صفحة 1 من 1

سلسلة الفوائد اليومية: (83) فائدة اليوم بعنوان: من حكمة الله الحكيم تفضيل بعض المخلوقات على بعض

مرسل: الأحد 19 ذو الحجة 1438هـ (10-9-2017م) 11:27 am
بواسطة أحمد بن ثابت الوصابي [آلي]

** قال الله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
** وقال: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}
** وقال: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ}
 
** وعَنْ وَاثِلَةَ بْن الْأَسْقَعِ، رَضِيَ اللهُ عَنْه يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» رواه مسلم
 
** قال ابن القيم في كتابه القيم: ( زاد المعاد) , (1/ 40)
** إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْخَلْقِ وَالِاخْتِيَارِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ}،
** وَالْمُرَادُ بِالِاخْتِيَارِ هَاهُنَا: الِاجْتِبَاءُ وَالِاصْطِفَاءُ، فَهُوَ اخْتِيَارٌ بَعْدَ الْخَلْقِ.
** وَإِذَا تَأَمَّلْتَ أَحْوَالَ هَذَا الْخَلْقِ، رَأَيْتَ هَذَا الِاخْتِيَارَ وَالتَّخْصِيصَ فِيهِ دَالًّا عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ تَعَالَى وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَكَمَالِ حِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَأَنَّهُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَلَا شَرِيكَ لَهُ يَخْلُقُ كَخَلْقِهِ، وَيَخْتَارُ كَاخْتِيَارِهِ، وَيُدَبِّرُ كَتَدْبِيرِهِ،
** فَهَذَا الِاخْتِيَارُ وَالتَّدْبِيرُ وَالتَّخْصِيصُ الْمَشْهُودُ أَثَرُهُ فِي هَذَا الْعَالَمِ مِنْ أَعْظَمِ آيَاتِ رُبُوبِيَّتِهِ، وَأَكْبَرِ شَوَاهِدِ وَحْدَانِيَّتِهِ، وَصِفَاتِ كَمَالِهِ، وَصِدْقِ رُسُلِهِ، فَنُشِيرُ مِنْهُ إِلَى يَسِيرٍ يَكُونُ مُنَبِّهًا عَلَى مَا وَرَاءَهُ دَالًّا عَلَى مَا سِوَاهُ.
 
** فَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ سَبْعًا فَاخْتَارَ الْعُلْيَا مِنْهَا فَجَعَلَهَا مُسْتَقَرَّ الْمُقَرَّبِينَ مِنْ مَلَائِكَتِهِ، وَاخْتَصَّهَا بِالْقُرْبِ مِنْ كُرْسِيِّهِ وَمِنْ عَرْشِهِ، وَأَسْكَنَهَا مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، فَلَهَا مَزِيَّةٌ وَفَضْلٌ عَلَى سَائِرِ السَّمَاوَاتِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا قُرْبُهَا مِنْهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
** وَهَذَا التَّفْضِيلُ وَالتَّخْصِيصُ مَعَ تَسَاوِي مَادَّةِ السَّمَاوَاتِ مِنْ أَبْيَنِ الْأَدِلَّةِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَأَنَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ.
** وَمِنْ هَذَا تَفْضِيلُهُ سُبْحَانَهُ جَنَّةَ الْفِرْدَوْسِ عَلَى سَائِرِ الْجِنَانِ، وَتَخْصِيصُهَا بِأَنْ جَعَلَ عَرْشَهُ سَقْفَهَا، …
** وَمِنْ هَذَا اخْتِيَارُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُصْطَفَيْنَ مِنْهُمْ عَلَى سَائِرِهِمْ، كَجِبْرِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، …
** وَكَذَلِكَ اخْتِيَارُهُ سُبْحَانَهُ لِلْأَنْبِيَاءِ مِنْ وَلَدِ آدَمَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا،
** وَاخْتِيَارُهُ الرُّسُلَ مِنْهُمْ، وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ، عَلَى مَا فِي حَدِيثِ أبي ذر الَّذِي رَوَاهُ أحمد، وَابْنُ حِبَّانَ فِي ” صَحِيحِهِ “،
** وَاخْتِيَارُهُ أُولِي الْعَزْمِ مِنْهُمْ، وَهُمْ خَمْسَةٌ الْمَذْكُورُونَ فِي سُورَةِ (الْأَحْزَابِ) وَ (الشُّورَى) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} ، وَقَالَ تَعَالَى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} ،
** وَاخْتَارَ مِنْهُمُ الْخَلِيلَيْنِ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَآلِهِمَا وَسَلَّمَ.
** وَمِنْ هَذَا اخْتِيَارُهُ سُبْحَانَهُ وَلَدَ إِسْمَاعِيلَ مِنْ أَجْنَاسِ بَنِي آدَمَ،
** ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُمْ بَنِي كِنَانَةَ مِنْ خُزَيْمَةَ،
** ثُمَّ اخْتَارَ مِنْ وَلَدِ كِنَانَةَ قُرَيْشًا،
** ثُمَّ اخْتَارَ مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ،
** ثُمَّ اخْتَارَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
** وَكَذَلِكَ اخْتَارَ أَصْحَابَهُ مِنْ جُمْلَةِ الْعَالَمِينَ،
** وَاخْتَارَ مِنْهُمُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ،
** وَاخْتَارَ مِنْهُمْ أَهْلَ بَدْرٍ، وَأَهْلَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ،
** وَاخْتَارَ لَهُمْ مِنَ الدِّينِ أَكْمَلَهُ، وَمِنَ الشَّرَائِعِ أَفْضَلَهَا، وَمِنَ الْأَخْلَاقِ أَزْكَاهَا وَأَطْيَبَهَا وَأَطْهَرَهَا.
** وَاخْتَارَ أُمَّتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ، …
** وَظَهَرَ أَثَرُ هَذَا الِاخْتِيَارِ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَأَخْلَاقِهِمْ، وَتَوْحِيدِهِمْ، وَمَنَازِلِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، وَمَقَامَاتِهِمْ فِي الْمَوْقِفِ، …
** وَمِنْ تَفْضِيلِ اللَّهِ لِأُمَّتِهِ وَاخْتِيَارِهِ لَهَا أَنَّهُ وَهَبَهَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْحِلْمِ مَا لَمْ يَهَبْهُ لِأُمَّةٍ سِوَاهَا، …
** وَمِنْ هَذَا اخْتِيَارُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنَ الْأَمَاكِنِ وَالْبِلَادِ خَيْرَهَا وَأَشْرَفَهَا، وَهِيَ الْبَلَدُ الْحَرَامُ، …
** وَقَدْ ظَهَرَ سِرُّ هَذَا التَّفْضِيلِ وَالِاخْتِصَاصِ فِي انْجِذَابِ الْأَفْئِدَةِ وَهَوَى الْقُلُوبِ وَانْعِطَافِهَا وَمَحَبَّتِهَا لِهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ، فَجَذْبُهُ لِلْقُلُوبِ أَعْظَمُ مِنْ جَذْبِ الْمِغْنَاطِيسِ لِلْحَدِيدِ، فَهُوَ الْأَوْلَى بِقَوْلِ الْقَائِلِ:
محَاسِنُهُ هَيُولَى كُلِّ حُسْنٍ *** وَمِغْنَاطِيسُ أَفْئِدَةِ الرِّجَالِ

** وَمِنْ هَذَا تَفْضِيلُهُ بَعْضَ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ عَلَى بَعْضٍ، فَخَيْرُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ، وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، …
** وَمِنْ ذَلِكَ تَفْضِيلُ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى سَائِرِ الشُّهُورِ،
** وَتَفْضِيلُ عَشْرِهِ الْأَخِيرِ عَلَى سَائِرِ اللَّيَالِي،
** وَتَفْضِيلُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عَلَى أَلْفِ شَهْرٍ. …
** وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اخْتَارَ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ مِنْ أَجْنَاسِ الْمَخْلُوقَاتِ أَطْيَبَهُ، وَاخْتَصَّهُ لِنَفْسِهِ وَارْتَضَاهُ دُونَ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى طَيِّبٌ لَا يُحِبُّ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَلَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ وَالْكَلَامِ وَالصَّدَقَةِ إِلَّا الطَّيِّبَ، فَالطَّيِّبُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ هُوَ مُخْتَارُهُ تَعَالَى. اهـ المراد باختصار
 
** والله الموفق.
** كتبها: أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** السبت 18 / 12/ 1438 هـ

رابط المادة الأصلية:
https://binthabt.al3ilm.com/12595