صغير يحفظ القرآن وهو ابن خمس سنين
قال الخطيب رَحِمَهُ الله تَعَالَى في «الكفاية»(64): سَمِعْتُ الْقَاضِيَ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَصْبَهَانِيَّ، يَقُولُ: حَفِظْتُ الْقُرْآنَ وَلِي خَمْسُ سِنِينَ.
وَحُمِلْتُ إِلَى أَبِي بَكْرِ ابْنِ الْمُقْرِئِ؛ لِأَسْمَعَ مِنْهُ وَلِي أَرْبَعُ سِنِينَ.
فَقَالَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ: لَا تُسَمِّعُوا لَهُ فِيمَا قُرِئَ؛ فَإِنَّهُ صَغِيرٌ.
فَقَالَ لِي ابْنُ الْمُقْرِئِ: اقْرَأْ سُورَةَ الْكَافِرُونَ، فَقَرَأْتُهَا.
فَقَالَ: اقْرَأْ سُورَةَ التَّكْوِيرِ، فَقَرَأْتُهَا.
فَقَالَ لِي غَيْرُهُ: اقْرَأْ سُورَةَ وَالْمُرْسَلَاتِ، فَقَرَأْتُهَا وَلَمْ أَغْلَطْ فِيهَا. فَقَالَ ابْنُ الْمُقْرِئِ: سَمِّعُوا لَهُ وَالْعُهْدَةُ عَلَيَّ.
وشيخ الخطيب: عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه، أبو مُحَمَّد الأصبهاني المعروف بابن اللبان.
أحد أوعية العلم، ومن أهل الدين والفضل، سمع بأصبهان أبا بكر بن المقرئ... ترجم له بذلك الخطيب، وأخرج الأثر في ترجمته في «تاريخ بغداد»(10/143)، ثم قال: وكان ثقة.
وأما أَبُو بَكْرِ ابْنُ الْمُقْرِئِ فهو: مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمِ بْنِ زَاذَانَ أَبُو بَكْرٍ الْمُقْرِئُ، مُحَدِّثٌ كَبِيرٌ ثِقَةٌ أَمِينٌ، صَاحِبُ مَسَانِيدَ وَأُصُولٍ، سَمِعَ بِالْعِرَاقِ، وَالشَّامِ، وَمِصْرَ مَا لَا يُحْصَى كَثْرَةً، تُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ، وَكَانَ مِنَ الْمُعَمَّرِينَ، تُوُفِّيَ عَنْ سِتِّ وَتِسْعِينَ سَنَةً. «تاريخ أصبهان»(2/267) لأبي نعيم.
وهذه بركة إلهيَّة؛ صبي صغير يحفظ القرآن وهو ابن خمس سنين، وقد امتحنوه بسُوَرٍ، القليل من يسلم مِنَ الغلط فيها، فلم يغلط، وهذا دليلٌ على إتقانِهِ ونبوغِهِ، وما حباه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من قوَّةِ الحفظ.
وقد ذكر أهل الحديث هذا الأثر في مسألة سماع الصبي من المحدِّثِ.
ومِنْ هذا الأثر اعتُبِر الضابط في صحة سماع الصغير، الفهم والتمييز.
وفي «مسائل عبد الله بن أحمد لأبيه»( 1633): سَأَلت أبي مَتى يجوز سَماع الصَّبِي فِي الحَدِيث؟
قَالَ: إذا عقل وَضبط.
قلت: فَإِنَّهُ بَلغنِي عَن رجل -سميتُه لَهُ- أنه قَالَ: لَا يجوز سَمَاعه حَتَّى يكون لَهُ خمس عشرَة سنة؛ لِأن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رد الْبَراء وَابْن عمر، استصغرهم يَوْم بدر، فَأنْكر قَوْله هَذَا، وَقَالَ: لَا، بئس القَوْل هَذَا؛ يجوز سَمَاعه إذا عقل، وَكَيف يُصنع بسفيان بن عيينة ووكيع وَذكر أيضا قومًا؟
هذا من حيث التحمل.
وأما من حيث الأداء، فأفادنا والدي رحمه الله أن الأحوط والأولى أن يكون بالغًا، قال: لأنه قبل البلوغ قد يتساهل؛ لأن القلم مرفوعٌ عنه.
وقال والدي رَحِمَهُ الله وغفر له: إذا لم يبلغْ يكون متساهِلًا؛ لأنَّ القلمَ مرفوعٌ عنه، «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ»، ومنهم « الصَّغِيرِ حَتَّى يَبْلُغَ».
فالأَحْوطُ ألَّا يُحدِّثَ إلَّا بعد أن يبلُغَ، وألَّا يؤخذَ عنه إلَّا بعدَ أنْ يبلُغَ.
[مفرَّغ من ش/ 9 من مراجعة تدريب الراوي]
كما نستفيد من قصة ذلك الصبي: أنَّ السلف كان من أوائل اهتمامهم بتعليم أبنائهم حفظ القرآن.
المصدر
https://alwadei967.blogspot.com/2022/12/34.html