صيانة كتاب " الإبانة " من مماحكات وتعسفات يوسف بن العيد الجزائري الهجينة

أضف رد جديد

كاتب الموضوع
أبوأنس بشير الجزائري
مشاركات: 77
اشترك في: صفر 1436

صيانة كتاب " الإبانة " من مماحكات وتعسفات يوسف بن العيد الجزائري الهجينة

مشاركة بواسطة أبوأنس بشير الجزائري »

صيانة كتاب " الإبانة " من مماحكات وتعسفات يوسف بن العيد الجزائري الهجينة


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد :
ففي الوقت الذي يجب أن يتكاتف فيه أهل السنة والجماعة لنشر السنة والدعوة إلى الله تحت راية الكتاب والسنة مقتفين في ذلك آثار وفهم سلف الأمة ، ويعتصموا بحبل الله جميعـًا ولا يتفرقوا، ويلتفوا حول أئمتهم الذين شهد لهم بالعلم والإمامة في الدين ، ويصبحوا كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، فتعود لهم مكانتهم وهيبتهم بين العالم، وينتفع بدعوتهم الإنس والجن ، فإنهم بدلاً من ذلك ، فإن نرى فئات منهم أصبحوا جماعات وأحزابـًا، متفرقين متعادين، يوالون ويعادون للأحزاب والأشخاص، مبتعدين كل البعد من مسلك العلماء ومسلك السلف الصالح، قد تجارت بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه، وتركوا الاعتماد على الكتاب والسنة وآثار السلف في أخذ وفهم الدين، واعتمدوا على فهم رجالهم الذين نظروا و أصلوا لهم أصولا مخالفة على ما كان عليه أئمة الحديث من السلف هذه الأمة، وزخرفوا لهم الأقوال في قالب دفاع عن السنة وباسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبرفع شعار الإنصاف والعدل والموازنات ، فأُميتَت هيبةُ العلم والعلماء وأهل الأثر من القلوب، فانتشر الجهل والبدع، ومات العلم والورع، وأصبح أهل السنة أمرهم ضعيفا بعد أن كان قويـًا، وذلك حين كان اجتماعهم على الكتاب والسنة وطريقتهم طريقة سلف هذه الأمة، فأصابنا ما أصاب من قبلنا من الأمم، وصدق فينا خبر نبينا صلى الله عيه وسلم ، حيث أخبر بافتراق الأمة وإتباعها للأهواء، فأصبحنا وقد شمتت بنا الأعداء، وفرحوا بما نحن فيه من تفرق وإتباع للأهواء . والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وما أسباب ذلك إلا البعد عن وصية من كان بهذه الأمة رؤوفـًا رحيمـًا صلى الله عيه وسلم ، حيث قال :
" عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين، عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور " .
وتـرك ما سطره علماء وجهابذة الأمة من أصول سنية وقواعد إسلامية "([1]) التي تتجلى أهميتها ، في المحافظة والصيانة على خصائص ومميزات منهاج النبوة التي من خصائصها ومميزاتها (الحرص على الاجتماع والائتلاف ونبذ الفرقة والاختلاف بين أهل التوحيد والسنة )، " وهذا ظاهر في أشهر أسمائها وأحبِّها إليهم ، فهم أهل السنة والجماعة ، وقد قال لهم إمامهم وقدوتهم صلى الله عليه وسلم : "إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا ، أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال " ([2])
قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث : ((أما الاعتصام بحبل الله فهو التمسك بعهده وهو اتباع كتابه العزيز وحدوده والتأدب بأدبه والحبل يطلق على العهد وعلى الأمان وعلى الوصلة وعلى السبب وأصله من استعمال العرب الحبل في مثل هذه الأمور لاستمساكهم بالحبل عند شدائد أمورهم ويوصلون بها المتفرق فاستعير اسم الحبل لهذه الأمور وأما قوله صلى الله عليه و سلم "ولا تفرقوا " فهو أمر بلزوم جماعة المسلمين وتألف بعضهم ببعض وهذه إحدى قواعد الإسلام )) ([3])
فأهل الحديث أتباع منهاج النبوة يحرصون على الجماعة ونبذ الفرقة .
ولكن الجماعة التي يجتمعون عليها هي : ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ
قال أبو المظفر السمعاني رحمه الله : ((ومما يدل على أن أهل الحديث هم على الحق: أنك لو طالعت جميع كتبهم المصنفة من أولهم إلى آخرهم، قديمهم وحديثهم، مع اختلاف بلدانهم وزمانهم، وتباعد ما بينهم في الديار، وسكون كل واحد منهم قطراً من الأقطار؛ وجدتهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة، ونمط واحد، يجرون فيه على طريقة لا يحيدون عنها، ولا يميلون فيها، قولهم في ذلك واحد، وفعلهم واحد، لا ترى بينهم اختلافاً ولا تفرقاً في شيء ما وإن قلْ ، بل لو جمعت جميع ما جرى على ألسنتهم ونقلوه عن سلفهم، وجدته كأنه جاء من قلبٍ واحد، وجرى على لسان واحد، وهل على الحق دليل أبين من هذا ؟ قال تعالى : { أفلا يتدبرون القرءان ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}[ النساء: 82 ]، وقال تعالى :{ واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا}[ آل عمران: 103 ])) ا.هـ ([4])
فهذه آية وعلامة دليل ودالة على صدق سير أهل الحديث على ما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنهم لم يخرجوا أو ينحرفوا عن سبيلهم قدر أنملة ، وهم في هذا أسعد وأولى فيما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية الحراني رحمه الله في كتابه القيم " منهاج السنة النبوية "( 6 / 368 ) حيث قال : (( وكما أنه لم يكن في القرون أكمل من قرن الصحابة فليس في الطوائف بعدهم أكمل من أتباعهم فكل من كان للحديث والسنة وآثار الصحابة أتبع كان أكمل وكانت تلك الطائفة أولى بالاجتماع والهدى والاعتصام بحبل الله وأبعد عن التفرق والاختلاف والفتنة وكل من بعد عن ذلك كان أبعد عن الرحمة وأدخل في الفتنة فليس الضلال والغي في طائفة من طوائف الأمة أكثر منه في الرافضة كما أن الهدى والرشاد والرحمة ليس في طائفة من طوائف الأمة أكثر منه في أهل الحديث والسنة المحضة الذين لا ينتصرون إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم خاصته وهو إمامهم المطلق الذي لا يغضبون لقول غيرهم إلا إذا اتبع قوله ومقصودهم نصر الله ورسوله )) ا.هـ
وما حازوا شرف هذه التبعية السنية إلا أنهم أخذوا الدين من الكتاب والسنة ومن جميع جوانبه عقيدة وعبادة وسياسة واقتصادا ومعاملة في السراء والضراء ، في السفر والحضر ، في الفقر والغنى ، في القوة والضعف ، قال الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 208]
قال العلامة المفسر عبدالرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ : (( هذا أمر من الله تعالى للمؤمنين أن يدخلوا ﴿ فِي السِّلْمِ كَافَّةً ﴾ أي: في جميع شرائع الدين، ولا يتركوا منها شيئا، وأن لا يكونوا ممن اتخذ إلهه هواه، إن وافق الأمر المشروع هواه فعله، وإن خالفه، تركه، بل الواجب أن يكون الهوى، تبعا للدين، وأن يفعل كل ما يقدر عليه، من أفعال الخير، وما يعجز عنه، يلتزمه وينويه، فيدركه بنيته.)) ا.هـ
والالتزام بهذا اﻷصل العظيم ـ وهو أخذ الإسلام كله ـ هو أعظم ما يتميز به أهل السنة والجماعة على غيرهم من الفرق والأحزاب الضالة .
وهو أيضا من أعظم أسباب اجتماع كلمتهم ، ﻷن أعظم داع إلى الفرقة والاختلاف ترك بعض الحق "([5])
قال العلامة محمد الإمام ـ حفظه الله ـ في كتابه " بداية الإنحراف ونهايته " ( ص 145 ـ 146 ) : (( متى أخذ المسلمون ببعض الحق وتركوا البعض اﻵخر ألقى الله بينهم العداوة والبغضاء قال الله تعالى ﴿ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾[ المائدة:14])) ومعنى نسوا : تركوا العمل عمد
وقال الله في اليهود بعد أن ذكر أنه حرم عليهم سفك دماء بعضهم بعضا ولا يخرج بعضهم بعضا من ديارهم فلم يلتزموا بذلك قال تعالى :﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّون إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾[ البقرة: 85 ] ، وقد حذرنا الله من هذا الذي وقع فيه اليهود والنصارى فقال : ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا ﴾[آل عمران: 105]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (( ولا تقع فتنة إلا من ترك ما أمر الله به فإنه سبحانه أمر بالحق وأمر بالصبر فالفتنة إما من ترك الحق وإما من ترك الصبر)) ا.هـ ([6])
وقال أيضا : (( فَإِنَّ اتِّبَاعَ الْإِنْسَانِ لِمَا يَهْوَاهُ هُوَ أَخْذُ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ الَّذِي يُحِبُّهُ وَرَدُّ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ الَّذِي يُبْغِضُهُ بِلَا هُدًى مِنْ اللَّهِ … وَلِهَذَا كَانَ السَّلَفُ يُسَمُّونَ أَهْلَ الْبِدَعِ وَالتَّفَرُّقِ - الْمُخَالِفِينَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ - أَهْلَ الْأَهْوَاءِ : حَيْثُ قَبِلُوا مَا أَحَبُّوهُ وَرَدُّوا مَا أَبْغَضُوهُ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ .)) ا.هـ ([7])
وقال أيضا : (( وإنما جماع الشر تفريط في حق أو تعدي إلى باطل وهو تقصير في السنة أو دخول في البدعة كترك بعض المأمور وفعل بعض المحظور أو تكذيب بحق وتصديق بباطل
ولهذا عامة ما يؤتى الناس من هذين الوجهين فالمنتسبون إلى أهل الحديث والسنة والجماعة يحصل من بعضهم كما ذكرت تفريط في معرفة النصوص أو فهم معناها أو القيام بما تستحقه من الحجة ودفع معارضها فهذا عجز وتفريط في الحق وقد يحصل منهم دخول في باطل إما في بدعة ابتدعها أهل البدع وافقوهم عليها واحتاجوا إلى إثبات لوزامها وإما في بدعة ابتدعوها هم لظنهم أنها من تمام السنة كما أصاب الناس في مسألة كلام الله وغير ذلك من صفاته )) ا.هـ ([8]) )) انتهى كلام الشيخ محمد الإمام ـ حفظه الله ـ
رحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية ، ما ألطف كلامه وأدقه في بيان جماع الشر وبوابته الذي يلج منها من قل علمه وفسد طبعه وفطرته ، ورق دينه ، ومن ذلك ما نبه عليه في قوله " فالمنتسبون إلى أهل الحديث والسنة والجماعة يحصل من بعضهم كما ذكرت تفريط في معرفة النصوص أو فهم معناها أو القيام بما تستحقه من الحجة ودفع معارضها فهذا عجز وتفريط في الحق وقد يحصل منهم دخول في باطل إما في بدعة ابتدعها أهل البدع وافقوهم عليها واحتاجوا إلى إثبات لوزامها وإما في بدعة ابتدعوها هم لظنهم أنها من تمام السنة " ، فهذا الكلام منه قدس الله روحه ونور ضريحه يعض عليه بالنواجذ ويكتب بماء العينين ، لما عليه يحتوي من معرفة الأسباب التي هي سبب الوقوع في البدعة والشر والفساد ، وما ذكره هو بعينه وأمه الذي نعايشه ونراه رأي العين في أيامنا هذه ، مما أحدثه الحدادية والمأربية والحلبية والجهلة وأصحاب الأطماع الدنيئة ، من البدع والمخالفات والفتن في اﻷمة الإسلامية ، وما ذاك إلا بسبب تقصيرهم وتفريطهم وعدم اعتنائهم بهذا اﻷصل العظيم ألا وهو أخذ الإسلام كله ، فأورثهم هذا التقصير مشاقة سبيل علماء السنة ، وإخلال بدعائم منهاج النبوة ، فنصبوا لأهله العداوة ، وبغوا لهم الغوائل ، ورموهم عن قوس الجهل والبغي والعناد وقالوا لإخوانهم :" إنا نخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في اﻷرض الفساد "([9])
و من ذلك لا يخفى عليكم يا معشر أهل السنة والجماعة ما أحدثه يحيى الحجوري ـ هداه الله ـ وأتباعه ([10]) من الفتن والقلاقل في صفوف أهل السنة والجماعة ، فوجد على ذلك الجهال أعوانا ، ومن أعداء العلم إخوانا أتباع كل ناعق ومجيب كل زاعق لا يرجعون فيه إلى دين ولا يعتمدون على يقين قد تمثلت لهم به الرياسة ، فزادهم ذلك في الباطل نفاسة تزينوا به للعامة ونسوا شدائد يوم الطامة ، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك في غير حديث ، فقال صلى الله عليه وسلم :" إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فافتوا بغير علم فضلوا وأضلوا "([11])
فأنشأوا لذلك موقعا وألفوا في هذا كتبا للدفاع عنه وعن منهجه المعطوب ، ومن أشهر من وجد منفسا ومتسعا للخوض والركوب في هذه الفتنة العمياء "أبو حاتم يوسف بن العيد بن صالح العنابي الجزائري " ، فهذا الشاب المتسلف المتحذلق المتطفل المجازف المغامر من نظر إلى سيرته وإلى كتاباته يجد أنها لا تخرج عن دفاع عن يحيى الحجوري ، فهو معول بيد يحيى الحجوري لهدم أصول السنة ، وتحطيم تقريرات أئمة الحديث ، فنعم هو ولد بار يفتخر به يحي الحجوري في هذه الفتنة ، كيف لا وهو قد خدمه خدمة عظيمة ما يجدها عند غيره ، وقد قرت عينه بإنجازات التي أنجزها له البحاثة يوسف !!!
وهي ما بين تقرير وتثبيت أصوله الحدادية التي يدعي البراء منها ومن أهلها هو وشرذمته ([12])، وما بين تشغيبات وسفسطات وتطاولات على اﻷصول العلمية التي قررها أهل الحديث من سلف هذه اﻷمة للصيانة والمحافظة على منهاج النبوة وعلى أهله ، وما بين طعونات جائرة في علماء السنة ، ومن أبرز ما ألفه في هذا كتابه الظلام ( مصباح الظلام الواقع في كتاب " الإبانة " ) ، الذي أقره عليه يحيى الحجوري ونصره وأيده ، بل تبجح ببضاعته الملفقة المزجاة متحديا بها أهل السنة والجماعة قاطبة وعلى رأسهم أئمتهم وأعلام الهدى ([13])، متوعدا الشيخ محمد بن عبدالله الإمام بنشره ([14]) إذا لم يركن لتأصيلاته ويستسلم لزبالات ذهن وفهم البحاثة يوسف العنابي الجزائري ، رغم ما فيه من التخريف والتحريف للقواعد السنية على غير ما أراده السلف الصالح ، وعلى غير ما فهموه منها ، ففهم وتطبيقات سلفنا الصالح لهذه القواعد المباركة الجليلة في واد وزبلة أذهان يحيى الحجوري وشرذمته في فهمها وكيفية تطبيقها والمعاملة معها في واد أخر ، وشتان بين الفهمين وبين المنهجين ([15])
لعمري لو لم يكن إلا هذا التجاسر والتطاول والتحذلق والتعسف على العلم وأهله الكبار العدول ورثة النبي صلى الله عليه وسلم ، لكان كافيا في سقوط صاحب كتاب " الظلام " ، ونداء على من أقره عليه بالسفه والجهل والسقوط ، فيحيى الحجوري ـ هداه الله ورزقه الرشد ـ بهذا التصرف المشين قد جنى على نفسه جناية عظيمة مآلها وخيمة حيث سلط الجهال و السفهاء والرويبضات والصبيان على العلم والعلماء ، فأظهرهم عليهم، وحق أن نقول أنه قد بنى منهجه ـ بهؤلاء الرعاع الهمج الذين لا خير فيهم ـ على شفا جرف هار ، فاعتمد على الذين يضعون الأمور في غير مواضعها فانهار بناؤه وطوَّح به إلى مكانٍ سحيق ، وإلا فثمار كتاب " الإبانة " الذي رماه بكل حجر ومدر هو و اتباعه الجهال اﻷوغاد الهمج الرعاع ، قد أتى أكله في حينه ، ومن أفضل من يبين ويوضح مذاق ثمرته الطيبة الحلوة المباركة صاحبه الشيخ محمد الإمام حفظه الله حيث قال في مقدمة الطبعة الثانية من الكتاب
( ص 15 ) : (( … فقد خرج كتابي " الإبانة عن كيفية التعامل مع الخلاف بين أهل السنة والجماعة " بطبعته اﻷولى ، فكتب الله له القبول ، فطار كل مطار ، وانتشر في القرى واﻷمصار ، ومن لم يحصل على نسخة منه مطبوعا ، قام بتصويره واقتنائه إما من الكتاب نفسه ، وإما من موقعنا على شبكة المعلومات ( الإنترنت ) sh-emam.com ومن لم يحصل على ذا ولا ذاك طلب ممن معه الكتاب الإعارة ، ريثما يكمل القراءة ، كما أخبرني بذلك غير واحد .
ومن الله ـ جل وعلا ـ أن الكتاب قرأه عدد من أعلام الهدى ومصابيح الدجى ، كما قرأه جمع غفير ، وعدد كبير من آبائي الفضلاء وإخواني النبلاء وأبنائي النجباء فمنهم من يثني عليه ـ وهم السواد اﻷعظم والأعم الأدهم ـ …. وأنه يدل بمنطوقه والمفهوم ـ كما هو ظاهر للعيان من العنوان ـ أنه ترياق شاف وعلاج واف للخلاف الحاصل أو لما سيحصل بين أهل السنة والجماعة )) ا.هـ
ولكن يحيى الحجوري وشرذمته لم رأوا هذا الخير العميم وبوادر الإصلاح تظهر والظلام الدامس الذي أحدثه هو وشرذمته ينجلي غاضهم ذلك وأيقظ نومهم وزلزل عروشهم ، فلم يستسيغوا الدواء المنصوح به في الكتاب ، ورموا به بكل حجر ومدر معلنين على انفسهم بالعمى والضلال والسفه ، وكان أولى بالحجوري في هذا المقام أن يتهم فهمه ويلوم نفسه على الظلم من ظلمه ويعرف ويعترف بتقصيره في هذا الباب ويصوب ما في الكتاب من الدواء والعلاج ويحترم ممن قدم ورضي ببضاعة الكتاب ممن هم أكبر منه سنا وأكثر علما وأدق فهما ومعرفة بالمنهج السلفي فوافقوا على ما فيه من التأصيل السلفي ، فنصحوا به واستحسنوه وشكروا سعي صاحبه ، ولكن عنجرية يحيى الحجوري وعناده وظهور عدوته للحق و أهله أبى عليه ذلك ، فكان حاله كما قال عرفات المحمدي أنه سلط أتباعه على العلماء و" أنشأوا ـ من أجل هذا ـ موقعاً خاصاً للفتنة ينشرون فيه هذا السب والطعن ، وهم مجهولون عند العلماء ولو كتبوا بأسمائهم الصريحة.
ولما سقط العلماء عند الحجوري -لاسيما في اليمن- وعلى رأسهم الشيخ الفاضل محمد الوصابي اضطر الحجوري أن يرفع أناساً على حساب العلماء حتى يساندوه على باطله وأُطلِق عليهم مشايخ الدار! ومشايخ الدار – المزعومون- في طبقة تلاميذ تلاميذ الشيخ الفاضل محمد ‫الوصابي حفظه الله ، من سيقبل هذا؟ وأي عاقل فضلا عن عالم- سيؤيد هذا النقد المشبع بالغلو والتهكم؟
‫أليست هذه هي طريقة أبي الحسن في إسقاط علماء السنة، وفي المقابل نجده يشيد ‫بصغار الطلبة لأنهم أدركوا ما لم يدكه العلماء -زعم-!" ا.هـ ([16])
بل هذه الطريقة التي سلكها يحيى الحجوري في إسقاط علماء السنة هي من أبرز علامات ومميزات الحدادية التى عرفوا بها واشتهرت عنهم
قال العلامة المجاهد ربيع بين هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ في مقاله " ( الحلقة الثانية ) من كشف أكاذيب وتحريفات وخيانات فوزي البحريني ؛ الموصوف زورًا بـ ( الأثري ) ! نقد للمسمى بـ ( فوزي الأثري البحريني ) " : (( الوجه الخامس : إسقاطهم لعلماء السنة المعاصرين وتنقصهم لهم ورد أحكامهم القائمة على الأدلة والبراهين ، وخروجهم عليهم ، وطعنهم فيهم وفي مناهجهم وأصولهم القائمة على الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح .)) ا.هـ
وما إشادة يحيى الحجوري بكتاب " مصباح الظلام " إلا أكبر دليل على هذا ، مع إن مضمون الكتاب كما عرفتم ما هو إلا تشغيب على أصول أهل الحديث ، مبني على شفا جرف هار ، ومن فعل السفهاء المتحذلقة المتعالمة الجهلة الذين يضعون الأمور في غير مواضعها فانهار بناؤه وطوَّح به إلى مكانٍ سحيق ، فلا يهولنكم كثرة نقولاته عن أئمة السنة ، فمنها ما يفهمه ومنها ما لا يفهمه ، وقد وقع في تناقضات لا يدركها المسكين ، وقد يسوق كلامًا يَرُدُّ به على نفسه من حيث لا يشعر ([17])! وسبب ذلك تعصبه ليحيى الحجوري بالباطل والمنافحة عنه بقلب الحقائق والموازين ، بجعل الحق باطلا والباطل حقا ، وفي الوقت نفسه يريد أن يوهم الناس أنه من الدعاة إلى الكتاب والسنة على ما كان عليه أهل الحديث واﻷثر وأنه من المحاربين للتعصب والتقليد المذموم ، فهو كالشاة العائرة بين غنمين .
فهو في تأليفه لهذا الكتاب لم يسلُك مسالك أهل العلم ، لأنّه ليس من أهله، ولم يسلُك فيه مسالك أهل الصدق والأمانة ، لأنّه ليس من أهلهما ، وما بضاعته إلا الطعن في أهل السنة والجماعة وتحزيبهم بالباطل والعدوان ، وتحريف معاني النصوص واﻵثار وتنزيلها على غير ما أراد منها السلف الصالح فالاشتغال بالرّد عليه جميعـًا مضيعة للوقت، وإشغال للقارئ بالتفاهات والأباطيل ، ولكن لمّا رأينا أنّه قد استخفّ بعض الطّيّبين الذين يُحْسنون الظنّ بكل مَنْ هَبَّ ودَب، ولو كان من أشدّ الحاقدين على السنّة وأهلها، ومن أشدّ الجاهدين في تمزيق شملهم، وإلقاء العداوة والبغضاء بينهم ، رأيت لِزامـًا أن أردّ على بعض افتراءاته وخياناته ، ليكون ذلك نموذجـًا ومثلاً واضحـًا على جُرْأَتِه على الكذب والتعالم والتطاول ، ودليلاً واضحـًا على سوء قصده، وخُبْث سيرته ، وقد اعتمدت في ردي هذا وسلطت ضوء قلمي على بيان منهج شيخنا الإمام المحدث المجدد مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله فيما قرره العلامة محمد بن عبدالله الإمام في كتابه " الإبانة " ، ليقف القارئ الكريم على أن منهج الشيخ محمد الإمام حفظه الله في كتابه " الإبانة " ما هو إلا منهج شيخه ووالده المربي مقبل بن هادي الوادعي ـ رحمه الله ـ الذي كان عليه يسير ، وأن كتاب " الإبانة " ما هو إلا ثمرة دعوته بعد وفاته ، وحسنة من حسناته نسأل الله أن يجازيه عن أهل الإسلام كل خير وينور ضريحه .
ولنقف على حقيقة الشيخ يحيى الحجوري هل صحيح ما يدعيه من أنه خليفة الشيخ في الدار ؟ وأنه على منهجه وسيرته يسير ؟ولأثاره يقتفي ؟ أم هو مجرد إدعاء وتمسح بالإمام مقبل ـ رحمه الله ـ لأغراض يريدها ؟ فلنترك بيان هذه الحقائق في ما هو مزبور في طيات هذا السفر المبارك نسأل الله من بركته وفضله والسداد والتوفيق والإخلاص في الأقوال والأعمال

الوقفة الأولى

قد عقد فضيلة الشيخ محمد الإمام حفظه الله وقرر في كتابه " الإبانة " تحت ترجمة(( متى يكون الرجل من أهل السنة ؟ وبم يخرج عنهم )) ([18])، أن (( ضبط مسألة سنية المسلم من بدعيته من المسائل المهمة جدا ، لأن إخراجه من السنة بدون برهان أمر شديد وإدخاله في السنة وليس من أهلها أمر مريج فالسير مع الضوابط المعتبرة هو العاصم من الإفراط والتفريط والضوابط المعتبرة ، قد حررها أهل العلم ))
ثم نقل من كلام أئمة السنة لبيان هذا الأصل ما تقر به العين ويشفي العليل ويروي الغليل ويبصر التائه الحيران إلى سواء السبيل ، فتشمخ نفسه عن غائط التقليد المذموم ويتحرر من ربقة التعصب الممقوت ، ويتوّج إكليل الإتباع على ما كان عليه الرعيل الأول ، أما من استحكم فيه ظمأ الجهل والغي والهوى وإرادة التخطيئة والانتصار لنحلته ، فيعرج عن جميع تلك النقولات السنية الأثرية التي تنادي بسنية الكتاب وصاحبه ، وتعترف له بسعة إطلاعه وفهمه الثاقب لكلام أئمتنا ووضعه مواضعه ، فيعمى عن كل هذا إلى أن يقف على كلمة جاءت عن الشيخ في أثناء هذه الترجمة وهي قوله : (( لا يكون السني مبتدعا بسبب التساهل في بعض السنة ))،فهذه الكلمة قد بنى عليها أبوحاتم يوسف قصورا وعلالي وشن من أجلها غارات هوجاء لطعنه في الشيخ وفي كتابه السني ـ الذي فرح به صاحب كل السنة ـ وبنى عليها من الأحكام الجائرة البائرة ما تعلن وتنادي عليه بالوقاحة والسفاهة والتصدر قبل التأهل والتسرع قبل التأني والتأمل ، وإلا كما يقال " الناقد بصير " وربما لا يكون بصيرا ولكنه يتعصب لرأيه وبدعته فيقع في إجحاف وتعسف وتكلف لتخطيئة خصمه ، "فالناظر بعين العداوة يرى المحاسن مساوئ والناظر بعين المحبة عكسه ، وما سلم من هذ إلا من أراد الله كرامته وارتضاه لقبول الحق وقد قيل :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ...كما أن عين السخط تبدي المساويا
وقال آخر
نظروا بعين عداوة لو أنها ...عين الرضا لاستحسنوا ما استقبحوا
فإذا كان هذا في نظر العين الذي يدرك المحسوسات ولا يتمكن من المكابرة فيها فما الظن بنظر القلب الذي يدرك المعاني التي هي عرضة المكابرة والله المستعان "([19])
فحينها يا هول وبلية إذا اطلعت هذه العين الساخطة على كلام لا يوافق هواها ومما تسخطه نحلتها ويخدم غرضها في إسقاط وتشويه كلام خصمها فلا يؤمن منها إذاً من التحامل والتجاوز غير مشروع ([20])، فلأرباب المقالات أغراض في سوء التعبير عن مقالات خصومهم وتخيرهم لها أقبح الألفاظ ، ولكن صاحب الإنصاف ومن رزق البصيرة لا تهوله عباراتهم الهائلة ، "بل يجرد المعنى عنها ولا يكسوه عبارة منها ، ثم يحمله على محل السالم عن المعارض فحينئذ يتبين له الحق من الباطل والحالي من العاطل "([21])
وعليه فالشيخ محمد الإمام ـ حفظه الله ـ ما أورد هذه الكلمة إلا بعد ما بيّن ضابط الذي يكون به الرجل من أهل السنة والجماعة بتجاوزه وتعديه يخرج من دائرتها ، ليبين وينبه المتسرعين والمتهورين في إصدار أحكام التبديع على أن يتأنوا ويتثبتوا ويتريضوا ويتقوا الله في أحكامهم الجائرة الظالمة المتمثلة في تبديع أهل السنة ، ولينبههم على أن هذا الأمر ليس راجعا إلى أراء وأهواء الناس " وإنما هو راجع إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليست السنة ما تعارفه الناس والبدعة ما لم يتعارفوه ، أو السنة ما رضي به زيد أو فلان ، فإن الله سبحانه وتعالى لم يكلنا إلى عقولنا أو آراء الناس ، بل أغنانا بالوحي المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم فالسنة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من أمور الدين ، والبدعة ما لم يأت به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال في الدين ، وليس لأحد أن يحكم على شيء بأنه بدعة أو أنه سنة حتى يعرضه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم"([22])، فمن ثبتت سنيته بيقين وتنادت أقواله وأفعاله بذلك ليس من أمر الهين و لا من السهل أن يخرج منها بوقعه في شيء من المخالفة لها سواء لخفائها عنه مع تحريه للحق أو لضعفه وتقصيره الذي قد يعتريه ، وليت شعري من يسلم من التقصير والضعف .
هذا الذي نقطع ونجزم به أن الشيخ أراده بهذه الكلمة ، وإلا فالنقولات التي نقلها عن أئمتنا في بيان" متى يكون الرجل من أهل السنة ؟ وبم يخرج منها " لتبرهن على هذا ، وهو لما ذكرى هذه اللفظة لم يذكرها في سياق مدح وثناء على من كان بهذه الحال أو أنه راضي عنه ـ حشاه من ذلك ـ إنما جاءت من باب العذر والاعتذار لأهل السنة وتحملهم والصبر عليهم وجبر ضعفهم وإعانتهم على السنة بالتي هي أحسن للتي هي أقوم إن وقع منهم التقصير أو شيء من المخالفة للحق ، لا أن نعين عليهم الشيطان وأهل الشر والسوء ، وخاصة في أزمنتنا هذه التي تكاثر فيها أهل الشر وتعددت طرائقهم وتكاثرت شبههم المزخرفة بالحق([23]) فوقع في شراك حبائلها من وقع والله العاصم من الفتن ، مع ما لهم من المغريات المادية التي يستجلبون ويغوون بها ضعفاء القلوب والبصيرة ، فإنا والله نحن أحوج أن نصبر علي إخواننا ونتحملهم ونجبر نقصهم .
وليعلم يا معشر أهل السنة وخاصة طلبة العلم ودعاة إليها إنا والله لمقصرين ومتساهلين في هذا الباب أيما التساهل لو أنصفنا أنفسنا قبل غيرنا ـ وكفى بالإنسان على نفسه بصيرة ـ سواء ما كان في طلبنا للعلم أوفي تخلقنا بأخلاق سلفنا الصالح أو في دعوتنا إلى الله عز وجل على ما كانوا عليه .
قال الشيخ المحدث مقبل بن هادي الوادعي ـ رحمه الله ـ في " إجابة السائل على أهم المسائل " ( 369 ) :
(( أقول : إنه لا ينفعنا أن نصدر الأحكام على الناس ونحن مقصرون في الدعوة ومقصرون في التعليم ومقصرون أيضا في الاجتهاد في طلب العلم النافع فينبغي لنا أن نبلغ إخواننا وأن نصبر عليهم والحمد لله )) ا,هـ
وسئل رحمه الله السؤال التالي : (( البعض يتهم أهل السنة بالتشدد فبماذا ترد عليهم ؟
جواب : الواقع أننا أعرف بأنفسنا من غيرنا ، وأن الذي يتهمنا بأننا مقصرون متساهلون أشهد الله أنه هو الصادق ، وإلا نحن نحب أن نكون وسطا لا مقصرين ولا متشددين ، وأنا أنصح الأخ أن يقرأ كتاب " قراع الأسنة في نفي الغلو والتطرف والشذوذ عن أهل السنة " حتى يعرف ، فأين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأين الإيثار عندنا وأين الحرص على التعليم فنحن مقصرون فنسأل الله أن يغفر لنا وأن يتوب علينا )) ا,هـ ( قمع المعاند وزجر الحاقد الحاسد ص 326)
وقال رحمه الله في " غارة الأشرطة على أهل الجهل والسفسطة " ( 1 / 203 ) : (( فالذي يصف أهل السنة بالتساهل ، ونحن أعرف بأنفسنا ، وإن كنا نرى أن التساهل نقيصة ، لكن الذي يصفهم بالتساهل أقرب إلى الصواب من الذي يصفهم بالتشدد )) ا,هـ
وقال العلامة المحدث ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ في " شريط : سبيل النصر والتمكين "
(( إذا رجعنا إلى أحمد بن حنبل و إخوانه نجد الفرق الكبير بيننا و بينهم ، نحن نضعف عن تطبيق المنهج الذي كانوا يسيرون عليه – رضي الله عنهم و رحمهم – لكن نحن في زمان اشتدَّ فيه الضعف و الانحطاط و محاربة هذه الأحكام و لو كانت صواباً ....
الآن أهل المدينة ما يقومون و لا بعشر الواجب الذي قام به أحمد و إخوانه ، و مع ذلك هم متشددون عند هؤلاء الضعفاء مع الأسف الشديد .
فأنا أنصح الآن ، هناك لهجة تمزِّق السلفيين : ( هذا متشدِّد ) ، و( هذا متساهل ) و يبثها أهل البدع ليضربوا السلفيين بعضهم ببعض ، فأنا أنصح السلفيين في كلِّ مكان أن يدرسوا منهج السلف و مواقف السلف لتجتمع كلمتهم على هذا المذهب ، ويتركوا التنابز بالألقاب و القيل و القال فيما بينهم ، ويتفقوا أن يقفوا جميعاً صفاً واحداً في مواجهة البدع بالحجَّة والبرهان و العلم و البيان .
وأنا أعرف الآن أن هناك أناساً يطعنون في أهل المدينة ، فأنصح الجميع أن يتقوا الله – تبارك وتعالى - ، وأن الإسلام لا يطلب منَّا أن نصب الناس كلهم في قالب واحد ، فإذا صدع بالحق شجَّعه – يا أخي- لا تخذله ، و إذا رأيت أخاك ضعيفاً فاصبر عليه ، " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كلٍّ خير " .
إذاكنت مؤمناً ضعيفاً لا تخذل أخاك ، و إذا كان هذا مؤمناً قويًّا فلا يحطم أخاه الضعيف ، فليتماسكوا و ليجعلوا من أنفسهم جماعة واحدة و يتركوا الكلام هذا و يحسموا هذا الباب .
فأنا أنصح الجميع أن يتقوا الله وأن يتآخوا و يتعاونوا على البر والتقوى ، ومن كان قوياً يقول بالحق فلا يعارض ، يشجع و لا يوصم بالتشدد ، فإن هذا أعظم فرصة لأهل البدع.... فالعبارات التي تسقط من بعض الإخوان (متساهل ) أو ( متشدد) تُترك ، إذا كان أخوك يدعوا و عنده شيء من الضعف فلا تخذله و لا تحطمه ، وإذا تشجع أخوك و قال كلمة و صدع بها فلا تفت في عضده ، هذه نصيحة للجمــيع .)) ا. هـ([24])
قلت ( أبو أنس ) : هذا الذي عليه أئمتنا قاطبة أن أهل السنة ليسوا في مصب واحد ولا في درجة واحدة في الإيمان والتمسك بالسنة فمنهم من هو قوي ومنهم من هو ضعيف ، بل أحدنا يضعف ويقوى والإيمان يتقلب عليه والله المستعان ، ولكن الشأن كل الشأن " أن السني : من عرف باتباع الأصول الثابتة : القرآن والسنة وما عليه السلف ، وهذا الاتباع يكون اتباعا ظاهرا وباطنا ويكون شاملا ، ويكون مواليا لمن دان بهذه الأصول الثلاثة وتمسك بها ، ويكون الرجل مبتدعا بمخالفة هذه الأصول الثلاثة مخالفة كلية أو جزئية معلومة في الإسلام يعادي ويوالي من أجلها ، أو يصر على بدعته بعد قيام الحجة عليه "([25]).
قال الشيخ المحدث ربيع المدخلي ـ حفظه الله ـ في " شريط : سبيل النصر والتمكين " : (( و على كل حال أنا أرى أن من ارتكب بدعة واضحة مثل القول بخلق القرآن ، دعاء غير الله ، الذبح لغير الله ، هذا يبدع التبديع الغليظ ، وهذه الأمور من المكفرات لكن لا نكفره حتى نقيم عليه الحجة ، أما التبديع فلا يجوز أن يتردد في الحكم عليه أنه مبتدع ، البدع الواضحة ، القول بخلق القرآن .
ظهر الآن أناس يقولون : القرآن مخلوق ، وما نبدعهم ؟! قالوا : القرآن مصنوع ، ما نبدعهم ؟! بارك الله فيكم ،نبدعهم و لا يجوز الاختلاف على هذه النوعيات ، أو قال : المولد مشروع ، ويحضر الموالد نبدعه و نهجره ، إذا كان ممن يدعو غير الله إذا كان ممن قامت عليه الحجة نكفره ، وإذا كان إنسان جاهل لابدَّ أن نبين له الحق فإن رجع و إلاَّ كفرناه .
التبديع ، لا تتردد في تبديعه ، إذا وجد أحداً يسب الصحابة أو يسب صحابيًّا واحد نقول : مبتدع ، شيعي أو رافضي ، ما نتردد في هذا ، و هذه دلالة على الصدق ، و هناك بدع خفية تخفى على كثير حتى على بعض العلماء
فهذا كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله - : إن كثيراً من السلف و الخلف وقعوا في البدع و يعتذر لهم بأنهم قد أُتوا إما من نصٍّ لم يفهموه من الكتاب و السنَّة ، أو من أثرٍ ضعيف ظنوه صحيحاً ، أو قياسٍ فاسدٍ ظنوه قياساً صحيحاً ، فهؤلاء الذين وقعوا في هذا النوع من البدع الخفية لا نبدعهم ، نبيِّن لهم الحق فإذا أصروا عليه يبدعون ، أنا عندي هذا التفصيل في هذا الأمر ، و نسأل الله أن يفقهنا و إياكم في دينه ، وأن يرزقنا النصح لله و لكتبه ولنبيه و المؤمنين عامة وخاصَّة .)) ا. هـ([26])
فالشيخ مقبل بن هادي الوادعي ـ رحمه الله ـ والشيخ ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ قد عرفا وأنصفا حالهما في دعوتهما إلى الله بمقارنة ما كان عليه سلفنا الصالح من قوة التمسك بالسنة مع ما لديهما من المناقب الحميدة والفضائل الجليلة في نصر السنة وقمع البدعة وأهلها ما ليس لغيرهما ، فما عسانا أن نقول نحن والله نبكي على أنفسنا ونعزيها على ما هي عليه من الضعف والتقصير أضعاف أضعاف مما كان عليه سلفنا الصالح من القوة والصلابة في السنة ، ويا لها من السنة لو أن لها رجالا ، ولا قوة إلا بالله ونسأله أن يتغمدنا برحمته ولطفه .
فانظر وتأمل يا من تدعي القوة والصلابة والعلم هل أحكمت هذا الباب واستوفيت حقه ورعيت حقوقه الواجبة فضلا عن مستحبها على ما كان عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الهدي في حضره وسفره وفي شأنه كله ، وما عليه سار أصحابه وأئمة الحديث من بعده رضي الله عنهم ، أم هي إلا دعوة منك وتقول وتزعم ؟
وإياك وإياك يا أُخي أن تنسب غلوك وشذوذك وجهلك بطريقة الدعوة والإصلاح ، وأحكامك الجائرة الظالمة التي رميت بها أهل السنة وعلى رأسهم أئمتهم إلى سنة نبينا صلى الله عليه وسلم وإلى سلفنا الصالح ؟
فإن زعمت هذا فهذا منك بهت وكذب صريح ، وإلا فتجاهلك لأئمة السنة وخروجك عن طريقتهم التي هم عليها وشذوذك عن فهمهم الأنجع ومنهجهم الأنفع كافي في الحكم عليك بالتقصير والتساهل والتفريط والانفكاك عن الوسطية التي هي من خصائص ومميزات أهل السنة والجماعة يا أبا حاتم ومن كان على شاكلتك([27]) ؟
أما قولك ( ص 09 ) من كتاب " مصباح الظلام " : (( وهذا الكلام من تعميمات ومجملات الشيخ محمد الإمام ـ وفقه الله ـ الأمر الذي جعل كثيرا من القواعد التي يذكرها سندا لأهل البدع والأهواء والتحزبات ... ))
فأقول :
كلام الشيخ ظاهر المعنى واضح الكلمات لا إجمال فيه ولا غرابة ولا إشكال حتى نقول عنه أنه من باب العموميات فيحتاج إلى التفصيل والتقسيم ، وإنما العموميات التي تدعيها يا أباحاتم في كلام الشيخ ما هي إلا من نسج خيالك وضرب من السوفسطائية التي أنت واقع فيها ونوع من التحامل المذموم والتعسف الممقوت ، وإلا فالشيخ قد ضبط الترجمة ،ووضح وبين ما قد يستشكل ، وما نقلته أنت من نصوص القرآن والسنة والآثار السلفية في الذم والتشنيع على من ترك السنة والحث على تمسك بها فهو موضح في ثنايا ترجمة الشيخ بل في عدة من تراجم الكتاب بل الكتاب كله في خدمة هذا الأصل الجليل سواء ما كان منه على سبيل دلالة المنطوق أوالمفهوم أوالتضمن أو اللزوم ، والمتأمل في نقدك للكتاب من أوله إلى أخره ما يجده إلا من نوع الكلام تغني ركته وفساده وما هو عليه من المماحكة عن تكلف رده ، وهو مبني على المكابرة لرد الحق واللجاج في الباطل .
إلا أنه يجدر بنا أن نذكر كلام شيخنا ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ الذي نقله أبوحاتم في بيان أقسام من وقع في البدعة ، الذي يلعن على أبي حاتم بالفضيحة لو كان يعقل وله مسكة الإنصاف ولنستدرك عليه وعلى من سلك مشربه مدى تحريفهم للكلم عن مواضعيه وسوء فهمهم لكلام أئمتنا ووضعه في غير ما وضع له حيث قال الشيخ : (( أما من وقع في بدعة فعلى أقسام:
القسم الأول: أهل البدع كالروافض والخوارج والجهمية والقدرية والمعتزلة والصوفية القبورية والمرجئة ومن يلحق بهم كالأخوان والتبليغ وأمثالهم فهؤلاء لم يشترط السلف إقامة الحجة من أجل الحكم عليهم بالبدعة فالرافضي يقال عنه: مبتدع والخارجي يقال عنه: مبتدع وهكذا، سواء أقيمت عليهم الحجة أم لا.
القسم الثاني: من هو من أهل السنة ووقع في بدعة واضحة كالقول بخلق القرآن أو القدر أو رأي الخوارج وغيرها فهذا يبدع وعليه عمل السلف. .....
القسم الثالث: من كان من أهل السنة ومعروف بتحري الحق ووقع في بدعة خفية فهذا إن كان قد مات فلا يجوز تبديعه بل يذكر بالخير ، وإن كان حياً فيناصح ويبين له الحق ولا يتسرع في تبديعه فإن أصر فيبدع )) ا.هـ([28])
فتعال يا أيها المنصف العاقل واجلس مجلس الحكومة وتوخ بعلمك وعدلك فصل هذه الخصومة ، هؤلاء الذين بدعهم يحيى الحجوري وشعته ـ وهم من خاصة أهل السنة في زماننا وممن عرفوا بخدمة الدين الحنيف والذب عنه ، وتصدِّية لأهل البدع ، بل هم سراج العباد ومنار البلاد وقوام الأمة وينابيع الحكمة ، وهم غيظ للشيطان كم أحيا الله بهم قلوب أهل الحق وأزهق بهم شبه أهل الزيغ ـ في أي قسم هم يصنفون ويلحقون من الأقسام التي ذكرها العلامة المحدث ربيع بن هادي المدخلي ؟
فالحجوري واتباعه يفتعلون ويلصقون بالأبرياء ما يسمّونه حزبيّة،وهم أشدّ الناس محاربة للحزبيّة، ولم يواجه الحزبيّة بعلم وعدل مثل ما وجهوها هؤلاء الأبرياء الأتقياء الأمناء النبلاء، بكشف عوارها، وبيان فساد مناهجها، وكشف عقائد ومناهج زعمائها ، ولكن أبا حاتم يوسف وشيخه يفتعلون لإسقاط أهل الحق أفاعيل وأكاذيب وجهالات وتلبيسات، التي لا تنطلي إلاّ على الهمج والأوغاد ؟، وحاشا أهل السنة والجماعة الحقّة أن يلوّثوا عقولهم ونقاء عقيدتهم بأقذار الأكاذيب التي يتلفقها أهل الباطل ، فالمنهج السّلفيّ قائم في كلّ قضيّة، وفي مواجهة أي باطل، عـلى قـول الله تعالى ((قل هاتوا بُرهانكم إنْ كنتم صادقين )) ([29])، فبها يحصل فصل الخطاب وينكشف لطالب العلم وجه الصواب ، وإلا فخلِّ المطي وحاديها وأعط القوس باريها :
دعِ الهوى لأناسٍ يعرفون به .... قد كابدوا الحب حتى لان أصبعه
ومن عرف قدره ، وعرف لذي الفضل فضله ، فقد قرع باب التوفيق وأخذ بنصيحة الناصح الأمين التي تبرهن مدى تضلعه وتحقيقه وفقهه في مسائل الدين حيث قال ـ رعاه الله ـ([30]):
((فنصيحتي لطلاب العلم أن يعتصموا بالكتاب والسنة وأن ينضبطوا بمنهج السلف في كل ناحية من نواحي دينهم، وخاصة في باب التكفير والتفسيق والتبديع حتى لا يكثر الجدال والخصام في هذه القضايا.
وأوصي الشباب السلفي خاصة بأن يجتنبوا الأسباب التي تثير الأضغان والاختلاف والتفرق الأمور التي أبغضها الله وحذّر منها، وحذّر منها الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام والسلف الصالح، وأن يجتهدوا في إشاعة أسباب المودّة والأخوة فيما بينهم الأمور التي يحبها الله ويحبها رسوله –صلى الله عليه وسلم- ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. )) ا. هـ
وفي الأخير هذه الوقفة أذكر نفسي وإخواني في الله إن نحذر من التساهل والتهاون في تطبيق السنة والعمل بما صح منها وثبت ، وليعلم إن انحراف شخص أو أشخاص يكون في بدء الأمر محصورا في خطأ أو أخطاء تعد على الأصابع ويظهر لغير الخبير بأحوال المخالفين وبأخطار المخالفات أنها صغيرة لا يخشى من ورائها ضررا ، ولكن من خلال دراسة تاريخ الطوائف المنحرفة ومنشأ بدايتها يقف على مكمن الخطورة ومستصعب الأمر
قال العلامة الفقيه البصير أبونصرمحمد الإمام في كتابه " تحذير البشر من أصول الشر " : (( الأصل العشرون:
ميل النفس إلى التساهل في باب التدين والتعبد لله
النفس فيها غريزة على أنها في باب التدين تميل غالباً إلى ما يناسبها، وهذا الميل يؤدي إلى شرور كثيرة ومنها:
1- الوقوع في المعاصي لأن المعاصي تناسب وتلائم النفس ومنع النفس من المعاصي يستدعي المشاقة ويستدعي ملازمة الطاعة فيختار هذا الأسهل في نظره.
2- الوقوع في البدع لأن البدع فيها ترويح للنفس لأن البدع ليس فيها التزام بشرع الله على الوجه الشرعي وإنما يحاول أهل البدع غالباً أن يجروا مع أهواء الناس. فالنفس تميل إليهم لعدم وجود تكليف يشق على النفس في نظرهم.
3- التتبع لرخص العلماء وفتاواهم, فإذا حصل ذلك اجتمع في العبد الشر كله فليحذر المسلم.
4- هذا يؤدي مع الأيام والظروف والأحوال إلى الوقوع في الشركيات والكفريات بل إلى الردة عن الإسلام، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم :((لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة وكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها فأولهن نقضاً الحكم وآخرهن نقضاً الصلاة)) رواه أحمد وغيره عن أبي أمامة رضي الله عنه.
وهذا الصنف جهل حقيقة العبودية لله إذ أن حقيقة العبودية الإخلاص لله وحده والصدق مع الله والثبات على الحق عند الشدائد والنوائب. قال تعالى :{ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً وإذاً لآتيناهم من لدنا أجراً عظيماً ولهديناهم صراطاً مستقيماً} النساء. فأين العبودية لله عند هذا الصنف؟ وجهل هذا الصنف أن الحق كثيراً ما يكون على خلاف ما تميل إليه النفوس، ولهذا حرمت المحرمات مع ميول ورغبة كثير من النفوس فيها وحرمت الوسائل التي توصل إليها.
وجهل هذا الصنف حقيقة الابتلاء والاختبار إذ أن بالوقوف عند الحدود الشرعية وعدم تجاوزها دليل على قوة الإيمان والصلاح والتجاوز لها دليل على الانحراف.
واعلم أن المسلم الذي لا يقبل الحق إلا متى كان يتلاءم مع مصالحه ويتركه متى كان يخالف هواه فهو عابد لنفسه. قال الله :{أ فرأيت من اتخذ إلهه هواه} الجاثية ، فالحذر الحذر من سلوك هذا الطريق المنحرف.)) ا. هـ
الوقفة الثانية

قال الشيخ العلامة النحرير أبونصر محمد بن عبدالله الإمام ـ حفظه الله ـ في كتابه الماتع " الإبانة" (ص 37 / الطبعة الأولى ) : (( لايكون السني ... مبتدعا بسبب وجوده مع فرقة أو حزب لعمل دنيوي مع حبه لأهل السنة واعتقاده عقيدتهم )) وزاد موضحا ذلك في طبعته الثانية ( ص 48 ) فقال : (( مع ابتعاده عن دروسهم ولقاءاتهم الخاصة بهم ، ومع حبه لأهل السنة واعتقاده عقيدتهم وسيره بسيرتهم ))
فهذه الصورة التي ذكرها الشيخ محمد بن عبدالله الإمام حفظه الله قد أقره عليها علماء السنة ، لو كان فيها شيء من النكير أو شيء من المخالفة لأنكروها عليه ، ولحذفها ونبه على وجه المخالفة التي تتضمنها وتحتوي عليها في طبعته الثانية من الكتاب ، فبقاؤها دليل على مصدقيتها ، وإننا والله لنتهم فهمنا وعلمنا في جانب ما لهم من قصب السبق ورسوخ القدم في السنة وسعة إطلاعهم وغيرتهم على السنة ومما يمتزون به من الحنكة والتجربة ولما لهم من النظر الثاقب والفقه الدقيق في معالجة ما عليه أوضاع الأمة الإسلامية في جميع ميادنها وشؤونها وما يسوس و يصلح أحوالها وأحوال أفرداها .
قال الإمام أبوحاتم محمد بن أدريس الرازي ـ رحمه الله ـ (( مذهبنا واختيارنا اتباع رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه والتابعين ومن بعدهم بإحسان ... والتمسك بمذهب أهل الأثر مثل أبي عبد الله أحمد بن حنبل واسحاق بن إبراهيم وأبي عبيد القاسم بن سلام والشافعي ولزوما الكتاب والسنة والذب عن الائمة المتّبعة لآثار السلف واختيار ما اختاره أهل السنة من الائمة في الأمصار مثل مالك بن أنس في المدينة والاوزاعي بالشام والليث بن سعد بمصر وسفيان الثوري وحماد بن زياد بالعراق من الحوادث مما لا يوجد فيه رواية عن النبي صلى الله عليه و سلم والصحابة والتابعين ، وترك رأي الملبسين المموهين المزخرفين الممخرقين الكذابين)) ا. هـ([31])
فيا للعقول السخيفة المسخوف بها بسبب ما استحوذ عليها من الضلال والجهل والعمى أي عبرة بقولها : (( لقد فتح الشيخ محمد الإمام وفقه الله الباب على مصراعيه ـ بهذه القاعدة البدعية الباطلة ..... )) إلى أن قال : (( ثم إن هذا التقعيد البدعي الخطير غير متصور في الواقع ....))إلخ ([32])
فأبوحاتم وأخدانه لا يرون لأئمة السنة حقا ولا حرمة ولا يرقبون فيهم إلا ولا ذمة ولا يرعون فيهم تقوى ولا تقية فضلا أن يكون في كلامهم حق وبقية ، فأبوحاتم يمر بالجبال الرواسي فينفخ ويخيل لنفسه وللجهال أنه قد أزالها أو جعلها هباءا ، والذي جره على ذلك غربة العلم والجهل المركب الذي هو عليه ، وإن عذرناه فهو مبتدئ في ميدان الدعوة ، والعادة أن المبتدئ ـ وهذا في جميع الميادين ـ يكون متحمسا للشيء بشدة لا يزن ما يقول ويفعل ، كيف لا و" فاقد الشيء لا يعطيه " ، و " المرء عدو ما جهله "
وإلا فهذه الصورة التي ذكرها الشيخ لولا وجودها ووقوعها لا ما ذكرها الشيخ، ومن ذلك ما جاء عن العلامة المحدث مقبل بن هادي الوادعي ـ رحمة الله عليه ـ في "غارة الأشراطة على أهل الجهل والسفسطة " ( ج 1 ص 85 ) أنه قال جوابا على بعض الأسئلة : (( أما قولي أخبرني ثقة فأخ يكون في السعودية أو يكون في صنعاء أو يكون في حزب لا يستطيع أن يخرج منه وهو ليس متعاونا معهم لكنهم يعطونه مرتبا ولا يستطيع أن يترك العمل ...)) ا. هـ
فالشيخ محمد الإمام ـ حفظه الباري ـ ما ذكر هذه الصورة وأقره عليها علماء السنة إلا بالسبب ما التمسوه من أحوال الأمة وأفرادها التي أصبح فيها أهل الأهواء هم الأغلبية الساحقة والسلفيون فيهم كشعرة بيضاء في ثور أسود ([33])، وشهود واقعهم على علم وبصيرة ، ولما منّ الله عليهم من سعة العلم وشرف العدل ، وكلما اتسع علم العبد اتسعت رحمته بالخلق ،وكما هو مقرر عند أهل السنة والجماعة أن أهل السنة والجماعة أعلم الناس بالحق ، وأرحمهم بالخلق ([34])، ولهذا تجدهم ينزلون الناس منازلهم على قدر تمسكهم بالسنة وبعدهم عنها ، ويصدرون الأحكام عن عدل وعلم بخلاف ما عليه المطففين في تقويم منازل الناس فتجد منهم من الشطط والإجحاف على حسب ما هم عليه من الحصيلة العلمية ومعرفتهم بالميراث النبوة وما كان عليه سلف الأمة الصالح ، والجهل بذلك ، فالقلوب تغلي بما فيها كالقدور إذا استجمعت غليانا
وإلا فكلام مشايخنا من التحذير من الحزبية وأهلها معلوم مشهور ، بل ما عرفنا الحزبية ومضارها وما هي عليه من الأصول الفاسدة إلا من طريقهم ، فلهم في هذا قصب السبق والفضل ، والشيخ العلامة محمد الإمام له باع طويل في هذا وخريت ماهر في معرفة الفتن العصرية ومؤلفاته تدل على ذلك([35])، ولكن أباحاتم يوسف الجزائري لعناده ومكابرته وتعسفه يصور أشياء ويحمل كلام الشيخ ما لا يحتمل فحاله كحال الذي يطمع في المفقود كما قيل " طارت به العنقاء " ، وإلا فلوازم التي ألزم به الشيخ ما هي إلا لوازم باطلة أراد إلصاقها بأهل السنة والجماعة للطعن فيهم وزعزعة مرجعية أئمتهم التي تثق فيها الأمة ، فلو كان صادقـًا في محاربة التحزّب والتكتّل لعرف يقينـًا بأنّ الذين رماهم هو وجماعته بالحزبية والتميع والبدعة وعلى رأسهم المجاهد القدوة الجهبذ عبيد بن عبدالله الجابري والعلامة المجاهد محمد بن عبدالوهاب والوصابي وغيرهم من إخوانهم حفظهم الله هم الذين يحاربون التحزّب والتكتّل بصدق ، بل لربّما عرف ذلك واستيقنه ، ولكنّ كتمه، وشهد بضدّه زورا .
وإلا فكل عاقل منصف ـ ولله الحمد ـ يشهد أن الشيخ محمدا ما أراد ذكر هذه الصورة إلا لينبه ويذكر أنه إذا وجد سنيا تربطه رابطة دنيوية مع جماعة حزبية يتأنى في أمره ولا يتسرع في تبديعه ، يستفسر في حاله وينصح ويذكر بمضار الحزبية وشؤوم التعاون معهم ، والله إنا نجزم ـ على ما عرفناه من دروس الشيخ وكتاباته السنية المتينة ـ بأن الشيخ لا يرضى بالحزبية ولا بالتعامل معهم ، ولا يقر بالذي يتعامل معهم أو يرضى على ما هو عليه .
وإنما يريد أن يقول : يا سني أخوك السني عليه عليك حقوقا ، ومن بينها أن تنصحه وترأف به وتصبر عليه إذا ضعف ، وأن تعالجه وتراعي أحواله ، وتستفسر عن البواعث التي حملته على أن يتعامل مع ذاك الحزب ، وتعرف ما هو الحامل الذي حمله على ذلك ـ لأنه قد لا يكون ذلك باختياره ـ وتذكره بمضار الحزبية وما يترتب عليها من المخازي في الدنيا والآخرة ، ومن ذلك ما ذكره ـ حفظه الله ـ في كتابه " تحذير البشر من أصول الشر " مبينا مضارها وفضائحها ، حيث قال :(( الأصل الثاني والثلاثون: الاقتراب من أصحاب المعاصي والبدع والتحزب ومن إليهم ، والاقتراب من هذه الأصناف فتنة لكل مفتون،وإذا كان ربنا يحذر نبينا صلى الله عليه وسلم من اتباع أهل الأهواء فمن باب أولى نحن.
قال تعالى : " وأن احكم بينهم بما أنزل الله واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك " [المائدة]، وقال تعالى :"ثم جعلناك شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض " [الجاثية] ، وقال تعالى :"وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذاً لاتخذوك خليلاً ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجدوا لك علينا نصيراً " [الإسراء].
وقد قرب الرسول صلى الله عليه وسلم بيان خطورة مجالسة أصحاب الشر بقوله :" مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً منتنة) " متفق عليه من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
فالاقتراب من أصحاب الفتن والمعاصي سبب لانحراف المقترب منهم إلا أن يشاء الله خصوصاً إذا كان صاحب الشر قوياً لا يرجع عن شره وصاحب الخير ضعيفاً فهنا الغلبة للمبطل إلا أن يشاء الله.
فهذه فتنة عمت المسلمين وطمت ولا تكاد تجد من يحاول الخلاص منها إلا النادر بل لقد صار من المسلمين من يجالس دعاة الزندقة والإلحاد والإجرام بل واليهود والنصارى عبر الشاشات التلفزيونية وعبر الدش والأقمار الصناعية والقنوات الفضائية وغير ذلك.
وصاروا يقرءون كلام الزنادقة ودعاة الأحزاب والبدع ويسمعون دعواتهم عن طريق المجلات والصحف، فما بالك بمن يجالس الأصناف المذكورة لتنفيذ خطط للأعداء.
وعلى كلٍ صارت حياة كثير من المسلمين تنفق في التلقي عن أعداء الله والمتابعة لهم. وأسعد اللقاءات في نظرهم هي اللقاءات بأصحاب الباطل. فأنى ينجوا المسلم من الزيغ والضلال وهو على هذه الحال ،ويمشي على هذا الطريق؟
أيها الأخ المسلم خذ من كلام الناصحين والعلماء الراسخين. قال ابن الجوزي رحمه الله :(قطاع الطرق أربعة، ملحد يشكك في دين الله، ومبتدع يزيغك عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعاص يجيزك على المعاصي، وغافل ينسيك ذكر الله)
وقال ابن القيم رحمه الله في "الفوائد" :(احترز من عدوين هلك بهما أكثر الخلق صاد عن سبيل الله، ومفتون بدنيا ورئاسة)
وقال أيضاً :(اجتنب من يعادي أهل الكتاب والسنة لئلا يعديك جربه).
ولله در من قال:
وصحبة الأشرار داء وعمى ….. تزيد في القلب السقيم السقما
وإليك الدواء لإزالة هذا الداء:
1- يجب على كل مسلم ومسلمة أن يجالس من فيه خير وصلاح إن جهل علمه وإن نسي ذكره وإن غوى أرشده. قال تعالى : " واصبر نفسك مع الذين يدون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا " [الكهف]
وكما في حديث أبي موسى المتقدم قبل.
وقال الشاعر:
وصحبة الأخيار للقلب دواء ….. تزيد في القلب نشاطاً وقوى
2- إن يسر الله لك أن تجالس وتصاحب أهل العلم فهذا فضل الله يختص به من يشاء من عباده. فإنك لا تستغني لحظة واحدة عن هذا الصنف.
3-مخالطة أصحاب الشر من أجل الدنيا لا تكون إلا لضرورة فقط. وتكون باليدين لا بالقلب ، فقد يضطر المسلم إلى الاجتماع بفساق في عمل من الأعمال على حال من الأحوال. فالمرأة قد يكون لها زوج فاجر والعكس. فالبقاء هنا مع الصبر جائز ما لم يصل به الفجور إلى الكفر. ولا يجوز اختيار هذا ابتداء والرجل قد يكون في أسرة فيها أشرار وقد يكون في مكان تعليم فيه منحرفون فالمسلم لا يختار هذه. ولكن تأتي على غير اختياره. فعلى المسلم أن يحذر من قبول ما فيه فساد بل يكون حذراً أشد الحذر من ذلك.
4- مخالطة أهل الشر والفساد واجب كفائي على من يقدر على نصحهم وإرشادهم من أهل العلم والدعاة وطلبة العلم ومن إليهم. قال الرسول لى الله عليه وسلم "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم " رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم عن ابن عمر.
5- مخالطة المسلمين على التعاون على الخير المحض الظاهر من أجل الصلاة في الجمعة والجماعة والأعياد وما أشبه ذلك أمر مطلوب شرعاً مع التحري للأماكن التي يقل فيها الابتداع ويكثر فيها تطبيق السنن والتحري فيما يتعلق بالقائمين عليها وعدم القبول لما خالف الشرع.
أخي المسلم: فإن التزمت بهذه الضوابط أظنك تنجو وإلا فلا نجاة لك ، قال تعالى :"ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً " [الفرقان] )) ا. هـ
وقال حفظه الله في نفس المصدر :
(( الأصل الخامس والأربعون: الحزبية: تحزب المسلم ضد المسلم
التحزب في الإسلام وهو الانتماء إلى أشخاص أو فرق داخل الأمة المسلمة. والإسلام قد حرم التحزب تحريماً قطعياً ولا خلاف بين سلف الأمة ومن تبعهم بإحسان في تحريم التحزب. والأدلة على تحريمه كثيرة وواضحة. قال تعالى :{إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شي} [الأنعام].
اعلم أخي المسلم أن التحزب في الإسلام قد طغى على أهله حتى قالوا لا عمل للإسلام إلا بتحزب فضيقوا ما كان واسعاً والعكس هو الصواب. واعتقلوا الإسلام بأفكارهم وقواعدهم وأثمروا للأمة أنواعاً من الأمراض الخطيرة.
وإليك بعضاً من تلك العواقب الوخيمة:
1- عقد الولاء والبراء من أجل الحزبية. وهذا هدم للإسلام فإن دين المسلم إنما يقوم على صحة الولاء والبراء لله ولرسوله وللمؤمنين. فالمتحزبون يوالون من دخل في حزبهم ويعادون من لم يدخل فيه. وهذا منهم عين المحادة والمشاقة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى :{ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً} [النساء].
2- هذه الأحزاب تتبنى قواعد وأصولاً تخالف أصول السلف ومن ذلك. أنها تقوم على التنظيم السري المحتوي على مفاسد عظيمة مخفية عن المسلمين فيظهر أصحاب الأحزاب هذا للمسلمين أنهم على الحق وأنهم ينصرون الإسلام وأهله وهم على خلاف ذلك. وهذا من النفاق بمكان. فأساس الحزبيات هذه أنها تقوم على النفاق الكلي أو الجزئي.
3- فتح باب التحزب في الإسلام أدى إلى قيام أحزاب علمانية باسم التحزب للإسلام. وهذا يعرفه من له إلمام بالواقع. وهذا فيه من الخطر ما لا يجهله مسلم عاقل.
4- في هذه التحزبات تحجيم للإسلام بحيث لا يفهم الإسلام إلا بفهمها ولا ينظر إليه إلا بعينها ولا يسمع إلا بإذنها فتكون النتيجة الحقة هي التجمع للحزب والعمل للحزب والدفاع عن الحزب. والإسلام في معزل عن النصرة والقيام به.
5- الأحزاب في داخل الأمة تركز كثيراً على أمور وتترك ما هو أهم منها فهي تركز كثيراً على أمور السياسة وتهمل أمور التوحيد والتربية على العقيدة الصافية النقية السلفية فتضيع أوقات أفرادها وتقتل أوقات الشباب بالحماس لهذه الأشياء وغالباً لا يتحقق من هذه إلا زيادة الفتن في أوساط المسلمين.
6- هذه الأحزاب سبب لجهل الأمة بالأخطار المحدقة بها. فإن هذه الأحزاب تشغل المسلمين بمصالحها ومطالبها وتحجب عنهم معرفة أخطائهم وما ينبغي أن تقوم به الأمة.
7- بالرغم ما تعانيه الأمة الإسلامية من ضعف ووهن وتفرق وتمزق مثخن تحتاج إلى من يعالجها إلا أن أصحاب التحزبات ذهبوا إلى زيادة إضعافها وتمزيقها وذلك بسبب فتح أبواب التحزبات من قبلهم ودخولهم فيها. ومن بلاء هذه الأحزاب أيضاً أن الحزب ينقسم إلى أحزاب فهو تمزيق مستمر وهزائم متلاحقة بالأمة من قبل هذه الأحزاب.
8- التحزبات داخل الإسلام مبيدة للأخوة الإسلامية ومدمرة لها ومن يجهل هذا؟
فالأخوة الإسلامية التي هي قوة الإسلام والمسلمين وعز لهم وقدرة على مواجهة أعدائهم قضت عليها هذه التحزبات. ولا يخفى عليك خطر هذا.
9- وجود الأحزاب في داخل أمة الإسلام تمكين للأعداء من المسلمين باستمرار فهذه الأضرار وأمثالها بسبب التحزب في الإسلام تدل على شؤم هذه الحزبيات. وأنها تحمل لنا السم الزعاف علمنا ذلك أم جهلناه. ومن هنا تكون قد أدركت معي حقاً أن الحزبية لا خير فيها. فلعلك قد اشتقت إلى المخرج من هذه المعضلة.
وإليك بيان موجز لحقيقة المخرج:
أ- يجب على كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها أن يتحزب للإسلام. والتحزب للإسلام يكون بأمرين:
أحدهما: بالحرص على إدخال الكفار في الإسلام.
الثاني: يكون بترك المسلم الانتماء إلى الأحزاب والفرق المبتدعة الضالة وينتمي إلى الإسلام نفسه ـ القرآن والسنة المطهرة ـ على ما كان عليه سلف الأمة ومن تبعهم بإحسان.
ب- الواجب على كل مسلم قدر استطاعته أن يحرص على جمع كلمة المسلمين على الإسلام الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته. فإن البدع والتحزبات إنما حدثت بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم وموت كثير من كبار الصحابة. فكل ما أحدث من بعد ذلك مما أدى إلى تمزيق الأمة. فالواجب أن نرفضه كما رفضه الرسول صلى الله عليه وسلم وكما رفضه السلف. فلو عملنا بهذا لاندحرت هذه الفرق والأحزاب وضعفت شوكتها وقويت جماعة المسلمين ، الأم ، وأمة الإسلام، وحزب الله.
وهذا يحتاج له إلى إخلاص لله وصدق مع الله وقبل هذا إلى فقه في الدين فالطريق شاق ولكن عواقبه أحلى من العسل. والله خير الناصرين لعباده وأوليائه.
1- على من قدر من الدعاة والعلماء أن يكشف للمسلمين الأخطار التي في تحزب المسلم ضد أخيه المسلم فليفعل.
2- الذين دخلوا في التحزبات بحسن الظن عليهم أن يرجعوا إلى علماء المسلمين وليسألوهم عن فعلهم فإن حسن الظن لا يكفي وعليهم إذا وضح لهم الحق المفارقة للحزب الذي ينتمون إليه في داخل أمة الإسلام.
3- على أهل السنة أن يوضحوا للناس بأقوالهم وأفعالهم ماذا في التمسك بما كان عليه السلف الصالح من منافع عظيمة، والله المستعان.)) ا. هـ

الوقفة الثالثة

قال العلامة محمد الإمام حفظه الله في كتابه " الإبانة " ( ص 37 / ط 1 ) ومن ( ط 2 / ص 48 ) : (( لا يكون السني ... مبتدعا ولا حزبيا بسبب حصول الانتصار لشيخ من مشايخ أهل السنة فإن وصل به الانتصار إلى حد التعصب بالخطأ فيلام على ذلك ))
أقول :
قد ذكر الشيخ حفظه الله هذه الصورة في ثنايا ترجمة " متى يكون الرجل من أهل السنة ؟ وبم يخرج عنهم ؟ " مبينا وموضحا ـ حفظه الله ـ " أن من عُرف باتباع القرآن والسنة وما عليه السلف ، وهذا الاتباع يكون اتباعا ظاهرا وباطنا ويكون شاملا ، ويكون مواليا لمن دان بهذه الأصول الثلاثة وتمسك به " ([36]) ، قد يحصل منه انتصار لشيخ من مشايخه أو لمذهبه ، حتى يصل حد هذا الانتصار إلى التعصب بالخطأ ([37])، فإن وقع منه ذلك ينصح بل ويلام على هذا ، و يتأنى في أمره ولا يتجسر ويتجرأ عليه بالتبديع وإخراجه من دائرة السنة بمجرد هذا الانتصار، وهذا من فقه الشيخ الدقيق وسعة علمه ـ حفظه الله ـ
وذلك لما هو مقرر ومعلوم عند أهل السنة والجماعة ـ ولا شك ـ " أن الله عز وجل قضى وأراد الاختلاف كونا كما قال الله تعالى (( ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك )) هود 118 ـ 119 ، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ... فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا )) ([38]) ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة )) ([39])
وهذا الخلاف لا يختص بالمسلمين وأهل الملل، بل وأيضا المنتسبين للسنة لابد أن يقع بينهم تنازع واختلاف
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في" مجموع الفتاوى" (ج 4 / ص 167) (( فَلَا بُدَّ فِي الطَّوَائِفِ الْمُنْتَسِبَةِ إلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنْ نَوْعِ تَنَازُعٍ لَكِنْ لَا بُدَّ فِيهِمْ مِنْ طَائِفَةٍ تَعْتَصِمُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ تَنَازُعٌ وَاخْتِلَافٌ لَكِنَّهُ لَا يَزَالُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ طَائِفَةٌ قَائِمَةٌ بِالْحَقِّ لَا يَضُرُّهَا مَنْ خَالَفَهَا وَلَا مَنْ خَذَلَهَا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ .)) ا. هـ
وهذا الخلاف وإن شاءه الله وأراده إرادة كونية قدرية ، لكنه لا يحبه جل في علاه
قال أبومحمد ابن حزم ـ رحمه الله ـ في " الإحكام في أصول الأحكام " ( 5 / 64 ) (( وقد نص تعالى على أن الاختلاف ليس من عنده ، ومعنى ذلك أنه تعالى لم يرضي به ، وإنما أراده تعالى إرادة كون ، كما أراد كون كفر وسائر المعاصي )) ا. هـ
فإذا كان الأمر كذلك ، فلا يمكن لمسلم أن يرضى بالخلاف كما أنه لا يمكن أن يرضى بالكفر والمعاصي "([40]) ، فما يكون منه إلا أن يسعى لحسم مادة الخلاف وسد السبل المؤدية إليه "ويبادر إلى ردم فجواته وسد أبوابه واستئصال جذوره وقطع فروعه"([41]) ، ولله در الطبيب الماهر البصير محمد الإمام ـ حفظه ربي ـ فقد شخص الداء ووضع الدواء ، وعلم أن من أكبر أسباب الخلاف والاختلاف في الأمة الإسلامية ما كان من قبيل انتصار طلبة العلم والعامة لمشايخهم ومذاهبهم ـ وقل من يسلم من هذا ـ فما كان منه جزاه الله خيرا إلا أن نبه على هذه المسألة العظيمة ، وقد عقد لها فصلا مستقلا كاملا حوي على عدة تراجم تبينها وتوضحها في أحسن وأكمل الوضوح حيث قال : " الفصل الثاني : الخلاف بين أهل السنة وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم في معالجته وذكر بعض قواعده وضوابطه " ، بل حتى الفصل الثالث من الكتاب يخدم هذا الغرض الأسمى والمقصد الأعلى وهو قوله :
" كيفية التعامل مع علماء السنة في اختلافهم في المسائل الاجتهادية " ، بل ما كان الغرض من تأليف الكتاب إلا لهذا المقصد والمرمى كما يدل على ذلك عنوانه والمادة العلمية الأثرية المطروحة في ثنايا صفحاته الغراء .
ثم يا للعجب بعد هذا كله يأتي أبوحاتم يوسف الجزائري فيقول في كتابه الظلام " مصباح الظلام " ( ص 28 ) : (( هذه قاعدة أخرى من تأصيلات الشيخ محمد الإمام ـ وفقه الله ـ الخطيرة والتي أفرحت الحزبيين والمتعصبين وقرت بها أعين المناوئين )) ا.هـ
فأقول مبينا لهذه السوفسطائية الواهية والتخمينات البائرة
هذا منك تهمة باطلة وفرية كاذبة وبهتان عظيم ، وما حقيقة بضاعتك إلا من جنس من يتكلم في مسائل الدين بالظنون وما تهوى الأنفس وما يرجحه متبوعه وإن لم يكن معه برهان يعول عليه ولا دليل يتمسك به ولا تحقيق يطمأن له والذي يوضح ذلك ما يلي
أولا : لا يزال أهل العلم وطلبته يتكلمون في المسائل العلمية ، وينتصرون لمسائلهم ولهم في هذا مدارس ومذاهب واتباع ونصراء فيما رجحته قرائحهم وأدركته مفاهمهم من العلوم ، واَللّه تعالى قد فاوت بَينَ النّاسِ في قوَى الْأذهَان ، كما فاوت بينَهم في قوى الْأبْدان، ولهذا تجد بينهم من الخلاف ما هو بائن ، وللهوى في هذا المسلك مكائد ومصائد خفية قد يقع فيها فضلاء الأمة وأئمتها نهيك عن طلابهم ومن يؤمن من هذا؟ والإنصاف في مثل هذه المواطن عزيز والله المستعان
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى " (ج 24 / ص 153) : (( … وَالْحَدِيثُ الَّذِي يَرْوِيهِ زَيْدٌ العمي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : " إنَّا مَعَاشِرَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّا نُسَافِر فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ وَمِنَّا الْمُتِمُّ وَمِنَّا الْمُقْصِرُ فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُتِمُّ عَلَى الْمُقْصِرِ "، هُوَ كَذِبٌ بِلَا رَيْبٍ وَزَيْدٌ العمي مِمَّنْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ مَتْرُوكٌ وَالثَّابِتُ عَنْ أَنَسٍ إنَّمَا هُوَ فِي الصَّوْمِ . وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ فِي السَّفَرِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَ فُرَادَى ؛ بَلْ كَانُوا يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَصُومُ وَقَدْ يُفْطِرُ فَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ الْكَذِبِ وَإِنْ كَانَ البيهقي رَوَى هَذَا فَهَذَا مِمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ وَرَآهُ أَهْلُ الْعِلْمِ لَا يَسْتَوْفِي الْآثَارَ الَّتِي لِمُخَالِفِيهِ كَمَا يَسْتَوْفِي الْآثَارَ الَّتِي لَهُ وَأَنَّهُ يَحْتَجُّ بِآثَارٍ لَوْ احْتَجَّ بِهَا مُخَالِفُوهُ لَأَظْهَرَ ضَعْفَهَا وَقَدَحَ فِيهَا وَإِنَّمَا أَوْقَعَهُ فِي هَذَا - مَعَ عِلْمِهِ وَدِينِهِ - مَا أَوْقَعَ أَمْثَالَهُ مِمَّنْ يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَ آثَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَافِقَةً لِقَوْلِ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ دُونَ آخَرَ . فَمَنْ سَلَكَ هَذِهِ السَّبِيلَ دُحِضَتْ حُجَجُهُ وَظَهَرَ عَلَيْهِ نَوْعٌ مِنْ التَّعَصُّبِ بِغَيْرِ الْحَقِّ كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ مَنْ يَجْمَعُ الْآثَارَ وَيَتَأَوَّلُهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ بِتَأْوِيلَاتٍ يُبَيِّنُ فَسَادَهَا لِتُوَافِقَ الْقَوْلَ الَّذِي يَنْصُرُهُ كَمَا يَفْعَلُهُ صَاحِبُ شَرْحِ الْآثَارِ أَبُو جَعْفَرٍ مَعَ أَنَّهُ يَرْوِي مِنْ الْآثَارِ أَكْثَرَ مِمَّا يَرْوِي البيهقي ؛ لَكِنَّ البيهقي يُنَقِّي الْآثَارَ وَيُمَيِّزُ بَيْنَ صَحِيحِهَا وَسَقِيمِهَا أَكْثَرَ مِنْ الطَّحَاوِي )) ا. هـ
وقد نقل الشيخ محمد الإمام في كتابه " الإبانة " جملة مفيدة كافية شافية عن أئمة السنة في بيان هذا الأمر ، وكان أولى بأبي حاتم يوسف الجزائري وغيره أن يقف عند قنطرته ولا يجاوزه فيسقط في الهوية فتستحكم فيه الغواية ، إن كان له مسكة العقل وممن يتحلى بالتقوى والإنصاف.
وإلا " ما أنت بالحكـم التُّرْضَى حـكومَتُه …... ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل "
قال الشيخ أبونصر محمد ـ حفظه الله ـ([42]) : (( وقال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم " 2 / 267 ـ 268
( وهاهنا أمرٌ خفيٌّ ينبغي التَّفطُّن له ، وهو أنَّ كثيراً من أئمَّةِ الدِّينِ قد يقولُ قولاً مرجوحاً ويكون مجتهداً فيه ، مأجوراً على اجتهاده فيه ، موضوعاً عنه خطؤه فيهِ ، ولا يكونُ المنتصِرُ لمقالته تلك بمنْزلته في هذه الدَّرجة ؛ لأنَّه قد لا ينتصِرُ لهذا القولِ إلاَّ لكونِ متبوعه قد قاله ، بحيث أنَّه لو قاله غيرُه من أئمَّة الدِّينِ ، لما قبِلَهُ ولا انتصر له ، ولا والى من وافقه ، ولا عادى من خالفه ، وهو مع هذا يظن أنَّه إنَّما انتصر للحقِّ بمنْزلة متبوعه ، وليس كذلك ، فإنَّ متبوعه إنَّما كان قصدُه الانتصارَ للحقِّ ، وإنْ أخطأ في اجتهاده ، وأمَّا هذا التَّابعُ ، فقد شابَ انتصارَه لما يظنُّه الحقَّ إرادة علوِّ متبوعه ، وظهور كلمته ، وأنْ لا يُنسَبَ إلى الخطأ ، وهذه دسيسةٌ تَقْدَحُ في قصد الانتصار للحقِّ ، فافهم هذا ، فإنَّه فَهْمٌ عظيم ، والله يهدي مَنْ يشاء إلى صراطٍ مستقيم ) .
وقال الشوكاني في " أدب الطلب " ( ص 81 ) ( وكثيرا ما تجد الرجلين المنصفين من أهل العلم قد تباريا في مسألة وتعارضا في بحث فبحث كل واحد منهما عن أدلة ما ذهب إليه فجاءا بالمتردية والنطيحة على علم منه بأن الحق في الجانب الآخر وأن ما جاء به لا يسمن ولا يغني من جوع
وهذا نوع من التعصب دقيق جدا يقع فيه كثير من أهل الإنصاف ولا سيما إذا كان بمحضر من الناس وأنه لا يرجع المبطل إلى الحق إلا في أندر الأحوال وغالب وقوع هذا في مجالس الدرس ومجامع أهل العلم)
وقال الشيخ صديق بن حسن القنوجي في " أبجد العلوم" 1 / 362
( وأهم ما يحصل لك : أن تكون منصفا غير متعصب في شيء من هذه الشريعة فلا تمحق بركتها بالتعصب لعالم من علماء الإسلام بأن تجعل رأيه واجتهاده حجة عليك وعلى سائر العباد فإنه وإن فضلك بنوع من العلم وفاق عليك بمدرك من الفهم فهو لم يخرج بذلك عن كونه محكوما عليه متعبدا بما أنت متعبد به بل الواجب عليك أن تعترف له بالسبق وعلو الدرجة اللائقة به في العلم معتقدا أن ذلك هو الذي لا يجب عليه غيره ولا يلزمه سواه وليس لك أن تعتقد أن صوابه صواب لك أو خطأه خطأ عليك بل عليك بالاجتهاد والجد حتى تبلغ إلى ما بلغ إليه من أخذ الأحكام الشرعية من ذلك المعدن الذي لا معدن سواه والموطن الذي هو أول الفكر وآخر العمل فإذا وطنت نفسك على الإنصاف وعدم التعصب لمذهب من المذاهب ولا لعالم من العلماء فقد فزت بأعظم فوائد العلم وربحت بأنفس فرائده ) )) ا. هـ
ثانيا : لا يرد قول الحق بمجرد كون أهل البدع والتحزب قالوه أو تمسكوا به ، فلو أخذنا بزبالات فهم أبي حاتم ومن سلك مسلكه ، لترك أهل السنة جميع سنتهم التي سار عليها سلفهم الصالح ، لأنه ما من صاحب بدعة إلا وله حظ من تمسك بالسنة على قدر قربه منها
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في " مدارج السالكين " ( ص 202 ) : (( فلا يضرب كتاب الله بعضه ببعض ولا يرد القرآن بمجرد كون المعتزلة قالوه ـ فعل أهل الهوى والتعصب ـ بل نقبل الحق ممن قاله ويرد الباطل على من قاله )) ا.هـ
وما من صاحب البدعة إلا ويدعي لنحلته الأحقية وأنها هي التي على الصراط المستقيم ونهج المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلم وأن مخالفها ممن تنكب عن طريقتها .
قال الإمام أبوالمظفر السمعاني ـ رحمه الله ـ : ([43]) (( كل فريق من المبتدعة يعتقد أن ما يقوله هو الحق الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، لأن كلهم يدعون شريعة الإسلام ملتزمون في الظاهر شعارها يرون أن ما جاء به محمد هو الحق غير أن الطرق تفرقت بهم بعد ذلك وأحدثوا في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فزعم كل فريق أنه هو المتمسك بشريعة الإسلام وأن الحق الذي قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يعتقده وينتحله ))
قلت ( أبو أنس ) : فإذا كان المبتدع يدعي هذه الدعوة العريضة الطويلة ، فهو لابد أن يتكلف لكي يستدل بأدلة الكتاب والسنة وآثار سلف الأمة على خصوص مسائلهم ، وإلا طرحت دعواه ، ثم هو في استدلاله بهذه الأدلة ليس استدلاله ونظره ، استدلال ونظر المستبصر ، بل نظر من حكم بالهوى ، ثم أتى بالدليل كالشاهد له ([44])، أم السني الخالص ضد هذا ، فعمدته طلب الحق من الأدلة ، فهناك بون شاسع بين السني والمبتدع في طريقة الاستدلال والتدليل والفهم في مثل هذه المسائل التي تشتبه ويخفى حقيقة فهمها السليم وإعمالها الإعمال الصحيح على من قل نصيبه من العلم الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا نجعل الفهم الأعوج والتطبيق الأعرج الذي عليه أهل البدع حجة في رد الحق الذي مع أهل السنة والجماعة ، ورحم الله الإمام أباالمظفر السمعاني إذ يقول : (( غير أن الله تعالى أبى أن يكون الحق والعقيدة الصحيحة إلا مع أهل الحديث والآثار لأنهم أخذوا دينهم وعقائدهم خلفا عن سلف وقرنا عن قرن إلى أن انتهوا إلى التابعين وأخذه التابعون عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأخذه أصحاب رسول الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا طريق إلى معرفة ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس من الدين المستقيم والصراط القويم إلا هذا الطريق الذي سلكه أصحاب الحديث
وأما سائر الفرق فطلبوا الدين لا بطريقه لأنهم رجعوا إلى معقولهم وخواطرهم وآرائهم فطلبوا الدين من قبله فإذا سمعوا شيئا من الكتاب والسنة عرضوه على معيار عقولهم فإن استقام قبلوه وإن لم يستقم في ميزان عقولهم ردوه فإن اضطروا إلى قبوله حرفوه بالتأويلات البعيدة والمعاني المستكرهة فحادوا عن الحق وزاغوا عنه ونبذوا الدين وراء ظهورهم وجعلوا السنة تحت أقدامهم .
وأما أهل السنة فجعلوا الكتاب والسنة إمامهم وطلبوا الدين من قبلهما وما وقع لهم من معقولهم وخواطرهم عرضوه على الكتاب والسنة فإن وجدوه موافقا لهما قبلوه وشكروا الله تعالى حيث أراهم ذلك ووقفهم عليه وإن وجدوه مخالفا لهما تركوا ما وقع لهم وأقبلوا على الكتاب والسنة ، ورجعوا بالتهمة على أنفسهم فإن الكتاب والسنة لا يهديان إلا إلى الحق ورأي الإنسان قد يكون حقا وقد يكون باطلا وهذا معنى قول أبي سليمان الداراني وهو وأحد زمانه في المعرفة :"ما حدثتني نفسي بشيء إلا طلبت عليه شاهدين من الكتاب والسنة فإن أتى بهما وإلا رددته")) ا. هـ


كاتب الموضوع
أبوأنس بشير الجزائري
مشاركات: 77
اشترك في: صفر 1436

رد: صيانة كتاب " الإبانة " من مماحكات وتعسفات يوسف بن العيد الجزائري الهجينة

مشاركة بواسطة أبوأنس بشير الجزائري »

والذي يفصل محل الخصومة ومحك اللجاجة ويوضح ما يشتبه على زُّمَّل في هذه المسألة أن نقف وقفة يسيرة مع
الأمر الثالث: إن في كلام الفقيه النحرير أبي نصر محمد الإمام :" أن من انتصر لشيخ من مشايخ السنة حتى يصل به الانتصار إلى حد التعصب بالخطأ فيلام على ذلك"، نكتة لطيفة ، وإشارة مفيدة ، وفيصل بين السني وبين البدعي ، وفارق بين أهل التصفية والتربية وبين أهل التجميع والتمييع في اعتذار للمخطئ ومداهنته على أخطائه كائنا من كان ، وذلك أن الشيخ محمدا أثبت وقرر أن من تعصب للخطأ يلام على فعلته هذه ، واللوم ما يقع إلا على ما يقبح فعله ويستنكر ، فهل نجد في كلام الشيخ هنا دلالة على إقرار المخطئ على خطئه ومداهنته عليه ؟ حتى نقول أن كلامه يخدم الحزبية المقيتة والولاء والبراء الضيق ؟
والله هذا عجيب من صاحب كتاب " مصباح الظلام " في تحميل كلام الشيخ ما لا يحتمله ، بل ولا يقارب ما فهموه منه وإليه حرفوه قدر أنملة ، بل أكبر من ذلك فهو حرب على أصحاب قاعدة " المعذرة والتعاون " ، و " المنهج الأفيح " وما تفرع عنها من العبارات البائرة ، والتأصيلات الكاسدة التي عليها المأربية والحلبية ، والذي يوضح هذا : أن منهج أهل السنة والجماعة مبني وقائم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،الذي به ميز الله عز وجل أمة محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم ، وهذه الميزة هي التي تستدعي من أصحاب هذا المنهج القويم قيام بحراسة منهجهم وبيتهم حراسة دخلية وحراسة خارجية ، بل حراستهم من الداخل أشد ولهذا قد عقد الشيخ الفاضل العلامة محمد الإمام لهذا الأصل ترجمة فقال " بم تحرس دعوة أهل السنة ؟"([45] ) ، أما أهل منهج التجميع والتمييع والتكتيل فهم على نقيض من ذلك فقاعدتهم " المعذرة والتعاون = نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه " تقتضي إعذار الطوائف البدعية وتسويغ خلافها ، وإقرار الجميع على ما هم عليه ، كما يقر العلماء في مسائل الاجتهاد التي يسوغ فيها الخلاف([46]) ، وميزانهم هذا لا يمشي ويتماشى مع ما قرره الشيخ من نصح المخطئ بل ولومه على ذلك .
إلا أنه لابد أن ننتبه لأمر مهم نبه عليه الشيخ في هذه الصورة وهذا من بركة علمه وقوة تأصيله ومتانة فهمه لمنهج أهل السنة والجماعة الذي سار عليه سلف الأمة الصالح ، وهو ليس من الشرع ولا من العقل أن نسوي في مثل هذه الأحكام بين الصالح و الطالح ، و بين السني والمبدع ، وبين من علت منزلته في السنة وبين من هو في حضيض البدع وشهوات الدنيا مغموسا
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي ـ رحمه الله ـ في " أضواء البيان " (ج 4 / ص 184) : (( قد نفى الله سبحانه عن حكمه وحكمته التسوية بين المختلفين في الحكم، فقال تعالى: " أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ " وأخبر أن هذا حكم باطل في الفطر والعقول، لا تليق نسبته إلى سبحانه. وقال تعالى: " أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ " ، وقال تعالى: " أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ" أفلا تراه كيف ذكر العقول، ونبه الفطر بما أودع فيها من إعطاء النظير حكم نظيره، وعدم التسوية بين الشيء ومخالفه في الحكم. )) ا. هـ
قال الشيخ الفاضل أبونصر محمد في " الإبانة " ( ص 134 ـ 135 / ط 2 ) : قال ابن القيم رحمه الله في " مفتاح دار السعادة " ( 1 / 529 ) : (( من قواعد الشرع والحكمة أيضا أن من كثرت حسناته وعظمت وكان له في الإسلام تأثير ظاهر فإنه يحتمل له ما لا يحتمل لغيره ويعفي عنه مالا يعفي عن غيره ))
وبعد أن ذكر الأدلة على ما قال في نفس المصدر ( 1 / 531 ) : (( وهذا أمر معلوم عند الناس مستقر في فطرهم أن من له ألوف من الحسنات فإنه يسامح بالسيئة والسيئتين ونحوها ، حتى أنه ليختلج داعي عقوبته على إساءته وداعي شكره على إحسانه فيغلب داعي الشكر لداعي العقوبة
وقال شيخنا الوادعي في تقديمه لتحقيق كتاب " بلوغ المنى " ( 10 ـ 11 ) : (( والعالم إذا أخطأ وله فضائل غمرت أخطأؤه في فضائله ، وما من أحد من العلماء إلا وله أخطاء ، وكما قيل : لكل جواد كبوة ، ولكل صارم نبوة ولقد أحسن من قال :
من الذي ما ساء قط .... ومن له الحسنى فقط
وقال :
ومن ذا ترضى سجاياه كلها .... كفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه )) ا.هـ
رابعا : إن المنهج الذي بنى عليه يوسف بن صالح الجزائري نقده لكتاب " الإبانة " في هذه المسألة ،بل في كله ، تهدر أركانه وتطير به الرياح ، لأنه مبني على شفا جرف هار ، وهو عند التحقيق ما تجد مادته إلا التحامل والمكابرة فهو ليس فيه بمصيب ولم يظفر من فهم أئمة السنة بأدنى نصيب ، ما هو إلا من قبيل " رمتني بدائها وانسلت "
وذلك أن يحيى الحجوري قد حمل حملة شرسة في طعنه وتحزيبه وتبديعه جلة فاضلة من علماء الأمة ، فنصح في ذلك مرات وكرات ولكن أبى و أصر في عناده وغطرسته وجند لذلك اتباع لنصرته على باطله ، وأتوا بمنهج مخالف لما عليه منهج أهل السنة والجماعة في الفهم والاستدلال ، ودليل على ذلك نقضهم للمنهج الذي عليه كتاب " الإبانة " الذي اجتمع في تصديقه وتصويبه نخبة فاضلة من علماء السنة وخيارهم في هذا الزمان ممن يرجع إليهم في النوازل وفي فهم الكتاب والسنة ،أما يوسف الجزائري وأخدانه لم يتعبوا انفسهم للطعن فيه ورمه بالتمييع وخدمة الحزبية ، ونهيك عن المخالفات العقدية والمنهجية التي انتقدت على يحيى الحجوري ـ هداه الله ـ ، فما كان منه إلا أن يتمادى في باطله العاطل ومنهجه الباطل ، وذهب اتباعه يهونون مما ارتكبه من الإفك والمخالفات ، ويرون كلامه حق ، ويتعصبون له بالباطل والإفك ، وقد ظهر هذا جليا في اتباعه ومن ابرزهم يوسف بن صالح الجزائري ، فلشدة تعصبه لشيخه وحسن الظن الزائد به منعه ذلك من التفتيش ما عليه معظمه ومتبوعه من الباطل والتبس عليه الأمر فاصبح يرى المساوىء محاسنا والعيوب كمالا
فعين الرضى عن كل عيب كليلة ...كما أن عين السخط تبدي المساويا
فحمله هذا التعصب المذموم والتقليد المشؤوم على أن يبرز كلام الشيخ محمد الإمام بضدّ مقصوده ومنطوقه ومفهومه ؟!!
وجعل كل من سار على منهج السلف الصالح في الدعوة إلى الله وإلى الاجتماع والإصلاح ونبذ الفرقة والاختلاف فهو مميع ، ويؤصل تأصيلات باطلة تخدم حزب بني مرعي ،وعنده إذا وقع سني في خطأ فضلا أن يكون عالما فلا بدّ من سحقه وإهانته وحربه وعداوته، ولا يجوز أن يلتمس له أيّ عذر، ومن ألتمس له العذر فهو واقع في التعصب المذموم والحزبية المقيتة والولاء والبراء الضيق .
وحاله في هذا الركام الذي جمعه في هذا الكتاب ، إلا كحال فالح الحربي الحدادي ،فمنهج الفتى في نقده لكتاب " الإبانة " يذكر بمنهج فالح الحربي في نقده لمشايخ السنة وعلى رأسهم الوالد الإمام ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ شبرا بشبر ، فما كان من المجاهد الناقد ربيع السنة إلا أن يزهق أباطيله البائرة ويكشف بضاعته الكاسدة ، فقال في( النهج الثابت الرشيد في إبطال دَعَاوَى فالح فيما سماه بـ " إشراع الأسنة " و " التحقيق السديد " / الحلقة الأولى ) : (( .... وفالح أطال في نقل كلام العلماء التي ينزلها في غير منازلها ، ولا داعي لتأليف هذا الكتاب - أصلاً - فضلاً عن إكثار النقل فيه للتشبع به ، ولكن الرجل له أغراض رديئة أشرنا إلى بعضها فيما سلف ... وفالح أكثر من النقل جدًا ليوهم الناس أن ربيعًا خالف أهل العلم المنقول عنهم ؛ مع أن ربيعًا هو الموافق مائة في المائة لهؤلاء العلماء في التقليد والاتباع والاجتهاد وغيرها من الأمور العقدية والمنهجية والعلمية .
قال ابن عبد الهادي في السبكي : " وإنما مقصود هذا المعترض تكثير الكلام وجمع ما أمكن ليعظم حجم الكتاب " .
وفالح شابه السبكي في مقصوده وفعله ليعظم حجم كتابه ([47])، على أن السبكي عالم غلب عليه الهوى ، وفالح جاهل غلب عليه الهوى .
ولو كان عند فالح أدنى مسكة من عقل لردعه كلام ابن عبد الهادي عن تأليف هذا الكتاب الذي لم يستح أن يسلك فيه مسلك السبكي في الخلط والخبط ، والتخليط والتلبيس ... إلى آخر ما وصف به ابن عبد الهادي عمل السبكي...
لقد نقل فيه عن العلماء أقوالاً كثيرة ؛ منها ما يفهمه ومنها ما لا يفهمه ، وليس فيها أي رد عليَّ لا من قريب ولا بعيد ؛ لأني على منهج أئمة الإسلام في الاجتهاد والاتباع والتقليد وغير ذلك ، فتأليفه لهذا الكتاب باسم الرد على ربيع مبني على شفا جرف هار ، ومن فعل السفهاء الجهلة الذين يضعون الأمور في غير مواضعها فانهار بناؤه وطوَّح به إلى مكانٍ سحيق .
وقد يقع فيه في تناقضات لا يدركها المسكين ، وقد يسوق كلامًا يَرُدُّ به على نفسه من حيث لا يشعر([48]) ! ، وسبب ذلك تعلقه بالتقليد الباطل الذي ينافح عنه وفي الوقت نفسه يريد أن يوهم الناس أنه من الدعاة إلى الكتاب والسنة ، فهو كالشاة العائرة بين غنمين ، فأين هو التحقيق السديد !؟ لا يستحق عمله إلا أن يسمى بـ : " التلفيق البليد " .
والحكيم من يضع الأشياء في مواضعها ، وهذا المسكين لحماقته وضع هذه النقول كلها في غير مواضعها ؛ لأن جهده كله قام على أساس كاذب ، وهو أني أحرم التقليد مطلقًا وواقعي يكذِّبه ؛ ولا سيما نصيحتي التي انْطَلَقَ منها إلى الكذب والفتن والشغب الباطل في قضية التقليد وغيرها من القضايا التي يفتريها عليَّ ، وقد رددتُ عليها جميعًا ردودًا علمية قائمة على الأدلة والبراهين ، ولكن لا حياة ولا حياء لمن تنادي .
ومن البلية عذل من لا يرعوي ... عن جهله وخطاب من لا يفهم )) ا. هـ ( موقع الشيخ ربيع بن هادي المدخلي )
وفي أخير مطاف هذه الوقفة ، ما أجد نفسي إلا أن أقول : قد أوضحنا ما قد يستشكل على ما أزبد وأرغد به البحاثة المحقق الشيخ الجليل ـ كم يدعيه جماعته ـ يوسف بن صالح الجزائري ، في هذه المسألة غاية الإيضاح فمن وجد سبيلا إلى المعارضة أو رام طريق إلى المناقضة فليبدها متجردا للحق والعدل والإنصاف والتحقيق فالمحاكمة تكون إلى النقل الصريح والعقل الصحيح ، وإلا فكتاب " الإبانة " في عدة من تراجمه قد حارب التعصب ، وكشف أساليب أهله ، وأظهر لنا صفاتهم لكي نحترز منها ، ووضح لنا طرق الوقاية منه ، وأرشدنا إلى وسائل معالجته إذا ابتلنا به نسأل الله السلامة والعافية منه

الوقفة الرابعة

قال الشيخ محمد الإمام ـ حفظه الله ـ في " الإبانة " ( ط 1/ 247 ) وفي ( ط 2 / ص 269 ) :(( … أن الرجل السني المعروف بها إذا حصلت منه أخطاء فالصواب ترك أخطائه ، ولا يترك هو مادام سنيا ، فما هو حاصل من بعض إخواننا أن السني إذا وجدت منه أخطاء يسيرة ترك بالكلية يعد تجاوزا …. ))
إن ما قرره الشيخ في هذه الفقرة من دعوته اجتماع كلمة أهل السنة والجماعة هو من أبرز أصول وخصائص أهل السنة والجماعة التي دل عليها الكتاب والسنة وإجماع الأمة في حث على الاجتماع والائتلاف ونبذ الفرقة والاختلاف ، ولا يزال أئمة السنة والحديث يؤلفون في العقائد والتوحيد والسنة وينبهون على هذا الأصل الشريف ، وما تأليف الشيخ محمد الإمام حفظه الله لكتاب " الإبانة "إلا لهذا الغرض الأسمى ، وهذا من غيرته المحمودة على الحق وأهله ، وذلك من تمام بصيرته وسعة علمه ومعرفته بالحق ، لأنه "على قدر المعرفة بالحق ومستحقه ومحبته وإجلاله تكون الغيرة عليه أن يضيع والغضب على من أضاعه فإن ذلك دليل على محبة صاحب الحق وإجلاله وتعظيمه وذلك عين البصيرة "([49])
والشيخ محمد الإمام ـ حفظه الله ـ في سعيه المشكورهذا يترسم خط وهدي شيخه ومعلمه المحدث المجدد مقبل بن هادي الوادعي ـ رحمه الله ـ في دعوته إلى هذا الأصل وبيان الطرق للمحافظة عليه ، ومن ذلك أنه قال في تقديمه لتحقيق كتاب " بلوغ المنى " ( 10 ـ 11 ) : (( والعالم إذا أخطأ وله فضائل غمرت أخطأؤه في فضائله ، وما من أحد من العلماء إلا وله أخطاء ، وكما قيل : لكل جواد كبوة ، ولكل صارم نبوة ولقد أحسن من قال :
من الذي ما ساء قط .... ومن له الحسنى فقط
وقال :
ومن ذا ترضى سجاياه كلها .... كفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه )) ا.هـ
وقال في " إجابة السائل على أهم المسائل " ( 381 ) : (( أريد أن أقول لإخواننا العامة إننا لا نطالب العلماء أن يكونوا بمنزلة الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون فما من أحد إلا وهو يصيب ويخطيء ويجهل ويعلم وإذا كان صواب الشخص أكثر من خطئه فهذا يستفاد منه )) ا.هـ
وقال في " غَارَةُ الفِصَلِ عَلَىَ المُعْتَدِيْنَ عَلَىَ كُتُبِ العِلَلِ " ( ص 69 )
(( ثم إن العلماء المتقدمين رحمهم الله قد اختلفوا في بعض الأحاديث ، فهذا يصحح وذاك يضعِّف ، وفي بعض الرجال ، فهذا يوثق وذاك يجرِّح ، ولم يكن هذا يحكم على عمل الآخر بأنه لا شيء ، إن انتقده انتقده في الموضع الذي اختلفا فيه . والله عز وجل يقول: ( وإذا قلتم فاعدلوا ) [الأنعام :152] ، ويقول : ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ) [ المائدة : 8 ] . )) ا. هـ
وقال في " إجابة السائل على أهم المسائل " ( 644 ـ 648 ) جوابا على السؤال التالي :
(( بما أننا وجدنا تقاربا في الحياة القبلية والتعصب المذهبي بين الشعب الأفغاني والشعب اليمني فبماذا تنصحون القائمين على الدعوة في أفغانستان؟
فاجاب الشيخ رحمه الله :
الذي أنصحهم به هو ما نصح النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أبا موسى ومعاذ بن جبل حيث قال : لهما: « بشرا ولا تنفرا، ويسراولا تعسرا وتطاوعا ولا تختلفا» وما جاء في «الصحيحين» من حديث أنس أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين» وبما جاء أيضا في «الصحيح» عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال لعائشة: «إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه» ونحن في مجتمع لا نستطيع أن ندعوه إلا بالرفق واللين لماذا ؟
لأنه ليس بأيدينا سلطة ، ثم بعد ذلك المجتمع هو رأس مالنا فلا ينبغي أن ننفر المجتمع، ندعو المجتمع من كتاب إلى كتاب الله ومن سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى سنة رسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- .... فلا بد من دعوة بحكمة وموعظة حسنة، وأن تعرف من تواجه، أنت تواجه أخاك المسلم لا تستحل ماله ولا دمه ولا عرضه فإن قبل منك اليوم وإلا فسيقبل غدا أو بعد غد، أما أن يكون الانتصار للنفس، شأن أهل الدنيا أنهم إذا خالفهم أحد نبذوه ورموه بالألقاب المشنعة، فذاك بعثي وذاك ناصري وذاك شيوعي، وربما لا يكون بعثيا ولا ناصريا ولا شيوعيا، لكن لأجل أنه خالفهم ولم يستجب لهم.
فلا بد من الدعوة برفق ولين، لأن أهل السنة يمثلون سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ورب العزة يقول في كتابه الكريم: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾، فينبغي أن تكون دعوة أهل السنة رحمة من عند الله عز وجل، يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم﴾ ، ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : ﴿فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك﴾ .
وقد كان النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يعامل أجلاف الأعراب غير معاملة أفاضل صحابته، فذاك الذي من أفاضل صحابته يقول له: «إنك امرؤ فيك جاهلية» يقصد أبا ذر، وآخر يقول له: «أفتان أنت يا معاذ» لكن الأعرابي يأتي إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ويمسكه بحاشية ردائه ويقول: يا محمد أعطني فإنك لا تعطيني من مالك ولا من مال أبيك. فيعطيه.
فدعوة العامي تحتاج إلى صبر وإلى تأليف، ينبغي أن تتألفوا العامة، فقد جعل الله سبحانه وتعالى قسطا في الزكاة للمؤلفة قلوبهم، وينبغي أيضا أن تحسنوا إليهم؛ فأنتم دعاة إلى الجنة، لا ينبغي أن نكون دعاة إلى النار ولا ينبغي أن نكون منفرين ....فلا بد أن تصبر على العامي، ولا بد أن تصبر أيضا على طلب العلم، ولا بد أن تصبر أيضا على أبيك وأمك وعلى أخيك وأختك وعلى مجتمعك، لا تكن فظا غليظا، ولا تنتصر لنفسك، ربما كانت الخصومة شهوة نفس فينبغي أن تبتعد عن شهوة النفس وعن حظوظ النفس، والله المستعان.
فننصح إخواننا القائمين بالدعوة هنالك في أفغانستان بالرفق واللين وبالدعوة إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وبتقديم الأهم فالأهم إن استطاعوا؛ فقد روى البخاري ومسلم في «صحيحيهما» أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال لمعاذ: «إنك ستأتي قوما من أهل الكتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإن هم طاعوا لك بذلك…الخ» شاهدنا من هذا أنه يبدأ بالعقيدة، وبتحبيب الدين إلى المسلمين؛ فالشخص إذا أحب الدين وأحب الله ورسوله مستعد أن يتنازل عن كل شيء يخالف دين الله، بل ربما يكون بعد أيام أغير منك وأنفع منك للإسلام.)) ا. هـ
فهذا الأصل الذي دعى إليه الشيخ محمد في كتابه " الإبانة " ودعى إليه الوالد المشفق على الدعوة السلفية وعلى أبنائها المحدث المجدد الإمام مقبل بن هادي الوادعي ـ رحمه الله ـ طول حياته ، ما هو إلا دعوة إخوانهم ومشايخهم أهل السنة والجماعة شيخ الإسلام عبدالعزيز بن باز والمحدث الإمام ناصر الدين الألباني والإمام الفقيه محمد بن صالح العثيمين رحمهم الله ، فلو قلبت صفحات وأيام هؤلاء المشايخ الأفذاذ العمالقة الجهابذة لرأيت وأيقنت بأن دعوة كتاب " الإبانة " لا تخرج عن دعوتهم قدر أنملة ، وهذا أكبر دليل أن أهل السنة اعتقادهم واحد لا يختلفون فيه ، ومعينهم الذي يصدرون عنه واحد وهو الكتاب والسنة بفهم السلف الصالحين ، ولذلك لا يختلفون .
وإنما يختلف عليهم ويشذ عن منهجهم القويم وطريقتهم السوية من كان من أهل الشّذوذ وَالتفرّق والْبدع والأَهواء ، فيحمله الهوى والشذوذ للطعن في جماعة أهل السنة والجماعة وخاصة أئمتها لما بينهم من الفارق واختلاف في المنهجين ، فلا يستغرب إذاً من أبي حاتم يوسف ومن كان على شاكلته أن يطعن في مشايخ السنة وبل في منهجهم الأحق وأصوله ورمها بأنها " قواعد محدثة " و أنها " منهج جديد " وأنها " قواعد خلفية أفيحية "([50])، وما ذاك منه إلا من ضعف بصيرته وقلة علمه مع استحكام الهوى فيه والحسن الظن الزائد بشيخه والتعصب له بالخطأ ، واعتقاد بأنهم هم المحق وأن مخالفهم هو المبطل ([51])، فمن كان في مثل هذه الحال انتقاله عن ضلاله وباطله صعب إلا أن يشاء الله ، وليعلم أن أول من ضل في هذا هم الخوارج
قال الشيخ الفاضل حمد بن إبراهيم العثمان ـ حفظه الله ـ في كتابه النفيس القيم " الصوارف عن الحق " (ص 13) : ((من أعظم الصوارف عن الحق : اعتقاد المبطل أنه هو المحق ، وأن مخالفه هو المبطل ، فمثل هذا ، انتقاله عن ضلاله وباطله صعب إلا أن يشاء الله وكان أول ظهور لهذا الصارف بصفة جماعية مع ظهور الخوارج .
فأول من سلك هذا في هذه الأمة هم الخوارج ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( وأول من ضل في ذلك هم الخوارج المارقون حيث حكموا لنفوسهم بأنهم المتمسكون بكتاب الله وسنته وأن عليا ومعاوية والعسكرين هم أهل المعصية والبدعة فاستحلوا ما استحلوه من المسلمين ) ا.هـ
وقال موضحا كيفية تبديل وقلب هؤلاء للحقائق :( حتى قد يبدلون الأمر فيجعلون البدعة التي ذمها أولئك هي السنة والسنة التي حمدها أولئك هي البدعة ، يحكمون بموجب ذلك حتى يقعوا في البدع والمعاداة لطريق أئمتهم السنية وفي الحب والموالاة لطريق المبتدعة التي أمر أئمتهم بعقوبتهم ويلزمهم تكفير أئمتهم ولعنهم والبراءة منهم وقد يلعنون المبتدعة وتكون اللعنة واقعة عليهم أنفسهم ضد ما يقع على المؤمن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " ألا ترون كيف يصرف الله عني سب قريش يسبون مَّذمما أنا محمد "
وهؤلاء بالعكس يسبون المبتدعة يعنون غيرهم ويكونون هم المبتدعة كالذي يلعن الظالمين ويكون هو الظالم أو أحد الظالمين وهذا كله من باب قوله تعالى " أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا" فاطر 8 ) ا. هـ ))
السبب الثاني : إن أباحاتم يوسف ـ رزقه الله الفهم والهداية ـ نظر إلى قول الشيخ أبي نصر محمد " أن الرجل السني المعروف بها إذا حصلت منه أخطاء فالصواب ترك أخطائه ، ولا يترك هو مادام سنيا "، فنزله وطابقه وسواه بقول من يقول " نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه " و" وحدة الصف لا وحدة الرأي " و " نصحح ولا نهدم " و " المنهج الأفيح " و" لا نجعل اختلافنا في غيرنا سبب للخلاف بيننا "وإلى غير ذلك من القواعد المضيعة التي أحدثها المميعة من أجل محافظة على بدعهم ورموزهم ، وما وقع في هذه حيصة إلا لجهله بمقاصد وحقيقة مقالات أهل الباطل وما تروم إليه من الباطل مع ما يشوبها من الحق ، وعدم تصورها تصورا صحيحا بحيث يظهر له صواب حقيقتها ، وفرق بينها وبين ما يدعو إليه أهل السنة والجماعة من الاجتماع والائتلاف .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (ج 12 / ص 103) :
(( فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ إذَا تَصَوَّرَهَا النَّاسُ عَلَى وَجْهِهَا تَصَوُّرًا تَامًّا ظَهَرَ لَهُمْ الصَّوَابُ وَقَلَّتْ الْأَهْوَاءُ وَالْعَصَبِيَّاتُ وَعَرَفُوا مَوَارِدَ النِّزَاعِ فَمَنْ تَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ اتَّبَعَهُ وَمَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ تَوَقَّفَ حَتَّى يُبَيِّنَهُ اللَّهُ لَهُ وَيَنْبَغِيَ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ عَلَى ذَلِكَ بِدُعَاءِ اللَّهِ وَمِنْ أَحْسَنِ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يُصَلِّي يَقُولُ : " اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وميكائيل وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِك إنَّك تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " )) ا. هـ
قال العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله في " تيسير اللطيف المنان" ( ص 347 ) : (( أن من أكبر نعم الله على عبده أن يرزقه العلم النافع ، ويعرف الحكم بين الناس في المقالات والمذاهب ، وفي الخصومات والمشاحنات كما قال تعالى : " وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ " ص 20 . )) ا.هـ
فإذا كان الأمر كذلك فما على المنصف إلا أن يتوخى الحق والإنصاف ويفصل محل النزاع ويوضح ما وجه الاشتباه في هذه المسألة التي استشكلت على أبي حاتم وأخدانه ، فعلى الله نتكل ومنه العون والسداد
أولا : إن أهل البدع ما أحدثوا تلك القواعد الخلفية إلا لمحافظة على بدعهم ورجالهم و إرادة الجمع بين الحق والباطل والتقريب بين المحق والمبطل ، أم ما قرره الشيخ في ترجمة " بعض علماء الجرح والتعديل عرفوا بالتساهل في الرواية عن بعض الضعفاء فاحتملهم أهل الجرح والتعديل " وما ذكره في ثناياها من الآثار موضحة لها يهدم تلك القواعد ويزلزل أركانها من جذورها ، فمنطوق ومفهوم الترجمة يدل على أن الخطأ يرد ويبين حال صاحبه وإن علت منزلته في الأمة ، وهذا فيصل بيننا وبين أصحاب قاعدة " المعذرة والتعاون " فهم يعدون الكلام في رجالهم ورموزهم وبيان مخالفاتهم غيبة وإسقاط رجال الدعوة والإصلاح ، وأن فاعل ذلك ما هو إلا مفرق الشمل مثير الفتن ومفسد ومشغل الدعاة على مواجهة الماسونية والليبيرالية والعلمانية وجميع طوائف اليهود والنصارى ، ومهدم ما قاموا به من الجهاد تحت مظلة الموازنات ، فأين ما يدعه الطوائف البدعية على اختلاف مللهم ونحلهم من تصويب مخالفات أئمتهم ، وبين قول السني " قال شعبة : لا تحملوا عن سفيان الثوري إلا عمن تعرفون ، فإنه كان لا يبالي عمن حمل ، إنه يحدثكم عن مثل أبي شعيب المجنون ، فقال رجل لشعبة : ثنا سفيان الثوري عن رجل ، فسألت عنه في قبيلته فإذا هو لص ينقب البيوت "([52]).
ومن الإمام سفيان الثوري رحمه الله في الأمة ؟وما منزلته في إمامة الحديث ؟؟ فهو شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، سيد العلماء العاملين في زمانه ومع ذلك انتقد نصيحة للأمة ، فهل تجد هذا عند الطوائف الحزبية ؟؟ فانتبه لهذا ودعنا من الحماقة وأهلها وبنيات الطريق
ثانيا : قد قرر أهل العلم والأثر أن تسوية بين المحق والمبطل والمسلم والكافر والصالح والطالح ينافي حكمة الله تعالى التي أنكرها الله وتنزه عنها وقد نقلنا في هذا كلام للإمام أمين الشنقيطي رحمه الله يوضح ذلك ، ولزيادة الإيضاح يقول العلامة ابن القيم رحمه الله في " مفتاح دار السعادة " ( 2 / 339 ) : (( وقد أنكر تعالى على من نسب إلى حكمته التسوية بين المختلفين كالتسوية بين الأبرار والفجار فقال تعالى : " أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار" ص 28 ، وقال تعالى : " أم حسب الذين اجتر حوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون " الجاثية 21 ، فدل على أن هذا حكم سيء قبيح ينزه الله عنه ولم ينكره سبحانه من جهة أنه أخبر بأنه لا يكون وإنما أنكره من جهة قبحه في نفسه وإنه حكم سيء يتعالى ويتنزه عنه لمنافاته لحكمته وغناه وكماله ووقوع أفعاله كلها على السداد والصواب والحكمة ، فلا يليق به أن يجعل البر كالفاجر ولا المحسن كالمسيء ولا المؤمن كالمفسد في الأرض فدل على أن هذا قبيح في نفسه تعالى الله عن فعله )) ا.هـ
ولهذا قرر أئمة السنة والتحقيق أن العالم والفاضل إذا أخطأ وله فضائل وكان صوابه أكثر من خطئه تغمر أخطأؤه في فضائله ، ويرد خطأه وتحفظ كرامته ومنزلته
قال العلامة المحدث المجاهد مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله في تقديمه لتحقيق كتاب" بلوغ المنى"( 10 ـ 11 ) : (( والعالم إذا أخطأ وله فضائل غمرت أخطأؤه في فضائله ، وما من أحد من العلماء إلا وله أخطاء ، وكما قيل : لكل جواد كبوة ، ولكل صارم نبوة ولقد أحسن من قال :
من الذي ما ساء قط .... ومن له الحسنى فقط
وقال : ومن ذا ترضى سجاياه كلها .... كفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه )) ا.هـ
وقال في " إجابة السائل على أهم المسائل " ( 381 ) : (( أريد أن أقول لإخواننا العامة إننا لا نطالب العلماء أن يكونوا بمنزلة الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون فما من أحد إلا وهو يصيب ويخطيء ويجهل ويعلم وإذا كان صواب الشخص أكثر من خطئه فهذا يستفاد منه )) ا.هـ
وسئل العلامة المحدث ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ : متى يكون غمر حسنات العلماء في سيئاتهم ؟
فأجاب : (( إذا كان مبتدعا فلا كرامة لهم ، يحذر منهم ، وينتقدون ويطعن فيهم وتباح أعراضهم ، أما إذا كانوا على السنة ولهم أخطاء فإذا رجحت حسناته على سيئاته فهذا عدل وثقة ، ويعذر فيما أخطأ فيه ، أما أهل البدع فيجب التحذير منهم ، ولابد من نقدهم ، ولابد من كشف عوارهم وتحذير الأمة منهم )) ا.هـ ( شريط : جلسة في يوم الخميس ) "([53])
وإن شاء الله في كلام الشيخين ما يكفي ويشفي في الإيضاح والبيان هذه المسألة ، لمكانتهما في قلوب يحيى الحجوري وجماعته ، وإلا فما بينه الشيخان هو الذي عليه أئمة السنة قاطبة سلفا وخلفا .
وهذا لا يتعارض ولا يتناقض مع ما اجمع عليه أئمة الإسلام من بغض أهل البدع وهجرانهم ومقاطعتهم ، لما بينهما من الفارق ، وإنما يقع التعارض عند من لم يميز ويفرق بين ما فرق بينه أئمة السنة ، ولم يحكم الضوابط التي ضبطها أهل العلم في هذا الباب ، فبمعرفة ضوابط التبديع والهجر يرفع الإشكال ويزول الاشتباه ويتضح ما كان يبدو متعارضا ، وإن من أحسن من تكلم في هذه المسألة ووضح ضابطها شيخنا المحدث ربيع بن هادي المدخلي فقال ـ حفظه الله ـ : (( أما من وقع في بدعة فعلى أقسام:
القسم الأول: أهل البدع كالروافض والخوارج والجهمية والقدرية والمعتزلة والصوفية القبورية والمرجئة ومن يلحق بهم كالأخوان والتبليغ وأمثالهم فهؤلاء لم يشترط السلف إقامة الحجة من أجل الحكم عليهم بالبدعة فالرافضي يقال عنه: مبتدع والخارجي يقال عنه: مبتدع وهكذا، سواء أقيمت عليهم الحجة أم لا.
القسم الثاني: من هو من أهل السنة ووقع في بدعة واضحة كالقول بخلق القرآن أو القدر أو رأي الخوارج وغيرها فهذا يبدع وعليه عمل السلف. .....
القسم الثالث: من كان من أهل السنة ومعروف بتحري الحق ووقع في بدعة خفية فهذا إن كان قد مات فلا يجوز تبديعه بل يذكر بالخير ، وإن كان حياً فيناصح ويبين له الحق ولا يتسرع في تبديعه فإن أصر فيبدع ...
فنصيحتي لطلاب العلم أن يعتصموا بالكتاب والسنة وأن ينضبطوا بمنهج السلف في كل ناحية من نواحي دينهم، وخاصة في باب التكفير والتفسيق والتبديع حتى لا يكثر الجدال والخصام في هذه القضايا.
وأوصي الشباب السلفي خاصة بأن يجتنبوا الأسباب التي تثير الأضغان والاختلاف والتفرق الأمور التي أبغضها الله وحذّر منها، وحذّر منها الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام والسلف الصالح، وأن يجتهدوا في إشاعة أسباب المودّة والأخوة فيما بينهم الأمور التي يحبها الله ويحبها رسوله –صلى الله عليه وسلم-.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. )) ا.هـ ([54])
ثالثا : قول الشيخ محمد الإمام حفظه الله : (( … أن الرجل السني المعروف بها إذا حصلت منه أخطاء فالصواب ترك أخطائه ، ولا يترك هو مادام سنيا ، فما هو حاصل من بعض إخواننا أن السني إذا وجدت منه أخطاء يسيرة ترك بالكلية يعد تجاوزا ، وقد يقول قائل : قد نصحنا له فلم ينتصح ؟
فنقول : نعم ما فعلت ، فالنصح داوء وشفاء وغذاء ولكن لا يلزم إذا لم يقبل منك النصح أن تقوم بتحزيبه أو هجره فإن هذه مسائل شرعية مردها إلى أهل العلم ، وفيها مخارج عندهم ولا تصل إلى الهجر والتحزيب ، ومهما يكن في هذا فالمحافظ على أخوة إخوانه وعلى دعوتهم يتحرى عند حصول هذه الأخطاء ، ويرجع إلى أهل العلم بخلاف من لم يرزق هذا فهو يبادر إلى المنابذة والتحامل ))
إن الشيخ ـ سدد الله خطاه ـ في كلامه هذا يبين لنا وينبه على أن دعوتنا السلفية النقية الطيبة تراعي حقوق أهلها وتسعى للمحافظة عليها ، وأن مبناها على مراعاة المصالح والمفاسد ومرجع أمرها إن وقع الخلاف بين أهلها أو نزلت نازلة أن يرجعوا إلى علمائهم ، لأن "كل من على وجه البسيطة مفتقر إلى علم علماء السنة ، وكل الناس معرضون لأن يكونوا أتباع شياطين الجن والإنس إلا من رجع إلى علماء الإسلام قال تعالى :(( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا )) النساء 83 ، فالرجوع إلى علماء الملة المحمدية خصوصا عند الفتن منة من الله وفضل وحاجة الناس للعلماء كحاجتهم للإسلام ولله در الإمام ابن القيم حيث قال : (( وأما العلماء بالله وأمره فهم حياة الموجود وروحه ولا يستغنى عنهم طرفة عين فحاجة القلب إلى العلم ليست كالحاجة الى التنفس في الهواء بل أعظم ... )) ( مفتاح دار السعادة 1 / 371 ) "([55])
وهذا الأمر الأصيل ما يختلف فيه عاقلان ، ولكن أبى أهل الضلال والأصاغر إلا أن يدسوه بأقدامهم ويجعلوه وراء ظهورهم ، وشنوا حربهم على علماء الأمة قائلين : " هم رجال ونحن رجال " و " لا نقلد أحد " و " دعوتنا لا يكون لها قبولا ولا نجاحا إلا إذا كانت بعيدة عن هؤلاء العلماء " و " كل شاة بكراعها معلقة " و " أن هؤلاء العلماء يكتمون الحق " و إلى غير تلك الألفاظ والعبارات الخبيثة التي أطلقوها على علماء الإسلام لكي ينفروا شباب الأمة عنهم ، ويقطعوا الطريق الموصلة إليهم ، فإذا تمكنوا وحصل لهم المقصود من حملتهم الفاسدة هذه ربطوا الشباب بهم ، فدعوهم إلى تقليدهم في أحكامهم الإجرامية وقضوا بهم مأربهم الخبيثة وأعمالهم الإرهابية([56])
قال المحدث المجدد مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله في " إجابة السائل على أهم المسائل " ( ص 18 )
(( ... الذي أنصح به جميع المسلمين في جميع البلاد الإسلامية أن يرجعوا إلى علمائهم فإن الله سبحانه وتعالى يقول مبينا أن العلماء يرون الحق ويقضون بالحق ويحكمون بالحق : " ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد " ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : " وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ " يقول الشوكاني في فتح القدير : إن المعنى بقوله " أولي الأمر منهم " هم العلماء والعقلاء ، والعلماء أعطاهم الله بصيرة ، فهم يضعون الأشياء مواضعها ... من أجل هذا فأعداء الإسلام يحرصون كل الحرص على تشكيك المسلمين في علمائهم .. وهذه مكيدة شيطانية ليبقى العامة أتباع كل ناعق ويبقى العامة في شقاء ، العامة يعتبرون في شقاء والسبب في هذا هو إعراضهم عن العلماء ، وإعراضهم عن العلماء يؤدي إلى الإعراض عن كتاب الله وعن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن الله عز وجل يقول في كتابه الكريم :" فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "
فرجوع المسلمين إلى العلماء يعتبر أمانا لهم بإذن الله من الاختلاف ، أمانا لهم بإذن الله من قهر أعدائهم لهم ، أمانا لهم بإذن الله مما وقعوا فيه من الفتن ، هذا أمر عسى أن يفهمه إخواننا وأن يبلغوه )) ا.هـ
وقال في " قمع المعاند " ( ص 152 ) : (( أنصحكم أن تردوا أموركم إلى العلماء ... فأهل العلم هم الذين يضعون الأشياء مواضعها .
وهناك كلمة خبيثة منتنة قالها بعض إخوانكم مع بعض اليمنيين في تعز في مجلس خاص قال : ما نطلقت دعوتنا إلا بعد ما تركنا العلماء ، قال بعض الحاضرين اليمنيين لقد وقف شعري من هذا الكلام )) ا.هـ
وقد ألتمس هذا الإرهاب الفكري وظهرت أثاره في اتباع عبدالرحمن عبدالخالق واتباع المأربي واتباع فالح الحربي واتباع الحلبي واتباع يحيى الحجوري ، فلنأخذ صورة من صور إرهاب القوم ليتضح للقارئ مدى خطورة أفكار القوم وتخطيطاتهم الإرهابية ، ولنقف على حقيقة ما يريده أبوحاتم يوسف العنابي في رده التقريرات التي قررها الشيخ الكريم محمد الإمام في كتابه " الإبانة " وأقره عليها علماء السنة ، ودعوته بأنها قواعد خلفية أفيحية ؟؟
فلا يخفى عليكم يا أيها القراء الكرام حملة يحيى الحجوري واتباعه على تبديع وتحزيب كل من الشيخ العلامة عبدالرحمن العدني والشيخ العلامة محمد الوصابي والشيخ العلامة عبيد الجابري والشيخ العلامة محمد علي فركوس والشيخ الفاضل محمد رسلان وجماعة من علماء الأمة ، فلما نصحوا في هذا ، فما كان منهم إلا أن يلحقوا الناصح بهؤلاء الأفاضل ، فإياك وإياك أن تنتقدهم أو تخطأهم فيما ذهبوا إليه ، وإلا فأنت " متعصب " ، " مميع " ،" منهجك خلفي أفيحي "، " فإما تبدع هؤلاء أو تلحق بهم وتهجر" ، وإلى غير ذلك من ضلالاتهم البائرة وأقوالهم الفارغة والعارية من الحكمة ومبتعدة كل بعد عن تأصيلات أئمة السنة وعن دعوتهم الحكيمة ، فلا يرقبون في السني إلا ولا ذمة ، ولا يرعون في دعوتهم المصالح ولا ما يترتب على تهورهم وطيشهم وتسرعهم من المفاسد التي لا يعلمها إلا الله عز وجل ، فما أقرب منهج القوم بمنهج فالح الحربي الحدادي ، بل ما هو إلا إمتدادا له وإن زعم القوم مخالفته فالعبرة بالحقائق ، فالمتأمل إلى ما سوده يوسف الجزائري في كتابه الظلام " مصباح الظلام " من التأصيل الباطل و التقعيد العاطل ، ما يجده إلا من جنس جرائم فالح الحربي الحدادي ، ففالح الحربي واتباعه جنوا على المنهج السلفي جناية عظيمة من تبديع أهله والطعن في علمائه واختراع قواعد ما عرفها السلف الصالح ، ولم يراعوا في دعوتهم الحكمة وما يصلحها ولم يلتفتوا إلى مراعاة المصالح والمفاسد ، فهمهم إسقاط علماء السنة وداعتها البارزين بالخطأ والخطئين ، وقس على هذا منهج أبي حاتم يوسف وجماعته ، والله لو كان عندهم إنصاف وغيرة على السنة وأهلها وحب الخير لها ولأهلها لاعتبروا بحال فالح الحربي وما جناه على المنهج السلفي هو واتباعه ، ولاستفادوا من نصائح وردود الوالد المشفق على الدعوة السلفية وأهلها الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي ـ أطال الله عمره في طاعته ـ ومن ذلك ما جاء عنه في" نصيحة أخوية إلى الشيخ فالح الحربي "
( ص 26 ـ 34 ) قال حفظه الله : (( ثالثاً:- هل سكوت بعض أهل العلم أحياناً مراعاة للمصالح والمفاسد أمر سائغ أو خيانة
قال لكم رجل متسائلا:" س : هي حقيقة نحن نزن إن شاء الله بموازين أهل السنة المحضة إن شاء الله، إلا أن هناك بعض الأمور التي نطرحها عليكم حتى نجد تفسيرا لها ، مثل : كثير منا يقول لماذا مثلا كبار المشايخ [لا يتكلمون ] ...
( فقلت مقاطعا ) ـ أي فالح ـ : لا يهمني ! لا تسأل هذا ، قال : صح !
فقلت : إسألني أنا ، أنا مادام عندي واحد ساكت ما تكلَّم أنا لا أتكلم ، هذا ما هو منهج ! و هناك من نشر مثل هذه الأشياء و من يحفظها يظن أنها هي منهج أهل السنة و الجماعة ، و هذه مشكلة !يحاكم الناس إليها.
عندما اقترح المشركون على رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يتنازل عن شيء منها ، و هناك أمور الرسول صلى الله عليه و سلم صرَّح على أنه تركها ، مثل : (( لولا أن قومك ..)) حديث عائشة ، و كذلك لما الصحابة صلوا وراء عثمان و قد صلى خلف الرسول صلى الله عليه و سلم ركعتين ، و هو متِّمٌ ، و هكذا ؛ هذه الأمور ليست في الأصول و في الأمور الحتمية و القطعيَّة و العقائد فانتبهوا إلى هذا بارك الله فيكم
ثم أيضا الله سبحانه و تعالى حينما وجَّه الأمة لم يربطها بشخص واحد ، و لم يربطها بأن الإنسان لا تقوم الحجة عليه بكلام شخص واحد من أهل الذكر و أهل العلم إذا سأله .
فقولنا : لماذا فلان يسكت ، لماذا لم يتكلم ،لماذا فلان خالف ، لماذا …؟ هذه ما يُحكم بها ، و لا يُحاكم إليها ؛ هذا على مقتضى منهج أهل السنة و الجماعة".ا.هـ([57])
" ولي ملاحظات على هذه الإجابة:
ما تدري ما هي الأشياء التي ترى أنها ليست من منهج أهل السنة والجماعة فلعلها لو عرضت على العلماء لتبين أنها أو بعضها على الأقل من منهج أهل السنة والجماعة.
كان ينبغي أن تحاول أن تعرف أسباب سكوت العلماء عن الأمور التي تفتي فيها، فلعلك تجد عندهم الحجة المقنعة، وتعرف صواب موقفهم، ومثل هذه المشاكل ينبغي أن تعرض على العلماء، فإن في مشاورتهم خيراً كثيراً، فقد يرجحون الكلام فيها وقد يرجحون عدم الرد المعلن ويؤثرون توجيه النصائح فإما أن يستفيد المنصوح، وإما أن يعاند فيكون قد عرض نفسه لنقد العلماء ولإسقاط نفسه.
وبمثل هذه الأسباب تضمن وحدة الكلمة مع إخوانك وشيوخك ويسلم الشباب من التفرق والتمزق الأمر الذي حصل فعلا، وكان شديداً بسبب التفرد والتسرع ([58])........"
إلى أن قال الشيخ ربيع حفظه الله :" ثم أقول:
ما رأيكم في هذا التسامح الذي قام على جلب المصالح ودرئ المفاسد، أليس لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة.
فلعل العلماء الذين ترى سكوتهم تنازلا وربما رأيته كتماناً وخيانة أبعد نظراً منك وأعرف بالمصالح والمفاسد، وأعرف بالقواعد والأصول، وما يترتب على المواقف والتصرفات.
وإلى الله المشتكى من تسرعات ومبادرات ليس فيها أي التفات إلى هذه الأمور العظيمة فأذاقت الدعوة السلفية الأمرين وأوقعتها في غربة وكربة....."
إلى أن قال : " ولقد تعبت كثيراً وكثيراً هنا وهناك، من معالجة آثار كلام من لا ينظر في العواقب، ولا يراعي المصالح والمفاسد، ولا يستخدم الرفق والحكمة، تلكم الأمور والأصول العظيمة التي يجب مراعاتها ، ولا تقوم للدعوة قائمة إلا بها.
ومع الأسف أن كل من يدرك حجم هذه المعضلة وينصر هذه المعالجات المشروعة، يرمى بالتمييع وأحزاب التمييع.
ثم نأتي لكلام عبد المالك من منطلق سلفي:" ( لا تدخلوا في هذه الفتنة ) ، ( وهذا خلاف بين المشايخ ) ، ( ومن لا يعنيه الأمر لا يدخل فيه ) ، ( ومن يريد أن يَحكم وينظر مع مَن الحق ويأخذ بِما يؤدي إليه إجتهاده ويقتنع به".
فقوله للشباب لا تدخلوا في الفتنة لا ينبغي الاعتراض عليه، فإن كثيراً من الشباب إذا خاضوا في الفتنة جرفتهم أو مزقتهم،وقد حصل هذا، فالأسلم لهم البعد عنها وعدم الخوض فيها، والحفاظ على عقيدتهم وأخوتهم في الله، وأن يدعوا العلاج للعلماء.
وأنت تعلم ان كثيراً من الصحابة توقفوا عن المشاركة في فتنة الجمل وصفين، منهم سعد ابن أبي وقاص وابن عمر وأسامة بن زيد.
وكذلك قوله:" ومن لا يعنيه الأمر لا يدخل فيه"، لاشك أن كثيرا ممن لا يعنيهم الأمر والمغرضين قد يخوضون في الفتنة ليزيدوها اشتعالاً وهذا أمر ملموس، فهؤلاء الأسلم للدعوة وأهلها أن لا يدخلوا في الأمر .
وكذلك قوله:" ومن يريد أن يَحكم وينظر مع مَن الحق ويأخذ بِما يؤدي إليه إجتهاده ويقتنع به".
وهذا كلام حق لمن هو مؤهل للنظر والحكم، مع تجرده لله.
وقد نظر ناس كثير من اليمن والمدينة وغيرها فأدركوا الحق وحكموا به.
وإذن فحكمكم على كلامه هذا بأنه ميوعة ما جاءت بها جميع الرسالات حكم فيه تهويل لا يجوز نسبته إلى المنهج السلفي بحال من الأحوال. )) ا.هـ
وقال في " هل يجوز السماح في الواجبات مراعاة للمصالح والمفاسد وعند الحاجات والضرورات " ( ص 48 ـ 50) : (( قال أحد السائلين لفالح : " لكن يا شيخنا لو تلاحظون أنكم تنفردون بكثير من ..... "، وحذف مفرغ الشريط كلاماً صعب عليه إظهاره لعله من فتاوى التبديع أو الطعن في العلماء فأجاب فالح : " نحن لا يهمنا نحن ندين الله ونطبق أصول أهل السنة والجماعة , فما ندين الله نقول به نصحاً للأمة وحماية لهذا الدين, ( الدين النصيحة الدين النصيحة ), ( من رأى منكم منكراً ..) الحديث.
نحن نستطيع باللسان وإخوتنا يريدون منا .... "، وحذف المفرغ هنا كلاماً لعله في غاية السوء
" يسألوننا فلا نغشهم ونضللهم فيه أمور مختلفة فيه أمور في المنهج فيه أمور في العقيدة فيه أمور في العقيدة فيه أمور في السنن والأشياء التي لا يمكننا السكوت يمكن التأخير أما قضية العقائد والمناهج فيخدعكم من يقول نسكت في هذا الوقت "
فانظر كيف ينبهه السائل إلى تهوره وتفرده بالمجازفات في الطعن والتبديع لأناس ينتمون إلى السلفية .
فيجيبه نحن لا يهمنا يعني أنه لا يبالي بشذوذه عن العلماء وكثرة تهوره ومجازفاته ويقول نحن ندين الله ونطبق أصول أهل السنة والجماعة, يعني وغيره من العلماء لا يدينون الله ولا يطبقون أصول أهل السنة والجماعة , وهذه فيها إهانة للعلماء واتهام لهم , ثم هو لا يطبق أصول أهل السنة والجماعة وإنما يطبق أصوله الفاسدة التي اخترعها وطعن بها في أئمة الحديث والجرح والتعديل .([59])
ومن أصول أهل السنة احترام العلماء ومراعاة المصالح والمفاسد وهو لا يقوم بذلك ، ثم ما هي القواعد والمناهج التي بينها للناس وخدع العلماء الناس فيها .
إن علماء السنة الذين يطعن فيهم هذا المتعالم المتهور هم الذين بينوا القواعد والمناهج وواجهوا أعتى طوائف البدع وبينوا فساد أصولهم ومناهجهم وعقائدهم.
إن فالحاً لا يجيد إلا السب والشتائم والتبديع الظالم بدون حجج ولا براهين .)) ا.هـ
فأين أبوحاتم من كلام الشيخ ربيع هذا وتأصيله القوي المتين في رده على الحدادي الماكر الذي سعى في تشويه الدعوة السلفية وإسقاط أهلها بالخطأ والخطئين ، بل عند التحقيق نجد هو المخطئ لا الذي رد عليه ، وهكذا أبوحاتم يرد على " الإبانة " وكأنه معصوما من الخطأ وأئمة السنة هم المخطئون ، واجب عليهم أن يرجعوا عن خطئهم ويقروا بما أتحفهم به أبوحاتم البحاثة المحقق من الأصول السلفية التي جهلوها وعلمها هو وشيخه ، يا للعقول السخيفة المسخوف بها أي عقل لكم ؟
رابعا : إن علماء السنة لسعة علمهم ورحمتهم بالمخالف وخاصة من كان في صفهم إذا بادرت منه بعض الأخطاء يسعون إلى مناصحته سرا والرأفة به وخاصة إذا رأوا فيه الضعف مع حبه للمنهج السلفي وأئمته ، فيسعون للمحافظة عليه ويصبرون عليه سنين في مناصحته ومناقشته ولا يتركونه لأعداء السنة فيصبح جند من جنودهم ضد إخوانه ومشايخه ، إلا إذا رؤوا منه العناد والمكابرة والإصرار على المخالفة والمفارقة لأهل الحق وتنكره عليهم فالحكم حينها يكون لهم لا للصبيان والأصاغر من أمثال يوسف بن العيد الجزائري وأقرانه وأخدانه ، وهذا الذي ما رضيه أبوحاتم وشيخه لما هو مخالف لأهوائهم وما إليه يخططون ويسعون من هدم المنهج السلفي وأهله وإليك بعض النماذج من صبر أئمتنا على المخالف لتكون نبراسا لنا وليحيى الحجوري واتباعه
قال العلامة المصلح مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله في " قمع المعاند " ( ص 143 ) (( ... ونحن لم نطرد الإخوة ، ولم نفارق الإخوة إلا من أجل الحزبية ، لم نفارقهم من أجل الدنيا ، ولم نفارقهم لأجل أن نكون الرؤساء عليهم لكن فارقناهم من أجل الحزبية ، والخلاف بيننا وبينهم من قبل أن تنشأ جمعية الحكمة من قبلها بأربع أو خمس سنين منذ أتى عبدالله السبت من الكويت فما زال الخلاف من ذلك الوقت وأنا أغض الطرف وأقول : لعل لعل ، فاضطررنا إلى البيان )) ا.هـ
أقول (أبوأنس ) : إن منهج الشيخ مقبل بن هادي على ميزان ومعيار أبي حاتم ويحيى الحجوري منهج باطل وأنه تأصيل خلفي أفيحي مميع مجمع ، وذلك أن الشيخ مقبلا يعرف حقيقة هؤلاء الحزبية طول هذه السنين مع ذلك ما تركهم ؟؟؟
وقال العلامة المجاهد ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ في " التنكيل بما في لجاج أبي الحسن من الأباطيل "
( ص 11 ) : (( أم أبو الحسن المصري المأربي الذي بدأ بالحرب والفتن من سنين وأنا أناصحه مشافهة وكتابة وكم سعيت في إطفاء فتنته فتأتيني الكتابات عن انحرافاته فأرفض قبولها .
وتأتيني الأسئلة عنه وهو يتحرك بفتنته فأصرفهم وأنصحهم بعدم الكلام فيه وتأتيني الأسئلة عن زلاته فأنصح السائلين بالعدول عنها وبكف ألسنتهم عن القيل والقال لعله يتذكر أو يخشى ويكف فتنته وأذاه عن الدعوة السلفية في اليمن وغيرها ولكنه قد بيت الفتنة والثورة على المنهج السلفي وعلمائه وطلابه فلذا لا يسمع نصيحة ناصح بل يبطش بكل من نصحه أو قال فيه كلمة حق .)) ا.هـ
وقال في "هل يجوز السماح في الواجبات مراعاة للمصالح والمفاسد وعند الحاجات والضرورات " ( ص 39 ـ 43)
(( فقد كان فالح عبئاً ثقيلاً على الدعوة السلفية وأهلها منذ سلك نفسه في الدعاة إلى المنهج السلفي لا يراعي في تصرفاته ومواقفه وأحكامه مصالح ولا مفاسد ولا يأبه لها، بل كان زرَّاعاً للمشاكل في أوساط الشباب السلفي متعالماً واضعاً نفسه فوق منزلته يطعن في العلماء من مثل العلامة الألباني والشيخ مقبل الوادعي وغيرهما ويهضم حقوقهم فيغرس شراً وخلافاً بين طلاب العلم الجزائريين والليبيين واليمنيين والسعوديين ممن يعرف لهم قدرهم وجهادهم ويعرف فشل فالح وأنه لا يقدم للسلفية إلا زرع هذه الفتن
وكنا نحلم عليه كما نحلم على غيره ممن يشكل عبئاً ثقيلاً على الدعوة السلفية ولا سيما هذا البلاء فالح , وكنا نُصبِّر طلاب العلم عليه ونتلمس له التأويلات ثم على مر الأيام زاد تعالماً وتعاظماً فصار يجازف في أحكامه على السلفيين وغيرهم بالتبديع والتكفير فيُطَالَب بالأدلة على هذه الأحكام المجحفة فلا يجد دليلاً ... ولما استفحل شره وبلغ السيل الزبى نصحته بنصيحتين بينت فيهما فساد أصوله وأحكامه وأيد ما تضمنتهما العلماء الذين كان يوجب تقليدهم ويرى أن من لا يقلدهم قد كذَّب الإسلام وكذَّب القرآن والسنَّة …الخ .
فنسي هو وعصابته تلك المنزلة لهؤلاء العلماء ونسوا الحماس للتضليل من أجلهم فأصبحوا حرباً عليهم مما يدل دلالة واضحة أن هذه العصابة ليست من أهل السنة وإنما هم من أعدائها, جندوا لبث الفتن والصراعات بين السلفيين وواقعهم الذي يسيرون عليه من حرب السلفيين المستعرة أكبر شاهد عليهم فهنيئاً لفالح بالتفاف هذه العصابة حوله ومحاربتها لأهل السنة السلفيين حقاً فلقد تبوأ هو وعصابته عند أعداء السنة منزلة عظيمة حيث فاقوا في حربهم لأهل السنة والكذب عليهم وتأليب الأعداء عليهم فاقوا كل أهل الباطل والأهواء .)) ا.هـ
وفي الأخير هذه الوقفة نقول إن شاء الله قد وفينا بالمقصود لمن طلب الحق المنشود وأظهرنا ما هو عند أهل الحيرة والشك مفقود بسبب عدولهم عن فهم السلف الصالح المحمود وركونهم إلى فهم الخلف المنقود ، وما يسعنا إلا أن نقول للقوم بعد هذا التوضيح إن كابروا وتعسفوا : لأنتم أهدى من علماء الأمة أو أنتم على شعبة ضلالة ؟؟؟

الوقفة الخامسة

قال الشيخ الفقيه أبونصر محمد الإمام حفظه الله في كتابه " الإبانة " ( ص 85 / ط 1 ) وفي (ص 97/ ط 2 ) تحت ترجمة" من أحسن طرق حل الخلاف : الجمع بين القائل والمقول فيه " : (( إذا بلغ القائم على إخوانه طعن في أحدهم فالمطلوب أن يجمع بين القائل والمقول فيه ، ويسمع من كل منهما ، فهذا أحرى أن يصيب كبد الحقيقة ))
وقال تحت ترجمة " فصل الخطاب وفصل النزاع " ( ص 89 ـ 90 / ط 1 ) وفي ( ص 101ـ 102 / ط 2 ) : (( والذي ينطق بالكتاب والسنة هم أهل العلم ، فإذا تنازع متنازعان من علماء أو دعاة أو طلاب العلم ، فالمرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأهل العلم هم الذين يصوبون المصيب ، ويخطئون المخطئ ..... ولما قل الاهتمام بهذه القضية عند بعض علماء السنة كثرت النزاعات والخصومات بين طلاب العلم ، بل وبين العلماء ، فتجد المدعي يملأ الدنيا ضجيجا على المدعي عليه ، والمدعي عليه يملأ الدنيا تظلما بالافتراء عليه ، والمسألة لا تحتاج إلا إلى الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على فهم سلف الأمة ، وخير من يفصل بين المتخاصمين هم العلماء الراسخون ))
إن ما ذكره الشيخ محمد بن عبدالله الإمام حفظه الله في هاتين الترجمتين من الرجوع إلى علماء الأمة الإسلامية والتحاكم إليهم فيما يقع من النزاعات والخصومات والخلافات بين أفراد الأمة مما تواترت نصوص الكتاب والسنة وكلام الأئمة وأفعلهم على تقريره ، فهذا يعد من المسلمات والمتواترات والبدهيات عند أهل السنة والجماعة التي لا يجوز الاعتراض و المجادلة فيها ، إلا إذا دعت الحاجة على التنبيه عليها ، وما يكابر في هذا ويعترض إلا ضال مضل لا يعبأ به وتسقط مكالمته ولا يعد خلافه خلاف ، بل يعد تشويشه وتشغيبه عين البدعة إذ هو خروج عن النهج القويم الذي سار عليه السلف الصالح ، وما نقم الخوارج على خليفة الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ـ لمَّا حَصَلَتْ واقعة التحكيم بين أبي موسى الأشعري وبين عمرو بن العاص رضي الله عنهما ـ وكفروه إلا بحجة أنه : " حَكَّمَ الرجال على كتاب الله " و استدلوا على ذلك بقوله تعالى " وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ “ [المائدة44]، وهذا كان أصل ضلالهم([60])، فقال لهم ابن عباس رضي الله عنهما :" صدقتم لا حكم إلا لله وإن الله حكم في رجل وامرأته وحكم في قتل الصيد فالحكم في رجل وامرأته والصيد أفضل أم الحكم في الأمة يرجع بها ويحقن دماءها ويلم شعثها "([61]).
فالخوارج ومن ورثهم وسلك مسلكهم ، لا يرضون بالجماعة ولا أن تجتمع كلمة الأمة ، فهم لا يطمئنون ولا ترتاح انفسهم إلا إذا رؤوا أمة محمد صلى الله عليه وسلم متمزقة متناحرة مختلفة ، يسودها القتال والفساد والهرج والمرج والتشريد في أبنائها وتضييع ممتلكاتها وتخريبها ، ولهذا هم من بداية ظهورهم إلى يومنا هذا يسعون في زعزعة مرجعية أئمتها وزلزلة كيانها وتشكيك في مصدقيتها وأمانتها وعلمها وعدالتها وحكمها ،" لئلا يسمع الشباب من العلماء ما ينقص ويرد ويهدم مناهجهم ومذاهبهم الفاسدة ، لأن العالم إذا سمع من العالم بخلاف ما يقوله المربي أو المنظم أو المرشد أو المشرف على الجماعة ، فسيرد كلامه فيؤثر في السمع والطاعة ، وهذا المنع من سماع الحق هو عين ما فعله الخوارج حين منعوا اتباعهم من الاستماع لابن عباس ، فقالوا : لا تناظروه فإنه من قريش وقريش أهل اللسان ، أي سيحرفكم إلى ما هو عليه .
فهؤلاء الدعاة الحركيون كانوا يخشون من هذا الأمر ، فجعلوا العقبة والسد المنيع بين العالم والشباب من قديم ...
قال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله تعالى - : ( كم يحاول أعداء الإسلام وكم يحاول شياطين الإنس والجن أن يفصلوا بين الأمة وبين علمائها ، وأن يوقعوا العداوة بينهم من أجل أن يتمكن الأشرار من قيادة الأمة إلى الهلاك ، فلنحذر من هذا ونقبل على طلب العلم من أهله العلماء ، ونسأل أهل العلم إذا أشكل علينا شيء في أمور ديننا وأمور دنيانا ، نسأل أهل العلم أهل البصيرة الذين يتكلمون عن علم ويفتون عن الدليل ، هؤلاء المرجع وهؤلاء هم القدوة وهؤلاء هم الدعاة إلى الخير ، لا نزهد فيهم ؛ لأنه في هذا الوقت كثر القيل والقال والوقيعة بين أهل العلم وبين الناس ، وبين العوام وبين طلبة العلم وصاروا يتكلمون في العلماء ، ويتهمونهم اتهامات ويروجون عليهم الأكاذيب من أجل أن يفصلوا بين الأمة وعلمائها ، حتى يسهل عليهم الدخول في شبهاتهم وضلالتهم في إغواء الناس وتفريق الكلمة ، هذا ما يريدونه فلنكن منهم على حذر) ا.هـ (محاضرات في العقيدة والدعوة " 3/ 309 ـ 310 ")
وقال – حفظه الله تعالى – أيضاً : ( بعض المخدوعين أو المغرضين يقول هؤلاء علماء الحيض والنفاس !! ؛ للتهوين من شأنهم ، وهذا ما يريد الأعداء من المسلمين يرون أن يفصلوا العامة عن العلماء ويريدون أن يفصلوا شباب الأمة عن العلماء بحيث لا يتعلمون العلم من العلماء ، وعند ذلك تسنح لهم الفرصة ؛ لتقطيع جسم الأمة والسطو عليه؛ لأنه لا يقف في وجوههم إلا العلماء فإذا حالوا بين العلماء وبين الشباب وبين عامة الناس وعزلوا بعضهم عن بعض حينئذٍ سنحت الفرصة لأعداء الله ورسوله للانقضاض على أمة المسلمين وما كان يقف في وجوه الظلمة وما كان يقف في وجوه الكفار والزنادقة والمنافقين إلا أهل العلم يبطلون شبهاتهم ويدمغون أقوالهم بالكتاب والسنة يوقفونهم عند حدهم ويردون عليهم الشبهات .
والوجه السادس : أن الذي أوقع الشباب في هذا الانحراف الخطير – بعد إبعادهم عن العلماء - تربيتهم على الكتب الفكرية المليئة بالبدع والضلال ) ا.هـ ( (محاضرات في العقيدة والدعوة " 3 / 125 " ) "([62])
فإذا كان الأمر كذلك ياأيها الأخوة الكرام ، فلا نستغرب إذًا ما يريده أبوحاتم يوسف الجزائري وأخدانه من كتاب " الإبانة " من التشكيك والتشغيب في أصوله المقررة ، ومن ضمنها ابعاد عامة الأمة وشبابها عن علمائهم الأمناء النبلاء وتزهيد في رجوع إليهم فيما يستجد في الأمة من الأحداث والنوازل والخصومات ، وما ذاك إلا ليستقلوا بأحكامهم الجائرة من التبديع والتفسيق من شاؤوا ، فحينها لا يجدون زاجرا ولا ناهيا يزجرهم وينههم عن غيهم وسفههم ، وهذا عين ما أراده فالح الحربي الحدادي ، حيث أنه "اندفع في التجديع والتبديع خيار السلفيين فكان إذا طلب بالحجج على هذا التبديع فلا يجد الحجج المطلوبة منه ، فلجأ إلى اختراع أصل وهو إخراج التبديع عن أصول أئمة الجرح والتعديل وبنى على ذلك التفريق بين الرواية والتبديع ، فيرى أنه يحق أن يسأل عن أسباب جرح الرواة، وأما من يرى أنهم مبتدعة فلا يحق السؤال عن أسباب جرحهم وتبديعهم ولو كانوا من خيار السلفيين فلا يسأل عن أسباب تبديعهم بل يبدع من يسأل عن أسباب تبديعهم."([63])
وهكذا هنا أبوحاتم يوسف إذا طلب منه التحاكم إلى العلماء فيما يقع بينه وبين إخوانه من الخصومات والنزاعات وسماع إلى حجج الطرفين ، ووقوف على سبب الذي حمله على تجديع و تبديع السلفيين بل علماء الأمة .
يندفع قائلا :([64]) (( هذا من قبيل الجرح والتعديل وليس من قبيل التحاكم والقضاء حتى تطالبني برفع القضية إلى العلماء والقضاة )) ، (( تطبيق الشيخ محمد الإمام ـ وفقه الله ـ هذا المسلك على الجرح والتعديل والسير عليه بجعله الفاصل في مسائل الجرح ، طريق محدث لم يكن عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم ... فشتان بين البابين وبهذا يظهر خطأ تأصيل الشيخ محمد الإمام ـ وفقه الله ـ ومحاولة إدخاله الجرح والتعديل إلى ميدان التحاكم )) ، وقال :(( أن ما قرره الشيخ محمدا هنا ما هو إلا تأصيل عرعوري)) ،و((من دس الشيخ محمد الوصابي )) .
وهو قد خلط وخبط في هذا الباب ولسنا بصدد تحريره وتحقيقه ، لأنه قد يطول المقام في بيانه وتفصيله ونخرج عن ما نحن بصدد بيانه للقراء الكرام ، ولربما قد يسعفنا الحظ في المناسبات القادمة لبيانه ، أو إن شاء الله يتصدى له طالب العلم ذكي فطن لبيان زيف بضاعته المغشوشة نصحا للأمة ومن انخدع به والله المستعان .
المقصود أن الغمر لا يخرج عن ما أصله ولوثه هنا ، عن تأصيلات فالح الحربي ، وإن تغيرت ألفاظهم وتشكلت عباراتهم بالأشكال أخرى ، ولا يهم ذلك إذا كان مقصودهم واحد ومبعثهم واحد ، وهو إسقاط وتبديع السلفيين ، بل إسقاط علماء الأمة الإسلامية الذين تجتمع بهم الكلمة ، وتحقن بهم الدماء ويهتدى بهم في ظلمات الجهل والغي ، فهم يعدون عمود الفسطاط إذا سقط سقط الفسطاط ، ، هكذا علماء الأمة إذا سقطت مرجعيتهم سقطت الأمة وحل بها البلاء والمصائب لا يعلمها إلا خالقنا ، وهذا ما يريده أهل الفتن والفرقة .
وإلا لا يزال أئمة الحديث والسنة ترفع إليهم القضايا والمقالات وأحوال الرواة للنظر فيها والحكم عليها ، بما خصهم الله عز وجل من العلم والعدل والإمامة في الدين وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، وقد كفى ووفى الشيخ محمد الإمام حفظه الله في بيان هذا الأصل وكما قيل " لا عطر بعد عروس " و " قطَعت جَهيزة قول كل خطيب"، ومن ذلك ما نقله عن العلامة المعلمي رحمه الله في " التنكيل " ( 1/60) :(( إن الذين تكلموا في الرواة منصبهم منصب الحكام )) ([65])
وقد دل على هذا الأصل قول الله تعالى في داود عليه السلام : (( وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ )) ص 20
قال العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله في " تيسير اللطيف المنان" (ص 348) ذاكرا فوائد هذه الآية : (( ومنها : أن من أكبر نعم الله على عبده أن يرزقه العلم النافع ، ويعرف الحكم بين الناس في المقالات والمذاهب ، وفي الخصومات والمشاحنات )) ا.هـ
وهذا المنهج الذي بينه الشيخ محمد الإمام حفظه الله كما قلنا هو الذي سار عليه أئمتنا وقرروه قولا وعملا ، ولنضرب مثلا برجلين يعتز الشيخ يحيى الحجوري بالرجوع إليهما وانتساب إلى دعوتهما ، لعله بتذكرنا له بمواقفهما في هذا الباب يكون حافزا على رجوعه فيما أخطأ فيه في هذه المسألة
أولهم الشيخ العلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله
قال رحمه الله في " غارة الأشرطة " ( ص 41 ) : (( في يوم الأحد 21 ذي حجة 1412 هـ ، زارني عالم فاضل ـ الحق أنه رجل فاضل ـ فكان أول كلامه لي أن قال : لم تتكلم في فلان ؟ فقلت له : لأنه يدعو إلى التجمع الطاغوتي .... وهذا الرجل الفاضل هو القاضي محمد بن يحيى قطران ... فجلست معه وقلت له : رضيت بك يا قاضي وبالأخ عبدالوهاب الديلمي والأخ محمد بن عبدالوهاب الوصابي والأخ محمد الإمام الريمي رضيت بكم حكما بيني وبينه بشرط أن يقسم كل واحد منا بالله أنه برئ من الحزبية وأنه مع الكتاب والسنة ورضينا أيضا بكم حكما بين أهل السنة وبين أهل التجمع الطاغوتي ، فانتهينا على هذا الأمر وقال كلمة ما أحسنها : قال : يهمنا أن يجتمع أهل الخير على هذا الأمر .
وأنا أظن أنه رجع إليهم في اجتماعهم في صعدة وأخبرهم بهذا ، فقامت قيامتهم وقالوا : سترجع المسألة إلى العلماء ، فالعلماء سيقودوننا بالكتاب والسنة ونرفض الديمقراطية واحترام الرأي والرأي الآخر ...))
وقال في ( ص 47 ) : (( إننا مستعدون أن نعرض قضايا أهل السنة والإخوان المفلسين على جمعية علماء انتخبت لعرض المشاكل عليها ... )) ا.هـ وذكرهم ومنهم الشيخ محمد الوصابي والشيخ محمد الإمام
قلت (أبوأنس ) : نسأل سؤال : ما هو أشد أن يكون العالم حاكما بين السني والسني أو بين السني والمفلس في الخصومة ؟؟
بالطبع ستقول بين السني والسني ، لأن المفلس قد بانت عداوته للسنة بخلاف السني فهو معك في الصف ويحمل أعباء ومشاق الدعوة السلفية كما تحملها أنت أو أكثر منك ، فالمقام يستدعي أن الحكومة تكون بين السني والسني من باب الأولى ، ولكن على ميزان أبي حاتم الجزائري ، أن القاعدة التي قعدها العلامة مقبل بن هادي الوادعي قاعدة عرعورية محدثة مميعة ، بل أشد ، كيف تكون الحكومة بين مبتدع ظاهر البدعة وبين السني ؟؟؟؟
ألا يرضى الشيخ يحيى الحجوري بحاكم رضيه العلامة مقبل بن هادي الوادعي أن يكون حاكما بينه وبين خصومه ، ألا وهو الشيخ العلامة محمد بن عبدالوهاب الوصابي والشيخ العلامة محمد الإمام حفظهما الله ، أم أنه يريد إلا الشقاق والنزاع وتبديع كل من نصحه و من لم يوافقوه على أحكامه الجائرة ؟؟
الثاني : العلامة ربيع بن هادي المدخلي
قال ـ حفظه الله ـ في " مناقشة فالح في قضية التقليد " ( ص 5)
(( ولقد قلت له اختر من شئت من العلماء وأعرض عليه كلامي وكلامك فإن خطأني رجعت إلى الصواب وإن خطأك رجعت إلى الحق .
فلم يرض أيَّ عالم سلفي على وجه الأرض ، لماذا ؟ لأن أباطيله واضحة وضوح الشمس لا يتردد عالم في إدانتها .
وصمم على الخوض في الخصومة والجدال والسعي في استخدام أسباب الفرقة فذهب هنا وهناك شرقاً وغرباً يستنجد بالجهال والمجهولين الذين يسهل عليهم قول الباطل والزور .)) ا.هـ
قلت : الشيخ ربيع حفظه الله هنا يطالب فالح الحربي بالمحاكمة عند العلماء وعرض كلامهما عليهم ليعرف من هو المصيب ومن هو المخطئ ، فإن كان هذا التحاكم محدثا وتأصيلا عرعوريا ومميعا ما كان الشيخ أن يطلبه من فالح ، مع ما عرف عنه من تحريه وشدة تمسكه بمنهج السلف الصالح قولا وعملا .
أما ما ذكرته يا أباحاتم ونقلته عنه من عدم رضاه بحاكمة عدنان عرعور عند الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، فهذا له محله ومحمله ، فلا يتخذ منه تقعيدا باطلا وتأصيلا عاطلا في عدم رجوع إلى علماء الأمة وتحاكم إليهم فيما يستجد من النزاعات والخصومات بين أفرادها وجماعتها ، هذا إن شاء الله لا يخطر في ذهن الشيخ وحاشاه من ذلك ، وإنما تحمل واقعته مع عدنان عرعور على أنه قد عرف عدنان عرعور بتلاعبه وتلونه وتباكيه وتماديه في الباطل ومماحكته على باطله وأنه أصبح لا ينفع معه النصح وإن نصحه من نصحه ، فجلوسه وإياه عند الشيخ ابن عثيمين على يجدي منه نفعا ، وإلا فالشيخ ربيع بن هادي قد طلب من فالح المحاكمة عند العلماء أما الآن من المستبعد مع ما ظهر من فالح من الفجور والعدوان أن يطالبه أو يرضى بمحاكمته عند العلماء .
وإلا فهذا المنهج الذي اخترعه أبوحاتم يوسف قد غاب على فالح الحربي ولم يخطر بباله حينما طالبه الشيخ ربيع بالمحاكمة عند العلماء .
وبهذا يتبين أن كل ما نقله من تلك النقولات ليس له فيها حجة ولا دليل وقد أخذها على غير بصيرة بل بمجرد التعصب والتشهي والتشكيك والتحريف وهذا من أدل الدلائل على فساد هذا العلم .
"ولا نلومه في التشبت بالشبهات فإنه أقام نفسه مقاما يضطره إلى ذلك ولكننا كنا نود لو اعرض عن الشبهات التي قد سبق إليها فحلت وأنحلت واضمحلت ، وأقتصر على الشبهات الأبكار التي يجد لذة في اختراعها ويجد أهل العلم لذة في أفتراعها ! "([66])
وفي الخاتمة ـ ختم الله لنا ولكم بالحسنة والعافية ـ
نقول : إن ما أطال فيه يوسف في مباحثه " الخامس والسادس من الفصل الأول والأول والثالث والرابع والخامس من الفصل الثاني " ([67]) وغيرهم مما بقي من الكتاب ، من النقولات الهائلة والتشكيكات الطائلة والتشويشات البائرة على مسألة نصح السني والصبر عليه وتحمله ، ومراعاة المصالح والمفاسد في الدعوة إلى الله مع رجوع إلى علماء الأمة في هذا ، فقد وضحناه وبيناه في الوقفات السابقة ، فالرجوع إليها ما هو إلا تطويل ليس تحته تحصيل إلا إضاعة الوقت في غير شيء ، ومع هذا فكل ما سود به أبوحاتم كتابه من النقولات ووضعها في غير مواضعها فهو موضح في تراجم كتاب " الإبانة " يعترف بهذا كل من رزقه الله الفهم السليم والمقصد الحسن، وما صنيعه في هذه المباحث إلا من جنس ما نبه عليه الإمام ربيع بن هادي المدخلي في شأن فالح الحربي الذي نقلناه سابقا ، فلفائدته نعد نقله هنا قال الشيخ في ( النهج الثابت الرشيد في إبطال دَعَاوَى فالح فيما سماه بـ " إشراع الأسنة " و " التحقيق السديد " / الحلقة الأولى ) : (( .... وفالح أطال في نقل كلام العلماء التي ينزلها في غير منازلها ، ولا داعي لتأليف هذا الكتاب - أصلاً - فضلاً عن إكثار النقل فيه للتشبع به ، ولكن الرجل له أغراض رديئة أشرنا إلى بعضها فيما سلف ... وفالح أكثر من النقل جدًا ليوهم الناس أن ربيعًا خالف أهل العلم المنقول عنهم ؛ مع أن ربيعًا هو الموافق مائة في المائة لهؤلاء العلماء في التقليد والاتباع والاجتهاد وغيرها من الأمور العقدية والمنهجية والعلمية .
قال ابن عبد الهادي في السبكي : " وإنما مقصود هذا المعترض تكثير الكلام وجمع ما أمكن ليعظم حجم الكتاب " .
وفالح شابه السبكي في مقصوده وفعله ليعظم حجم كتابه ، على أن السبكي عالم غلب عليه الهوى ، وفالح جاهل غلب عليه الهوى .
ولو كان عند فالح أدنى مسكة من عقل لردعه كلام ابن عبد الهادي عن تأليف هذا الكتاب الذي لم يستح أن يسلك فيه مسلك السبكي في الخلط والخبط ، والتخليط والتلبيس ... إلى آخر ما وصف به ابن عبد الهادي عمل السبكي...
لقد نقل فيه عن العلماء أقوالاً كثيرة ؛ منها ما يفهمه ومنها ما لا يفهمه ، وليس فيها أي رد عليَّ لا من قريب ولا بعيد ؛ لأني على منهج أئمة الإسلام في الاجتهاد والاتباع والتقليد وغير ذلك ، فتأليفه لهذا الكتاب باسم الرد على ربيع مبني على شفا جرف هار ، ومن فعل السفهاء الجهلة الذين يضعون الأمور في غير مواضعها فانهار بناؤه وطوَّح به إلى مكانٍ سحيق .
وقد يقع فيه في تناقضات لا يدركها المسكين ، وقد يسوق كلامًا يَرُدُّ به على نفسه من حيث لا يشعر ! ، وسبب ذلك تعلقه بالتقليد الباطل الذي ينافح عنه وفي الوقت نفسه يريد أن يوهم الناس أنه من الدعاة إلى الكتاب والسنة فهو كالشاة العائرة بين غنمين ، فأين هو التحقيق السديد !؟ لا يستحق عمله إلا أن يسمى بـ :" التلفيق البليد " .
والحكيم من يضع الأشياء في مواضعها ، وهذا المسكين لحماقته وضع هذه النقول كلها في غير مواضعها ؛ لأن جهده كله قام على أساس كاذب ، وهو أني أحرم التقليد مطلقًا وواقعي يكذِّبه ؛ ولا سيما نصيحتي التي انْطَلَقَ منها إلى الكذب والفتن والشغب الباطل في قضية التقليد وغيرها من القضايا التي يفتريها عليَّ ، وقد رددتُ عليها جميعًا ردودًا علمية قائمة على الأدلة والبراهين ، ولكن لا حياة ولا حياء لمن تنادي .
ومن البلية عذل من لا يرعوي ... عن جهله وخطاب من لا يفهم )) ا. هـ ( موقع الشيخ ربيع بن هادي المدخلي )
فحينئذ لا وجه للإطالة والتطويل في بيان زيف المزيف وتشغيب المشغب بعد ما ظهر الحق وأسفر صبحه وباتت أعلامه وانكشفت الغمة عنه ، وما نبهنا عليه دليل على ما لم نذكره من الشطحات والتخريفات والتحريفات التي عليها صاحب الكتاب ومن نصره وأيده ، وإنك لتستحي من حكايتها ، وإشغال وقتك برد عليها ، والأمر كما قال المحدث العلامة عبد المحسن بن حمد العباد ـ حفظه الله ـ في مقدمة كتابه " الانتصار للصحابة الأخيار في رد أباطيل حسن المالكي " ( ص 5 ) :
((والله يعلم أنني كاره لإيراد هذه الأباطيل لكن حالي كما جاء في المثل " مكره أخوك لا بطل " كما في مجمع الأمثال للميداني ( ص 274 ) فأجدني مضطرا إلى إيراد هذه التعسفات والرد عليها ، وأقول فيها كما قال السيوطي في كتابه " مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة " (ص:5) في إبطال قول من قال: (إنَّه لا يُحتَجُّ بالسُّنَّة، إنَّما يُحتجُّ بالقرآن وحده!) قال: ( اعلموا ـ يرحمكم الله ـ أنَّ من العلم كهيئة الدواء، ومن الآراء كهيئة الخلاء، لا تُذكر إلاَّ عند داعية الضرورة ) إلى أن قال في (ص:6) : ( وهذه آراء ما كنتُ أستحلُّ حكايتَها لولا ما دعت إليه الضرورة من بيان أصل هذا المذهب الفاسد، الذي كان الناس في راحة منه من أعصار ) ا.هـ
ولشناعة هذه الأباطيل، فإنَّ مجرَّدَ تصوُّرِها يُغني عن الاشتغال في الردِّ عليها، لكنِّي رأيتُ الردَّ عليها في هذه الرسالة؛ لئلاَّ يغتَرَّ بها ذو جهل أو تغفيل، ورجاء أن يهدِيَ الله المردودَ عليه، ويُخرجه من الظلمات إلى النور، فيتوبَ من تلك الأباطيل قبل أن يفجأَه هادِمُ اللَّذَّات، والرجوعُ إلى الحقِّ خيرٌ من التمادي في الباطل، كما قال ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه (تفسير القرطبي 5/262).)) ا.هـ
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

كتبه الفقير إلى الله : أبوأنس بشير بن سلة الجزائري


كاتب الموضوع
أبوأنس بشير الجزائري
مشاركات: 77
اشترك في: صفر 1436

رد: صيانة كتاب " الإبانة " من مماحكات وتعسفات يوسف بن العيد الجزائري الهجينة

مشاركة بواسطة أبوأنس بشير الجزائري »

الهامش



([1] ) انظر كتاب سل السيوف الأسنة على أهل الهوى وأدعياء السنة (ص 7 ـ 8 )
([2]) رواه أحمد ( 8334 ) ومسلم ( 1715 ) من رواية أبي هريرة رضي الله عنه
([3]) شرح النووي على صحيح مسلم ( 12 / 252 )
([4]) " صون المنطق والكلام " ( ص 165 ) انظر إلى " دعائم منهاج النبوة " ( ص 362 )
([5]) بداية الإنحراف ونهايته " ( ص 42 ـ 43 ) للعلامة محمد الإمام
([6]) الاستقامة (ص 39)
([7]) مجموع الفتاوى(4 / 190 )
([8]) الصفدية ( 1 / 293 )
([9]) غافر : 26
([10]) وظهر بعده في هذه الأيام أهل التعنت والشذوذ والأغلوطات والبغي والسفه والطيش والتصدر في كل نازلة وحادثة تنزل بالأمة ، ممن قد اندس في الصف السلفي وهو يسعى في تفريق كلمة أهله والطعن في نزاهة علمائه والتشكيك في مرجعيتهم .
من شأنهم التعنت في النقد ، وعدم مراعاة المصالح والمفاسد في الدعوة إلى الله ، والتصدر مع قلة الكفاءة العلمية ، وإدعاء الإجماعات في أبحاثهم العلمية ما أنزل الله بها من سلطان ، و التذبذب والاضطراب في مواقفهم وأحكامهم وسبب في ذلك النقص في العلم أو للهوى في أنفسهم ومصلحجية ، والفقر الأخلاقي فتجدهم ينتحلون شخصيات وأسماء غير حقيقية في كتاباتهم ومواجهة خصومهم .
والكذب والمراوغة والحيل والتجسس وبتر الكلام هو من أبرز صفاتهم في حواراتهم العلمية وفي نقدهم لخصومهم ، والانتقام لأنفسهم وأهوائهم ومصلحجيتهم والغضب لذلك وعقد الولاء والبراء في ذلك وإنشاء الهجر والمعاداة على ذلك ، والفرح بتعثر إخوانهم و الظفر بزلاتهم والسرور بسقوطهم وانحرافهم ، وتوسعة الخلاف في صفوف أهل الحق والتنقيب عن ما يفرق كلمتهم ويوهن جماعتهم ، فهذا مما وقع بيدي من أخلاق هذا الصنف ، ومن كان كذلك ، فهل يثق به ويطمئن إلى عدالته ونزاهته وكلامه ودعوته ، وما يطرحه من الانتقادات في أهل الحق وخاصة علماء السنة والجماعة ؟!
([11]) " كتاب مختصر الحجة على تارك المحجة " ( ص 6 ـ 7 )
([12]) ولكن الناظر في منهج الذي عليه فالح الحربي ويحيى الحجوري واتباعهما يجد أنهم بعقد الغلو وإصدار الأحكام الجائرة في أهل السنة والجماعة يتناكحون وفي علم الكتاب والسنة على ما كان عليه سلف الأمة يتزاهدون ويشغبون ، أما دعوتهم للتسلف فالحق أن " الولد للفراش وللعاهر الحجر " ، وقد شهد العلماء العدول أن منهج الرجلين قد لقم من ثدي أصول الحدادية وكما قيل :
فإن لم تكنه أو يكنها فإنه … أخوها غذته أمه بلبانها . ( قد استفدنا هذه الفائدة من كتاب مدارك النظر ص 114)
([13] ) وما الشيخ العلامة محمد بن عبدالله الإمام ـ حفظه الله ـ إلا واحدا من علماء السنة فتحديه وتهديده بنشر ترهات أبي حاتم يوسف ما هو إلا تحدي لكل من قدم لكتاب الشيخ محمد وشكره على هذا المجهود اﻷسمى الذي يفتخر به أهل السنة والجماعة قاطبة في الحاضر واللاحق ، كيف لا وهو في هذا الكتاب قد خدم المنهج السلفي والسلفيين أيما خدمة ولم يدون في بابه مثله في هذا العصر ، وهو في هذا قد رقى بأهل السنة إلى مرتبة عالية في كيفية تعاملهم مع بعضهم بعضا على ما كان عليه سلف اﻷمة الصالح
([14]) حيث قال الشيخ يحيى الحجوري في خطابه المرفق مع نسخة الرد المرسلة إلى الشيخ محمد الإمام -حفظه الله ـ : (( بسم الله الرحمن الرحيم : فضيلة الشيخ محمد الإمام حفظكم الله ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد: حسب ما جرى من الاتصال، أن ما رأينا من نقد على كتابكم الإبانة نرسله إليكم،جاءت إليَّ رسالتان:
إحداهما لأخينا أبي بكر الحمادي ولعلها قد وصلتكم ، والثانية هذه الرسالة التي سماها أخونا الباحث يوسف الجزائري (مصباح الظلام) مرسلة إليكم، وهو يطلب رد الجواب حال إطلاعكم عليها.
فما رأيتموه فيها من تنبيه صحيح بادرتم مشكورين بحذفه من الكتاب المذكور، وما لا وافيتموه بما أخطأ فيه.
وفي حال عدم الأمرين يرغب الأخ يوسف في طبع رسالته ونشرها، تنبيها على الأخطاء الواقعة منكم في كتابكم (الإبانة)، حتى لا يغتر بها بعض الناس والقصد سدُّ الخلل والنصح للمسلمين عموما ولهذه الدعوة خصوصاً ،نسأل الله لنا ولكم التوفيق / كتبه أخوكم أبو عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري4رمضان 1431هـ )) ( مقدمة كتاب " مصباح الظلام " )
([15]) وذلك أن من خصائص و مميزات منهج أهل السنة والجماعة الاعتدال والتوازن وأنهم بين الغلو والجفاء وبين الإفراط والتفريط في جميع شأنهم ، وأما أهل البدع ـ ومنهم الحدادية ـ فتجد الواحد منهم مقصرا مفرطا في بعض دينه لا يبالي غاليا متشددا متجاوزا في بعضه لا يبالي ، فاتباع الحجوري تنطعوا وتعمقوا وغلوا وجاوزوا الحدود في أقوالهم وأفعالهم وأحكامهم في معاملة أهل السنة والجماعة كما سيتبين للقارئ مما هو في الطيات هذا الكتاب ، وقد أحوجهم هذا الغلو والتجاوز إلى التحريف للحق ومعانيه على غير ما فهم السلف الصالح منها
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في " الصواعق المرسلة " ( ص 215 ـ 217 ) : ((والتحريف العدول بالكلام عن وجهه وصوابه إلى غيره وهو نوعان تحريف لفظه وتحريف معناه والنوعان مأخوذان من الأصل عن اليهود فهم الراسخون فيهما وهم شيوخ المحرفين وسلفهم فإنهم حرفوا كثيرا من ألفاظ التوراة وما غلبوا عن تحريف لفظه حرفوا معناه ولهذا وصفوا بالتحريف في القرآن دون غيرهم من الأمم ودرج على آثارهم الرافضة فهم أشبه بهم من القذة بالقذة والجهمية فإنهم سلكوا في تحريف النصوص الواردة في الصفات مسالك إخوانهم من اليهود ولما لم يتمكنوا من تحريف نصوص القرآن حرفوا معانيه وسطوا عليها وفتحوا باب التأويل لكل ملحد يكيد الدين …. فتأويل التحريف من جنس الإلحاد فإنه هو الميل بالنصوص عن ما هي عليه إما بالطعن فيها أو بإخراجها عن حقائقها مع الإقرار بلفظها ….. فالتأويل الباطل هو إلحاد وتحريف وإن سماه أصحابه تحقيقا وعرفانا وتأويلا )) ا.هـ
وقال العلامة ابن أبي العز الحنفي رحمه الله في " شرح الطحاوية "(ص 131) : (( وَلَا يَشَاءُ مُبْطِلٌ أَنْ يَتَأَوَّلَ النُّصُوصَ وَيُحَرِّفَهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا إِلَّا وَجَدَ إِلَى ذَلِكَ مِنَ السَّبِيلِ مَا وَجَدَهُ مُتَأَوِّلُ هَذِهِ النُّصُوصِ.
وَهَذَا الَّذِي أَفْسَدَ الدُّنْيَا وَالدِّينَ. وَهَكَذَا فَعَلَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فِي نُصُوصِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، وَحَذَّرَنَا اللَّهُ أَنْ نَفْعَلَ مِثْلَهُمْ ، وَأَبَى الْمُبْطِلُونَ إِلَّا سُلُوكَ سَبِيلِهِمْ، وَكَمْ جَنَى التَّأْوِيلُ الْفَاسِدُ عَلَى الدِّينِ وَأَهْلِهِ مِنْ جِنَايَةٍ. فَهَلْ قُتِلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَّا بِالتَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ ! وَكَذَا مَا جَرَى فِي يَوْمِ الْجَمَلِ، وَصِفِّينَ، وَمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالْحَرَّةِ ؟ وَهَلْ خَرَجَتِ الْخَوَارِجُ، وَاعْتَزَلَتِ الْمُعْتَزِلَةُ، وَرَفَضَتِ الرَّوَافِضُ، وَافْتَرَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، إِلَّا بِالتَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ؟ )) ا.هـ
([16]) " بيان الفوري بالكشف عن فساد أصول وقواعد يحيى الحجوري " ( ص 5 )
أقول : فهذا حجة عليك يا عرفات ومن كان على شاكلتك ممن يخوض ودخل في فتنتكم الأخيرة المشؤومة ، ممن تطاول على علماء السنة ، وكان يفتخر ويعظم كتاب الإبانة .
([17]) فما أشبه طرحه المطروح بخبط وخلط فالح ارجع غير مأمور إلى "النهج الثابت الرشيد في إبطال دَعَاوَى فالح " للعلامة أبي محمد ربيع المدخلي حفظه الله
([18]) ( ص 45 ـ 48 ) من الطبعة الثانية
([19]) "مفتاح دار السعادة " ( 1 / 445 )
([20]) قال العلامة عبدالرحمن المعلمي ـ رحمه الله ـ في " التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل " (ج 1 / ص 56)
(( وإذا سبق إلى نفس الإنسان أمر - وإن كان ضعيفاً عنده - ثم اطلع على ما يحتمل موافقة ذلك السابق ويحتمل خلافه فإنه يترجح في نفسه ما يوافق السابق ، وقد يقوى ذلك في النفس جداً وإن كان ضعيفاً . وهكذا إذا كانت نفس الإنسان تهوى أمراً فاطلع على ما يحتمل ما يوافقه وما يخالفه فإن نفسه تميل إلى ما يوافق هواها ، والعقل كثيراً ما يحتاج عند النظر في المحتملات والمتعارضات إلى استفتاء النفس لمعرفة الراجح عندها ، وربما يشتبه على الإنسان ما تقضي به نفسه بما يقضي به عقله ، فالنفس بمنزلة المحامي عندما تميل إليه ، ثم قد تكون هي الشاهد وهي الحاكم . والعالم إذا سخط على صاحبه فإنما يكون سخطه لأمر ينكره فيسبق إلى النفس ذاك الإنكار وتهوى ما يناسبه ثم تتبع ما يشاكله وتميل عند الاحتمال والتعارض إلى ما يوافقه ، فلا يؤمن أن يقوي عند العالم جرح من هو ساخط عليه لأمر لولا السخط لعلم أنه لا يُوجب الجرح وعلة الحديث متثبتون ولكنهم غير معصومين عن الخطأ وأهل العلم يمثلون لجرح الساخط بكلام النسائي في أحمد بن صالح ، ولما ذكر ابن الصلاح ذلك في المقدمة عقبه بقوله : “ قلت : النسائي إمام حجة في الجرح والتعديل ، وإذا نسب مثله إلى مثل هذا كان وجهه أن عين السخط تبدي مساوئ . لها في الباطن مخارج صحيحة تعمى عنها بحجاب السخط لا أن ذلك يقع من مثله تعمداً لقدح يعلم بطلانه " )) ا.هـ
([21] ) مفتاح دار السعادة ( 2 / 458 )
([22]) الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة ( ص 160 ) للعلامة صالح الفوزان حفظه الله
([23]) ولبست لبوس السلفية
([24] ) فتاوى فضيلة الشيخ ربيع المدخلي ( 1 / 174 ـ 177 طـ دار الإمام أحمد )
([25]) " الإبانة عن كيفية التعامل مع الخلاف بين أهل السنة والجماعة " ( ص 47 ) الطبعة الثانية
([26]) فتاوى فضيلة الشيخ ربيع المدخلي ( 1 / 177 طـ دار الإمام أحمد )
([27]) قال الإمام ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله ـ في " إغاثة اللهفان " (ج 1 / ص 222 ـ 224 )
(( ومن كيده ـ الشيطان ـ العجيب : أنه يُشام النفس حتى يعلم أي القوتين تغلب عليها : قوة الإقدام والشجاعة أم قوة الانكفاف والإحجام والمهانة ؟
فإن رأى الغالب على النفس المهانة والإحجام أخذ في تثبيطه وإضعاف همته وإرادته عن المأمور به وثقله عليه فهون عليه تركه حتى يتركه جملة أو يقصر فيه ويتهاون به وإن رأى الغالب عليه قوة الإقدام وعلو الهمة أخذ يقلل عنده المأمور به ويوهمه أنه لا يكفيه وأنه يحتاج معه إلى مبالغة وزيادة فيقصر بالأول ويتجاوز الثاني كما قال بعض السلف :" ما أمر الله تعالى بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان : إما إلى تفريط وتقصير وإما إلى مجاوزة وغلو ولا يبالي بأيهما ظفر"
وقد اقتطع أكثر الناس ـ إلا أقل القليل ـ في هذين الواديين : وادي التقصير ووادي المجاوزة والتعدي والقليل منهم جدا : الثابت على الصراط الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .....
وقصر بقوم حتى جفوا الشيوخ من أهل الدين والصلاح وأعرضوا عنهم ولم يقوموا بحقهم .... وكذلك قصر بقوم حتى منعهم قبول أقوال أهل العلم والالتفات إليها بالكلية ... )) ا. هـ
[28] فتاوى فضيلة الشيخ ربيع المدخلي 1 / 287 ـ 292
([29] ) " إزهاق أباطيل عبداللطيف باشميل " ( ص 14 ) للعلامة أبي محمد ربيع أطال الله عمره في خدمة دينه الحنيف
([30]) أي الشيخ العلامة المحدث ربيع بن هادي المدخلي انظر إلى " فتاوى فضيلة الشيخ ربيع المدخلي" ( 1 / 292)
([31]) ذكره عنه اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد ( 180 )
([32] ) “ مصباح الظلام " ( ص 18 إلى ص 25 )
([33]) انظر إلى " فتاوى فضيلة الشيخ ربيع المدخلي " ( 2 / 341 ) تجد فيه من متانة الكلام في هذه المسألة والتفصيل ما لا تجده عند غيره حفظه الله لما عرف عنه من التدقيق و التحقيق والورع في هذه المسائل أطال الله عمر شيخنا ربيعا في نصرة السنة وذب عن حياضها
([34]) انظر إلى " منهاج السنة ( 5 / 158 ) “ و " إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان ( 2 / 899 )
([35]) كما شهد له بذلك العلامة المفتي محمد بن عبدالوهاب الوصابي حفظه الله في تقديمه لكتاب " الإبانة "
([36]) “ الإبانة " ( ص 47 / ط 2 )
([37]) أما إذا كان هذا الانتصار للحق وأهلها فهذا مما يحمد عليه المرء ويدون في سجل مناقبه وفضائله الغراء ويصنف في طبقة الشرفاء ، فقد جاء في " سير أعلام النبلاء " ( 20 / 209 ) من ترجمة الامام أبو الحجاج، يوسف بن دوناس المغربي الفندلاوي المالكي ، أن الإمام الحافظ أباعبدالله الذهبي ـ رحمه الله ـ قال : (( روى عنه ابن عساكر، وقال: كان حسن المفاكهة، حلو المحاضرة، شديد التعصب لمذهب أهل السنة )) ا. هـ
قال العلامة المحدث عبدالمحسن العباد ـ حفظه الله ـ في " شرح سنن أبي داود " عند شرحه حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: (من نصر قومه على غير الحق فهو كالبعير الذي ردي فهو ينزع بذنبه) : (( يعني: أن النصر بالحق أمر سائغ، بأن ينصر قومه وغير قومه بالحق، وإذا كان قومه مظلومين ينتصر لهم، وإذا كانوا ظالمين منعهم من الظلم، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قال: أنصره مظلوماً فكيف أنصره ظالماً؟ قال: تمنعه من الظلم)) ا. هـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (ج 30 / ص 368)
(( .... فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ : " مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَادِمًا لَهُ وَلَا امْرَأَةً وَلَا دَابَّةً وَلَا شَيْئًا قَطُّ إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا نِيلَ مِنْهُ قَطُّ شَيْءٌ فَانْتَقَمَ لِنَفْسِهِ ؛ إلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ اللَّهِ فَإِذَا اُنْتُهِكَتْ مَحَارِمُ اللَّهِ لَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ . حَتَّى يَنْتَقِمَ لِلَّهِ " ، وَخُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنُ أَكْمَلَ الْأَخْلَاقِ وَقَدْ كَانَ مِنْ خُلُقِهِ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ وَإِذَا اُنْتُهِكَتْ مَحَارِمُ اللَّهِ لَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَقِمَ لِلَّهِ فَيَعْفُوَ عَنْ حَقِّهِ وَيَسْتَوْفِيَ حَقَّ رَبِّهِ .وَالنَّاسُ فِي الْبَابِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ : مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَصِرُ لِنَفْسِهِ وَلِرَبِّهِ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ دِينٌ وَغَضَبٌ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَنْتَصِرُ لَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِرَبِّهِ وَهُوَ الَّذِي فِيهِ جَهْلٌ وَضَعْفُ دِينٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ ؛ لَا لِرَبِّهِ وَهُمْ شَرُّ الْأَقْسَامِ .
وَأَمَّا الْكَامِلُ فَهُوَ الَّذِي يَنْتَصِرُ لِحَقِّ اللَّهِ وَيَعْفُو عَنْ حَقِّهِ . كَمَا قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ : " خَدَمْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي : أُفٍّ قَطُّ . وَمَا قَالَ لِي لِشَيْءِ فَعَلْته : لَمْ فَعَلْته ؟ وَلَا لِشَيْءِ لَمْ أَفْعَلْهُ : لَمْ لَا فَعَلْته ؟ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِهِ إذَا عَتَبَنِي عَلَى شَيْءٍ يَقُولُ : دَعُوهُ لَوْ قُضِيَ شَيْءٌ لَكَانَ " )) ا. هـ
فإذا كان الأمر كذلك فصاحب هذا القسم الكامل يشجع وينصر ويشكر على سعيه الحثيث في الخيرات والطاعات ،لا أن يعاب ويلام ، فبهذا يتبين أن هذه الصورة ليست مقصود كلام الشيخ محمد الإمام حفظه الله فلينتبه القارئ الفاضل لهذا
([38]) رواه أحمد في المسند ( 4 / 126 ) وأبوداود ( رقم 4607 ) وصححه ابن حجر في تخريج " مختصر ابن الحاجب " ( 1 / 137 )
([39]) انظر " كتاب السنة لابن أبي عاصم " ( 63 ـ 71 ) وتعليق الألباني عليه
([40] ) انظر إلى كتاب " دراسة نقدية لقاعدة المعذرة والتعاون " ( 30 ـ 31 ) لفضيلة الشيخ حمد بن إبراهيم العثمان ، راجعه العلامة صالح الفوزان وقرظه العلامة عبدالمحسن العباد حفظهم الله
([41]) “ الإبانة " ( ط2 / ص 79 )
([42] ) “ الإبانة " ( 89 ـ 90 / ط 2 )
([43]) “مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة " ( 1592 ـ 1594 )
([44]) انظر إلى كتاب " الاعتصام " ( 1 / 236 ) للشاطبي
([45]) انظر “ كتابة الإبانة " ( ص 43 من ط 2 ) و ( ص 32 من ط 1 )
ثم نعجب من ذلك أن يأتي متطفف متطفل من أمثال يوسف الجزائري يقول : أن الشيخ محمدا يخدم بكتابه " الإبانة " الحزبية ؟؟ نسأل الله السلامة والعافية من التطفيف والتخريف .
([46] ) “ دراسة نقدية لقاعدة المعذرة والتعاون " ( ص 139 )
([47] ) وأبوحاتم يوسف الجزائري شابههما في مقصودهما وفعلهما ليعظم حجم كتابه ، على أن السبكي عالم غلب عليه الهوى ، وفالح جاهل حدادي ماكر كذاب غلب عليه الهوى وإن كان ردحا من زمان محسوب من أهل السنة والصلاح عند أئمة السنة ، أما أبوحاتم من شهد له بالعلم والصلاح ؟ ومتى كان ذلك ؟
ثم لو كان عنده أدنى مسكة عقل لردعه كلام " الإبانة " عن تأليف هذا الكتاب الذي خلط وخبط فيه ،فيا له من الشبه بينه وبين فالح فيما ذكره الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ
([48]) كما فعل بحاثتنا ومحققنا يوسف الجزائري هنا ينقل في نصوص الكتاب والسنة وكلام الأئمة في ذم التعصب وأهله وهوواقع فيه بأم رأسه و له في تلك النقولات المنقولة نصيب أوفر و أكبر من الذم والله المستعان على العمى والهوى
([49]) “ مدارج السالكين " ( ص 97 )
([50]) انظر " مصباح الظلام " ( ص 38 و ص 41 ) الذي أظلمه بفهمه السقيم ومنهجه العقيم
([51]) هذا السبب الأول الذي أوقعه في هذا الانحراف
([52] ) “ الإبانة " ( ص 267 ط 2 )
([53] ) " فتاوى الشيخ "( 1 / 482 ) ، وإني طالب منك يا طالب العلم أن ترجع إلى نفس الكتاب ( ص 182 ـ 183 ) تجد للشيخ حفظه الله كلاما نفيسا في هذه المسألة فارجع إليه غير مأمور
([54] ) فتاوى فضيلة الشيخ ربيع المدخلي 1 / 287 ـ 292
([55]) “ بداية الإنحراف ونهايته " ( ص 38 ) للشيخ العلامة محمد الإمام
([56] ) وليعلم أن إرهاب هؤلاء أشد وأخطر إرهاب عرفته الإنسانية حيث تتجلى حقيقته في بروز وظهور أفكار منحرفة عن سنن الحق وخط السير اللذين دعا إليهما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد برع هذا الإرهاب الفكري في كتب القوم المضللة وإصداراتهم الثائرة على منهج السلف وأهله المروجة والمزينة لطرائق الباطل بشتى صوره ، ومن أراد معرفة صور هذا الإرهاب وحقيقته من بداية ظهوره إلى يومنا هذا فليرجع طالب الحق إلى كتاب " الإرهاب وآثاره السيئة على الأفراد والأمم " لفضيلة الشيخ العلامة زيد بن محمد بن هادي المدخلي حفظه الله ، فيجد فيه بغيته
([57]) انتهى كلام فالح الحربي
([58] ) تأمل يا أيها المنصف إلى كلام الشيخ ربيع هنا وإلى قول الشيخ محمد الإمام في " الإبانة " (( فإن هذه مسائل شرعية مردها إلى أهل العلم ، وفيها مخارج عندهم ولا تصل إلى الهجر والتحزيب ، ومهما يكن في هذا فالمحافظ على أخوة إخوانه وعلى دعوتهم يتحرى عند حصول هذه الأخطاء ، ويرجع إلى أهل العلم بخلاف من لم يرزق هذا فهو يبادر إلى المنابذة والتحامل )) ، لتجد أن كلامهما خارج من مشكاة واحدة
([59]) تأمل ياأيها القارئ الجامع بين القوم في أخلاقهم وأحكامهم الجائرة الإرهابية
([60] ) قال العلامة صالح أل الشيخ حفظه الله في " إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل " (ص 8)
وأولُ مسألةٍ خاض فيها الخوارج وسَبَّبَتْ التَّوَسُّع في التكفير هي مسألة الحكم بغير ما أنزل الله؛ حيث احتجوا على عليٍ -وكانوا من جيش علي- بأنَّهُ حَكَّمَ الرجال على كتاب الله، لمَّا حَصَلَتْ واقعة التحكيم بين أبي موسى الأشعري وبين عمرو بن العاص رضي الله عنهما ـ فقالوا: حَكَّمَ الرجال على كتاب الله فهو كافر، فَكَفَّرُوا عليا ، استدلالاً بقوله تعالى " وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ “ [المائدة44] ، فذهب إليهم ابن عباس يناظرهم حتى احْتَجَّ عليهم بقول الله " فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا “ [النساء:35]
([61] ) “ إعلام الموقعين " ( 1 / 169 )
([62] ) “ مكانة العلم والعلماء " ( ص 52 ـ 53 ) للعلامة محمد بازمول حفظه الله
([63]) “ مناقشة فالح في قضية التقليد " ( ص 4 ) للعلامة المجاهد ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ
([64] ) انظر " مصباح الظلام " ( 68 ـ 76 )
([65] ) ويكفي شرفا أن صاحب هذا الكتاب محدثا محققا جهبذا وزاده أناقة أنه حققه المحدث الإمام ناصر الدين الألباني ، وقال عنه المحدث المجدد مقبل بن هادي الوادعي : (( أما عبدالرحمن بن يحيى المعلمي فأمثاله قليل في هذا الزمن وكتبه إذا قرأت كتابه " التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل " ترى العجب العجاب من صبره وتجلده في الرد على الكوثري ، وقد لقبه بعضهم بذهبي عصره فالحمد لله كتبه مفيدة وأسلوبه سهل )) ( إجابة السائل على أهم المسائل )
( ص 494 )
لا أدري كيف غاب عن هؤلاء العمالقة الجهابذة فهم أبي حاتم يوسف واهتدى إليه هو، لهو أهدى من علماء الأمة أو أنه على شعبة ضلالة ؟؟؟؟؟
([66] ) " التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل " (ج 1 / ص 382)
([67] ) “ مصباح الظلام " ( ص 44 ـ 67) و ( من ص 77 إلى ص 126)


رشاد بن عبدالرحمن
مشاركات: 35
اشترك في: صفر 1436

رد: صيانة كتاب " الإبانة " من مماحكات وتعسفات يوسف بن العيد الجزائري الهجينة

مشاركة بواسطة رشاد بن عبدالرحمن »

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
جزى الله خيرا صاحب الصيانة وشكر الله له لقد أفاد، ونطلب منه أن يصحح الأخطاء الإملائية، ومن ثم يحملها صيغة بي دي إف لأجل التنزيلpdf، وشكرا.


كاتب الموضوع
أبوأنس بشير الجزائري
مشاركات: 77
اشترك في: صفر 1436

رد: صيانة كتاب " الإبانة " من مماحكات وتعسفات يوسف بن العيد الجزائري الهجينة

مشاركة بواسطة أبوأنس بشير الجزائري »

رشاد بن عبدالرحمن كتب:السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
جزى الله خيرا صاحب الصيانة وشكر الله له لقد أفاد، ونطلب منه أن يصحح الأخطاء الإملائية، ومن ثم يحملها صيغة بي دي إف لأجل التنزيلpdf، وشكرا.


بارك الله فيك ونفع بك ، وتشكر على مرورك
ولا تبخل علينا يا أخي بالتقويم والتنبيه فيما أخطأنا فيه ، فلا ندعي الكمال والله المستعان .
وفقنا الله وأياكم لاتباع الحق والسداد في الأقوال والأعمال


كاتب الموضوع
أبوأنس بشير الجزائري
مشاركات: 77
اشترك في: صفر 1436

رد: صيانة كتاب " الإبانة " من مماحكات وتعسفات يوسف بن العيد الجزائري الهجينة

مشاركة بواسطة أبوأنس بشير الجزائري »

رغبة في استجابة لطلب الأخ الكريم رشاد أقدم للقراء الكرام الرسالة بصيغة ptf
مع معالجة بعض أخطائها وسقطاتها ، ومع ذلك لا ندعي الكمال فيها
رابط المادة

http://up.top4top.net/downloadf-top4top ... 1-pdf.html


أبو الحسن الحضرمي
مشاركات: 10
اشترك في: صفر 1436

رد: صيانة كتاب " الإبانة " من مماحكات وتعسفات يوسف بن العيد الجزائري الهجينة

مشاركة بواسطة أبو الحسن الحضرمي »

جزا الله خيرا أبا أنس على رده الموفق
ولعلها قاصمة لظهر الحذيفي والعراقي
وللتحميل برابط مباشر https://archive.org/download/ali_zeyed_ ... 12/002.pdf

أضف رد جديد