهم محمل أمانتهم.
ثم أيها المدرسون أنتم عليكم أمانة فالآباء سلموكم أولادهم ووجوههم إليكم فصاروا حتى مسئوليتكم في المدارس علموهم ما ينفعهم راقبوهم في أخلاقهم وفي سلوكهم، أشرحوا لهم المقررات وبينوها لهم في الفقه، في التوحيد، في النحو، في غير ذلك حرفا حرفا، لا تترك من المقرر شيئا، لا تتساهل فيه فإنه أمانة حملتها لا تصرفهم إلى القيل والقال وإلى الأفكار السيئة، أين ذهب فلان؟ وأين جاء فلان؟ وكيف كان حال فلان؟ إلى آخره، أنت مسئول عن أمانة تعليمهم وتوجيههم، لا تحرفهم عن الحق تلقنهم الأفكار السيئة، تورث العداوة بينهم وبين الناس، فلان فيه كذا وفلان فيه كذا هذا ليس من مسئوليتك، مسئوليتك أن تقوم بشرح هذا الدرس وتبينه لهم وسؤالهم عنه حتى يفهموه وإذا رأيت من أحد منهم تكاسلا أو إهمالا فإنك توجهه إلى الرجوع إلى دراسته وحفظ وقته وعدم الانشغال بغير ذلك، فهو من حين يدخل المدرسة إلى أن يخرج منها وهو تحت مسئوليتك، أنت المسئول عنه.
ثم أنت أيها الوالد تابع أولادك خارج البيت، أين ذهبوا؟ من يجلسون معه؟ أسأل المدرسين والمسئولين عن المدارس عن سلوك ولدك وعن توجهاته وعن جلسائه، أسألهم تابعه خارج البيت فإنه ما يزال تحت مسئوليتك في البيت وخارج البيت، وهذه مسئولية عظيمة وثقيلة بلا شك؛ ولكن الله يعينك عليها إذا صدقت نيتك ثم الوالد إذا عرف منك الحزم وعرف منك أنك تتابعه فإنه يأخذ حذره ويتجه إلى ما وجه إليه، أما إذا عرف انك لا تسأل عنه ولا تدري عنه فإنه يضيع بين البيت والمدرسة، هناك من يتخطفون الأطفال وينشرون بينهم الدخان والمخدرات والمسكرات ويلقونهم الأفكار السيئة وقد يكون هذا في المدرسة وخارج المدرسة فأنت المسئول عنهم، أنت أبوهم أنت المسئول عنهم تابعهم، واختر لهم المدرسة المستقيمة بمديرها وبمعلميها وبطلابها اختر لولدك المكان المناسب فأنت مسئول عنه وفقك الله وأعانك الله، ولا تقل أنا في شغلي وهو في شغله وتذهب إلى تجارتك وإلى أموالك تنميها وتتعاهدها وتحافظ عليها ولا تحافظ على أولادك، إن تجارتك الرابحة بلا شك هم أولادك إذا قمت بتربيتهم وحسن توجيهم فهم تجارتك الحقيقية عند الله سبحانه وتعالى، وهم الذين يدعون لك بعد موتك، وهم الذين يخلفونك في أهلك وفي مالك، فإذا أصلحتهم بتربيتهم وتوجيههم صاروا خير خلف لخير سلف، أما إذا أهملتهم صاروا حسرة عليك حيا وميتا.
فاتقوا الله عباد الله، في أولادكم قوموا بأمانتكم التي حملكم الله إياها، وإلا فإن الله سيسألكم عنها يوم القيامة: "كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"، بارك الله ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
 
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا.  أما بعد
أيها الناس، اعلموا أن الوقت الآن قد اختلف عن ما سبق، فكان فيما سبق كان أهل البلد لا يدرون عن أحوال البلد الآخر وما يجري فيه ولا يصل إليهم إلا أخبار بلدهم وأخبار محيطهم ومن حولهم في المكان القريب، أما الآن فاختلطت الدنيا تقاربت البلاد وصار العالم كما يقولون كأنه قرية واحدة ما يجري في أقصاه يصل إلى أقصاه، عظمة المسئولية الآن نحو الأولاد، فوجوههم وحموهم من الأفكار السيئة، احموهم من الذهاب إلى الاستراحات وإلى الرحلات إلى هنا وهناك، أحفظوهم لا تولوهم غيركم، ولا تأمنوا عليهم غيركم إلا من عرفتم فيه الصدق والأمانة والإخلاص وإلا فحافظوا عليهم وتابعوهم حتى في مضاجعهم لأن الأولاد وإن كانوا عندك إلا أن قلوبهم وأفكارهم بعيدا عنك تتابع ما ينشر في التويترات وفي ما يسمونه بالتواصل الإعلامي، بالتواصل الاجتماعي في هذه الآليات الدقيقة فهم جسمهم عندك وقلوبهم وأفكارهم تسرح وتمرح في خارج بيتك مع أصحاب هذه الأفكار، فأبعد عنهم وسائل الشر وحرص على تنقية بيتك من هذه الوسائل المدمرة، وأبعدها عنهم لا تقل إني لا أقدر عليهم تقدر عليهم لأنهم تحت مسئوليتك، ولو عرفوا منك الحزم والجد لتأدبوا معك؛ ولكن إذا عرفوا منك التساهل والتغاضي فإنهم سيتساهلون وسيدربون في طرق الشر إلا من رحم الله عز وجل.
فاتقوا الله عباد الله، حافظوا على أولادكم، أكثر ما يحامي راعي الغنم من الذئاب فإنهم مهددون بذئاب البشر الذين هم شر من ذئاب السباع، فحافظوا عليهم وهذا شيء صعب بلا شك؛ ولكن إذا صلحت نيتك وصدقت عزيمتك أعانك الله عز وجل وسهله عليك: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ).
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن المسئولية عظيمة وأن الحساب دقيق وأن التبعة ثقيلة إلا من وفقه الله عز وجل وصلحت نيته وطابت سريرته فإن الله يعينه ويسدده ويسهل له أولاده يسهل الأولاد لوالدهم إذا رأوا منه الصدق والأمانة والحزم وعدم التساهل، لا تتساهل في الصغيرة قبل الكبيرة أبدا لا تتساهل فإن الشر يجر بعضه بعضا. واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين  فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.
ثم اعلموا رحمكم الله إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، ونصر عبادك الموحدين، واجعل هذا البلد أمنا وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أحفظ علينا أمننا وإيماننا واستقرارنا في أوطاننا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، اللَّهُمَّ أصلح سلطاننا وولي علينا خيارنا وكفنا شر شرارنا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا وقنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللَّهُمَّ كف عنا بأس الذين كفروا فأنت أشد بأسا وأشد تنكيلا، اللَّهُمَّ أردد كيدهم في نحورهم وكفنا شرورهم، اللَّهُمَّ أحفظ بلادنا وبلاد المسلمين، اللَّهُمَّ أحفظ هذه البلد آمنة مستقرة من كل سوء ومكروه ومن كل شر وفتنة وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، وجعل الدائرة على المجرمين والمفسدين من الكفار والمشركين والمنافقين واليهود والنصارى والعلمانيين وسائر الكفرة، اللَّهُمَّ أجعل الدائرة عليهم، اللَّهُمَّ دمرهم بما صنعت أيديهم، اللَّهُمَّ اجعل كيدهم في نحورهم واجعل سلاحهم في صدورهم إنك على كل شيء قدير. 
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا الله يذكركم، واشكُروه على نعمه يزِدْكم، ولذِكْرُ الله أكبرَ، والله يعلمُ ما تصنعون.
 
خطبة الجمعة 30-03-1435هـ            

المادة الصوتية:

تحميل


رابط المادة الأصلية:
http://alfawzan.af.org.sa/node/15108


كاتب الموضوع
صالح بن فوزان الفوزان [آلي]
مشاركات: 1244
اشترك في: جمادى الآخرة 1437

الحث على الإحسان

مشاركة بواسطة صالح بن فوزان الفوزان [آلي] »

الحث على الإحسان




الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، فإن ذلك هو طريق النجاة، واعلموا أن الله سبحانه أمر بالإحسان في آيات كثيرة، وأخبر أنه يحب المحسنين، ولا يضيع أجر من أحسن عملا.
وقال تعالى: هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ، قال ابن عباس وغيره في معنى الآية: هل جزاء من قال: لا إله إلا الله، وعمل بما جاء به محمد إلا الجنة؟.
وقال تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [يونس:26].
وقد ثبت عن النبي في صحيح مسلم تفسير الزيادة المذكورة في هذه الآية الكريمة بأنها النظر إلى وجه الله الكريم في الجنة.
قال ابن رجب رحمه الله: وهذا مناسب لجعله جزاء لأهل الإحسان، لأن الإحسان هو أن يعبد المؤمن ربه في الدنيا على وجه المراقبة لله وحضور القلب كأنه يراه وينظر إليه، فكان جزاء ذلك النظر إلى وجه الله عيانا في الآخرة، وعكس هذا ما أخبر الله به عن الكفار في الآخرة بقوله: (كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) [المطففين:15]، فإن ذلك جزاء لحالهم في الدنيا لما تراكم من الذنوب على قلوبهم، فحجبهم عن معرفة الله ومراقبته في الدنيا، فكان جزاؤهم أن حجبوا عن رؤية الله في الآخرة.
عباد الله: والإحسان ضد الإساءة، قال تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) [النجم:31].
وهو أنواع كثيرة: منهما ما يكون في عبادة العبد لربه، كما بينه الرسول لما قال له جبريل عليه السلام: أخبرني عن الإحسان، قال: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
ومعناه بأن يعبد ربه مستحضرا لقربه منه واطلاعه عليه، وأنه بين يديه كأنه يراه، وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم، ويوجب أيضا إخلاص العبادة لله وتحسينها وإكمالها، ومن بلغ هذه المرتبة فقد بلغ أعلى مراتب الدين.
ومن أنواع الإحسان: الإحسان في العمل بأن يكون موافقا لما شرعه الله على لسان رسوله خاليا من البدع والمخالفات، قال تعالى: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:112]، وقال تعالى: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) [لقمان:22].
وإسلام الوجه لله، وإلى الله، معناه: إخلاص العمل من الشرك.
والإحسان للعمل معناه: متابعة السنة فيه ومجانبة البدعة، وأي عمل لا يتوفر فيه هذان الشرطان يكون هباءً منثورا ووبالا على صاحبه.
ومن أنواع الإحسان: الإحسان إلى الخلق من الآدميين والبهائم، بإغاثة الملهوف وإطعام الجائع والتصدق على المحتاج وإعانة العاجز، والتيسير على المعسر والإصلاح بين الناس، قال الله تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) ، وقال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) [النساء:36]، فقد أمر الله سبحانه بالإحسان إلى هذه الأصناف بإيصال الخير إليهم ودفع الشر عنهم، وقال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ* كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ* وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [الذاريات:15-19]. فبين الله سبحانه سبب حصولهم على هذه الكرامة العظيمة وأن ذلك بما أسلفوه من الإحسان في الدنيا من صلاة الليل والاستغفار بالأسحار والتصدق على المحتاجين، وقال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ* وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ* كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ* إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ) [المرسلات:41-44].
والآيات في ذلك كثيرة تبين ما للإحسان من عاقبة حميدة، وثواب عظيم.
ومن أنواع الإحسان: الإحسان إلى البهائم، عن أبي هريرة ، عن رسول الله قال: "دنا رجل إلى بئر فنزل فشرب منها، وعلى البئر كلب يلهث فرحمه فنزع أحد خفيه فسقاه، فشكر الله له ذلك فأدخله الجنة"، رواه ابن حبان في صحيحه، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا جاء النبي فقال: إني أنزع في حوضي حتى إذا ملأته لإبلي ورد علي البعير لغيري فسقيته، فهل في ذلك أجر؟ فقال رسول الله: "إن في كل ذات كبد أجرا"، رواه أحمد ورواته ثقاة مشهورون.
وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: "بينما رجل يمشي بطريق، اشتد عليه الحر، فوجد بئرا فنزل فيه فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان مني، فنزل البئر فملأ خفه ماءً، ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له"، قالوا: يا رسول الله، إن لنا في البهائم أجرا؟ فقال: "في كل كبد رطبة أجر"، رواه مالك، والبخاري، ومسلم.
ففي هذه الأحاديث فضل الإحسان إلى البهائم بما يُبْقي عليها حياتها، ويدفع عنها الضرر، سواء كانت مملوكة أو غير مملوكة، مأكولة أو غير مأكولة، وفي الحديث الذي رواه مسلم عن رسول الله قال: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، ولْيَحد أحدكم شفرته ولْيُرح ذبيحته"، فيه فضيلة الإحسان إلى البهائم المأكولة في حال ذبحها، وهذا شيء يغفل عنه بعض الناس، فيسيؤن إلى البهائم في كيفية ذبحها.
والإحسان قد أمر الله به في مواضع من كتابه، منه ما هو واجب ومنه ما هو مستحب، فهو في كل شيء بحسبه.
فالإحسان في معاملة الخالق بفعل الواجبات وترك المحرمات واجب، وفي فعل المستحبات وترك المكروهات متسحب، والإحسان في معاملة الخلق، منه ما هو واجب كالإحسان إلى الوالدين والأقارب بالبر والصلة، ومنه ما هو مستحب كصدقة التطوع، وإعانة المحتاج، والإحسان في قتل ما يجوز قتله من الناس والدواب بإزهاق نفسه على أسرع الوجوه وأسهلها، من غير زيادة في التعذيب، وهكذا مطلوب من المسلم أن يكون محسنا في كل شيء مما يأتي وما يذر، محسن في عمله، محسن في تعامله مع الله ومع خلقه، ومحسن في نيته وقصده، قال الله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التوبة:91]، فهؤلاء الذين لا يستطيعون القتال لعجزهم الجسمي والمالي مع سلامة نياتهم وحسن مقاصدهم، قد عذرهم الله لأنهم محسنون في نياتهم، لم يتركوا الجهاد لعدم رغبتهم فيه، وإنما تركوه لعجزهم عنه، ولو تمكنوا منه لفعلوه، فهم يشاركون المجاهدين في الأجر لنياتهم الصالحة وحسن قصدهم، فقد روى الإمام أحمد وأبو داود، وأصله في الصحيحين أن رسول الله قال: "لقد تركتم بعدكم قوما ما سرتم من مسير، ولا أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم واديا إلا وهم معكم".
وكما يكون الإحسان في الأعمال والنيات يكون في الأقوال أيضا، قال تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) [البقرة:83]، أي: قولوا لهم قولا حسنا، بأن تخاطبوهم بالكلام الطيب، الذي يجلب المودة، ويرغب في الخير، ويؤلف القلوب.
وهذا يشمل الصدق في الحديث، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الخير، وقد جاء في الحديث: "والكلمة الطيبة صدقة"، فاتقوا الله – عباد الله – وكونوا من أهل الإحسان لتنالوا من الله الأجر والرضوان.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنبكوت:69].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
 
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، على فضله وإحسانه، لا نحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن وجوه الإحسان كثيرة، ينبغي للمسلم أن يسهم فيما يستطيع منها، ولا سيما منْ منّ الله عليهم بوفرة المال، فإن المجالات الخيرية أمامهم واسعة، من بناء المساجد، وتوفير المياه للشرب، وطباعة الكتب الدينية، وتوزيع المصاحف، ومساعدة مشاريع تعليم القرآن الكريم، ومساعدة المراكز الإسلامية في الخارج، وإعانة المجاهدين في سبيل الله، ومواساة المنكوبين والمشردين من المسلمين والمصابين بالمجاعة.
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله: "سبع تجري للعبد بعد موته وهو في قبره، من علم علما، أو كرى نهرا، أو حفر بئرا، أو غرس نخلا، أو بنى مسجدا، أو ورث مصحفا، أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته"، رواه البزار، وأبو نعيم في الحلية. ومعنى كرى نهرا: أي حفره.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: قال أتى النبي رجل فقال: ما عملٌ إن عملت به دخلت الجنة؟ قال: "أنت ببلد يجلب به الماء؟"، قال: نعم، قال: "فاشتر سقاء جديدا، ثم اسق فيها حتى تخرقها، فإنك لن تخرقها حتى تبلغ بها الجنة" رواه الطبراني في الكبير.
وفي (الصحيحين) عن أنس عن النبي قال: "ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو طير أو دابة إلا كان له صدقة"، وفي صحيح مسلم عن جابر عن النبي قال: "ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما شرق منه له صدقة، وما أكل السبع مه فهو له صدقة، ولا ينقصه أحد إلا كان له صدقة"، وفي رواية له أيضا: "فلا يأكل منه إنسان ولا دابة ولا طائر إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة"، وظاهر هذه الأحاديث يدل على أن هذه الأشياء تكون صدقة يثاب عليها الزارع والغارس ونحوهما، إذا نوى واحتسب الأجر عند الله سبحانه، ولكن المؤسف أن كثيرا من الأثرياء يحبسون أموالهم عن الإسهام في الخير، ويحرمون أنفسهم من الثواب، وهم قادرون على ذلك، فكانوا ممن جمع فأوعى، فيا حسرة من كان جمّاعا للمال منّاعا للخير لا يقدم لنفسه ما يجده عند الله خيرا وأعظم أجرا، يتعب في جمع المال وحفظه ويتركه لغيره ولا يقدم منه لنفسه.
فاتقوا الله – عباد الله – وقدموا لأنفسكم: واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين
واعلموا أن خير الحديث كتاب الله...

رابط المادة الأصلية:
http://alfawzan.af.org.sa/node/13545


كاتب الموضوع
صالح بن فوزان الفوزان [آلي]
مشاركات: 1244
اشترك في: جمادى الآخرة 1437

فضائل شهر محرم

مشاركة بواسطة صالح بن فوزان الفوزان [آلي] »

فضائل شهر محرم




فضائل شهر محرم
الخطبة الأولى:
الحمد الله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واشكروه على نعمه الظاهرة والباطنة، فما زال يوالي عليكم مواسم الخير الفضل، ما انتهت أشهر الحج إلى وأعقبها شهر الله المحرم، وهذا الشهر خصه الله بخصائص:
أولا: أنه من الأشهر الحُرم التي حرم الله فيها القتال قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) وهذه الأربعة: هي ذو القعدة، وذو الحجة، وشهر محرم، والرابع شهر رجب، حرم الله القتال فيها من أجل تأمين الحجاج والمعتمرين في سفرهم للحج والعمرة، فلما جاء الإسلام - ولله الحمد - انتشر الأمن واندحر الكفار، وقام الجهاد في سبيل الله عز وجل في كل وقت مهما أمكن ذلك.
إن هذا الشهر له فضائل قال صلى الله عليه وسلم: "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ" فيستحب الإكثار فيه من الصيام.
وهو أيضا من الأشهر الحرم.
وهو الشهر الذي اختاره الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه ليكون أول السنة الهجرية، فهو شهر له فضائل:
ومن أعظم  فضائله: أن فيه يوم عاشوراء الذي اخبر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن صيامه يكفر السنة الماضية، وقد صامه موسى عليه السلام شكرا لله لما أغرق الله فرعون وقومه فصامه شكرا لله عز وجل، وصامه اليهود من بعده، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرا وجد اليهود يصومونه فقال: "ما هذا الصوم الذي تصومونه؟" قالوا: إنه يوم أعز الله فيه موسى وقومه، وأذل الله فيه فرعون وقومه وقد صامه موسى عليه السلام فنحن نصومه، فقال صلى الله عليه وسلم: "نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ" أو "أولا بِمُوسَى مِنْكُمْ" فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه فصار صيامه سنة مؤكدة؛ لكنه صلى الله عليه وسلم أراد منا أن نخالف اليهود فـأمر "بصوم يوم قبله" وهو اليوم التاسع، وفي رواية أو "صوم يوما بعده"، ولكن صيام يوم التاسع أوكد، فيصام هذا اليوم اقتداءً بأنبياء الله بموسى عليه السلام وبمحمد صلى الله عليه وسلم في صيامه وهو يوم أعز الله فيه المسلمين على يد موسى عليه السلام، فهو نصر للمسلمين إلى أن تقوم الساعة، ونعمة من الله عز وجل يُشكر عليها وذلك بالصيام، فصيامه سنة نبوية مؤكدة، فيصومه المسلم اليوم التاسع ويصوم اليوم العاشر الذي هو يوم عاشوراء، ومضت هذه السنة في هذه الأمة والحمد لله فيتأكد صيامه طلبا للأجر والثواب وشكرا لله عز وجل.
فسنة الأنبياء وأتباعهم أنهم يشكرون الله على الانتصارات وذلك بالطاعة والصيام وذكر الله عز وجل وشكره ولا يحدثون في هذه الانتصارات بدعا ومنكرات فإن هذا من سنة الجاهلية، والاحتفالات إنما يحدثون فيها الشكر لله عز وجل والصيام، فإحياء السنة أمر مطلوب من الأمة، في صومه أجر عظيم، يكفر السنة الماضية.
فلا ينبغي للمسلم أن يفرط فيه، أما من يتخذ يوم عاشوراء يوم حزن ويوم بكاء وعويل ونياحه كما تفعله الشيعة قبحهم الله حزنا على مقتل الحسين رضي الله عنه فإنه قتل في هذا اليوم في يوم عاشوراء في اليوم العاشر من شهر محرم؛ ولكن المصيبة لا تقابل بالنياحة والمعاصي والمنكرات؛ وإنما تقابل بالطاعة والصبر والاحتساب، مقتل الحسين رضي الله عنه لاشك أنه مصيبة؛ ولكن الله أمرنا عند حدوث المصائب أن نصبر ونحتسب.
والمسنون في هذا اليوم هو سنة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنه يصام ولا يحدث فيه أي عمل آخر، وكذلك على العكس من جهال المسلمين ومن جهال أهل السنة من يعتبر هذا اليوم يوم فرح وبعضهم يسميه العيد عيد العمر يقولون وهو ليس عيدا إنما هو يوم نصر وشكر لله عز وجل ويوسعون على أولادهم ويعطونهم الهدايا يتقابلون الهدايا فيما بينهم هذه بدعة وأمر محدث ولا يجوز، وهذا يكون مقابلا لفعل الشيعة، الشيعة يحزنون وهؤلاء يفرحون، أيفرحون بمقتل الحسين رضي الله عنه يعني يحملهم بغض الشيعة على أن يفرحوا بمقتل الحسين رضي الله عنه لا، هذا لا يجوز.
فالواجب على المسلمين اتباع السنة وترك البدعة هذا هو المطلوب، والبدعة لا تقابل بما هو شر منها ببدع أخرى، إنما تقابل بتركها وإحياء السنة.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضى، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه توبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
 
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وأعوانه، وسلم تسليماً كثيرا،                        أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أنها لا يقبل سنة أو نافلة حتى تؤدى الفريضة، فحرصوا على أداء الفرائض أولا، لأن الفرائض أحب إلى الله من النوافل، قال الله جل وعلا في الحديث القدسي: "ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه" فالنوافل مكملة للفرائض، أما أن تقام النوافل وتساهل في الفرائض فهذا أمر معكوس.
الواجب على المسلم أن يحافظ على الفرائض أولا وقبل كل شيء ثم يأتي بالنوافل بعدها لتكون مكملة لها وزيادة خير للمسلم.
اتقوا الله، عباد الله، واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مستقرا وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أحفظ علينا أمننا وإيماننا واستقرارنا في أوطاننا وأصلح ولاة أمورنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا وقنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللَّهُمَّ أرنا الحق حقا ورزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلا ورزقنا اجتنابه، وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان وجعلنا من الراشدين، اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمورنا، اللَّهُمَّ وفقهم لما فيه خيرهم وخير الإسلام والمسلمين، اللَّهُمَّ أحفظ بهم أمننا وجمع بهم كلمتنا،وألف بهم جماعتنا يا حي يا قيوم يا سميع الدعاء، اللَّهُمَّ أحفظ بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللَّهُمَّ فرج للمسلمين مما هم فيه من كرب وضيق على يد الأعداء والكافرين والمنافقين، اللَّهُمَّ فرج للمسلمين بفرج عاجل، اللَّهُمَّ فرج للمسلمين بالنصر، اللَّهُمَّ فرج للمسلمين من كل شدة ومن كل كرب يا سميع الدعاء يا فراج الكربات يا مجيب الدعوات يا مغيث اللهفات يا حي يا قيوم يا سميع الدعاء يا ذا الجلال والإكرام (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فذكروا الله يذكركم، واشكُروه على نعمه يزِدْكم، ولذِكْرُ الله أكبرَ، والله يعلمُ ما تصنعون.

خطبة الجمعة 27-12-1434هـ


المادة الصوتية:

تحميل


رابط المادة الأصلية:
http://alfawzan.af.org.sa/node/15019


كاتب الموضوع
صالح بن فوزان الفوزان [آلي]
مشاركات: 1244
اشترك في: جمادى الآخرة 1437

تحريم التشاؤم بشهر صفر وغيره

مشاركة بواسطة صالح بن فوزان الفوزان [آلي] »

تحريم التشاؤم بشهر صفر وغيره



الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليما.

أيها الناس: اتقوا الله تعالى، وعلقوا آمالكم به، وتوكلوا عليه، وارجوا ثوابه، وخافوا من عقابه: (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [العنكبوت: 17].

من الناس من يتشاءم بالأشخاص والأزمان ويظن أنه يصيبه منها شر لذاتها لا بقضاء الله وقدره. وهذا هو الطيرة التي نهى عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبر أنها شرك؛ لأن المتطير والمتشاءم يعتقد أن ما يصيبه من المكاره إنما هو من شؤم المخلوق من زمان أو مكان أو شخص؛ فيكره ذلك الشخص أو الزمان أو المكان وينفر منه ظنا منه أنه يجلب له الشر، وينسى أو يتجاهل أن ما أصابه إنما هو بقضاء الله وقدره، وبسبب ذنبه، كما ذكر الله عن الأمم الكافرة أنهم تطيروا بمن هو مصدر الخير من الأنبياء والمؤمنين، قال الله تعالى عن قوم فرعون: (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَه) [الأعراف: 131]، وكذلك ثمود تطيروا بنبيهم صالح -عليه السلام-: (قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) [النمل: 47]، وكذلك مشركوا العرب، تطيروا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- كما قال الله عنهم: (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) [النساء: 78].

فرد الله على هؤلاء بأن ما يصيبهم من العقوبات والمكاره إنما هو بقضاء الله وقدره وبسبب ذنوبهم: (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا *مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [النساء: 78،79]، وهذا من انتكاس فطرهم، حيث اعتقدوا الشر بمن هو مصدر الخير والصلاح.

عباد الله، ومن التشاؤم والتطير ما كان يعتقده أهل الجاهلية في شهر صفر أنه شهر مشئوم؛ فيمتنعون فيه عن مزاولة الأعمال المباحة التي كانوا يزاولونها في غيره؛ فأبطل ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "لا عدوى ولا هامة ولا صفر" [رواه البخاري ومسلم]. وهو نفي لما كان يعتقده أهل الجاهلية من أن الأمراض تعدي بطبعها من غير اعتقاد تقدير الله لذلك، والله تعالى يقول: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا) [الحديد: 22]. وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ولا هامة"، الهامة البومة، ومعناه نفي ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه فيها أنها إذا وقعت على بيت أحدهم يتشاءم ويقول: نعت إلي نفسي أو أحدا من أهل داري؛ فيعتقد أنه سيموت هو أو بعض أهله تشاؤما بهذا الطائر. فنفي النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك وأبطله، ومعنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ولا صفر" على الصحيح أن أهل الجاهلية كانوا يتشاءمون بشهر صفر ويقولون: أنه شهر مشؤوم؛ فأبطل النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك، وبين أنه لا تأثير له وإنما هو كسائر الأوقات التي جعلها الله فرصة للأعمال النافعة، وهذا الاعتقاد الجاهلي لا يزال في بعض الناس إلى اليوم؛ فمنهم من يتشاءم بصفر، ومنهم من يتشاءم ببعض الأيام كيوم الأربعاء أو يوم السبت أو غيره من الأيام، فلا يتزوجون في هذه الأيام. يعتقدون أو يظنون أن الزواج فيها لا يوفق، كما كان أهل الجاهلية يتشاءمون بشهر شوال فلا يتزوجون فيه، وقد أبطل النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الاعتقاد؛ فتزوج عائشة -رضي الله عنها- في شوال، وتزوج أم سلمة -رضي الله عنها- في شوال.

أيها المسلمون، إن الخير والشر والنعم والمصائب كلها بقضاء الله وقدره: (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّه) [النساء: 78]؛ فهو الذي يخلق ما يشاء ويختار، وما يصيب العباد من الشرور والعقوبات فإن الله قدره عليهم بسبب ذنوبهم ومعاصيهم: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى: 30]، ليس للمخلوق يد في تقديره وإيجاده، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف" [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح].

وهذا لا ينافي أن يجعل الله بعض مخلوقاته سببا للخير أو الشر، ولكن ليست الأسباب هي التي تحدث هذه الأمور، وإنما ذلك راجع إلى مسبب الأسباب وهو الله سبحانه، ومطلوب من العبد أن يتعاطى أسباب الخير، ويتجنب أسباب الشر قال تعالى: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة: 195]. قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-، وأما تخصيص الشؤم بزمان دون زمان كشهر صفر أو غيره؛ فغير صحيح، وإنما الزمان كله خلق الله تعالى وفيه تقع أفعال بني آدم؛ فكل زمان شغله المؤمن بطاعة الله؛ فهو زمان مبارك عليه، وكل زمان شغله العبد بمعصية الله؛ فهو شؤم عليه؛ فالشؤم في الحقيقة هو معصية الله تعالى؛ فالمعاصي والذنوب تسخط الله عز وجل، وإذا سخط الله على عبده سعد في الدنيا والآخرة، كما أن الطاعات ترضي الله سبحانه، وإذا رضي الله عبده سعد في الدنيا والآخرة. والعاصي شؤم على نفسه وعلى غيره؛ فإنه لا يأمن أن ينزل عليه عذاب؛ فيعم الناس، خصوصا من لم ينكر عليه عمله؛ فالبعد عنه متعين، وكذلك أماكن المعاصي يتعين البعد عنها والهرب منها خشية نزول العذاب، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه لما مر على ديار ثمود بالحجر لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين خشية أن يصيبكم ما أصابهم؛ فهجر أماكن المعاصي وهجران العصاة من جملة الهجرة المأمورة بها؛ فإن المهاجر من هجر ما نهى الله عنه، قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: (من أراد التوبة فليخرج من المظالم وليدع مخالطة من كان يخالطه "يعني من العصاء"، وإلا لم ينل ما يريد)؛ فاحذروا الذنوب! فإنها مشئومة وعقوبتها أليمة والأماكن والبقاع في الأصل طاهرة نقية ولكن ذنوب العباد تدنسها وتفسدها بشؤمها، والأزمنة أوقات لعمل الخير ولكن العبد بفعل يدنسها الشر، كما قيل:

نعيب زماننا والعيب فينا                   وما لزماننا عيب سوانا

          فاتقوا الله عباد الله، واعمروا بيوتكم وأوقاتكم بطاعة الله، وعلقوا قلوبكم بالله خوفا ورجاء ومحبة، ولوموا أنفسكم واعلموا أن ما أصابكم مما تكرهون إنما هو بسبب ذنوبكم لا بشؤم الزمان، والمكان، وإنما هو بسوء عمل الإنسان، ومن تشاءم بشهر من الشهور أو يوم من الأيام أو ساعة من الساعات أو سب شيئا من ذلك؛ فإنه يسب الله تعالى ويؤذيه، كما في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: قال الله تعالى: "يؤذيني ابن آدم بسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار"، وفي رواية: "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر"، قال الإمام البغوي -رحمه الله- في شرح السنة: ومعناه أن العرب كان من شأنها ذم الدهر أي سبه عند النوازل؛ لأنهم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره؛ فيقولون: أصابتهم قوارع الدهر وأبادهم الدهر، فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد سبوا فاعلها، فكان مرجع سبها إلى الله عز وجل إذ هو الفاعل في الحقيقة، وما يجري في الدهر من خير أو شر فهو بإرادة الله، الخير تفضل من الله، والشر بسبب ذنوب العباد ومعاصيهم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا *مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا *مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) [النساء: 78-79-80].

بارك الله لنا في القرآن العظيم...

(من كتاب الخطب المنبرية، للشيخ الدكتور صالح الفوزان/ ج1)



رابط المادة الأصلية:
http://alfawzan.af.org.sa/node/16457

أضف رد جديد