الدرس السابع عشر من /كتاب التوحيد من صحيح البخاري 28 من جمادى الأولى 1437.

أضف رد جديد

كاتب الموضوع
أم عبدالله الوادعية [آلي]
مشاركات: 1274
اشترك في: جمادى الآخرة 1437

الدرس السابع عشر من /كتاب التوحيد من صحيح البخاري 28 من جمادى الأولى 1437.

مشاركة بواسطة أم عبدالله الوادعية [آلي] »

الدرس السابع عشر من /كتاب التوحيد من صحيح البخاري 28 من جمادى الأولى 1437.




بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس السابع عشر
مذاكرةٌ قبل الدرس:


1كان معنا في الدرس الماضي الحث على حسن الظن بالله ،وما أكثر ما يجري في القلب سوء الظن بالله سبحانه ،فعلينا بالمجاهدة في حُسن الظن بالله ،وقطع ما يعرض على القلب وعدم الاسترسال معه«أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فليظن بي ما شاء» .مع ما يحصل من إساءة الظن بأرحم الراحمين من الإثم ونقصٍ في التوحيد ، وسلوك طريقِ الفتنة في أمور الدين والدُّنيا .سلِّمْنَا يا ربَّ العالمين.


2- علينا أن نتعلم العلم للعمل وللانتفاع{ألا لله الدين الخالص} وليكون قائدًا لنا إلى طريق الجنة، فهكذا فلتكن أمنيتُنا وليكن تفكيرنا،نسألُ اللهَ من واسع فضله العظيم ، فلا نغفل عن حسن النية، والنية الفاسدة من أسباب دخول النار، ونزْعٌ لبركة العلم  ،ويكون تعبٌ من غير طائل والعياذ بالله كما قال ابن القيم رحمه الله في الفوائد 49:الْعَمَل بِغَيْر إخلاص وَلَا اقْتِدَاء كالمسافر يمْلَأ جرابه رَمْلا يثقله وَلَا يَنْفَعهُ .اهـ.
وأخرج أبونعيم في حلية الأولياء(2/332)عن مالك بن دينار يقول: إذا تعلم العبد العلم ليعمل به كسره علمه، وإذا تعلم العلم لغير العمل به زاده فخرًا.والأثر حسن . وقال الشوكاني محذراً من الرياء فِي (قطر الولي شرح حديث الولي) ص440: الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي كَون الرِّيَاء مُبْطلًا للْعَمَل مُوجبا للإثم كَثِيرَة جدا وَارِدَة فِي أَنْوَاع من الرِّيَاء. الرِّيَاء فِي الْعلم، والرياء فِي الْجِهَاد، والرياء فِي الصَّدَقَة، والرياء فِي أَعمال الْخَيْر على الْعُمُوم، ومجموعها لَا يَفِي بِهِ أي مُصَنف مُسْتَقل.
والرياء هُوَ أضرّ الْمعاصِي الْبَاطِنَة وأشرها مَعَ كَونه لَا فَائِدَة فِيهِ إِلَّا ذهَاب أجر الْعَمَل والعقوبة على وُقُوعه فِي الطَّاعَة، فَلم يذهب بِهِ مُجَرّد الْعَمَل بل لزم صَاحبه مَعَ ذهَاب عمله الْإِثْم الْبَالِغ.
وَمن كَانَ ثَمَرَة ريائه هَذِه الثَّمَرَة، وَعجز عَن صرف نَفسه عَنهُ فَهُوَ من ضعف الْعقل، وحمق الطَّبْع بمَكَان فَوق مَكَان الْمَشْهُورين بالحماقة.


3- للعلم أقفلة ومفاتيحها المسألة، فالسؤال المفيد يُنتفَع به ويفتح علومًا، لكن القليل من يسأل عن سؤال مفيد خاصة في عصورنا. بحيث يَنتفِع به في نفسه  ويَنتفع به الحاضرون ،في العقيدة ،الآداب ،الفقه، التفسير ،السيرة ،ونحو ذلك .وحُسْنُ السؤالِ نصف العلم ،أي في صياغته ،والسؤال عن العلوم النافعة ، ومن هنا نعرف أهمية السؤال النافع.


********************************
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى:
بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص: 88].
7406 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ﴾ [الأنعام: 65]، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ»، فَقَالَ: ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ [الأنعام: 65]، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ»، قَالَ: ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا﴾ [الأنعام: 65]، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا أَيْسَرُ».
********************************
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) وهو أبو رجاء البغلاني الثقفي.
(حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ)
ابن درهم، ثقة ثبت، ووالده زيد بن درهم مقبول، ومن طريقه ما أخرج عبدالله بن أحمد في زوائد العلل (2/ 434 ) حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ :إِنَّ للخير مَفَاتِيح وَإِن ثَابتًا مِنْ مَفَاتِيحِ الْخَيْرِ .
محمد ابن أبي بكر :هو المقدَّمي ترجمته في تهذيب الكمال بروايته عن حماد بن زيد وعنه عبدالله بن أحمد بن حنبل .
وإسناده ضعيف. زيد هو ابن درهم  والد حماد: مقبول .
وثابت بن أسلم البناني من أجلَّة تلاميذ أنس بن مالك. لكن هذا الأثر سنده ضعيف. وهذا ذكرناه للفائدة .
إذَن حماد بن زيد من كبار المحدثين، ووالده  روى شيئا  وهو مقبول.


(عَنْ عَمْرٍو) عمرٌو عن جابر هو ابن دينار.
(عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام السَّلَمي.


هذا الباب في إثبات صفة الوجه لله عز وجل، وقد ذكر الإمام البخاري دليلَين في
إثبات صفة الوجه لله عز وجل.
وفي صحيح مسلم (179)عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ - وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: النَّارُ - لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ».
(سُبُحَاتُ وَجْهِهِ) أي: نوره وبهاؤه.
وفي سنن أبي داوود (466)من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ». وهوفي الجامع الصحيح للوالد  (805).
وهذا فيه رد على من يفسِّر الوجهَ بالذات، لأنه في الحديث «أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ» هذا إثبات الذات لله عز وجل، «وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ» هذا فيه إثبات صفة الوجه لله، فذكرَ الذات ثم الصفة.
وهذا الحديث من الأدعية عند دخول المسجد.
وصفة الوجه من الصفات الذاتية لله عز وجل. صفة الوجه غير الذات، والمؤولون يؤولون هذه الصفة كما هو عادتهم في التأويل فقالوا: الوجه الذات، أوالثواب، أو الجهة. يؤولونها بالذات لأنهم ما ينكرون الذات، أوالثواب يقولون: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص:88] يعني ثوابه، أوالجهة.


- نثبت صفة الوجه لله عز وجل لا كوجه المخلوق لأن الله عزوجل يقول:﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:11]. لا نفهم التشبيه، ولا نؤول صفات الله اللائقة به ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.
(﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص: 88])
مثل قوله تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) ﴾ [الرحمن].
(هَالِكٌ) أي: فان. فقوله ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ يفسَّر بالآية الأخرى ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾.وقوله ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص: 88]
 هناك قولٌ لبعض المبتدعة أن المراد لا يبقى إلا وجهُ الله لهذه الآية، والباقي يهلَك (نعوذ بالله من قولهم)، ولكن ليس هذا هو المراد من الآية. فالمراد إلا وجهه أي: إلا الذات المتصفة بالوجه كما قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح السفارينية .
ونستفيد من الآية إثبات صفة الحياة لله عز وجل. ومن أسماء الله الحي قال سبحانه: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة:255]. وقال سبحانه: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ [الفرقان:58]. وصفة الحياة من الصفات الذاتية.
ونثبت صفة الحياة لله عز وجل أزلًا وأبدًا، فحياة الله عز وجل لم يسبقها عدم ولا يلحقها فناء.
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه في نزول قوله تعالى:  ﴿قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ﴾ [الأنعام: 65]. وهذه الآية في سورة الأنعام، وسورة الأنعام مكية ،وبعضهم استثنى آيات منها.
ونستفيد إثبات اسم القادر لله عز وجل، والقادر فيه إثبات صفة القدرة لله عز وجل ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة:284].
وقد فسَّر الإمام أحمد القدرَ أنه قدرة الله .كما مر معنا في أوائل درس كتاب التوحيد ؛ لأن إثبات القدر والإيمان بالقدر وأن الله خالق أفعال العباد يدل على إثبات قدرة الله عز وجل.
والإنسان يتذكر إذا ظُلم أن من أسماء الله عز وجل القادر، فالله عز وجل قادر أن يدفع عنه،ومن أسمائه القاهر، القوي ،الجبَّار. ولكن هذا ابتلاء لحكمةٍ أرادها الله عز وجل.
ويتذكر إذا انبعث في نفسه الظلمُ أن الله قادر أن ينتقم منه، وثبت في صحيح مسلم (1659)عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي بِالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي، «اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ»، فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ، قَالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: «اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ»، قَالَ: فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي، فَقَالَ: «اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، أَنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ»، قَالَ: فَقُلْتُ: لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا.
والله عز وجل يمهل الظالم فإذا أخذه لم يفلته ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود:102].
«أَعُوذُ بِوَجْهِكَ»
هذا هو الشاهد إثبات صفة الوجه لله عز وجل، وفيه الاستعاذة بوجه الله سبحانه، وقد تقدم معنا أنه يشرع الاستعاذة بأسماء الله وصفاته.
(قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ»، فَقَالَ: ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ [الأنعام: 65]، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ»).
لأن العذاب من فوق، ومن تحت فيه الاستئصال بالانتقام والعذاب، وهذاهلاك عام.
(﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا﴾ [الأنعام: 65])
(يَلْبِسَكُمْ) أي : يخلطكم. (شِيَعًا) أي: فرقًا ويجعلكم أهواء مختلِفةً.
(فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا أَيْسَرُ»)
وهذا من باب التسلية لأمته وإلا فقد ثبت في صحيح مسلم (2890) من حديث سعد بن أبي وقاص أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ الْعَالِيَةِ، حَتَّى إِذَا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ دَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، وَدَعَا رَبَّهُ طَوِيلًا، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْنَا، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا، فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُ رَبِّي: أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا». سأل النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ربَّه أن يجنب أمته أن يجعل بأسهم بينهم فلم يجبه ربُّه ،والأصل في دعوات الأنبياء أنها مستجابة .
الفرقة والاختلافات –أي اختلاف تضاد-هو المراد بقوله ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا﴾ [الأنعام: 65] .
لبسُ الناس وافتراقهم ، وانتشار العداوة والبغضاء.هذا واقعٌ لا محالة . ومع ذلك فقدحذرنا الشرع من الفُرقة وأمرنا بالأُلفَة على الكتاب والسنة قال عز وجل: ﴿... وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)﴾ [الروم]، وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [الأنعام:159]، وقال سبحانه: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران:103]، وقال سبحانه: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء:92].
وقد بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كثرة الاختلاف في هذه الأمة ليحذِّرَنا من ذلك ففي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفَرَّقَتِ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً» أخرجه أبو داود (4596) وهو في الصحيح المسند للوالدي (1317).
وقد ربَتِ الفرقُ وزادتْ على هذا العدد، وقد استفدت من دروس والدي الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله توجيهَ الحديث : أن المراد الفِرق التي لها رؤوسٌ وشوكة.
ومن عقيدتنا تجنب الفُرقة ولزوم الجماعة .قال الطحاوي رحمه الله في العقيدة الطحاوية : (وَنَرَى الْجَمَاعَةَ حَقًّا وَصَوَابًا، وَالْفُرْقَةَ زَيْغًا وَعَذَابًا) .


فعلينا بلزوم الفِرْقَةِ الناجية وقد جاء تفسيرُها أنها الجماعة كمافي سنن ابن ماجة (3992) عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَافْتَرَقَتْ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ قَالَ الْجَمَاعَةُ .
و جاء تفسير الفِرقة الناجية أنها (مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي)
أخرج الترمذي في سننه(2641) من طريق عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ الأَفْرِيقِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بني إسرائيل حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ، حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلَانِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ، وَإِنَّ بني إسرائيل تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً» ، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي».
وفي إسناد هذه الرواية عبد الرحمن بن زياد بن أَنْعُم الإفريقي،وأنعم  بفتح أوله وسكون النون وضم المهملة كما في تقريب التهذيب .وهو ضعيف وكان الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله يقول: (هذه الزيادة ضعيفة).
وهناك رسالة صغيرة للشيخ سليم الهلالي في تقوية هذه الزيادة، لكن ما ذكره الشيخ سليم من الشواهد عمومات مثل حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ) .والله أعلم.
وقد جاء في الأدلة ما يبين أوصافَ الجماعة والفِرقة الناجية ،فالفِرقة الناجية لها  أوصاف:
قال سبحانه: ﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾ [العصر]. هذه أربعة أمور: الإيمان ،والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر. ولا يكون العمل عملًا صالحًا إلا بموافقته للشرع، فهذا فيه شرط أن يكون متمسكًا بدينه.
وفي صحيح البخاري (7280) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى».
وهذا فيه المتابعة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمن كان متمسكًا بدينه على فهم السلف الصالح فهو من الفرقة الناجية إن شاء الله.
قال شيخ الإسلام في العقيدة الواسطية.. الْمُتَمَسِّكُونَ بِالْإِسْلَامِ الْمَحْضِ الْخَالِصِ عَنْ الشَّوْبِ هُمْ «أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ» .
وللوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله كلام على الفرقة الناجية في كتبه ودروسه وله كلامٌ مختصر في كتابه (رياض الجنة في الرد على أعداء السنة ).
فهذه أوصاف الفرقة الناجية فلنسلكها ولنتصف بأوصافها  لنكون من الناجين الفائزين ،وليس من الهالكين الخاسرين.
والدعاوَى كثيرة كلٌّ يدَّعي أنه من الفِرْقة الناجية، الصوفي، التبليغي، الإخواني وغيرهم ولكن هذه دعاوَى لا تنفع ،لا بد أن يكون متصفًا بصفات الفرقة الناجية حتى يكون من أهلها .
هذا ولنعلم أن من أسباب الفُرقة -وانتشار الحقد والعداوة والبغضاء والتعصبات والجدل - الحزبية . وهذا من مساوئ الحزبية وأضرارها ،وقد جاءت أدلةٌ كثيرة في التحذير من التعصب منها ماأخرج البخاري(4907) ومسلم (2584)عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَسَمَّعَهَا اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا هَذَا؟» فَقَالُوا كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» الحديث .أنكر الرسول قول الأنصاري  يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقول المُهَاجِرِيِّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ وسماه  جاهلية مع أن الأنصاري من الأنصار والمهاجري من المهاجرين لكنه كان على وجه العصبية فأنكر النبي صلى عليه وعلى آله وسلم ذلك وقال«دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ».
وأخرج الإمامُ مسلم في صحيحه (1850)عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ، يَدْعُو عَصَبِيَّةً، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ».
وتحذيرات  أهلِ العلم  كثيرة من داء التعصبات  وبيان أضراره .
قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع فتاواه(3/346):  فَإِنَّ أَهْلَ الْحَقِّ وَالسُّنَّةِ لَا يَكُونُ مَتْبُوعُهُمْ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى فَهُوَ الَّذِي يَجِبُ تَصْدِيقُهُ فِي كُلِّ مَا أَخْبَرَ؛ وَطَاعَتُهُ فِي كُلِّ مَا أَمَرَ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَنْزِلَةُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ بَلْ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَمَنْ جَعَلَ شَخْصًا مِنْ الْأَشْخَاصِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحَبَّهُ وَوَافَقَهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَمَنْ خَالَفَهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبِدْعَةِ وَالْفُرْقَةِ - كَمَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الطَّوَائِفِ مِنْ اتِّبَاعِ أَئِمَّةٍ فِي الْكَلَامِ فِي الدِّينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ - كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ وَالتَّفَرُّقِ. وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِأَنْ تَكُونَ هِيَ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ أَهْل الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ؛ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ مَتْبُوعٌ يَتَعَصَّبُونَ لَهُ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهْم أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَقْوَالِهِ وَأَحْوَالِهِ وَأَعْظَمُهُمْ تَمْيِيزًا بَيْنَ صَحِيحِهَا وَسَقِيمِهَا وَأَئِمَّتُهُمْ فُقَهَاءُ فِيهَا وَأَهْلُ مَعْرِفَةٍ بِمَعَانِيهَا وَاتِّبَاعًا لَهَا: تَصْدِيقًا وَعَمَلًا وَحُبًّا وَمُوَالَاةً لِمَنْ وَالَاهَا وَمُعَادَاةً لِمَنْ عَادَاهَا اهـ المراد.
 وقال شيخ الإسلام في مجموع فتاواه(22/252): وَمَنْ تَعَصَّبَ لِوَاحِدِ بِعَيْنِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ دُونَ الْبَاقِينَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَعَصَّبَ لِوَاحِدِ بِعَيْنِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ دُونَ الْبَاقِينَ. كالرافضي الَّذِي يَتَعَصَّبُ لِعَلِيِّ دُونَ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ وَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ. وَكَالْخَارِجِيِّ الَّذِي يَقْدَحُ فِي عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. فَهَذِهِ طُرُقُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ الَّذِينَ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَنَّهُمْ مَذْمُومُونَ خَارِجُونَ عَنْ الشَّرِيعَةِ وَالْمِنْهَاجِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَمَنْ تَعَصَّبَ لِوَاحِدِ مِنْ الْأَئِمَّةِ بِعَيْنِهِ فَفِيهِ شَبَهٌ مِنْ هَؤُلَاءِ سَوَاءٌ تَعَصَّبَ لِمَالِكِ أَوْ الشَّافِعِيِّ أَوْ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ أَحْمَد أَوْ غَيْرِهِمْ. ثُمَّ غَايَةُ الْمُتَعَصِّبِ لِوَاحِدِ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِقَدْرِهِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَبِقَدْرِ الْآخَرِينَ فَيَكُونُ جَاهِلًا ظَالِمًا وَاَللَّهُ يَأْمُرُ بِالْعِلْمِ وَالْعَدْلِ وَيَنْهَى عَنْ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ. قَالَ تَعَالَى: {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ} إلَى آخِرِ السُّورَةِ.اهـ المراد.
وقال ابن القيم في زاد المعاد (2/431)في سياق ذكره لبعض المناهي اللفظية قال:وَمِنْهَا: الدُّعَاءُ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، وَالتَّعَزِّي بِعَزَائِهِمْ، كَالدُّعَاءِ إِلَى الْقَبَائِلِ وَالْعَصَبِيَّةِ لَهَا وَلِلْأَنْسَابِ، وَمِثْلُهُ التَّعَصُّبُ لِلْمَذَاهِبِ، وَالطَّرَائِقِ، وَالْمَشَايِخِ، وَتَفْضِيلُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ بِالْهَوَى وَالْعَصَبِيَّةِ، وَكَوْنُهُ مُنْتَسِبًا إِلَيْهِ، فَيَدْعُو إِلَى ذَلِكَ وَيُوَالِي عَلَيْهِ، وَيُعَادِي عَلَيْهِ، وَيَزِنُ النَّاسَ بِهِ، كُلُّ هَذَا مِنْ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ.اهـ.
وقال الشاطبي رحمه الله في الاعتصام863: وَلَقَدْ زَلَّ - بِسَبَبِ الْإِعْرَاضِ عَنِ الدَّلِيلِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَى الرِّجَالِ - أَقْوَامٌ خَرَجُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ عَنْ جَادَّةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ.اهـ.


وقال ابنُ أبي العز رحمه الله في الاتباع24 :وَلَيْسَ فِي الطَّبْع السَّلِيم مَا يَقْتَضِي التعصب لهَذَا الْعَالم دون هَذَا الْعَالم وَإِنَّمَا يَأْتِي ذَلِك غَالِبا من هوى النَّفس فَيكون حِينَئِذٍ قد جبل على خلق ذميم وَلَو ادّعى أَنه جبل على اتِّبَاع الْحق .
وقال الشيخ ابنُ باز رحمه الله في مجموع الفتاوى (2/311):ولا يجوز أبدًا التعصب لزيد أو عمرو، ولا لرأي فلان أو علان، ولا لحزب فلان أو الطريقة الفلانية، أو الجماعة الفلانية،كل هذا من الأخطاء الجديدة، التي وقع فيها كثير من الناس.
فيجب أن يكون المسلمون هدفهم واحد، وهو اتباع كتاب الله وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام - في جميع الأحوال، في الشدة والرخاء، في العسر واليسر، في السفر والإقامة، وفي جميع الأحوال، وعند اختلاف أهل العلم يُنظر في أقوالهم، ويؤيَّد منها ما وافق الدليل من دون تعصب لأحد من الناس.
وكان الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في غير ما مجلس من مجالسه يقول: لا
تشغل نفسك بالتعصب لفلان وفلان اقبل على العلم.
وعلَّق والدي رحمه الله في دروسه على الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ» .وقال:دعوى الجاهلية تشمل التعصب الجاهلي والحزبي والمذهبي.اهـ.


فهذه الأدلة وأقوال بعض كبار العلماء في الابتعاد عن التعصب للباطل والتعصب للأشخاص وللآراء وأن نحرص على اتباع الدليل ، وقد ضيَّعت التعصباتُ أوقاتِ الناس ،وصرفتهم عن طلب العلم فإنها من أعظم الصوارف عن الخير والعلم،وأوغرت صدورَهم ،وأورثتهم الفُرقة ،وأوقعتهم في الغلو، فإن من أسباب الغلو التعصبات ،وفتَّتِ الأُخوَّة الإيمانية- التي رابطتها أقوى من رابطة النسب -وزحزحَتها وقد قال ربنا (إنما المؤمنون إخوة).وتقدم قول شيخ الإسلام في وصف الفِرقة الناجية :الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ أَهْل الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ؛ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ مَتْبُوعٌ يَتَعَصَّبُونَ لَهُ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.وتقدم قول الشيخ ابن باز (من دون تعصب لأحد من الناس)
فيجب علينا أن نُقبِلَ على العلم ،وما ينفعنا في آخرتنا ،وأن نتعصَّب للحقِّ ،وأن لا نُشغل بالتعصبات لفلان وفلان ، وأن نبرأ إلى الله من الفُرقة ،ونسأل الله أن يُغيثَنا ويرفع عنا هذا البأْسَ. ونسأل الله أن يرزقنا اتباع الحق ،وأن يعيذنا من مضلات الفتن .
وقد كان فيه شيءٌ من الإطالة لأنه قد التبسَ الأمرُ ولجَّ الناسُ-إلا من رحم الله- في التعصبات ،المجالس تشتعل بالتعصبات ،الملازم ،الكتب ،الصوتيات ،فنحن لا نتعصَّب إلا للمعصوم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أما التعصب لغيرالمعصوم فهذا لا يجوز ولكن نتعصب للحق ،ومن كان على الحق تعصبنا للحق الذي معه ،وإن كان على غير الحق فنحن لا نرى جواز التعصب للباطل أيًّا كان وممن كان .والله المستعان ،ونسأل الله أن يرزقنا الإنصاف .
استُدل بهذا الحديث على الاستعاذة بالله عز وجل إذا مرت آية عذاب، وسؤال الله من فضله إذا مرت آية رحمة عند التلاوة. قالوا لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ». وفي صحيح مسلم (772) عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ»، فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ»، ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى»، فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ. قال الشيخ الألباني رحمه الله في «تمام المنة» (ص185) هذا إنما ورد في صلاة الليل كما في حديث حذيفة المذكور في الكتاب بعد قليل فمقتضى الاتباع الصحيح الوقوف عند الوارد وعدم التوسع فيه بالقياس والرأي فإنه لو كان ذلك مشروعا في الفرائض أيضا لفعله صلى الله عليه وسلم ولو فعله لنقل بل لكان نقله أولى من نقل ذلك في النوافل كما لا يخفى .اهـ. .وقال الشيخ الوالد مقبل بن هادي رحمه  اللهأن هذا خاص بنافلة الليل كما ورد فيه الدليل عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه. والله تعالى أعلم.
********************************
قال رحمه الله تعالى: بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه: 39]، «تُغَذَّى»، وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ [القمر: 14].
7407 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ذُكِرَ الدَّجَّالُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ - وَإِنَّ المَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ العَيْنِ اليُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ»
7408 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَ قَوْمَهُ الأَعْوَرَ الكَذَّابَ، إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ»
********************************




(حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ)
وهو التبوذكي المنقري أبو سلمة.
(حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ)
جويرية من الأسماء المشتركة بين الرجال والنساء، ومن الأسماء المشتركة أسماء.
(عَنْ نَافِعٍ)
وهو مولى ابن عمر، وجاء في ترجمة عكرمة مولى ابن عباس من كتب التراجم أن
ابن عمر قال لنافع مولاه: لا تكذب علي كما كذب العبد على ابن عباس .
ونفى ثبوته عن ابن عمر الحافظ ابن حجر رحمه الله في تقريب التهذيب (4673) وقال: عكرمة أبو عبد الله مولى ابن عباس أصله بربري ثقة ثبت عالم بالتفسير لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر. ولا تثبت عنه بدعة من الثالثة مات سنة أربع ومائة وقيل بعد ذلك.
 (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ)
وهو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
(حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ) أبو عمر الحوضي.
(حَدَّثَنَا شُعْبَةُ)ابن الحجاج.
(أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ) ابن دعامة بن قتادة السدوسي.


هذا الباب في إثبات صفة العينين لله عز وجل، وقد جاء إثبات العين بلفظ الإفراد ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه: 39] وجاء بلفظ الجمع ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ [القمر: 14] ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ [الطور:48]. ونون الجمع هنا للتعظيم.
وفي حديثي الباب إثبات صفة العينين لله عز وجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر الفارق بين الله عز وجل رب العباد وبين الدجال الذي يدَّعي أنه ربٌ وأنه إله، فذكر الفرق أن الله ليس بأعور، وأن الدجال أعور العين اليمنى.
وقد جاءت رواية عند مسلم (2934)عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدَّجَّالُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى، جُفَالُ الشَّعَرِ، مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ». وقد جمع بينهما القاضي عياض في إكمال المعلم : أن عيني الدجال كلاهما معيبة.
هذا الباب اشتمل على بعض الأدلة في إثبات صفة العينين لله عز وجل وقد فسرهابعض المؤولة بالعلم ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ بعلمنا، وهذا صرف لظاهر الدليل لغير دليل.
وهنا في صحيح البخاري﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ فُسر بـ تغذَّى أي تنعَّم، وهذا من باب تفسير الصفة بلازمها ،والواجب إثبات الصفة وما دلت عليه من المعنى وإثبات اللازم .
وقدأخذت عن والدي الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله تعالى: أن المعاني اللغوية في تفسير البخاري، أخذها البخاري من أبي عبيدة معمر بن المثنى.اهـ.
وأبو عبيدة له كتاب المجاز.
ونستفيد من الحديثين شفقة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وفي الحديث الثاني شفقة الأنبياء على أممهم ونصحهم لهم. وهذا حق عليهم فقد ثبت في صحيح مسلم (1844)أن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ...» الحديث. وأنصح الخلق للخلق هم أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام .
والنصح لدين الله طريقة كلِّ من يهمُّه دين الله .
والنصح عام في أمور الدين والدنيا فمن كان عاملًا ينصح في عمله ، أو طبيبًا ينصح ولا يغش الناس،أومسئولًا ينصح فيما حُمِّل فهي أمانة في عنقه ،المرأة تنصح في بيتها ومسئوليتها،الرجل ينصح في مسئوليته ورعاية أهله ،المعلِّم ينصح في تعليمه ولا يكن أهم شيء عنده الراتب ، المملوك ينصح لسيده ،المرعِي ينصح لأميره ،الأمير ينصح لرعيته وشَعْبِه .إلى غير ذلك  .
ولما ضَعُف القيام بهذه المُهِمَّة انتشرالغش والخيانة والخديعة .
وفيه بيان صفة الدجال الذي يخرج في آخر الزمان أنه أعور العين اليمنى مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كما في الروايات الأخرى. فهذا من صفاته ذكرها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليتميز بها هذا العدو ولا يُغتر به ولا بشبهاته .
وفي صحيح مسلم (2931) من حديث  عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: «إِنِّي لَأُنْذِرُكُمُوهُ، مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ: تَعَلَّمُوا أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرَ» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ يَوْمَ حَذَّرَ النَّاسَ الدَّجَّالَ: «إِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، يَقْرَؤُهُ مَنْ كَرِهَ عَمَلَهُ، أَوْ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ»، وَقَالَ: «تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ».
تَعَلَّمُوا: أي اعلموا.والدجال يدَّعي أنه رب وأنه إله وهذا يدل على كذبه لأننا لا نرى ربنا حتى نموت .
وأرشد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الوقاية من شره بحفظ عشر آيات من سورة الكهف كما في صحيح مسلم (809)عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ». وفي رواية العشر الآيات الأخيرة. واستفدت من والدي الشيخ مقبل رحمه الله أن رواية العشر الآيات الأولى هي الصحيحة، والله أعلم.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شبهات وابتلاءات بسبب خروج الدجال ففي صحيح مسلم (2937)عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا، فَقَالَ: «مَا شَأْنُكُمْ؟» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً، فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَقَالَ: «غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ، إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ، فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ، إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ، عَيْنُهُ طَافِئَةٌ، كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ، فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ، إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا، يَا عِبَادَ اللهِ فَاثْبُتُوا» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: «لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: «كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ، أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ، فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ، فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ، يَضْحَكُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ، فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللهُ مِنْهُ، فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ الحديث .
وقد ألحَّ المغيرة رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم  في سؤاله عن الدجال تخوفًا منه .
أخرج البخاري في صحيحه (7122)من طريق  قَيْسٍ، قَالَ: قَالَ لِي المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ مَا سَأَلَ أَحَدٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن الدَّجَّالِ أَكْثَرَ مَا سَأَلْتُهُ، وَإِنَّهُ قَالَ لِي: «مَا يَضُرُّكَ مِنْهُ»، قُلْتُ: لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ مَعَهُ جَبَلَ خُبْزٍ، وَنَهَرَ مَاءٍ، قَالَ: «هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ».
وهذه من الأمور التي تجري على يدي الدجال اختبارًا وامتحانًا. وقد أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالبعد عنه. أخرج أبو داود في سننه (4319)عَنْ أَبِي الدَّهْمَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، يُحَدِّثُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ، فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ، مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ ». وهو في الصحيح المسند للوادعي (1019).


وكان الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله إذا رأى تهافت الناس في الحزبية من أجل مايمنُّونهم به من الأموال يقول: الله يعلم كيف لو خرج الدجال، كيف يكون حال الناس.

والإيمان بخروج الدجال آخر الزمان من عقيدتنا أهل السنة والجماعة ،ونعوذبالله من فتنته ومن سائر الفتن .


الرابط على موقع الشيخة أم عبدالله الوادعية
http://alwadei967.blogspot.com/2016/03/28-1437_8.html

أضف رد جديد