الكشف النبيل لزيف تشبث الحدادية بقواعد الجرح والتعديل- الشيخ نور الدين السدعي

أضف رد جديد

كاتب الموضوع
عبدالملك الإبي
مشاركات: 274
اشترك في: شوال 1436

الكشف النبيل لزيف تشبث الحدادية بقواعد الجرح والتعديل- الشيخ نور الدين السدعي

مشاركة بواسطة عبدالملك الإبي »

الكشف النبيل لزيف تشبث الحدادية بقواعد الجرح والتعديل

يتضمن الرد على تعلق الحجوري ومن معه بقاعدة: (من علم حجة على من لم يعلم) و (المثبت مقدم على النافي) و (الجرح المفسر مقدم على التعديل المبهم) و

(جرح البلدي مقدم على غيره)

لرد نصائح العلماء وتبديع الأبرياء.



ويليه:

طامة كبرى أدلى بها بعض الحجاورة

وأقره عليها الحجوري




بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِِ

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أما بعد: فهذه رسالة كتبتها بفضل الله في (دار الحديث بدماج) ردا على تشبث الحجاورة هداهم الله ببعض قواعد الجرح والتعديل لما هم فيه من الطعن والتبديع لكثير من علماء أهل السنة والجماعة.

وهي شاملة لهم ولكل من سار على نهجهم في التشبث بقواعد الجرح والتعديل للاستدلال بها على غير الوجه المراد منها.

وقد نشرتها آنذاك باسم مستعار؛ لأني ما زلت آنذاك في أوساطهم مع كونهم لا يرقبون في مخالف لهم إلا ولا ذمة.

وفتنة الحجاورة التي قاموا بها في دعوة أهل السنة والجماعة انتهت وتلاشت وصارت نسيا منسيا إلى حد كبير جدا ولله الحمد. وبالأخص بعد خروجهم من دار الحديث بدماج، فقد ذابت دعوتهم في المجتمع ولم يبق لها عين ولا أثر يُذكَر، ولله الحمد.

وسارت الدعوة ودور الحديث في اليمن بكل حنكة وجدارة وشموخ إلى الأمام، ولله الحمد والمنة.

وبما أن الحجاورة هداهم الله أظهروا الفرح والشماتة بما أكرم الله به الشيخ الفاضل الصابر المحتسب عبد الرحمن العدني رحمه الله من تلك الخاتمة الحسنة التي يغبطه عليها كل عاقل، وأخرجوا في ذلك القصائد والمقاطع الصوتية وما شابه ذلك، لعلهم أن يتنفسوا شيئا مما هم فيه من الذل والصغار في أوساط أهل السنة الذي أصابهم بسبب الظلم الواسع الذي قاموا به تجاه هذا العالم الجليل وغيره من علماء السنة، ولما رأوه مما كتب الله لهذا العالم الجليل من القبول الواسع والمكانة القوية في قلوب الصالحين حيث تدفق ثناء الصالحين عليه من بقاع شتى بما لم يكن في الحسبان. لذلك استحسن بعض إخواني حفظهم الله أن أعيد نشر هذه الرسالة.

ولعل الله أن يهدي بها المغرر به من أتباع الحجاورة أو من تأثر بهم، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

فقمت بذلك ولله الحمد مع تعديلات واختصار وإضافات مناسبة للحال، ولله الحمد والمنة.

الأصل في أعراض المسلمين الحرمة.

من المعلوم أن من الأمور التي جاء الشرع بالحفاظ عليها وحرمة التعدي عليها بغير حق الأعراض، فالأصل فيها الحرمة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) أخرجه البخاري (5550) ومسلم (1679) عن أبي بكرة رضي الله عنه.

وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال) رواه أبو داود (3597) عن ابن عمر رضي الله عنهما، وهو في (الصحيح المسند) لشيخنا مقبل رحمه الله.

وأعراض أهل العلم المعروفين بصحة المعتقد وسلامة المنهج، أشد حرمة مما سواها، لأن الطعن فيهم والتحقير لهم بغير حق ليس كالطعن والتحقير لمن سواهم، وذلك لما يحملونه من الخير والعلم والسنة.

وصدق الإمام ابن عساكر رحمه الله إذ يقول: (لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، ومن أطلق لسانه في العلماء بالثلب، ابتلاه الله قبل موته بموت القلب).

وقد جاء الشرع باستثناء حالات يسيرة لا يعد الطعن فيها من الغيبة المحرمة، وما ذاك إلا للمصلحة الراجحة في ذلك، ومن هذه الحالات جرح من يستحق الجرح من الرواة وأهل الأهواء، وهو الموسوم عند أهل العلم بـ(علم الجرح والتعديل).

شروط الجارح والمعدل.

ولأهمية هذا العلم العظيم النفع البالغ الأهمية اشترط أهل العلم للقائم به أموراً منها:

أولا: أن يكون عدلاً؛ فإن من المحال أن يجرح العدل بكلام المجروح. قاله ابن حبان كما في (هدي الساري).

ثانيا: أن يكون عارفاً بأسباب الجرح والتعديل، حتى لا يعدل من يستحق الجرح أو يجرح ويبدع من لا يستحق التبديع.

ثالثا: أن يكون ورعاً يمنعه ورعه من الهوى والمجازفة في الأحكام.

قال الإمام الذهبي رحمه الله: (والكلام في الرواة يحتاج إلى ورع تام وبراءة من الهوى والميل، وخبرة كاملة بالحديث وعلله ورجاله) (الموقظة ص62).

وقال رحمه الله: (والكلام في الرجال لا يجوز إلا لتام المعرفة تام الورع) (الميزان 3/46).

وقال الحافظ العلائي رحمه الله: (جرح المجروحين من الرواة والشهود، وذلك جائز بل واجب في غالب الصور للحاجة قال: وهذا كله إذا صفت النيات وخلصت الطويات من شوب حسد أو عداوة دنيوية أو منافسة أو ما أشبه ذلك.

فليتفقد القائل قلبه، وليتق الله ربه؛ فإنه قد يكون شيء من الأسباب الدنيوية كامناً ويلبس عليه الشيطان أن كلامه هذا إنما هو لله ولنصيحة المسلمين وليس الأمر كذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى. والله أعلم) (نظم الفرائد) ص428-429).

بعض القواعد التي ينبغي السير عليها عند تعارض الجرح والتعديل. بما أن أقوال أئمة الجرح والتعديل تتعارض في بعض الحالات فقد جعل أهل العلم لهذا الفن العظيم ضوابط وقواعد يندفع بها الإشكال ويتحصحص الحق ويزول اللبس. ومن هذه القواعد:

أولا: من ثبتت عدالته بيقين فلا تزول عنه إلا بيقين.

قال الإمام أحمد بن حنبل: «كل رجل ثبتت عدالته لم يقبل فيه تجريح أحد، حتى يتبين ذلك عليه بأمر لا يحتمل غير جرحه». ”تهذيب التهذيب“ (7/273).

وقال الإمام الطبري رحمه الله: «من ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح، وما تسقط العدالة بالظن» ”هدي الساري“ (ص428).

وقال الإمام البخاري رحمه الله: «ولم ينج كثير من الناس من كلام بعض الناس فيهم، ولم يلتفت أهل العلم في هذا النحو إلا ببيان وحجة، ولم تسقط عدالتهم إلا ببرهان ثابت وحجة، والكلام في هذا كثير» (جزء القراءة خلف الإمام) (ص14).

ونص على هذه القاعدة أيضا من أهل العلم، الإمام محمد بن نصر المروزي كما في ”فتح المغيث“ (2/188) والإمام البيهقي في ”السنن الكبرى“ (10/124) والإمام ابن عبد البر رحمه الله في ”جامع بيان العلم وفضله“ (2/1093) والحافظ البقاعي في ”النكت الوفية“ (1/610) والعلامة المعلمي في ”التنكيل“ (1/255) وغيرهم من أهل العلم، لم أنقل كلامهم هنا اختصارا.

ثانيا: من القواعد التي أدلى بها علماء الحديث عند تعارض أقوال الأئمة في شخص من الأشخاص أن (المثبت مقدم على النافي) وأن (الجرح المفسر مقدم على التعديل المبهم) وأن (من علم حجة على من لم يعلم) ومرد هذه القواعد عند التأمل إلى شيء واحد.

ما يترتب من المفاسد على تقديم الجرح المفسر على التعديل مطلقا.

ينبغي أن يُعلَم أن لقاعدة (الجرح المفسر مقدم على التعديل) وقاعدة (المثبت مقدم على النافي) شروطاً وقيوداً وضوابط لابد من مراعاتها عند تطبيق هاتين القاعدتين ونحوهما وتنزيلها على شخص من الأشخاص.

فليس كل من جرح غيره بجرح مفسرٍ أو ادعى أنه أثبت عليه شيئاً قُبِل جرحُه له، ولو كان الجارح أو الذي ادعى الإثبات عدلاً عارفاً بأسباب الجرح والتعديل!

وإلا لزم ترك كثير من أئمة السنة وحملة الدين الذين لم يسلموا من جرح مفسر من قِبَل عدول آخرين

ما سلم الله من بريته ولا نبي الهدى فكيف أنا؟!

قال الإمام الطبري رحمه الله: (لو كان كل من ادعي عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما ادُّعِي به، وسقطت عدالته، وبطلت شهادته بذلك، للزم ترك أكثر محدثي الأمصار؛ لأنه ما منهم أحد إلا وقد نسبه قومٌ إلى ما يُرغَب به عنه). (هدي الساري ص428).

وقال السبكي رحمه الله: (ولو أطلقنا تقديم الجرح لما سلم لنا أحد من الأئمة؛ إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون وهلك فيه هالكون).(طبقات الشافعية (1/90).

وقال الإمام الصنعاني رحمه الله:( وأما الجامد في ذهنه الأبله في نظره فإنه يقول: قد تعارض هنا الجرح والتعديل فيقدم الجرح، لأن الجارح أولى وإن كثر المعدل.

وهذه القاعدة لو أخذت كلية على عمومها وإطلاقها لم يبق لنا عدل إلا الرسل فإنه ما سلم فاضل من طاعن، لا من الخلفاء الراشدين ولا من أحد من أئمة الدين.) اهـ بواسطة (ماذا ينقمون على الشيخ الحجوري) الجزء الثاني.

وقال الإمام الألباني رحمه الله: والهدام -يعني حسين بن عبد المنان- على منهجه المنحرف عن الجماعة يأخذ أسوأ ما قيل في الراوي مقدماً الجرح على التعديل مطلقاً! وهذا مذهب باطل لا يقول به إلا جاهل أو مغرض (النصيحة ص193) بواسطة (مصطلح الحديث للألباني ص295).

من جهود علماء السنة في اليمن في إنهاء الفتنة.

مما لا يخفى على كثير من الناس الفتنة التي حصلت في اليمن بين الشيخين الحجوري والعدني وإن شئت قلت بين الحجوري وسائر علماء أهل السنة في اليمن.

والتي بذل مشايخ أهل السنة وسعهم واستفرغوا جهدهم لحسم مادة هذه الفتنة وإيقافها عند حدها قبل تطاير شررها واستفحالها، وعقدوا لذلك الاجتماعات المباركة النافعة التي نفع الله بها غاية النفع ولمَّ الله بها الشمل.

وكان من أول ثمرة تلكم الاجتماعات المباركة بيان معبر بتاريخ (12/4/1428هـ) والذي كاد أن يقضي على الفتنة بإذن الله من أساسها ويجعلها حصيداً كأن لم تغن بالأمس، لولا شيء قدره الله وهو أن الشيخ الحجوري بعد أن وافق على ذلك البيان بقي عنده شرط للحكم للشيخ عبد الرحمن العدني بالسلفية والبراءة التامة من الحزبية، ألا وهو الاعتذار لشخص الحجوري الكريم!!!

وبإصرار الحجوري على مطالبة العدني رحمه الله بالاعتذار عادت الفتنة من جديد واشتدت كل يوم شيئاً فشيئاً، والمشايخ حفظهم الله في ذلك كله صابرون ويحاولون الصلح والإصلاح ولمِّ الشمل وردم الخلاف ورأب الصدع ما أمكن وبذلوا في ذلك جهوداً جبارة لا يعلمها إلا الله.

ثم حصل بعد ذلك اجتماع آخر في (الحديدة) بتاريخ (5/1/1429هـ) عند الوالد العلامة محمد بن عبد الوهاب الوصابي رحمه الله، وأخرج المشايخ -حفظهم الله وأعز قدرهم- بياناً عظيماً حاسماً للفتنة قاطعاً لدابرها إن شاء الله، لولا شيء أراده الله وهو أن الشيخ الحجوري رفض ذلكم البيان بشدة ولاقاه بالرد والإنكار، بعد أن وافق على مضمونه عند العلامة ربيع المدخلي حفظه الله كما شهد بذلك أربعة من المشايخ الثقات العدول! ولكن:

لهوى النفوس سريرة لا تعلم *** كم حار فيها عالم متكلم.

وبسبب رفض الحجوري لذلك البيان احتدم الخلاف وتفرق الصف وشمت بالدعوة السلفية كثير من أعدائها! وشغل كثير من الناس عما هم فيه من الخير والإقبال على طلب العلم! ودخلت بينهم الشحناء والبغضاء! والله المستعان.

وماهي إلا أشهر يسيرة وإذا بنصيحة الوالد العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله لأبنائه مشايخ السنة وطلبة العلم السلفيين في (اليمن) تصل من (مكة) والتي لا يخرج مضمونها عن بيانات علماء أهل السنة في اليمن السابقة التي رفضها الشيخ الحجوري.

وبحمد الله فقد كشف الله بهذه النصيحة عوار هذه الفتنة التي مكثت نحو ثمان سنوات وحالها كما قيل: (أسمع جعجعة ولا أرى طحناً) وأبان الشيخ حفظه الله أن غاية ما في الأمر أمور شخصية أشعلها بعض المدسوسين كشف الله سترهم.

وقد شرح هذه النصيحة المباركة العلامة الوصابي في شريط خاص وقرر أن الفتنة هذه أغراض شخصية، وإن حاول البعض إلصاق شيء منها بجانب العقيدة.

وقرئت في مركز شيخنا الجليل محمد الإمام حفظه الله فأشاد بها وأثنى عليها وقال: هذا الذي ينبغي أن نسير عليه.

وصار السلفيون في اليمن على ضوء هذه النصيحة المباركة بحمد الله.

ولم يوفق الشيخ يحيى -وفقه الله للرجوع إلى الحق والصواب– لقبول هذه النصيحة والسير عليها بل قام بردها كسالفاتها من نصائح العلماء بشبهة واهية وهي تعلقه بقاعدة: (من علم حجة على من لم يعلم) وقاعدة: (الجرح المفسر مقدم على التعديل المبهم) وقاعدة: (المثبت مقدم على النافي).

ودفاعاً مني عن المنهج السلفي وعن بيانات علماء أهل السنة في اليمن وعن نصيحة الشيخ ربيع حفظه الله مما ألصقه الشيخ الحجوري ومن معه بها من هذه الشبه الكاسدة التي ربما انطلت على بعض الجهال كتبت هذا المبحث، أسأل الله أن يرفع به الحق ويدحض به الباطل وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم.

وإلى تفنيد تشبث الشيخ الحجوري ومن معه بهذه القواعد لرد نصائح العلماء.

أقول مستعيناً بالله:

(الضابط للعمل بقاعدة: المثبت مقدم على النافي).

بالنسبة لقاعدة: (المثبت مقدم على النافي) هذه القاعدة معمول بها إذا لم يستند النافي في نفيه إلى حجة وإلى علم، إنما كان نفيه بناءً على الأصل دون العلم بحجة المثبت.

أما إذا استند في نفيه إلى الحجة وإلى العلم، كأن يقول: (علمت الشيء الذي قاله فلان بن فلان عن فلان بن فلان فوجدته غير ثابت عنه أو غير واقع فيه) فهنا يقدم النافي على المثبت بالاتفاق. لأن عنده في هذه الحالة زيادة علم، ومن علم حجة على من لم يعلم.

وقد نقل الإمام النووي رحمه الله في ”المجموع شرح المهذب“ (5/ 214) الاتفاق على تقديم النافي على المثبت في هذه الصورة، فقد ذكر حديث جابر في البخاري في نفيه لصلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على شهداء أحد، ثم عقبه بحديث عقبة بن عامر في إثبات صلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليهم ثم قال: «فإن قيل: ما ذكرتموه من حديث جابر لا يحتج به؛ لأنه نفي وشهادة النفي مردودة، مع ما عارضها من رواية الإثبات؟ فأجاب أصحابنا: بأن شهادة النفي إنما ترد إذا لم يحط بها علم الشاهد ولم تكن محصورة، أما ما أحاط به علمه وكان محصورا فيقبل بالاتفاق، وهذه قصة معينة أحاط بها جابر وغيره علما»

ونقل المرداوي رحمه الله في ”التحبير“ (4/1930) أن الأمر في مثل هذه الصورة يقف على مرجح من خارج بلا خلاف.

ونبه على أن هذه القاعدة ليست على إطلاقها الإمام ابن قدامة رحمه الله في ”شرح مختصر الروضة“ (3/ 698).

والحافظ ابن حجر رحمه الله في ”انتقاض الاعتراض“ (2/677).

والإمام الذهبي رحمه الله في ”سير أعلام النبلاء“ (4/ 5).

والسخاوي رحمه الله في ”فتح المغيث بشرح ألفية الحديث“ (1/ 30).

والعلامة الألباني رحمه الله كما في (الدرر في مسائل المصطلح والأثر ص 163) وشيخنا العلامة الوادعي رحمه الله في ”أحاديث معلة ظاهرها الصحة“ (ص: 178) رقم (187).

وذكر العلامة المعلمي رحمه الله أن كثيرا من أهل زمانه أو أكثرهم زمامه بيد الهوى ثم قال: فإن كان الحديث موافقاً له تمسك بقولهم: المثبت مقدم على النافي، ثم ذكر المعلمي بعض القواعد ثم قال: هذه القواعد منها ما هو ضعيف، ومنها ما ليس بكلي، ومنها المختلف فيه. والعالم المتبحر الممارس يحقق القواعد ويُعمِل كل قاعدة في الموضع اللائق بها، وإنما يُعمِلهَا بالقدر الذي يقتضيه الحال، من غير إسراف ولا تفريط، مع مراعاة كل تعلقات القواعد الأخرى وتأثيراتها، ومع العدل والتثبت والتأني، والله الموفق والمستعان. (آثار المعلمي) (2/305).

قلت: وعلماء أهل السنة الذين نفوا حزبية الشيخ عبد الرحمن العدني رحمه الله إنما استندوا في نفيهم هذا إلى العلم بأن أدلة الحجوري ومن معه لا تقوى على الحكم بحزبية الشيخ عبد الرحمن، وأن غاية ما في الأمر أمور شخصية وحظوظ نفس أشعلها بعض المدسوسين.

فقول النافين لحزبية العدني داخل في الصورة التي نقل الإمام النووي رحمه الله أن النافي مقدم على من المثبت بالاتفاق. فمن خالفهم فقد خرق الاتفاق.

وقد كفانا مؤنة دحض هذه الشبهة الواهية الشيخ الحجوري وفقه الله بقوله أمام الآلاف من الطلاب لما رجع من الحج وأخبرهم أنه جلس مع مجموعة من مشايخ أهل السنة في اليمن وأنه حدثهم عن هذه الفتنة الحاصلة ثم قال بعد ذلك عن المشايخ: إنهم فاهمون ذلك. كما في شريط: (إقامة الدين).

وبقوله أيضاً في أحد دروسه: (ليس هناك شيء خافٍ على المشايخ كل ما عندي فهو عند المشايخ!!)

فكيف يصح بعد هذا كله أن يزعم أن عنده في هذه الفتنة علم خفي على المشايخ، كما صنع ذلك إثر نصيحة العلامة ربيع حفظه الله؟!

أترك الحكم للقارئ اللبيب!

الحالات التي لا يقدم فيها الجرح المفسر على التعديل.

أمَّا تشبث الشيخ يحيى ومن معه -وفقهم الله للرجوع إلى جادة الحق والصواب- لمجابهة العلماء ورد نصائحهم بقاعدة: (الجرح المفسر مقدم على التعديل المبهم) وأن جرحهم للشيخ العدني جرح مفسر فلا يتم لهم ذلك؛ فالجرح لا يقدم على التعديل مطلقاً كما سبق معنا من كلام الطبري والسبكي والصنعاني –رحمهم الله-

بل هناك حالات يقدم فيها التعديل على الجرح المفسر، ومن هذه الحالات:

الأولى: إذا اطلع المعدل على كلام الجارح ونفاه بالحجة والبرهان، كأن يقول المعدل: (عرفت السبب الذي طعن به فلان على فلان فوجدته غير ثابت عنه أو غير قادح فيه، أو وجدته ثابتاً فيه لكنه قد تاب منه وحسنت توبته ونحو ذلك).

قال السيوطي رحمه الله: (وإذا اجتمع في الراوي جرح مفسر وتعديل فالجرح مقدم ولو زاد عدد المعدل، وقيد الفقهاء ذلك بما إذا لم يقل المعدل عرفت السبب الذي ذكره الجارح لكنه تاب وحسنت حاله فإنه حينئذٍ يقدم المعدل، ثم نقل عن ابن دقيق العيد أنه استثنى أيضاً ما إذا عين الجارح سبباً فنفاه المعدل بطريق معتبر).

قلت: وقد ذكر هذا الاستثناء أيضاً البلقيني في (محاسن الاصطلاح ص(244) والسخاوي في (فتح المغيث 1/307) والطوفي في (شرح مختصر الروضة (2/166) والزركشي في (البحر المحيط (4/297) والشوكاني في (إرشاد الفحول) (1/334).

وكلام هؤلاء المحققين يتنزل تماماً على تعديل مشايخ السنة حفظهم الله للشيخ عبد الرحمن العدني، ونفيهم عنه الحزبية؛ لأن تعديلهم له ونفيهم عنه الحزبية متمخض عن دراسة بتأنٍ وعدلٍ وإنصاف مكثت بضع سنين للرمي له بالحزبية.

وكانت ثمرة هذه الدراسة الطويلة أن رميه بالحزبية ليس له أساس من الصحة، وإنما القضية حظوظ نفس ومقاضاة أغراض شخصية على حساب الدعوة السلفية.

الثانية: إذا اطلع المعدل على كلام الجارح وعلم أن جرح الجارح ليس ثابتاً في المجروح، إنما كان دافعه ما يجري بين الأقران من التنافس والحسد، ففي هذه الحالة لا يقبل كلام الجارح فيمن ثبتت عدالته، ولو فسَّر جرحه وأتى بألف تفسير وإيضاح.

قال السبكي رحمه الله في إمام الجرح والتعديل يحيى بن معين: (ولا يُقبَل قوله في الشافعي ولو فسَّر وأتى بألف إيضاح؛ لقيام القاطع أنه غير محق بالنسبة إليه) (توضيح الأفكار(2/158)

وقال رحمه الله: (والحذر كل الحذر أن تفهم قاعدتهم (الجرح مقدم على التعديل) على إطلاقها، بل الصواب أن من ثبتت عدالته وكثر مادحوه وندر جارحوه، وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره لم يلتفت إلى جرحه.) (طبقات الشافعية (1/188).

وقال الصنعاني رحمه الله: (لا يقبل الجرح من المتعادين مجملاً ولا مفسراً لمانع العداوة). (توضيح الأفكار) (2/146).

وقال الوادعي -رحمه الله- في صدد ذكر الجرح المردود: (وهكذا أيضاً إذا كان جرح الأقران فينظر إلى السبب فإذا كان السبب منافسة أو أمر دنيوي هذا يتوقف فيه، وهذا يحصل مثل ما بين أبي نعيم وابن منده، وابن حبان وبعض معاصريه) (إجابة السائل) (ص497)

قلت: فلهذا لم يلتفت العلماء إلى جرح النسائي العدل الورع لأحمد بن صالح المصري وإن كان جرحاً مفسراً؛ لأن جرحه من الكلام الذي لا يلتفت إليه مما يجري بين الأقران.

قال الحافظ العقيلي: (كل شيء قدر عليه النسائي أن جمع أحاديث قد غلط فيها ابن صالح فشنع بها ولم يضر ذلك ابن صالح شيئاً وهو إمام ثقة) (هدي الساري) وانظر (سير النبلاء) (11/83)

فلماذا لم يقبل العلماء جرح النسائي لأحمد بن صالح مع أنه جرحه بجرح مفسر؟!

أجيبوني يا معشر المتطاولين على العلماء؟!



وهكذا لم يقبل العلماء جرح الإمام الذهلي، وترك أبي حاتم وأبي زرعة للإمام البخاري، بل قال الإمام الذهبي معقباً على هذا الترك بقوله في البخاري: (حجة إمام ولا عبرة بترك أبي زرعة وأبي حاتم له من أجل اللفظ لأنه مجتهد في المسألة بل ومصيب) (المغني في الضعفاء) (2/165)

وصرح الذهبي في (السير 12/453) والسبكي في (طبقات الشافعية 2/230): أن الحامل للذهلي على كلامه في البخاري الحسد.

فلماذا لم يقبل العلماء جرح الذهلي لتلميذه البخاري ويقولون هو شيخه وبلديه ورباه على يديه فهو أعرف به من غيره؟! أجيبوني يا من تسفهون العلماء؟!!

وهكذا لم يقبل العلماء جرح عباس بن عبد العظيم للإمام عبد الرزاق الصنعاني رحمهما الله، مع كونه جرحه بجرح مفسر، حيث قال فيه: كذاب.

بل ردوا ذلك على العباس حتى قال الإمام الذهبي -رحمه الله-: ما وافق العباسَ عليه مسلم. (ميزان الاعتدال) (2/611).

فلماذا لم يقبل العلماء تكذيب عباس بن عبد العظيم للإمام عبد الرزاق، مع كونه جرحه بجرح مفسر؟ أجيبوني يا معشر البغاة على العلماء؟

وهكذا لم يقبل العلماء تكذيب الإمام عمرو بن علي الفلاس للإمام محمد بن بشار بندار، مع أنه بلديه وقد جرحه بجرح مفسر، قال الإمام الذهبي في ترجمة بندار من (الميزان 3/490): (ثقة صدوق كذبه الفلاس فما أصغى أحد إلى تكذيبه؛ لتيقنهم أن بندار صادق أمين).

فلماذا لم يقبل العلماء جرح الفلاس لبندار ويقولون: هو بلديه وأعلم به من غيره؟! ويقولون: هو أرفع من أن يتكلم بهوى! وقد جرحه بجرح مفسر؟!

أجيبوني أيها الخوارج على نصائح العلماء؟!!

وهكذا لم يقبل العلماء قول الإمام مالك في ابن إسحاق: دجال من الدجاجلة، بل ردوه واحتملوا لمالك المعاذير واحتجوا بحديث ابن إسحاق إذا صرح بالتحديث ولم يأت بما ينكر عليه.

فلماذا لم يقبل العلماء جرح الإمام مالك في ابن إسحاق مع أن مالكاً بلديه والبلدي أعرف بصاحبه من غيره، وقد جرحه بجرح مفسر؟

أجيبوني أيها الخارجون على قواعد الجرح والتعديل؟

نعم أن الأصل أن جرح البلدي مقدم على غيره، إلا إذا عُلِم أنه مما يجري بين الأقران فلا يلتفت إليه كما في هذا المثال والذي قبله.

وهكذا لم يقبل العلماء تكذيب الإمام أبي بكر بن أبي داود للإمام ابن صاعد مع أن التكذيب جرح مفسر، بل نقل الذهبي تضعيف ابن صاعد لابن أبي داود ثم قال: لا ينبغي سماع قول ابن صاعد فيه كما لا يقدح تكذيبه لابن صاعد وكذا لا يسمع كلام ابن جرير فيه فإن هؤلاء بينهم عداوة بينة، فقف في كلام الأقران بعضهم في بعض (تذكرة الحفاظ) (2/772).

فلماذا لم يلتفت العلماء إلى تكذيب ابن أبي داود لابن صاعد مع أن ابن أبي داود جرحه بجرح شديد مفسر؟!

أجيبوني يا من تتشبثون بالطحلب وخيوط العنكبوت لرد نصائح العلماء وتبديع الأبرياء.

والأمثلة من كلام الأقران المردود كثيرة، والأصل في كلام الأقران القبول؛ لأن القرين أعرف بقرينه كما نص على ذلك شيخنا الإمام الوادعي رحمه الله، إلا إن عُلِمَ أن الباعث له منافسة دينية أو دنيوية فيكون مردوداً على قائله كائناً من كان، كما مرَّ معك ذكر شيء من ذلك في هذه الأمثلة:

قال الإمام الذهبي رحمه الله: (لسنا ندعي في أئمة الجرح والتعديل العصمة من الغلط النادر، ولا من الكلام بنفس حاد فيمن بينهم وبينه شحناء وإحنة، وقد عُلِمَ أن كثيراً من كلام الأقران بعضهم في بعض مهدر لا عبرة به، ولاسيما إذا وثق الرجل جماعة يلوح على قولهم الإنصاف) (سير النبلاء) (7/40-41).

وتأمل قوله: (ولاسيما إذا وثق الرجل جماعة يلوح على قولهم الإنصاف) ونَزِّله واقعياً على تعديل العلماء للشيخ عبد الرحمن العدني ونفيهم عنه الحزبية.

وقال الذهبي أيضاً:( كلام النظراء والأقران ينبغي أن يُتأنى ويُنظَر فيه) (ميزان الاعتدال 2/202) ومثله (5/102).

وقال رحمه الله: (وبكل حال كلام الأقران بعضهم في بعض يُحتَمل، وطيه أولى من بثِّه، إلا أن يتفق المعاصرون على جرح شيخ فيعتمد قولهم.) (السير 11/432).

وتأمل قوله: (إلا أن يتفق المعاصرون على جرح شيخ فيعتَمد قولهم) ونَزِّله واقعياً على هذه الفتنة.

وانظر (ميزان الاعتدال 1/52) و (سير النبلاء) (10/92) و (5/276 و (12/61).

الثالثة: من الحالات التي يقدم فيها قول المعدل على قول الجارح بجرح مفسر: إذا اطلع المعدل على كلام الجارح وأبان بالحجة والبرهان أن جرح الجارح وإن كان مفسراً وصاحبه متجرد من العصبية والهوى إلا أنه غير كافٍ لإسقاط وإهدار مكانة المجروح، إما لكونه معذورا أو نحو ذلك.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (قد يعتقد أحد المجتهدين ضعف رجل ويعتقد الآخر ثقته أو قوته، وقد يكون الصواب مع المُضعِّف لاطلاعه على سبب خفي على الموثق، وقد يكون الصواب مع الآخر لعلمه بأن ذلك السبب غير قادح في روايته وعدالته؛ إما لأن جنسه غير قادح، وإما لأن له عذراً أو تأويلاً يمنع الجرح.) (الصواعق المرسلة) (2/556). وقال الإمام الألباني رحمه الله: الجرح مقدم على التعديل وليس هذا على إطلاقه أيضاً، وإنما مع بيان العلة، وليس هذا أيضاً على إطلاقه؛ لأنه قد يبين العلة ولا تكون علة قادحة، فنقول: مع بيان العلة القادحة. (فتاوى الألباني في المدينة والإمارات (ص205-206) جمع عمرو بن عبد المنعم سليم.

وهذا كما اطلع المحدثون على نهي الإمام الورع أحمد بن حنبل رحمه الله عن الكتابة عمن أجاب في المحنة، فلم يقبلوا ذلك منه بل قال الإمام الذهبي رحمه الله بعد أن ذكر نهي الإمام أحمد عن الكتابة عن ابن معين وغيره ممن أجاب في المحنة: «هذا أمر ضيق، ولا حرج على من أجاب في المحنة، بل ولا على من أكره على صريح الكفر عملا بالآية، وهذا هو الحق» ”سير النبلاء“ (9/133).

وكما اطلع المحدثون على جرح الإمام شعبة بن الحجاج رحمه الله للمنهال بن عمرو بقوله: أتيت منزل المنهال بن عمرو فسمعت منه صوت الطنبور فرجعت.

أخرجه الفسوي في (المعرفة والتاريخ 2/779) والخطيب في (الكفاية) تحت باب ذكر بعض من استُفْسِر في الجرح فلم يذكر ما يسقط العدالة.

قال ابن القيم رحمه الله بعد أن حكى هذه القصة: فهذا سبب جرحه، ومعلوم أن شيئاً من هذا لا يقدح في روايته؛ لأن غايته أن يكون عالماً به مختاراً له ولعله متأول فيه فكيف؟ وقد يمكن أن لا يكون ذلك بحضوره ولا إذنه ولا علمه؟! وبالجملة فلا يرد حديث الثقات بهذا وأمثاله. (تهذيب السنن 13/91).

ومثله اطلاع ابن حبان على جرح أمير المؤمنين في الحديث شعبة بن الحجاج رحمه الله لأبي الزبير المكي بقوله لما سئل مالك تركت حديث أبي الزبير؟!قال: رأيته يزن ويسترجح في الميزان. رواه العقيلي في (الضعفاء) (4/130).

ومع جلالة شعبة وإمامته لم يقبل الإمام ابن حبان منه هذا الجرح بل رده في (الثقات) (5/352) بقوله عن أبي الزبير: (كان من الحفاظ ولم ينصف من قدح فيه؛ لأن من استرجح في الوزن لنفسه لم يستحق الترك من أجله).

فلماذا لم يقبل العلماء جرح شعبة المفسَّر للمنهال بن عمرو وأبي الزبير المكي؟! مع أن شعبة كما قال الإمام أحمد: (أمة وحده في هذا الشأن)؟!

أوجه السؤال إلى الآخذين بهذه القاعدة على إطلاقها، الملبسين بها على الناس، دون مراعاة للقيود والضوابط.

وهكذا أيضاً لما اطلع الذهبي على جرح العقيلي للإمام ابن المديني وإدخاله له في كتاب (الضعفاء) بسبب فتنة خلق القرآن، رد ذلك عليه في (ميزان الاعتدال 3/140) بكلام نفيس يطول نقله هنا.

وانظر مثالا آخر في (ميزان الاعتدال 4/410).

وهكذا في هذه الفتنة على فرض أن الشيخ يحيى وفقه الله لم يتكلم فيها بهوى ولا مقاضاة أغراض شخصية فليس ذلك مبرراً لقبول كلامه في تحزيب الشيخ عبد الرحمن العدني رحمه الله كما يدندن بذلك بعض الجهلة ممن لم يفهم قواعد علم الحديث كما ينبغي.

فقد يجرح العالم السني المتجرد من العصبية والهوى عالماً آخر بجرح مفسر، لكن العلماء لا يلتفتون إلى جرحه؛ لكون ذلك الجرح وإن كان مفسراً ليس كافياً في إسقاط المجروح وإهدار مكانته.

كما صنع أئمة الحديث مع جرح أحمد لمن أجاب في المحنة معذورا، وجرح شعبة للمنهال بن عمرو، وجرح ابن القطان لهشام بن عروة، مع أن أحمد وشعبة وابن القطان في جرحهم هذا متجردون من العصبية والهوى فيما نحسبهم والله حسيبهم.

وإن أبى الشيخ يحيى - ألهمه الله رشده - ومن معه إلا تطريد قاعدة: (الجرح المفسر مقدم على التعديل المبهم) دون مراعاة للقيود والضوابط فليقبل جرح شيخه محمد بن عبدالوهاب الوصابي حفظه الله فيه حيث وصفه أنه كذاب!

وليقبل جرح الشيخ عبيد الجابري حفظه الله فيه أنه محروم الحلم والحكمة وأنه لا يعرف ضوابط الحزبية وأنه فاحش القول سليط اللسان!

فليطُرِّد العمل بهذه القاعدة، وليحذر أن يكون ممن يكيل بمكيالين، والله المستعان.

لا يشترط في التعديل أن يكون مفسرا.

كثيراً ما يدندن الشيخ يحيى -هداه الله- بأنه أثبت الحجج والبراهين -حسب زعمه- على حزبية الشيخ عبد الرحمن، وأن على من خالفه من أهل العلم أو غيرهم في هذه المسألة أن يبرز الأدلة على عدم حزبية عبدالرحمن وإثبات سلفيته.

وفي الحقيقة إن دل هذا على شيء فإنما يدل على جهل الشيخ يحيى هداه الله ببعض مسائل علم الحديث التي لا ينبغي على مثله أن يجهلها!

فإن من المعلوم أنه لا يشترط في التعديل أن يكون مفسراً، إنما يشترط ذلك في الجرح لاختلاف الناس في موجب الجرح، ولأنه يحصل بأمر واحد.

أما التعديل فلا يشترط تفسيره بل يكتفى فيه بقولهم ثقة أو عدل أو سني أو ما شابه ذلك، وذلك لأن تعداد أسباب التعديل تطول ويشق ذكرها بخلاف الجرح.

وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل الحديث والمحققين، كما قرر ذلك ابن الصلاح رحمه الله في (علوم الحديث ص106) والإمام النووي رحمه الله في (التقريب مع التدريب) (1/305).والإمام ابن كثير رحمه الله في (مختصر علوم الحديث) (1/285) والحافظ العراقي رحمه الله في (فتح المغيث ص145) والامام ابن الوزير رحمه الله في (تنقيح الأنظار) (ص192) والحافظ السخاوي رحمه الله في (فتح المغيث (2/21).



والسيوطي رحمه الله في (التدريب) وابن الملقن رحمه الله في (المقنع) والصنعاني رحمه الله في (توضيح الأفكار) والوادعي رحمه الله في (شرح مختصر علوم الحديث) وغير واحد من أهل العلم، وفيما ذكرنا كفاية لإقامة الحجة ودحض الشبهة لمريد الحق، وبالله التوفيق.

كل هذا على فرض أن مشايخ السنة حفظهم الله إنما كان تعديلهم للشيخ عبد الرحمن العدني تعديلاً مجملاً، وإلا فنحن لا نسلم بذلك فإنهم قد عدلوا الشيخ عبد الرحمن العدني تعديلاً مفصلاً مبيناً حيث قالوا: لا نعلم عنه حزبية وهو بريء منها.

وكفى بهذا هدماً ونسفاً للأدلة والحقائق المزعومة في تحزيب هذا العالم الجليل رحمه الله! (قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً).



طامة كبرى

وفاقرة عظمى أدلى بها بعض أتباع الحجوري

وأقره عليها الحجوري

بينما أنا أقرأ ذات يوم في ملزمة (البرهان المنقول فيما خالفه عبد الرحمن العدني وحزبه من الأصول) لصاحبها سعيد بن دعاس المشوشي رحمه الله والتي قرأها وأذن بنشرها الشيخ الحجوري هداه الله إذ بي أقف على كلام خطير جداً إلى الغاية يقتضي الحكم على كل من اطلع على كلام الشيخ يحيى في تحزيبه للشيخ العدني ولم يقبله بمخالفة أصل من أصول السلفية.

حيث قال سعيد بن دعاس رحمه الله: والواقع أن الذي أوقع بعض الأفاضل في معارضة ما أثبته شيخنا يحيى أعزَّ الله شأنه من حزبية العدني وحزبه الماكر وتجاهل ذلك مخالفة أصل من أصول السلفية والإعراض عن تطبيقه والعمل به شعروا أو لم يشعروا وهو: قبول خبر من ثبت صدقه وأمانته وعدالته.

إذ أدى بهم إلى إلغاء الحقائق المتكاثرة الثابتة من أقوال وأفعال العدني وأنذال حزبه، فليحذر على نفسه من أغفل هذا الأصل الشرعي فإن الباطل يجر بعضه بعضاً، والبدع تبدأ صغيرة حتى تصير كبيرة. اهـ

فأنت ترى أيها القارئ الكريم أن هذا الرجل زعم أن الذي أوقع بعض الأفاضل –وعلى رأسهم علماء أهل السنة- في معارضة إثبات الحجوري لحزبية العدني هو مخالفتهم لأصل من أصول السلفية وهو قبول خبر الثقة.

وحتى لا نذهب بعيداً فقد قرر سعيد بن دعاس غفر الله له فيما أقره عليه شيخه الحجوري في رسالته المذكورة أن الرجل يصير مبتدعاً بمخالفة أصل من أصول أهل السنة والجماعة، ونقل ذلك عن الشاطبي وغيره من أهل العلم.

فهل جميع أهل السنة ومشايخ السنة الذين اطلعوا على تحزيب الشيخ يحيى للشيخ عبد الرحمن ولم يقبلوا ذلك منه مبتدعة لأنهم خالفوا أصلاً من أصول السلفية!!!

هذا ما يدل عليه كلام سعيد الذي أقره عليه الحجوري.

فيا معشر علماء أهل السنة في اليمن وفي غيرها: اربعوا على أنفسكم وراجعوا سلفيتكم !!! ولا تردوا خبر الحجوري في تحزيبه للعدني؛ فتكونوا بذلك قد خالفتم أصلاً من أصول السلفية شعرتم أو لم تشعروا!!!

جرأة على العلماء وقلة أدب أظنها لم تطرأ على بعض الغلاة يوماً من الدهر.

أي حق تدعوا إليه أيها الحجوري وأنت تقر من يرمي علماء السنة وحملتها الذابين عنها بمخالفة أصل من أصول السلفية شعروا أو لم يشعروا!!

أي حق تدعو إليه يا حجوري وأنت تجرِّئ صغار طلبة العلم الجهلاء حدثاء العلم والأسنان على التطاول على كبار العلماء بالشتم والتفسيق والتبديع!! (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم)

وليت الأمر يقف عند ذلك بل لازم هذا التأصيل الفاسد أن كل من لم يسلِّم بتبديع عالم من علماء أهل السنة لرجل آخر مع اطلاعه عليه يعد ناقضاً لأصل من أصول السلفية (الذي هو قبول خبر الثقة)!!!

فعلى لازم هذا التأصيل الفاسد فالإمام عبدالصمد بن عبد الوارث رحمه الله مبتدع!! لما لم يرض بنسبة حماد بن زيد وزكريا الساجي القول بالقدر لأبيه، بل قال عبد الصمد: مكذوب على أبي، ما سمعت منه في القدر يقول قط شيئاً. راجع (هدي الساري ص598).

وعلى هذا فالإمام الأوزاعي رحمه الله مبتدع!! لما أنكر على الثقة العدل سعيد بن عبد العزيز التنوخي نسبة حسان بن عطية إلى القول بالقدر. (هدي الساري ص564).

وعلى هذا فالإمام أحمد العجلي والحافظ ابن حجر رحمهما الله مبتدعان!! لما لم يقبلا ما نسبه الامام أحمد وابن معين ومصعب الزبيري الثقات العدول إلى عكرمة البربري من القول برأي الخوارج!

بل قال العجلي: عكرمة مكي تابعي ثقة بريء مما يرميه الناس به من الحرورية. راجع (هدي الساري) (ص603-605)

وقال فيه الحافظ في (التقريب): ثقة ثبت لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر ولا تثبت عنه بدعة.

وليس لهؤلاء الجبال الفضلاء ذنب في الحكم عليهم بالبدعة على حسب تأصيل الشيخ يحيى وتلميذه سعيد بن دعاس سوى أنهم خالفوا أصلاً من أصول السلفية وهو وجوب قبول خبر الثقة !! (ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا).

ولا تظن أن هذا أو شيئاً منه لم يخطر ببال سعيد وشيخه الحجوري، بل قد أشار سعيد في آخر كلامه إلى عدم غفلته عن ذلك حيث قال سعيد -تجاوز الله عنه- مُعَرِّضاً بعلماء أهل السنة: (فليحذر على نفسه من أغفل هذا الأصل الشرعي؛ فإن الباطل يجر بعضه بعضاً والبِدَع تبدأ صغيرة حتى تصير كبيرة). فنصيحتي لعلماء السنة ثانياً: أن لا يردوا خبر الحجوري في تحزيبه لعبد الرحمن العدني فيكونوا بذلك قد خالفوا أصلاً من أصول السلفية يخرجهم من أهل السنة والهدى إلى أهل البدعة والردى شعروا أو لم يشعروا!!!

وليحذروا على أنفسهم من التمادي في مخالفة هذا الأصل من أصول السلفية!!! فإن الباطل يجر بعضه بعضاً والبدع تبدأ صغيرة حتى تصير كبيرة فاللهم سلِّم سلِّم!

بل وما تقدم معنا من عدم قبول العلماء قرناً بعد قرن إلى يومنا هذا لخبر الثقة العدل النسائي أن أحمد بن صالح ليس بثقة.

وعدم قبولهم خبر الثقة العدل مالك بن أنس أن ابن إسحاق دجال من الدجاجلة.

وعدم قبولهم خبر العدل عمرو الفلاس أن محمد بن بشار بندار كذاب.

وعدم قبولهم خبر العدل عباس بن عبد العظيم أن عبد الرزاق كذاب.

وعدم قبولهم خبر العدل أبي بكر بن أبي داود أن ابن صاعد كذاب.

كل هذا لازم للحجوري وتلميذه سعيد بن دعاس بالحكم على جميع العلماء من عهد مالك وأبي داود إلى زمننا هذا الذين اطلعوا على هذا الجرح ولم يرتضوه بالبدعة؛ لكونهم خالفوا أصلاً من أصول السلفية الذي هو الأخذ بخبر الثقة.

وعلى لازم هذا التأصيل فالشيخ يحيى ومن معه مبتدعة لكونهم لم يأخذوا بخبر الثقة العدل أحمد بن شعيب النسائي في أحمد بن صالح المصري بل هم يصححون حديثه. وهكذا دواليك

ولو طرَّدنا هذه القاعدة لما بقي لنا على وجه الأرض سني! فاللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.

الضابط لقبول خبر الثقة.

ثم نقل سعيد بن دعاس -تجاوز الله عنه- عن بعض المشايخ الأفاضل حفظهم الله هكذا دون تسمية له أنه قال: لكن هنا أمر وهو أن الانسان قد يتحامل على خصمه وإن كان عدلاً؛ فينبغي التأني وعدم التعجل فما ينقله عن خصمه اهـ

قلت: وهذا كلام يكتب بماء الذهب لكن سعيداً عقب هذا الكلام بقوله:

أقول: ومقتضى ذلك أنه يجب التثبت من خبر الثقة العدل الصادق وهذا مخالف صراحة لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) الذي فيه الأمر بالتثبت من خبر الفاسق لا العدل.

ومع ما في هذا من المخالفة ففيه خلط لا يليق لأنه جعل الثقة العدل والفاسق في مرتبة واحدة من وجوب التثبت من خبره، وقد فرق الله بينهما في الآية السابقة.

ثم إذا علم أن الناقل تحامل في النقل عن خصمه فزاد عليه أو نقص من كلامه ما يغير الكلام صار متهماً يعامل معاملة الفاسق في لزوم التثبت من خبره ورده، ومن الخلط الفاحش والخلط بين المسائل إبقاؤه في رتبة العدالة وقد ارتكب مفسقاً متعمداً لأن التحامل يعني ذلك. (البرهان المنقول ص22)

أقول: تضمن هذا الكلام تأصيلين فاسدين:

الأول:- أن التثبت من خبر العدل حتى وإن ظهر ما يستدعي ذلك من خصومة أو نحوها مخالف لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا).

الثاني:- أن تحامل العدل على خصمه مخرج له عن العدالة، وأن من الخلط إبقاؤه في مرتبة العدالة.

ولنقض هذا التأصيل الفاسد أقول مستعيناً بالله:

نعم الأصل في خبر الثقة العدل عدم التثبت والتبين من خبره لمفهوم المخالفة في الآية المذكورة، ولعشرات الأدلة الدالة على وجوب قبول خبر الواحد الثقة العدل.

لكن إذا استدعى الأمر في بعض الحالات التريث والتبين من خبر الثقة العدل لقرينة تدل على ذلك، فالتثبت من خبر العدل في هذه الحالة مشروع وليست فيه مخالفة للآية المذكورة.

وذلك كأن يخالف الثقة العدل خبر ثقات عدول آخرين، فهنا نتوقف في خبر الثقة العدل، وربما رددناه وحكمنا عليه بالشذوذ إذا كان المخالفون له أقوى منه عدداً أو وصفاً، حيث إن الشاذ هو: مخالفة المقبول من هو أولى منه.

وإن أبى الشيخ يحيى وتلميذه سعيد بن دعاس إلا القول بتطريد قبول خبر الثقة فيلزمهما عدم القول بالشاذ ويلزمهما تطريد القول بقبول زيادة الثقة مطلقاً، ولو كان المخالف للثقة أقوى منه وصفاً أو عدداً، وهذا الإلزام في غاية الوضوح.

ولا أظن الشيخ يحيى يلتزم بهذا، بل هو يمشي فيما عهدناه في مسألة زيادة الثقة على مذهب أهل الحديث المجانب لمذهب الفقهاء والأصوليين في هذه المسألة.

فيلزم الشيخ يحيى على هذا الاعتراف ببطلان تطريد القول بقبول خبر الثقة، وإلا فعليه الاعتراف بالتناقض.

بل إن الإمام أحمد والنسائي والقطان والبرديجي ربما أطلقوا النكارة على مجرد تفرد الثقة العدل بحديث من الأحاديث وتوقفوا في قبول ذلك الحديث.

فهل يستطيع الشيخ يحيى -هداه الله- وتلميذه دعاس -رحمه الله- الحكم على هؤلاء الحفاظ بمخالفة أصل من أصول السلفية لتوقفهم في قبول خبر الثقة في هذه الحالة؟! هذا لازم تأصيلكما الفاسد.

ومن أمثلة التبين من خبر العدل على خلاف الأصل إذا ظهر من القرائن ما يستدعي ذلك، تثبت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتبينه من خبر ذي اليدين رضي الله عنه، عند أن قال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت؟

فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم متبيناً من خبر الثقة العدل ذي اليدين: (أصدق ذو اليدين؟ فقالوا نعم).

فهذا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي أنزل عليه قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) تثبت من خبر الثقة العدل ذي اليدين لقرينة سيأتي بيانها من كلام أهل العلم إن شاء الله.

فماذا تقول في ذلك يا شيخ يحيى أنت وسعيد بن دعاس.

وهل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذه الحالة خالف الآية المذكورة!!!!!

أريد جواباً صريحاً سليماً دون تكلف من الشيخ يحيى وسعيد الذي يزعم دون تقييد أن التثبت من خبر العدل مخالف للآية المذكورة.

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: وأما خبر الواحد الثقة الذي ليس له معارض أقوى منه فإنه يجب قبوله لأدلة دلت على ذلك، وقد يتوقف فيه أحياناً لمعارضته بما يقتضي التوقف فيه، كما توقف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قول ذي اليدين حتى توبع عليه. (فتح الباري) (6/474).

وذكر العلائي رحمه الله نحواً من ذلك ثم قال: فموضع الدلالة أن انفراد الواحد في مثل هذا المقام يقتضي الريبة بقوله، وينتهي إلى القطع بكذبه، لكن في هذا المقام لم يمكن القطع ولا الظن بالكذب لعدالة الصحابة، فتوقف حتى وافقه القوم فتحقق صدقه. (نظم الفرائد ص196)

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله معدداً فوائد حديث ذي اليدين رضي الله عنه: وفيه أن الثقة إذا انفرد بزيادة خبر وكان المجلس متحداً أو منعت العادة غفلتهم عن ذلك أن لا يقبل خبره. (فتح الباري) (ص132).

وقال رحمه الله: أما قصة ذي اليدين فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما توقف فيه للريبة الظاهرة لأنه أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن فعل نفسه وكان ثمَّ جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ولم يذكره أحد منهم سواه، فكان موجب التوقف قوياً، وقد قبل خبر غيره على انفراده عند انتفاء الريبة في جملة من الوقائع. (النكت على ابن الصلاح (1/245)

وقال الإمام ابن الوزير رحمه الله: ولا شك أن حديث الثقة قد يكون معلولاً بأمر يوجب الوقف، ولهذا توقف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قبول حديث ذي اليدين حتى سأل، وتوقف عمر في قبول خبر فاطمة بنت قيس. (الروض الباسم (1/103).

قلت: وهكذا تثبت عمر بن الخطاب رضي الله عنه من خبر الثقة العدل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عند أن ظهرت قرينة تستدعي ذلك.

فقد جاء في البخاري (6245) ومسلم (33) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال (كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور فقال: استأذنت على عمر ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت فقال لي: ما منعك؟ قلت: استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت، وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع) فقال: والله لتقيمن عليه بينة، أمنكم سمعه من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟) الحديث. فأنت ترى أن عمر رضي الله عنه تثبت من خبر الثقة العدل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه على خلاف الأصل في ذلك لوجود قرينة سيأتي بيانها إن شاء الله.

فهل عمر رضي الله عنه في فعله هذا مخالف للآية المذكورة (نبئوني بعلم إن كنتم صادقين)

قال الإمام الذهبي رحمه الله في ترجمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (فما دار الفلك على مثل شكل عمر وهو الذي سن للمحدثين التثبت في النقل، وربما كان يتوقف في خبر الواحد إذا ارتاب. ثم ساق الذهبي قصة عمر مع أبي موسى رضي الله عنهما. (تذكرة الحفاظ) (1/6).

والخلاصة في هذه المسألة ما قرره الإمام محمد بن إبراهيم الوزير رحمه الله بقوله (من جملة التبين أننا ننظر إلى المخبر أهو من أهل الصدق والتحري أم لا؟ فإن لم يكن منهم لم نقبله، وإن كان منهم نظرنا هل أخبرنا بأمر يتعلق بحقوق المخلوقين أو بأمر من أمور الدين؟

فإن كان مما يتعلق بأمر الدين اكتفينا بظن صدقه وأمانته مالم يجرح بأمر يعارض أدلة قبوله.

وإن كان في حقوق المخلوقين لم نصدقه حتى يشهد معه شاهد آخر غالباً) (الروض الباسم) (2/496-497)

فعلى هذا فقول الشيخ الفاضل الذي نقله عنه سعيد بن دعاس أنه ينبغي التأمل وعدم التعجل في قبول خبر الثقة العدل فيما تحامل فيه على خصمه، قول صحيح لا غبار عليه، بل هو مستند إلى هذه الأدلة التي سقناها.

وأما قول سعيد رحمه الله: ثم إذا علم أن الناقل تحامل في النقل عن خصمه فزاد عليه أو نقص من كلامه ما يغير الكلام صار متهماً يعامل معاملة الفاسق في لزوم التثبت من خبره ورده، ومن الخلط الفاحش والخلط بين المسائل إبقاؤه في رتبة العدالة، وقد ارتكب مفسقاً متعمداً، لأن التحامل يعني ذلك. (البرهان المنقول ص22).

فكلام سعيد هذا مبني على سوء فهم لكلام الشيخ الفاضل الذي نقل عنه سعيد أنه قال: (فينبغي التأمل وعدم التعجل فيما ينقله عن خصمه).

فمراد الشيخ الفاضل كما هو ظاهر كلامه أن العدل قد يتحامل على خصمه فينقل عنه أنه فاسق أو حزبي أو مبتدع أو كذاب أو ما شابَه ذلك من الأوصاف وخصمه في حقيقة الأمر غير واقع في ذلك.

قلت: وهذا واقع كما تحامل مالك على ابن إسحاق فنقل عنه أنه دجال من الدجاجلة. وكما تحامل الذهلي على البخاري فطرده من مجلسه.

وكما تحامل النسائي على أحمد بن صالح فنقل عنه أنه ليس بثقة، وقد نقل الخليلي اتفاق الحفاظ على أن النسائي تحامل على أحمد بن صالح كما في (مقدمة ابن الصلاح)

وكما تحامل الفلاس على بندار فنقل عنه أنه كذاب.

وكما تحامل عباس بن عبد العظيم على عبد الرزاق فنقل عنه أنه كذاب.

وكما تحامل كل من أبي نعيم وابن منده على الآخر بكلام مقذع كما في (سير النبلاء) (17/34).

وكما تحامل ابن أبي ذئب على مالك فقال: يستتاب مالك فإن تاب وإلا ضربت عنقه.

وكما تحامل سليمان بن حرب على عفان الصفار فنقل عنه أنه كان بطيئاً رديء الحفظ بطيء الفهم. كما في (ميزان الاعتدال (5/102) إلى غير ذلك.

وهذا التحامل لا يعد مخرجاً لهؤلاء الثقات العدول من حيز العدالة كما قرره الشيخ الفاضل فيما نقله عنه سعيد بن دعاس؛ فالثقة العدل غير معصوم.

وليس مراد الشيخ الفاضل في تحامل العدل فيما ينقله عن خصمه ما فهمه سعيد بن دعاس أنه يتحامل بحيث أنه يزيد في نقل كلام خصمه أو ينقص منه ما يغير الكلام متعمداً؛ فإن فاعل ذلك يعد كذاباً مخروم العدالة إنما مراد الشيخ ما تقدم بيانه بأدلته ولكن:

وكم من عائب قولا صحيحا*** وآفته من الفهم السقيم.

فإن سعيداً وأمثاله لما نظروا إلى أقوال أهل العلم والفضل بعين البغض والسُّخط والإنكار أدى بهم ذلك إلى حمل كلامهم على أسوأ المحامل وإلى عدم فهم كلامهم على الوجه الصحيح.

وعين الرضا عن كل عيب كليلة *** ولكن عين السخط تبدي المساوئا

فما أحوج هذا الصنف إلى إتقان قواعد علم الجرح والتعديل والتفسيق والتبديع وضوابط الحزبية قبل الهجوم والثورة على علماء أهل السنة ودعاتهم بالتجريح والتبديع، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

إلزام لمن يأخذ بخبر الثقة مطلقا لهوى في نفسه

وأحب أن أختم هذا بإلزام قوي للإمام أبي عمر يوسف ابن عبد البر رحمه الله لمن أبى إلا أن يجعل خبر الثقة العدل في غيره مقبولاً دائماً دون استثناء.

قال رحمه الله بعد أن ذكر عدة أمثلة مما جرى من بين الصحابة وبعض السلف من الجرح المردود: فمن أراد أن يقبل قول العلماء الثقات الأئمة الأثبات بعضهم في بعض، فليقبل قول من ذكرنا قوله من الصحابة رضوان الله عليهم بعضهم في بعض، فإن فعل ذلك ضل ضلالاً بعيداً وخسر خسراناً.

وكذلك إن قُبِلَ في سعيد بن المسيب قول عكرمة، وفي الشعبي وأهل الحجاز وأهل مكة وأهل الكوفة وأهل الشام على الجملة، وفي مالك والشافعي وسائر من ذكرنا من بعضهم في بعض، فإن لم يفعل ولن يفعل إن هداه الله وألهمه رشده فليقف عند ما شرطنا في أن لا نقبل فيمن صحَّت عدالته وعلمت بالعلم عنايته وسلم من الكبائر ولزم المروءة والتصاون وكان خيره غالباً وشره أقل عمله، فهذا لا يقبل فيه قول قائل لا برهان له به، وهذا هو الحق الذي لا يصح غيره إن شاء الله. (جامع بيان العلم وفضله (2/1117).

وأخيرا:

وقد تضمن كلام سعيد بن دعاس الذي تم تفنيده أصلين فاسدين مخالفين لأصول أهل السنة والجماعة وقد أقره شيخه يحيى عليه، وهذان الأصلان هما:

الأصل الأول: زعمهما أن من رد خبر الثقة يكون مخالفاً لأصل من أصول السلفية دون تفصيل منهما أو تقييد.

الأصل الثاني: زعمهما أن التثبت من خبر العدل مخالف لقول الله (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) حتى وإن ظهر من القرائن ما يستدعي ذلك من خصومة ونحوها.

وإن شئت جعلت هذين الأصلين أصلاً واحداً لتقاربهما.

والسؤال الذي أوجهه إلى الشيخ يحيى وتلميذه سعيد هو: أنكما قررتما أن الرجل يخرج من أهل السنة بمخالفته لأصل من أصولهم ويصير بذلك مبتدعاً.

فها أنتما قد خالفتما بتأصيلاتكما التي سقناها هنا ما يضادها من أصول أهل السنة والجماعة، فهل ستطردان القاعدة وتحكمان على أنفسكما بالبدعة والخروج من السنة؟!

وأذكركما بقول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ).

وأما زعم سعيد بن دعاس فيما أقره عليه الشيخ يحيى وقد سمعناه منه أكثر من مرة أن عندهم أدلة وحقائق متكاثرة على حزبية الشيخ عبد الرحمن العدني فهذا من التهويل والتلبيس الذي لا ينفق على أهل العلم إذ لو كان عندكم ذلك لما زكاه علماء أهل السنة والجماعة الذين اطلعوا على هذه القضية.

فقد تولى كشف هذه الطنطنة والشبهة الخاوية شيخنا الجليل الناقد البصير عبدالعزيز بن يحيى البرعي حفظه الله حيث سئل حفظه الله:ـ هل ماهو حاصل الآن بين الشيخ يحيى والشيخ عبدالرحمن وعبدالله ابناء مرعي وهكذا الشيخ سالم بامحرز هو عبارة عن فتنة تنصحون باجتناب ذلك كله أم هو بيان لحقائق ودفاع عن هذا المنهج السلفي الحق؟

فأجاب حفظه الله:- لا يمكن أن تكون هناك حقائق على شخص تدل على انحرافه عن السنة ثم يبقى أهل السنة يقولون هذا أخونا؟!!

آسف ثم آسف من هذه النظرة إلى أهل السنة.

الذي يظن بأهل السنة هذا الظن الحقيقة بارك الله فيكم أنه يحتاج إلى أن يتقي الله عز وجل ويراقب الله عز وجل في نظرته إلى مشايخ أهل السنة.

لاحظ إلى مادة السؤال: هل هي فتنة -بمعنى اثنان مختصمان نسعى إلى الصلح بينهما -أم هي حقائق ودفاع عن السنة؟

تمام السؤال الذي ما هو موجود: وأنتم تغضون الطرف عن من ثبتت فيه الحقائق، هذا تمام السؤال وهو غير موجود.

هذا ما يظن بأهل السنة هذا الظن، ولا يجوز أن ينزلوا هذه المنزلة.

ماهي المصلحة التي معنا حتى نجامل مع فلان بعد ثبوت الحقائق فيه؟

هذا السؤال معناه أن هذه الحقائق التي ثبتت تمَّ سكوتكم عنها أنتم مشاركون في الانحراف فبارك الله فيكم هذا على السائل مادام أنه يظن هذا الظن في مشايخ أهل السنة الله المطلع وعالم بعباده، ويعلم ما عليه مشايخ أهل السنة من الذب عن السنة والدفاع عنها.

أما أن يقرر أحد أن الشيخ يحيى تكلم بحقائق وأننا نجامل على حساب السنة!! هذه مشاركة في الانحراف وأقول:ـ إذا وصل الظن بطالب علم بمشايخ أهل السنة إلى هذا الحد فلا ينبغي أن يسألهم لأنه لايُركن عليهم لأنهم أصبحوا مجروحي العدالة إذا كانوا مستعدين أن يجاملوا على حساب سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم اهـ المراد (جلسة أصحاب قصيعر مع فضيلة الشيخ عبدالعزيز البرعي).

نصيحة للحجوري ومن تعصب له.

وإني في ختام هذه الرسالة أحذر الحجاورة من الوقوع في شراك الحزبية والعصبية التي يرمون بها غيرهم حيث بلغ ببعضهم التعصب لشيخهم يحيى إلى درجة تضييق الولاء والبراء عليه فمن وافقه أحبوه وأكرموه ومن خالفه لمزوه وهمزوه وربما طعنوا فيه وحزبوه وهذه هي عين الحزبية.

قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: فمن جعل شخصاً من الأشخاص غير رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أحبه ووافقه كان من أهل السنة والجماعة ومن خالفه كان من أهل البدع والفرقة كما يوجد في الطوائف من أتباع أئمة الكلام في الدين وغير ذلك كان من أهل البدع والضلال والتفرق. (مجموع الفتاوى (3/347))

وأحذر أتباع الحجوري أن يكونوا مع علمائهم كما قال الامام ابن القيم رحمه الله: ومن الناس من طبعه طبع خنزير يمر بالطيبات فلا يلوي عليها فإذا رجع الإنسان عن رجيعه قَمَّه، وهكذا كثير من الناس يسمع منك ويرى من المحاسن أضعاف أضعاف المساوئ فلا يحفظها ولا ينقلها ولا تناسبه فإذا وجد سقطة أو كلمة عوراء وجد بغيته وما يناسبها فجعلها فاكهته ونقلته.(مدارج السالكين (1/403))

وأذكرهم بنصيحة ذهبية من الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله حيث قال رحمه الله:- وهاهنا أمر خفي ينبغي التفطن له وهو أن كثيراً من أئمة الدين قد يقول قولاً مرجوحاً ويكون مجتهداً فيه مأجوراً على اجتهاده فيه، موضوعاً عنه خطؤه فيه، ولا يكون المنتصر له بمنزلته في هذه الدرجة لأنه قد لا ينتصر لهذا القول إلا لكون متبوعه قد قاله بحيث لو أنه قاله غيره من أئمة الدين لما قبله ولا انتصر له ولا والى من وافقه ولا عادى من خالفه، وهو مع هذا يظن أنه إنما ينتصر للحق بمنزلة متبوعه وليس كذلك فإن متبوعه إنما كان قصده الانتصار للحق وإن أخطأ في اجتهاده، وأما هذا التابع فقد شاب انتصاره لما يظنه الحق إرادة علو متبوعه وظهور كلمته وأن لا ينسَب إلى الخطأ، وهذه دسيسة تقدح في قصد الانتصار للحق فافهم هذا فإنه مهم عظيم والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (جامع العلوم والحكم ص620) ط دار ابن الجوزي عند الكلام على الحديث الخامس والثلاثين.

وبهذا المبحث مع المبحث السابق (ما هكذا تورد يا يحيى الإبل) أكون قد انتهيت بفضل الله عز وجل من تفنيد الشبه التي يتكئ عليها الشيخ الحجوري هداه الله ومن معه لرد نصائح أهل العلم الراسخين وتسفيه آرائهم كي يتسنى لهم ما يرمون إليه من تبديع الأبرياء وما إلى ذلك من الأمور التي لا يعلمها إلا الله، والشبه التي تم تفنيدها هنا هي:

1-تعلقهم بقاعدة من علم حجة على من لم يعلم.

2-تعلقهم بقاعدة المثبت مقدم على النافي.

3-تعلقهم بقاعدة الجرح المفسر مقدم على التعديل المبهم.

4-تعلقهم بقاعدة البلدي مقدم على غيره.

5-تعلقهم بقاعدة وجوب الأخذ بخبر الثقة.

وقد تبين لك ذلك من خلال هذا الرد الكافي الشافي -بإذن الله- أن تعلقهم بهذه القواعد لتمرير ماهم عليه من الباطل كما قيل:

فأصبحت من ليلى الغداة كقابض *** على الماء خانته فروج الأصابع.

وأن حال هذه الشبه كما قيل:

شبه تهاوت كالزجاج لكنها تخفى على العميان.

أسأل الله أن يختم لنا بالحسنى وأن يثبتنا على دينه حتى نلقاه إنه ولي ذلك والقادر عليه، سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.



كتبه/

أبو عمرو نور الدين بن علي السدعي

بتاريخ (9/8/1429هـ)

ثم حصل النظر والتعديل فيه بعد ذلك، وكان الفراغ منه بتاريخ (١٦/٦/١٤٣٧ھ). والحمد لله رب العالمين.

أضف رد جديد