خطب الجمعة لعام 1432هـ

أضف رد جديد

كاتب الموضوع
صالح بن فوزان الفوزان [آلي]
مشاركات: 1244
اشترك في: جمادى الآخرة 1437

خطب الجمعة لعام 1432هـ

مشاركة بواسطة صالح بن فوزان الفوزان [آلي] »

مواصلة العمل الصالح بعد رمضان




الحمد لله الواحد القهار، يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل، وسخر الشمس والقمر كلٌ يجري لأجلٍ مسمى، ألا هو العزيز الغفار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد أيها الناس اتقوا الله تعالى واعتبروا بسرعة مرور الليالي والأيام، فإنها من أعماركم، وهي خزائن أعمالكم، وفي يوم القيامة تُفتّح هذه الخزائن لكم، فالمؤمنون يجدون في خزائنهم العزة والكرامة، والمفرطون يجدون في خزائنهم الذلة والإهانة، فاملؤوا هذه الخزائن بتقوى الله سبحانه وبالأعمال الصالحة قبل أن تغلق بانتهاء آجالكم، بالأمس القريب كنتم تعيشون في شهر عظيم، وموسمٍ كريم، وهو شهر رمضان المبارك، فانطوت أيامه، وتصرمت أوقاته، فانظروا ماذا أودعتم فيه من الأعمال، فما شهر رمضان إلا زيادة في عمر المسلم وفي عمله، يغتنمه في الخير، فلينظر كلٌ منا ما مر به عليه شهر رمضان من عمل صالح أو من تفريط، فإن كان عمِل فيه عملاً صالحاً فليحمد الله وليواصل عمله في بقية عمره ولا ينتهي عند رمضان، ومن كان مفرطاً في رمضان فباب التوبة مفتوح فلا يقنط من رحمة الله فليتب إلى الله عز وجل وليُصلح عمله في المستقبل، فإن الله يتوب على من تاب، (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [الشورى:25]، (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53]، وليس عمل المسلم مقصوراً على شهر رمضان، وإنما عمل المسلم مستمر من حين يبلغ الحلم إلى أن يتوفاه الله، قال الله جل وعلا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99]، يعني الموت، فليس لعمل المسلم غاية دون الموت، قال بعض السلف: أدركت أقواماً لا يزيد دخول رمضان من أعمالهم شيئاً، ولا ينقص خروجه من أعمالهم شيئاً، لأنهم كانوا مجتهدين في العبادة في كل حياتهم في رمضان وفي غيره، ولكنَّ الله جعل شهر رمضان زيادة في عمل المسلم يُضيفه إلى عمله الصالح زيادة خير إلى خير، وجعله فرصةً للمفرّط ليتوب إلى الله عز وجل ويستدرك ما فاته، فهو خير كله على المسلمين، المؤمن يفرح بانتهاء شهر رمضان لأن الله وفقه لصيامه وقيامه واستكمله في طاعة الله، فهو يفرح بذلك أن مكنه الله من جميع الشهر في العمل الصالح، وأما المنافق والفاسق فهما يفرحان بانتهاء شهر رمضان لينطلقوا إلى شهواتهم، وملذاتهم، وغفلاتهم، لأنهم كانوا في سجن وفي أسر في شهر رمضان فلما انتهى ينطلقون إلى غفلتهم وسهوتهم، يسرحون ويمرحون في هذه الحياة إلى أن يأتيهم الموت إلا من وفقه الله جل وعلا وتاب إلى الله قبل مماته، فإن الله يتوب على من تاب، أيها المسلمون، إن من علامة قبول شهر رمضان أن تكون حال المسلم بعده أحسن من حاله قبل رمضان لأن الحسنة تدعو إلى الحسنة، والعمل الصالح يدعو إلى العمل الصالح، ورمضان شهر يعوّد المسلم على فعل الخير ويربيه على الطاعة، فهو بعد رمضان يستمر على طاعة الله ويتلذذ بها، إن مجال العمل الصالح مفتوحٌ آناء الليل والنهار في كل السنة، فإن أردت القيام فقيام الليل مشروعٌ في كل السنة، تقوم ما يسر الله لك، وتحافظ على ذلك وتداوم عليه، إن أردت الصيام فالصيام مشروع ومستحب في سائر السنة، في أيام معينة بينتها السُنَّة فحافظ على ذلك، إن أردت تلاوة القرآن فالقرآن ميسر في كل وقت (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر:17]، فداوم على تلاوة القرآن فإنه حبل الله المتين بيدك، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران:103]، وكذلك من اعتاد في شهر رمضان وألِف المساجد فإن المساجد مفتوحة ولله الحمد في سائر السنة، مفتوحة على مصراعيها، مهيأة للجلوس فيها، والصلاة فيها، وذكر الله فيها، لا سيما المحافظة على الصلوات الخمس، (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ* رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ* لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [النور:36-38]، والمساجد هي بيوت الله، وهي قرة عيون المؤمنين، يترددون إليها، ويجلسون فيها، ويألفون فيها، وفي الحديث: "من ألِف المسجد ألِفه الله"، أو كما جاء، ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلُه "ورجلٌ قلبه معلقٌ بالمساجد"، كلما خرج منها يرجع إليها، يتردد عليها في اليوم والليلة خمس مرات للصلوات المفروضة، ويجلس فيها ما تيسر له، والجلوس فيها اعتكاف، اعتكاف على طاعة الله سبحانه وتعالى، فهي بيوت الله، وهي مشع الأنوار، وهي مستقر الملائكة، ومستقر الرحمة، وهي حياة المسلمين في عباداتهم، وفي تعلمهم، وفي ذكرهم لله عز وجل، فهي أكبر نعمة أنعم الله بها على عباده، تُبنى بين بيوتهم، وفي حاراتهم، لا يتكلفون مشقة ً في الذهاب إليها، فهي نعمة من الله بين أظهركم، فاعمروها بطاعة الله سبحانه وتعالى، يا من تعودت على حفظ لسانك من الغيبة، والنميمة، والشتم، وقول الزور في شهر رمضان، حافظ على ذلك بعد رمضان، فأمسك لسانك فإن أطلقته قتلك، قتلك بالكلام السيء، بالغيبة، بالنميمة، بكل كلام محرم، أما إذا أمسكته واستعملته في ذكر الله أصبح خادماً لك في ذكر الله سبحانه وتعالى، يا من صُنت سمعك في رمضان عن استماع المعازف، والمزامير، والملاهي، صُن سمعك بعد رمضان عن ذلك، (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) [الإسراء:36]، يا من تعودت حفظ نظرك عن النظر إلى الحرام في شهر رمضان، غُضَّ بصرك، وغُضَّ طرفك عما حرم الله، (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) [النور:30-31]، فالله جل وعلا أمرنا بغضَّ الأبصار عما حرّم الله، عن النظر إلى النساء، عن النظر إلى الصور الفاتنة، عن النظر في الشاشات الخبيثة، الهابطة، التي تعرض السوء، وتعرض الفحش، وتعرض ما يخدش الحياء، ويخدش الإيمان، فلنحفظ أبصارنا عن هذه القنوات التي انتشرت بين الناس ودخلت كثيراً من البيوت، فعلينا أن نغضَّ أبصارنا عنها، فإن النظر سهمٌ مسمومٌ من سهام إبليس، فحافظ على غضَّ بصرك في سائر أيامك، كما غضضته في شهر رمضان، فما شهر رمضان إلا مربٍ لك، ما شهر رمضان إلا فترة ودورة تمر بك على الأعمال الصالحة تتربى عليها وتعتادها، فحافظ عليها، ولا تكن كالتي تقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، لأن بعض الناس يجتهد في رمضان، لكن إذا خرج رمضان عاد إلى التفريط، وعاد إلى المعاصي، فمحا ما كان عمله في شهر رمضان من خير، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ* وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ* لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ) [الحشر:18-20]، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
 
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد أيها الناس اتقوا الله واشكروه على نِعمه حيث بلغكم شهر رمضان، وأكمله لكم، ومكنكم فيه من الطاعة، وفعل الخير، ثم اعلموا رحمكم الله أن فضل الله يتوالى عليكم، فما انتهى شهر رمضان إلا وأعقبته أشهر الحج إلى بيت الله الحرام، (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) [البقرة:197]، وهي شهر شوال، وشهر ذو القعدة، وعشرة أيام من ذي الحجة، هذه أشهر الحج، وهي أيام مباركة، متى أحرم المسلم فيها بالحج انعقد إحرامه، وتبدأ من يوم العيد، من يوم عيد الفطر، أول يوم من شوال، فرمضان يؤدى فيه ركن الصيام، وأشهر الحج يؤدى فيها ركن الحج، فنِعم الله تتوالى على العباد، فلله الحمد والمنة على فضله وإحسانه، ثم اعلموا عباد الله أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ فأشغله بنفسه، واردد كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، إنك على كل شيء قدير، اللهم إن أعداء الدين من الكفرة والمنافقين استطالوا على عبادك، وطغوا، وبغوا، وساموا عبادك المؤمنين سوء العذاب، شردوهم من ديارهم، قتلوهم في بيوتهم، دمروا اقتصادهم، كل ذلك من الكيد للإسلام والمسلمين، اللهم وأنت العزيز الجبار المنتقم، اللهم عاجلهم بالعقوبة، اللهم عاجلهم بالعقوبة، اللهم عاجلهم بالعقوبة، اللهم إنهم طغوا وبغوا، وأنت على كل شيء قدير، اللهم لا تسلطهم علينا بذنوبنا، اللهم اكفنا شرهم، اللهم أضعف قوتهم، اللهم فرق جماعتهم، اللهم شتت شملهم، اللهم خالف بين قلوبهم، اللهم سلط بعضهم على بعض، واكفنا شرهم، وكف عنا كيدهم، إنك على كل شيء قدير، اللهم أصلح ولاة أمورنا، اللهم أصلح ولاة أمورنا، وولاة أمور المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح بطانتهم، وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل:90-91]، فاذكروا اللهَ يذكرْكم، واشكُروا نِعمَه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
 

المادة الصوتية:

تحميل


رابط المادة الأصلية:
http://alfawzan.af.org.sa/node/13462


كاتب الموضوع
صالح بن فوزان الفوزان [آلي]
مشاركات: 1244
اشترك في: جمادى الآخرة 1437

التمسك بالإسلام والحذر من الشرك

مشاركة بواسطة صالح بن فوزان الفوزان [آلي] »

التمسك بالإسلام والحذر من الشرك






التمسك بالإسلام والحذر من الشرك والمشركين
الخطبة الأولى :
الحمد لله رب العالمين الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة وجعلنا مسلمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين و أشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوثِ رحمةً للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليم كثيراً، أما بعد أيها الناس اتقوا الله تعالى واشكروا نعمته عليكم إذ جعلكم مسلمين و اعرفوا معنى الإسلام حتى تتمسكوا به على بصيرة ولا تكونوا مما يدعون الإسلام وهم على ضده ن فلإسلام يا عباد الله كما عرَّفه العلماء هو: الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك و أهله، هذه ثلاثة أمور لا يتحقق الإسلام إلا بها، الأمر الأول: الاستسلام لله بالتوحيد، بعبادة لله وحده لا شريك له و ترك عبادة ما سواه لأن كثيراً ممن ينتسبون إلى الإسلام يخلطون معه الشرك بعبادة الأولياء والصالحين الذين يتقربون إليهم يزعمون أنهم يشفعون لهم عند الله وأنهم يقربونهم إلى الله زلفى وهذه بلية عظيمة أدخلها الشيطان على كثيرٍ ممن يدَّعون الإسلام بألسنتهم وهم يعبدون غير الله بأفعالهم واعتقاداتهم، الأمر الثاني: الإنقياد له بالطاعة فمن أسلم لله وأخلص لله واتبع الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه ينقاد لأوامر لله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم فيفعل ما أمر الله ورسوله به ويترك ما نهى الله ورسوله عنه، فإذا حصل خللٌ بترك بعض الوجبات أو ارتكاب بعض المحرمات فهذا مما ينقص الإسلام نقصاً ظاهراً أو يزيله والعياذ بالله ، والأمر الثالث: وهو مهم جداً يغفل عنه كثيرٌ من الناس ويُنادى الآن بطمسه والتحذير منه وهو البراءة من المشركين البراءة من دين المشركين و اعتقاد أنه باطل والبراءة من المشركين وعدم محبتهم ومناصرتهم والدفاع عنهم ومدحهم فهذا واجب على المسلم وهو ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام التي أُمرنا باتباعها قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) [الممتحنة:4]، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام تبرأ من أبيه لمّا علم أنه عدو لله، قال تعالى: (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) [التوبة:114]، وقد قال الله جل وعلا: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [المجادلة:22]، بعض من يدعون إلى الله و يدعون إلى الإسلام لا يعرفون حقيقة الإسلام، ولو سألتهم ما هو الإسلام؟ ما أجابوك بجواب صحيح، لأنهم لم يتعلموا، لم يتعلموا ما هو الإسلام، لم يدرسوا العقيدة دراسة صحيحة مبنية على الكتاب والسنة وإنما يظنون أن الإسلام هو ما عليه الناس ولو كان مخالفاً لما شرعه الله نتيجة الجهل، وهذا الإسلام لأهميته ووجوب تعليمه للناس جاء جبريل به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس بين أصحابه، بينما هم جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ طلع عليهم رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منهم أحد فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسند ركبتيه إلى ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يديه على فخذيه، جلوس طالب العلم بين المعلم، فقال يا محمد أخبرني عن الإسلام، قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله وتقيم الله الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، قال صدقت، قال الحاضرون فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال فأخبرني عن الإيمان قال الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال صدقت، فأخبرني عن الإحـسان، قال الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال صدقت، فأخبرني عن الساعة، قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل، قال فأخبرني عن أماراتها يعني علامتها، قال أن تلد الأمة ربتها وأن تجد الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، ثم قام وخرج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم اطلبوه فخرجوا ولم يجدوه، فقال صلى الله عليه وسلم هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم، فدل على أنه لابد أن يتعلم الإنسان هذا الدين وأن يدخل فيه على بصيرة وأن يقوم به على الوجه المطلوب حتى يكون مسلماً حقا لا مسلماً مقلداً أو مدعياً، فلنتق الله في ديننا وذلك بأن نعرفه ونعمل به ونترك ما ينهى عنه فإنه نجاتنا وصلاحنا وفلاحنا وحصيلتنا من هذه الدنيا، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، تمسكوا بهذا الدين إلى أن يأتيكم الموت وتموتون عليه تلقون الله جل وعلا به، (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [البقرة:132]، وذلك بملازمة هذا الدين و العمل به وترك ما يضره أو ينافيه طول حياة الإنسان حتى يوافيه الأجل وهو على الإسلام، فمن مات على الإسلام دخل الجنة ومن مات على الكفر والشرك دخل النار، ومن مات على الإسلام وعنده معاصي مخالفات من الكبائر التي دون الشرك فإنه معرض للوعيد إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه بذنوبه ثم يُخرج من النار بعد التعذيب ويُدخل الجنة، هذا هو الإسلام يا عباد الله، فلنعرفه ولندرسه ولنتمسك به، و كان أهل هذه البلاد إلى عهدٍ قريب وهم يدرسون الناس العوام يدرسونهم في المساجد يدرسونهم الإسلام، يدرسونهم الدين، يحفظونهم هذا الأحكام حتى يتمسكوا بها ، والآن لا نرى من يقوم بذلك ومن يسأل عن ذلك حتى إن كثيراً من المتعلمين والذين يحملون الشهادات العالية لا يعرفون حقيقة الإسلام، ولو سألتهم ما هو الإسلام؟ ما أجابوك، لأنه لم يهتموا بتعلمه ولم يعرفوا حقيقته حتى يتمسكوا به علم وعن بصيرة ويحذروا من ضده وما يخالفه أو ينقَّصه، فاتقوا الله عباد الله واعرفوا أمور دينكم حتى تحققوه على ما شرعه الله سبحانه وتعالى، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) [لقمان:22]، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
 
الخطبة الثانية :
الحمد لله على فضله وإحسانه و أشكره على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً عبده ورسول لله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه وتمسك بسنته وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد أيها الناس، بعد أن تعرفوا نعمة الله عليكم بهذا الإسلام وتعرفوا حقيقة الإسلام فعليكم أن تسألوا الله الثبات عليه فإن كثيراً ممن كانوا يعرفون الإسلام ودخلوا فيه ضلوا عنه وارتدوا عنه وانحرفوا عنه بسب الفتن التي تعصف بالناس اليوم التي تدخل على الناس في بيوتهم وعلى فرشهم يسمعونها و يشاهدونها من خلال القنوات الفضائية ومن خلال الإنترنتات والوسائل الدقيقة التي تنقل لهم الشبهات وتنقل لهم الدعوة إلى الانحراف تزهَّدهم في الإسلام وتصرفهم عنه حتى أصبحوا ملحدين الآن بعد أن كانوا من المسلمين وكانوا من الدعاة وبعد أن كانوا ممن تعلموا انحرفوا وصاروا يجادلون الآن يجادلون في الله عز وجل ويجادلون في دين الله وهذا من الفتن، لا نأمن على أنفسنا لا نأمن على أنفسنا أن يصيبنا ما أصابهم فعلينا أن نخاف من الفتن وأن نسأل الله الثبات على هذا الدين إلى يوم نلقاه غير مبدلين ولا مغيرين فإنها فتن عظيمة أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنها محذراً لنا منها، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء"، انظروا يصبح المسلم غريباً بين من يدَّعون الإسلام فكيف من هم على الكفر، غريب والغريب هو الإنسان الذي بين أناس من غير أهله ومن غير جنسه وفي غير بلده هذا هو الغريب، وسيعود غريباً فيصبح الإسلام غريباً في بلد الإسلام ولا حول ولا قوة إلا بالله، فطوبى للغرباء، قالوا ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال الذين يصلُحون إذا فسد الناس، وفي رواية الذين يُصلحون ما أفسد الناس، فليشتد خوفنا من ذلك ولنتمسك بديننا ولنصبر عليه ونحذر من الفتن ومن المضلين ومن دعاة السوء ونخاف على ديننا ودين أولادنا وبناتنا وإخواننا المسلمين، نتحاذر هذا الأمور، ولا يمكن أن تتمسك بهذا الدين على الوجه المطلوب إلا إذا درسته وعرفته، إذا درسته دراسةً صحيحة وتلقيته عن أهل العلم حتى تتمسك به، أمَّا مجرد الإنتساب من غير معرفه فهذا لا يُجدي شيئاً وهو ينحرف مع أدنى عاصفة من الفتن، نسأل الله العافية، فاتقوا الله عباد الله واحذروا من دعاة السوء ومن دعاة الضلال واحذروا من الشبهات المضلة التي تروج بين الناس اليوم من مختلف الوسائل فإنه لا ينجو منها إلا من وفقه الله وعرف الله حق معرفته وعرف دين الإسلام على حقيقته وصبر على ذلك حتى يلقى ربه عز وجل، نسأل الله لنا ولكم الثبات على دينه، وأن يجنبنا وإياكم الفتن ما ظهر منها وما بطن، ثم اعلموا عباد الله أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديٌ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وراض اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللهم من أرادنا أو أراد ديننا أو أراد أوطاننا فأشغله بنفسه واردد كيده في نحره واكفنا شره إنك على كل شي قدير، اللهم احم حوزة الدين وانصر عبادك الموحدين، اللهم اجعل الدائرة على الشرك والمشركين وأهل الضلال والملحدين يا رب العالمين، اللهم أصلح ولاة أمورنا واجعلهم هداة مهتدين وخذ بنواصيهم إلى الحق يا رب العالمين، اللهم انصر بهم دينك وأعلِ بهم كلمتك واحفظ بهم بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللهم من أرادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله في نفسه ورادد كيده في نحره واجعل تدميره في تدبيره واصرف عنا شره إنك على كل شي قدير، عباد الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل:90-91]، فاذكروا اللهَ يذكرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

خطبة الجمعة 3/6/1432هـ


المادة الصوتية:

تحميل


رابط المادة الأصلية:
http://alfawzan.af.org.sa/node/13348


كاتب الموضوع
صالح بن فوزان الفوزان [آلي]
مشاركات: 1244
اشترك في: جمادى الآخرة 1437

إنزال المطر من أعظم الآيات الدالة على قدرة الله تعالى ورحمته بعباده

مشاركة بواسطة صالح بن فوزان الفوزان [آلي] »

إنزال المطر من أعظم الآيات الدالة على قدرة الله تعالى ورحمته بعباده




الخطبة الأولى
الحمد لله، المُبدأ الفعال لما يُريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخُلاصته من سائر العبيد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، جيوشِ الإسلام، وحُماة التوحيد، وسلم تسليماً كثيرا أما بعد
أيها الناس،اتقوا الله تعالى، وشكروه على نعمه الظاهرة والباطنة، كنتم إلى عهد قريب تتشوقون إلى نزول المطر، وتتشوقون إلى نزول المطر وتحتاجون إليه حاجة شديدة، حتى إن بعض الناس قد يأس من نزوله، فأنزله الله سبحانه وتعالى بمنَّه وكرمه، (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ* وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ* فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عجب ربك من قنوط عباده وقرب غيره ينظر إليكم ازلين قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب"، هكذا يا عباد الله كلما اشتد الأمر جاء الفرج من الله سبحانه وتعالى، فإنزال المطر من أعظم الآيات الدالة على قدرته، كما أنه من أعظم الآيات الدالة على رحمته، فواجب العباد على أن يشكروا الله سبحانه وتعالى، وأن يسألوه  أن يبارك فيه، أن يجعله مباركاً منبتاً للكلأ، مروياً للعطش، فإنه ليست العبرة بنزولِ المطر فقط، فقد ينزل ولا يبارك فيه، ولا تكون له آثار، لأن الله سبحانه وتعالى يُسلبه، يُسلبه الآثار التي تترتب عليه عقوبةً لعباده، ولهذا يقول بعض السلف: (ليس الجدب ألا تمطروا، ولكن الجدب أن تمطروا، ثم تمطروا، ولا يبارك لكم)، فعلينا أن نشكر الله، وأن نسأله أن يجعل هذا الغيث مباركاً، ويُتابعه على المسلمين بالنزول والبركة، فإنه سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، وهو أرحم الراحمين، ولكنَّا ذنوب العباد هي التي تحول بينهم وبين رحمة الله، ولولا عفو الله سبحانه وتعالى وحلمه، لرأيتم أشد من ذلك (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً).
عباد الله، إن هذا المطر الذي يُنزله الله من أعظم آياته الدالة على قدرته سبحانه وتعالى، فهو الذي يمشيه، وهو الذي يُسوقه، وهو الذي يُنزله، وهو الذي يُبارك فيه، فلنعلق آمالنا بالله سبحانه وتعالى دائماً وأبدا، وإن كان هذا المطر قد حصل منه ضررٌ على بعض البلاد القريبة، فإن ذلك من أعظم المواعظ لنا، ونسأله سبحانه وتعالى أن يخفف عن أخواننا ما أصابهم، فإن الله سبحانه وتعالى قد يحول النعمة إلى نقمة، ويُحول هذا الغيث إلى غضب، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقبل السحاب عُرُفَ في وجه الخوف من الله عز وجل، وصار يدخل ويخرج حتى ينزل المطر، عند ذلك يُسرى عنه صلى الله عليه وسلم، وكان إذا كثر المطر، وظهر منه الضرر يدعوا الله سبحانه وتعالى، يدعوه بأن يرفعه عنهم إلى أماكن أخرى محتاجة إليه فيقول: "اللهم على الضراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر، اللهم حوالينا ولا علينا"، وكان صلى الله عليه وسلم إذا نزل المطر يقول: "اللهم اجعله صيباً نافعا مُطرنا بفضل الله وبرحمته"، وهكذا المسلم، وهكذا المسلم لا يكون غافلاً عن آيات الله سبحانه، ولا يكون مُعرضاً عن ذكر الله، ولا يكون آمناً من العذاب، ومن العقوبة، بل يكون دائماً بين الخوف والرجاء، ويُكثر من الدعاء، ويُكثر من الاستغفار، هكذا يكون المسلمون، هكذا يكون المسلمون، ولما سُئل صلى الله عليه وسلم عما يصيبه عند إقبال السحاب من الخوف، قال: "وما يِؤمنني وقد أهلك الله به أمة من الأمم"، أهلكهم بالغرق بالمطر كما حصل لقوم نوح، فعلى المسلمين ألا تمر بهم هذه العبر، وهذه الآيات وهم في غفلة معرضون، ثم من الناس هداهم الله من يتخذ نزول المطر وسيلة للخروج للبراري وهذا لا مانع منه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج إلى الأودية، ويغتسل منها، وإذا نزل المطر يكشف عن جسمه الشريف ليصيبه المطر ليناله من بركته، لأنه ماء مبارك فلا مانع من الخروج للنُزهة، وللاعتبار بآيات الله سبحانه وتعالى، ولشكر الله، أما أن يتخذ هذا للغفلة عن ذكر الله وللمرح والأشر والبطر، وتضييع الصلاة، فهذا من كفران النعمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
فاتقوا الله عباد الله، وشكروه على نعمه، وخافوا من نقمه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ)، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ* أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ* لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
 
 
الخطبة الثانية
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلإ الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرًا أما بعد
أيها الناس،اتقوا اللهتعالى، وانسبوا النعم إلى الله الذي أنزلها، لا تنسبوه إلى ما ينسبه إليه الذين يجحدون نعمة الله، فيقولون هذه الأمطار بسبب الانخفاض الجوي، أو بسبب المناخات، أو هي من فعل الطبيعة، طبيعة البلاد والمواقع، أو ما أشبه ذلك وينسون أنها من الله عز وجل، أصاب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مطرٌ في الحديبية، موضع قريب من مكة أصابهم المطر في الليل، فلما صلى صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الفجر، وانصرف إلى الناس ، قال: "أتدرون ماذا قال ربكم"، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "يقول أصبح من عبادي مُؤمن بي وكافر، فأما من قيل مُطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مُؤمن بي كافر بالكوكب، وأمَّا من قيل مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مُؤمن بالكوكب"، لأن بعض الناس خصوصاً في الجاهلية كانوا ينسبون الأمطار إلى النجوم في طلوعها، وغروبها، ينسبونه إلى النجوم، ولا ينسبونه إلى الله سبحانه وتعالى، فمن نسبه إلى غير الله، فقد كفر على نعمة الله عز وجل، وأشرك بالله، وهذا أمر يجب التفطن له، وعدم التأثر بما ينشر ببعض وسائل الإعلام، أو بعض الصحف، من أن هذا ناشئ عن كذا وكذا، عن الانخفاض الجوي، عن كذا وكذا من الأسباب التي يتوهمونها، وينسون أن هذا المطر (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ)، ثم إن الله سبحانه وتعالى لما ذكر إنزال هذا المطر ذكر أو ذكَّر عباده أن يتذكروا البعث الذي أنزل المطر وأحيا به الأرض بعد موتها قادر على أن (يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)، وأن يبعث الناس من قبورهم (فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
فلنتق الله، ولنتذكر بذلك البعث، والنشور، والقيام من القبور، لا يكن نظرنا كنظر البهائم، لا تتفكر في هذا، أو نظر الملاحدة، وهذا شرٌ ضر، نظر الملاحدة الذين لا يؤمنون بالله عز وجل، قد يقول الإنسانُ كلمة من سخط الله يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب وهو لا يدري، فلنتحفظ من كلامنا، ومن حصائد ألسنتنا.
ثم اعلموا عباد الله، أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين، اللهم قنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا ما لا يخافك منا ولا يرحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاشغله بنفسه، وأردد كيده في نحره، وجعل تدميره في تدبيره، إنك على كل شيء قدير، اللهم أصلح ولاة أمورنا، وجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم أصلح بطانتهم، وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين في كل مكان، اللهم كف عنا بأس الذين كفروا فأنت أشد باساً، وأشد تنكيلا.
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) ، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

المادة الصوتية:

تحميل


رابط المادة الأصلية:
http://alfawzan.af.org.sa/node/13205

أضف رد جديد