اختصار درس الفصول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

أضف رد جديد

كاتب الموضوع
أم عبدالله الوادعية [آلي]
مشاركات: 1299
اشترك في: جمادى الآخرة 1437

اختصار درس الفصول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

مشاركة بواسطة أم عبدالله الوادعية [آلي] »

(48) اختصار درس الفصول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

 
هَل مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّهُ كَانَ يَحرُمُ عَلَيهِ أَكلُ البَصَلِ وَالثُّومِ وَالكُرَّاثِ أَو يُكرَهُ؟
عد بعضهم هذا من الخصائص، ودليل هذا حديث جابر أن النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قال: «كُل، فَإِنِّي أُنَاجِي مَن  لا تُنَاجِي» رواه البخاري (855ومسلم (564).
وقد رجح الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ أن أكل البصل والثوم وكذا ما له رائحه كريهة ليس بحرام على النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، ولكنه كان مكروهًا في حقه، واستدل لذلك بحديث أبي أيوب وفي آخره: «أَحَرَامٌ هُو؟ فَقَالَ: «لَا، وَلَكِنِّي أَكرَهُهُ» فَقَالَ: إِنِّي أَكَرُهُ مَا كَرِهتَ».
ودليل الجواز حديث جابر، وحديث أبي أيوب، كذلك عن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في «صحيح مسلم»(567وفيه قال: أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أَرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ، هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ، أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا.
 
وليس مكروهًا في حقِّنا أكل الثوم والبصل؛ لقول النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُل، فَإِنِّي أُنَاجِي مَن  لا تُنَاجِي».
أما ما جاء عن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وشريك بن حنبل في تحريم الثوم النيء، رواه أبو داود (3828والترمذي (1809)، فهذا أعله أبو حاتم كما في «العلل»(4/366).
 
والممنوع دخول المسجد لمن أكل ذلك نيئًاوكذا مجالس الناس، كما ثبت عن أنس بن مالك قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلا يَقْرَبْنَا-أَوْ: لا يُصَلِّيَنَّ مَعَنَا رواه البخاري (856ومسلم (562).
 وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، الحديث وفيه قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ شَيْئًا، فَلَا يَقْرَبَنَّا فِي الْمَسْجِدِ» فَقَالَ النَّاسُ: حُرِّمَتْ، حُرِّمَتْ، فَبَلَغَ ذَاكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَيْسَ بِي تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لِي، وَلَكِنَّهَا شَجَرَةٌ أَكْرَهُ رِيحَهَا» رواه مسلم (565).
أما بالنسبة لنبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكما تقدم أن حديث أبي أيوب دليل على أنه ليس بحرام عليه، ولكن كان يكره أكله جِبِلَّةً، كما في رواية: «أَحَرَامٌ هُو؟ فَقَالَ: «لَا، وَلَكِنِّي أَكرَهُهُ» وأيضًا لأن النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كان يأتيه جبريل بالوحي كما في الرواية هنا: «كُل، فَإِنِّي أُنَاجِي مَن لَّا تُنَاجِي»
قال الإمام النووي في «شرح صحيح مسلم»(14/9): وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْرُكُ الثُّومَ دَائِمًا؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّعُ مَجِيءَ الْمَلَائِكَةِ وَالْوَحْيِ كُلَّ سَاعَةٍ. اهـ.
وهذا دأب النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ الابتعاد والتنزه عن أكل ما له رائحة كريهة.
ولهذا لما كَانَ النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا، قَالَتْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَتَوَاطَأْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا مَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ»، فَنَزَلَ: ﴿لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ﴾[التحريم: 1] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنْ تَتُوبَا﴾[التحريم: 4]لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا[التحريم: 3لِقَوْلِهِ: «بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا». رواه البخاري (5268ومسلم (1474) واللفظ له.
 وهذا من حسن أخلاق النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ مع أهله وليْنِهِ معهم، امتنع عن شراب العسل وحلف ألَّا يعود لشراب العسل؛ إرضاءً لأهله، كما قال ربنا عَزَّ وَجَل: ﴿تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ﴾[التحريم: 1]. والمغافير: مادة كالصمغ لها رائحة كريهة، والنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لم يشرب مغافير، ولكنه شرب عسلًا، لكن هذا من حِيل النساء ومكرِهِنَّ؛ بسبب جبلة الغيرة، فتواطأت عائشة وحفصة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا على قول: «إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ ».
 قال النووي رَحِمَهُ اللهُ في «شرح صحيح مسلم»(10/76): وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ أَنْ تُوجَدَ مِنْهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ. اهـ.
ولحرص النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ على طيب رائحته ورائحة فمه، كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك، وإذا استيقظ من النوم بدأ بالسواك، فالنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كان حريصًا على السواك؛ لتطهيره الفم ونظافته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 قَد يَترُكُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعضَ الأَكلِ لِأَنَّهُ يَعَافُهُ جِبِلَّةً
من الأشياء التي كره أكلها النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ الضب، لا أنه محرم عليه.
روى البخاري (5400)، ومسلم (1945) عَنْ خَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَبٍّ مَشْوِيٍّ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ لِيَأْكُلَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ ضَبٌّ، فَأَمْسَكَ يَدَهُ، فَقَالَ خَالِدٌ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ قَالَ: «لا، وَلَكِنَّهُ لاَ يَكُونُ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» فَأَكَلَ خَالِدٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ.
«أَعَافُهُ» يعافه جبلة، وهذا دليل على جواز أكل الضب، وكما قال عبد الله بن عباس: «فَأُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا أُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» رواه البخاري (2575ومسلم (1947).
وفي رواية «لَستُ بِآكِلِهِ وَلَا مُحَرِّمِهِ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هَل مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ تحريم أَكلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا؟
عد بعضهم من الخصائص أنه يحرم عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يأكل متكئًا؛ لما رواه البُخَارِيُّ عَن أَبِي جُحَيفَةَ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ مُتَّكِئًا»،وهذا ليس بصحيح؛ لأن الحديث فيه إخبار عن سنة تركية من فعل النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وليس فيه النهي، فيكره ذلك للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ولغيره، وليس هناك خصوصية.
أما معنى الاتكاء: فمنهم من فسر الاتكاء بالاضطجاع، ومنهم من فسره بالتربع كما فسره الخطابي رَحِمَهُ اللهُ وغيره من أهل اللغة، ومنهم من قال: المراد الِاتِّكَاءُ عَلَى إِحْدَى يَدَيْهِ وَأَكْلُهُ بِالْأُخْرَى، قال ابن القيم في «زاد المعاد»: وَالثَّلَاثُ مَذْمُومَةٌ.
والصحيح أن الاتكاء المذكور في حديث أبي جحيفة المراد به: الميل على أحد الجانبين، نفس الاتكاء الذي في حديث أبي بكرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ» قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ»، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: «أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ» فَمَا زَالَ يَقُولُهَا، حَتَّى قُلْتُ: لا يَسْكُتُ. رواه البخاري (5976ومسلم (87فهذا الحديث يفسر المراد بالاتكاء الذي لا يأكل النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وهو يفعله، وقد ذهب إلى هذا جماعة من أهل العلم، ورجحه الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ وذكر نحو ما تقدم، وهو قول الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُم اللهُ، وقد ذُكِر مصادر أقوالهم في أصل هذا المختصر، وبالله التوفيق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 هَل مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّهُ نُهِيَ عَن طَعَامِ الفَجأَةِ؟
طعام الفجأة، ويقال: الفُجَاءَة، قال ابن القيم في «مدارج السالكين»(1/138) عن طعام الفجاءة: وَذَوْقِ طَعَامِ الْفُجَاءَةِ، وَهُوَ الطَّعَامُ الَّذِي تَفَجَّأَ آكِلُهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَدْعُوَكَ إِلَيْهِ. اهـ.
فهذا معنى طعام الفجاءة، كأن يمر شخص بأناس يأكلون فيدعونه؛ ليأكل، أو يأتي إلى شخص لأمرٍ ما فيأتيه بطعام جاهزٍ؛ ليأكل.
قال البيهقي في «السنن»(7/108): وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثٌ بِنَفْيِ التَّخْصِيصِ الَّذِي تَوَهَّمَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي طَعَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ.
 ثم أخرج حديث جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-وقد بوب عليه أبو داود في «سننه»(بَابٌ فِي طَعَامِ الْفُجَاءَةِ)(3762)-، أَنَّهُ قَالَ: «أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شِعْبٍ مِنَ الْجَبَلِ وَقَدْ قَضَى حَاجَتَهُ، وَبَيْنَ أَيْدِينَا تَمْرٌ عَلَى تُرْسٍ أَوْ حَجَفَةٍ، فَدَعَوْنَاهُ، فَأَكَلَ مَعَنَا وَمَا مَسَّ مَاءً».
والحديث سنده ضعيف؛ فيه أبو الزبير مدلس وقد عنعن.
 قال الخطابي رَحِمَهُ اللهُ في «معالم السنن»(4/242) عن حديث جابر: دلالةُ هذا أن طعام الفجأة غير مكروه، إذا كان الآكل يعلم أن صاحب الطعام قد تسره مساعدته إياه على أكله، ومعلوم أن القوم كانوا يفرحون بمساعدة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم ويتبركون بمؤاكلته، وإنما جاءت الكراهة في طعام الفجأة إذا كان لا يؤمن أن يشق ذلك صاحب الطعام ويشق عليه، ولعله إنما يعرض طعامه إذا فجأه الداخل عليه؛ استحياء منه لا إيجابًا له، والله أعلم. اهـ.
أي: ليس بطيبة نفس، مع أن الحديث في النهي عن طعام الفجاءة سنده ضعيف، ولكن إذا شعر من نفسه أنهم يكرهون أن يأكل معهم فلا يأكل.
ومما يدل على جواز طعام الفجأة: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، قَالَ: دَخَلَ عَلَيْهِ الأَشْعَثُ وَهْوَ يَطْعَمُ فَقَالَ: اليَوْمُ عَاشُورَاءُ؟ فَقَالَ: «كَانَ يُصَامُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تُرِكَ فَادْنُ فَكُلْ»رواه البخاري (4503ومسلم (1127).
قال البيهقي في «السنن»(7/109): وَكُلُّ ذَلِكَ يَنْفِي التَّخْصِيصَ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
فطعام الفجاءة جائز للشخص أن يأكل منه، ولكن إن شعر أنهم لا يرغبون أن يأكل معهم فيترك ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّهُ إِذَا طَلَبَ مِن أَحَدٍ طَعَامًا لَيسَ عِندَهُ غَيرُهُ أَن يُبذِلَهُ لَهُ
هذا من الخصائص أنه يجب على من طلب منه النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ طعامًا ليس عنده إلا ذلك الطعام، فعليه أن يبذله للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ؛ صيانة لمهجة النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، أي: لقلبِه، المهجة: القلب.
والدليل قوله تعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6)﴾[الأحزاب: 6]. الآية تشمل هذا المعنى، ولما فِي «الصَّحِيحَينِ»: «لَا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيهِ مِن وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 هَل مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَن يَحمِي أَرضًا خَاصَّةً بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
هذا عده بعضهم من الخصائص أن يجعل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له حِمى، أي: مكانًا خاصًّا به، لما رواه البُخَارِيُّ عَنِ الصَّعبِ بنِ جَثَّامَةَ مَرفُوعًا: «لَا حِمَى إِلَّا لِلهِ وَرَسُولِهِ».
ولا يدل هذا على الخصوصية، فيجوز لغير النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أن يخصص لنفسه حمى لمصلحة، كما فعل عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اتخذ حمى الربذة لنَعَم الصدقة.
وهذا رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه»(5/6): عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ: حَمَى الرَّبَذَةَ لِنَعَمِ الصَّدَقَةِ، والأثر صحيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّهُ يَقبَلُ الهَدَايَا لِانتِفَاءِ التُّهمَةِ بِخِلِافِ غَيرِهِ مِنَ الأُمَرَاءِ
من الخصائص أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبل الهدية لِانتِفَاءِ التُّهمَةِ وهي عدم القضاء بالعدل؛ لأنه قد يميل إلى الذي أهدى له ولو بالباطل، بخلاف غيره من الأمراء.
وقد ورد حديث: «أَنَّ هَدَايَا العُمَّالِ غُلُولٌ» رواه الإمام أحمد (39/14) عن أبي حميد الساعدي، وفيه إسماعيل بن عياش ضعيف إذا روى عن غير الشاميين، وقد روى هنا عن غير شامي. و ينظر تحقيق «مسند أحمد».
 وفي «صحيح البخاري»(6636) عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ عَامِلًا، فَجَاءَهُ العَامِلُ حِينَ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي. فَقَالَ لَهُ: «أَفَلاَ قَعَدْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ، فَنَظَرْتَ أَيُهْدَى لَكَ أَمْ لاَ؟» ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةً بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَتَشَهَّدَ وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَمَا بَالُ العَامِلِ نَسْتَعْمِلُهُ، فَيَأْتِينَا فَيَقُولُ: هَذَا مِنْ عَمَلِكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، أَفَلاَ قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَنَظَرَ هَلْ يُهْدَى لَهُ أَمْ لا» الحديث. يعني: ما أعطي إلا لأنه في القضاء، فلو أنه ليس له منصب ما أُعطي، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هَل مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُعطِي عَطَاءً وَهُوَ يُرِيدُ المُكَافَئَةَ بِأَكثَرَ؟
عد بعضهم هذا من الخصائص، وهذا ليس فيه خصوصية الدليل عام ﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ ﴾. هذا دليل على أن الأولى أنه يعطي من غير طلب المكافأة أو أكثر من ذلك.
ومعنى الآية كما قال السعدي في «تفسيره» (642): أي: ما أعطيتم من أموالكم الزائدة عن حوائجكم وقصدكم بذلك أن يربو أي: يزيد في أموالكم، بأن تعطوها لمن تطمعون أن يعاوضكم عنها بأكثر منها، فهذا العمل لا يربو أجره عند الله؛ لكونه معدوم الشرط الذي هو الإخلاص، ومثل ذلك العمل الذي يراد به الزيادة في الجاه والرياء عند الناس، فهذا كله لا يربو عند الله. اهـ.
فهذا لا يكون فيه أجر، إذا كان المقصد المكافأة على الهدية؛ لأنه ليس فيه شرط الإخلاص.
وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)﴾ قال ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ في «إعلام الموقعين»(3/136): قَالَ الْمُفَسِّرُونَ مِنْ السَّلَفِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ: لَا تُعْطِ عَطَاءً تَطْلُبُ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ تُهْدِيَ؛ لِيُهْدَى إلَيْك أَكْثَرُ مِنْ هَدِيَّتِك. اهـ المراد.
فالذي ينبغي أن يعطي العطاء لوجه الله ولا يريد منه جزاء ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)﴾[الإنسان: 9].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 مِن خَصَائِصِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَسَائِرُ الأَنبِيَاءِ عَلَيهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُم لَا يُورَثُونَ
هذا من خصائصه هو وسائر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. الشيعة يقولون: يورث النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وأن أبا بكر ظلم فاطمة، ومنعها إرث أبيها، وحرَّفوا هذه الرواية، وقالوا: «مَا تَرَكنَا صَدَقَةً» بالنصب على أن «صدقة»مفعول به، و«ما» نافية، أي: ما تركنا شيئًا من الصدقة، والرواية «مَا تَرَكنَا صَدَقَةٌ» بالرفع، «ما» اسم موصول، «صدقة»خبر، و«تركنا» صلة الموصول، والعائد محذوف، ولقد أحسن الحافظ ابن كثير إذ يقول:وَلَا التِفَاتَ إِلَى خُرَافَاتِ الشِّيعَةِ وَالرَّافِضَةِ؛ فَإِنَّ جَهلَهُم قَد سَارَت بِهِ الرُّكبَانُ.
 

المصدر
https://alwadei967.blogspot.com/2022/12/48.html


كاتب الموضوع
أم عبدالله الوادعية [آلي]
مشاركات: 1299
اشترك في: جمادى الآخرة 1437

(49) اختصار درس الفصول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

مشاركة بواسطة أم عبدالله الوادعية [آلي] »

(49) اختصار درس الفصول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

 
مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّ اللهَ أَمَرَهُ بِتَخيِيرِ نِسَائِهِ بَينَ البَقَاءِ عِندَهُ وَبَينَ الفِرَاقِ
قال تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) ﴾ قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: هَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، بِأَنْ يخَيّر نِسَاءَهُ بَيْنَ أَنْ يُفَارِقَهُنَّ، فَيَذْهَبْنَ إِلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ يَحصُل لَهُنَّ عِنْدَهُ الحياةُ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا، وَبَيْنَ الصَّبْرِ عَلَى مَا عِنْدَهُ مِنْ ضِيقِ الْحَالِ، وَلَهُنَّ عِنْدَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ، فَاخْتَرْنَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ وَأَرْضَاهُنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، فَجَمَعَ اللَّهُ لَهُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ بَيْنَ خَيْرِ الدُّنْيَا وَسَعَادَةِ الْآخِرَةِ. اهـ.
وروى مسلم (1475) عن عائشة قَالَتْ: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ، بَدَأَ بِي، فَقَالَ: «إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ»، قَالَتْ: قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا[الأحزاب: 29]»، قَالَتْ: فَقُلْتُ: فِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ مَا فَعَلْتُ. ورواه البخاري (4786).
 قال القرطبي في «تفسيره»(14/163): قَالَ الْعُلَمَاءَ: وَأَمَّا أَمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ أَنْ تُشَاوِرَ أَبَوَيْهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّهَا، وَكَانَ يَخَافُ أَنْ يَحْمِلَهَا فَرْطُ الشَّبَابِ عَلَى أَنْ تَخْتَارَ فِرَاقَهُ، وَيَعْلَمَ مِنْ أَبَوَيْهَا أَنَّهُمَا لَا يُشِيرَانِ عَلَيْهَا بِفِرَاقِهِ. اهـ.
وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة؛ لفضلِها وشرفِها.
 وقد بُيِّن في حديث عمر بن الخطاب الذي رواه البخاري (2468ومسلم (1479) سبب تخيير النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لنسائه واعتزالهن شهرًا؛ وذلك لإفشاء حفصة السر، كما في حديث عمر.
ويجوز لغير النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن يخير امرأته بين البقاء والطلاق، فعَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، عَنِ الخِيَرَةِ، فَقَالَتْ: «خَيَّرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، أَفَكَانَ طَلاَقًا؟» رواه البخاري(5263ومسلم (1477).
لكن الذي هو من خصوصيات النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن الله أمره بذلك، وغيره ليسوا بمأمورين، ولكن إذا أحب أن يخيِّر امرأته فعل.
ويدخل في هذا إذا كبرت المرأة في السن، وصارت غير مرغوبة في العشرة، فله أن يخيرها أن تصبر وتبقى ولها السكنى والنفقة، يعني: تتنازل عن بعض حقوقها أو عن حقوقها كاملة إلا أنها تبقى من غير فراق، يخيرها بين هذا وبين الفراق، وهذا كما حصل في قصة سودة بنت زمعة وأنها لما كبرت وخشيت أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يفارقها فتنازلت عن يومها لعائشة، وفيها نزل قول الله: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128)﴾[البقرة: 128].
هذا الحديث يفيد الجواز، ولا يقال: إن هذا ليس من الوفاء للزوجة، فهذا جائز؛ بجوازه جاء الدليل، ﴿ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ هذا الأفضل أن تبقى وتصبر على ما قدر الله وقضى، من غير فراقٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: هل كان يجب على نساء النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن يُجِبْنَ على الفور-أي: بعد السؤال مباشرة وهو التخيير- أم أن هذا على التراخي؟
استنبط الصباغ من قول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لعائشة: «فَلَا عَلَيكِ أَن تَستَأمِرِي أَبَوَيكِ» أن هذا يفيد التراخي لا الفورية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هَل حَرُمَ عَلَيهِ طَلَاقُهُنَّ بعد اختيار نسائه الله ورسوله والدار الآخرة؟
قوله تعالى: ﴿ لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52)﴾، حرم الله على النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلاقَ نسائه بعد أن خيرهن فاخترن الله ورسوله والدر الآخرة، ثم نُسخ بقوله تعالى: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا(51)﴾[الأحزاب: 51].
نُسِخَ ذلكَ؛ لتكون المنةُ للنبي صلى الله عليه وسلم على نسائه؛ بأن يكرمهن بعدم طلاقهن بعد اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة، فكافأهن بالجزاء الحسن، وأكرمهن بعدم الفراق لهن.
فقوله تعالى: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ هذا فيه أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يجوز له الطلاق بعد التخيير، لكنه لم يفعل ذلك.
ويجوز له صلى الله عليه وسلم أن يتزوج على نسائه بعد التخيير؛ لهذه الآية المذكورة: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ﴾، ولهذا الحديث: «مَا مَاتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أُبِيحَ لَهُ النِّسَاءُ».
ويجوز له بعد التخيير أن يفارق نساءه لهذه الآية، والمسألة مفترَضَة؛ فنساء النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قد اخترنه وانتهى الأمر، وقد توفي عن تسع نسوة ولم يطلق واحدة منهن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هَل مِن خَصَائِصِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيهِ فِرَاقُ مَنِ اختَارَت فِرَاقَهُ؟
قولان عند الشافعية، أحدهما: يجب عليه أن يفارق من اختارت فراقه.
والقول الآخر يفارقها؛ تكرمًا منه صلى الله عليه وسلم وتفضلًا، والمسألة مفترضة فلم يحصل، فنساء النّبِيّ صلى الله عليه وسلم  اخترن الله ورسوله والدار الآخرة رضي الله عنهن وأرضاهن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسألة هل يحل للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج كتابية؟
يتزوج يهودية، أو نصرانية، مختلف في هذا، ولم يصح أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم تزوج بكتابية؛ فنساؤه صلى الله عليه وسلم كلهن مسلمات، مؤمنات، بارات، وهن أمهات المؤمنين، كما قال ربنا: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾[الأحزاب: 6]. والآية دليل أن أزواج النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، والكتابية لا تكون كذلك.
وأما مارية القبطية فكانت كتابية، ولكنها سُرِّية وليست بزوجة له صلى الله عليه وسلم،  وهي التي ولدت إبراهيم ابن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ولأنها سُرية لم يعقد عليها، وقد جاء أنها أسلمت قبل وصولها المدينة، وجاء أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عرض عليها وعلى أختها سيرين الإسلام.
فيحرم نكاحه صلى الله عليه وسلم كتابية، وقد استُدل بحديث: «زَوجَاتِي فِي الدُّنيَا زَوجَاتِي فِي الآخِرَةِ»، والحديث ليس له أصل، وإنما جاء عن بعض الصحابة، منهم عن عمار بن ياسر قال في شأن عائشة: «وَوَاللَّهِ إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ابْتَلاَكُمْ، لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ تُطِيعُونَ أَمْ هِيَ» رواه البخاري (7100)
 وعَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّ عَائِشَةَ اشْتَكَتْ، فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: «يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ تَقْدَمِينَ عَلَى فَرَطِ صِدْقٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ» رواه البخاري (3771).
بخلاف غيره من أمته فيجوز لهم نكاح الكتابية، وسيأتي هذا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حُكمُ تَسَرِّيهِ صلى الله عليه وسلم وَتَزَوُّجِهِ بِالأَمَةِ المُسلِمَةِ
الأمة: ملك اليمين، ويقال لها: السُّرِّيَّةُ يتخذها سيدها للخدمة وللجماع.
هنا عدة مسائل:
المسألة الأولى: هل يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم نكاح الكتابية؟
 فيه خلاف، والدليل أن من خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه لا ينكح كتابية أن أزواجه أمهات المؤمنين، والكتابية لا تصلح أن تكون أمًّا للمؤمنين.
وأما في حق غيره من أمته فيجوز الزواج بالكتابية؛ لقوله تَعَالَى: ﴿ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ﴾[المائدة: 5]. فيجوز الزواج بالكتابية لكن بشرط: أن تكون محصنة –أي: عفيفةوأهل العلم ينبهون أن الأَولى عدم الزواج بالكتابية؛ لأنها قد تؤثر عليه وتفتنه في دينه وعقيدته، وتفسد عليه أولاده، فينبغي أن يترك الزواج بالكتابية لله سُبحَانَهُ «إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا اتِّقَاءَ اللهِ إِلَّا أَعْطَاكَ اللهُ خَيْرًا مِنْهُ»رواه أحمد (34/342وهو في «الصحيح المسند»(1489) لوالدي رَحِمَهُ الله.
المسألة الثانية: هل يجوز له التسري بالأمة الكتابية؟ هذا جائز كما يجوز لأمَّته وأتباعه.
المسألة الثالثة: هل يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بالأمة المسلمة؟ الأصح عند الشافعية أنه لا يباح له نكاح الأمة المسلمة.
المسألة الرابعة: هل يجوز له صلى الله عليه وسلم نكاح الأمة الكتابية؟ من خصائصه صلى الله عليه وسلم لا ينكح حُرَّةً كتابية، فتركه لنكاح الأمة الكتابية من باب أولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَسأَلَةٌ:
[عَدَدُ نِسَائِهِ صلى الله عليه وسلم اللَّائِي تُوُفِيَ عَنهُنَّ]
مَاتَ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامِهِ عَلَيهِ عَن تِسعِ نِسوَةٍ.
قال ابن القيم في «زاد المعاد»(1/110): وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ عَنْ تِسْعٍ.
روى البخاري (5068ومسلم (1462)عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَهُ تِسْعُ نِسْوَةٍ».
واتفق العلماء على إباحة تسع نساء للنبي صلى الله عليه وسلم.
 واختلفوا فِي جَوَازِ الزِّيَادَةِ، والصَحِيحُ كما قال ابن كثير في «الفصول»:أَنَّهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ.
ومن خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه يباح له أكثر من أربع نسوة، بخلاف أمته، قال تعالى: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا(3)﴾[النساء: 3].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَسأَلَةٌ: من خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم صحة هبة المرأة نفسها له
قال الله: ﴿ إِنْ امرأة مؤمنة وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، ولحديث الواهبة، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُ أَهَبُ لَكَ نَفْسِي» الحديث رواه البخاري (5087ومسلم (1425).
 وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَقُولُ أَتَهَبُ المَرْأَةُ نَفْسَهَا؟» فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿تُرْجِئُ مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ قُلْتُ: مَا أُرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ. رواه البخاري (4788ومسلم (1464).
فهذا من الخصائص النبوية.
وغير نكاح الهبة يحتاج إلى مهر ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا(4)﴾[النساء: 4]. ويحتاج إلى ولي في العقد كما قال النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ» رواه أبو داود (2085وهو في «الصحيح المسند»(815)لوالدي رَحِمَهُ الله.
أما الهبة فيكفي موافقة النّبِيّ صلى الله عليه وسلم في ثبوت النكاح.
وهل قبِل النّبِيّ صلى الله عليه وسلم  الواهبات؟
جاء أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم يقبل ولا واحدة من الواهبات، قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»(8/526): لَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِمَّنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى إِرَادَتِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا﴾، وَقَدْ بَيَّنَتْ عَائِشَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ سَبَبَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَأَشَارَتْ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا للنَّبِي﴾.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: هَل كَانَ يَنحَصِرُ طَلَاقُهُ فِي الثَّلَاثِ؟
الأصح عند الشافعية أنه ينحصر الطلاق بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم في الثلاث كغيره قال الله: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾[البقرة]الآيات. وهذا هو
وقيل: لا ينحصر بثلاث طلقات كما لا ينحصر زواجه بالأربع وهذا تعسف؛ لعدم التلازم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَسأَلَةٌ:
[مِن خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم أنه يُبَاحُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِغَيرِ وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ]
هذا من خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه يباح له التزوج بغير ولي ولا شهود، لِحَدِيثِ زَينَبَ بِنتِ جَحشٍ أَنَّهَا كَانَت تَفَخَرُ عَلَى أَزوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَقُولُ: زَوَّجَكُنَّ أَهلُوكُنَّ، وَزَوَّجَنِي اللهُ مِن فَوقِ سَبعِ سَمَوَاتٍ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ .  وقد دخل عليها النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مباشرة من غير إذنها، رواه الإمام مسلم (1428) عَنْ أَنَسٍ.
قال النووي رَحِمَهُ اللهُ في «شرح صحيح مسلم»(9/228): فدخل عليها بغير إذن؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَوَّجَهُ إِيَّاهَا بِهَذِهِ الْآيَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَسأَلَةٌ: وَهَل كَانَ يُبَاحُ لَهُ التَّزَوُّجُ فِي الإِحرَامِ؟
فيه قولان:
الأول: لَا، لِعُمُومِ الحَدِيثِ الَّذِي فِي مُسلِمٍ عَن عُثمَانَ، عَن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَنكِحُ المُحرِمُ وَلا يُنكِحُ وَلَا يَخطُبُ»
«لَا يَنكِحُ المُحرِمُ» أي: لا يتزوج وهو محرم. «وَلا يُنكِحُ» بضم الياء وكسر الكاف، أي: لا يزوج غيره.  
الثاني: صحح بعضهم الجواز.
وَلَكِن يُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ مُسلِمٌ عَن مَيمُونَةَ نَفسِهَا: أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِهَا وَهُمَا حَلَالَانِ، وصَاحِبُ القِصَّةِ أَعلَمُ بِهَا مِن غَيرِه.
قاعدة أصولية: صَاحِبُ القِصَّةِ أَعلَمُ بِهَا مِن الغَيرِ.
إذا وقع خلاف بين صاحب القصة وبين غيره، هذا ينفي وهذا يثبت، نأخذ بقول صاحب القصة؛ لأن صاحب القصة أعلم من غيره، والمراد إذا ثبت السند، والله الموفق.
قاعدة أصولية: المُخَاطِبُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ مُتَعَلَّقِ خِطَابِهِ عِندَ الأَكثَرِينَ.
هذه قاعدةأنه يدخل المخاطِب-وهو المتكلم- في خطابه-أي: في كلامهفإذا أمر أو نهى يدخل في هذاإذا سلم من المعارض، فإذا كان هناك قرينة تدل على إخراج المخاطِب، فإنه يخرج من الخطاب.
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَسأَلَةٌ: مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّ مَن رَغِبَ فِي نِكَاحِهَا وَجَبَ عَلَيهَا إِجَابَتُهُ
من خصوصيات النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: أنه إذا رغب في نكاح امرأة وجب عليها إجابته وليس لها أن تمتنع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَسأَلَةٌ: هل يجب على النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن يقسم لنسائه أم من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه لا يجب عليه؟
قولان في المسألة، والذي رجحه ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ أنه يجب عليه القسم لنسائه، فعلى هذا لا خصوصية، واستدل بحديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أنها قَالَتْ: «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيَتَعَذَّرُ فِي مَرَضِهِ: أَيْنَ أَنَا اليَوْمَ، أَيْنَ أَنَا غَدًا اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي، قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَدُفِنَ فِي بَيْتِي» رواه البخاري (1389ومسلم (2443).
«أَيْنَ أَنَا اليَوْمَ، أَيْنَ أَنَا غَدًا» يريد يوم عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فأذِنَّ له أن يبقى في بيت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ جميعًا.
وتقول عائشة: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَسْمِ» رواه أبو داود (2135وهو في «الصحيح المسند»(1607)لوالدي رَحِمَهُ الله.
والقول الثاني: أنه لا يجب، وهذا هو الصحيح، فمن خصوصيات النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه لا يجب عليه أن يقسم لنسائه، قال الله تَعَالَى: ﴿ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ﴾، وأما حديث عائشة المذكور وما في معناه فهذا من ورع النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وحرصه على العدل بين نسائه، لا على سبيل الوجوب، فهذا حال النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مع نسائه التزام العدل لا على سبيل الوجوب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَسأَلَةٌ: هَل مِنَ الخَصَائِصِ أَنَّ مَن أَعتَقَهَا يَكُونُ عِتقُهَا صَدَاقَهَا؟
عد بعضهم من الخصائص النبوية: أنه يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يعتق الأمة ويتزوجها، ويجعل عتقها صداقها، والصحيح كما ذكر ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ في «زاد المعاد»(1/109) أنه لا اختصاص في ذلك، فالحكم عام.

المصدر
https://alwadei967.blogspot.com/2022/12/49_31.html


كاتب الموضوع
أم عبدالله الوادعية [آلي]
مشاركات: 1299
اشترك في: جمادى الآخرة 1437

(50) اختصار درس الفصول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

مشاركة بواسطة أم عبدالله الوادعية [آلي] »

(50) اختصار درس الفصول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

 
[مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّ أَزوَاجَهُ أُمَّهَاتُ المُؤمِنِينَ]
من خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن أزواجه أمهات المؤمنين، والدليل هذه الآية: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾، ومعنى هذه الأمومة كما قال الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ في «الفصول»: (الاحتَرَامُ، وَالطَّاعَةُ، وَتَحرِيمُ العُقُوقِ، وَوُجُوبُ التَّعظِيمِ)، وكذلك تحريم الزواج بهن، وتحريم العقوق، فكيف من يعق أم المؤمنين عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، ويتهمها بما برأها الله سُبحَانَهُ منه؟!
لا يدخل في هذه الأمومة تحريم الزواج ببنات أمهات المؤمنين؛ فقد زوَّج النّبِيّ صلى الله عليه وسلم رقية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وبعد أن توفيت في غزوة بدر، زوجه بأم كلثوم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وزوج فاطمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وزوج زينب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أبا العاص بن الربيع رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وأما الخلوة بنساء النّبِيّ صلى الله عليه وسلم حرام، قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)﴾[الأحزاب: 53].
قال الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ في «تفسيره»(6/381) بعد أن ذكر المراد بأمومة نساء النّبِيّ صلى الله عليه وسلم للمؤمنين: وَلَا يَنْتَشِرُ التَّحْرِيمُ إِلَى بَنَاتِهِنَّ وَأَخَوَاتِهِنَّ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ سَمَّى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَنَاتِهِنَّ أَخَوَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا هُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ فِي «الْمُخْتَصَرِ»، وَهُوَ مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ الْعِبَارَةِ لَا إِثْبَاتِ الْحُكْمِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زوجات النّبِيّ صلى الله عليه وسلم هل هن أمهات المؤمنين والمؤمنات أم أمهات المؤمنين فقط؟
 قال ابن العربي رَحِمَهُ اللهُ في «أحكام القرآن»(3/542): اخْتَلَفَ النَّاسُ، هَلْ هُنَّ أُمَّهَاتُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، أَمْ هُنَّ أُمَّهَاتُ الرِّجَالِ خَاصَّةً؟
 عَلَى قَوْلَيْنِ: فَقِيلَ: ذَلِكَ عَامٌّ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.
 وَقِيلَ: هُوَ خَاصٌّ لِلرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ إنْزَالُهُنَّ مَنْزِلَةَ أُمَّهَاتِهِمْ فِي الْحُرْمَةِ، حَيْثُ يُتَوَقَّعُ الْحِلُّ، وَالْحِلُّ غَيْرُ مُتَوَقَّعٍ بَيْنَ النِّسَاءِ، فَلَا يُحْجَبُ بَيْنَهُنَّ بِحُرْمَةٍ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّاهُ. فَقَالَتْ: «لَسْت لَك بِأُمٍّ، إنَّمَا أَنَا أُمُّ رِجَالِكُمْ»، وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ.
 هذا ترجيح ابن العربي رَحِمَهُ اللهُ وقد تعقبه القرطبي رَحِمَهُ اللهُ في «تفسيره»(14/123وقال: قُلْتُ: لَا فَائِدَةَ فِي اخْتِصَاصِ الْحَصْرِ فِي الْإِبَاحَةِ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ تَعْظِيمًا لِحَقِّهِنَّ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. يَدُلُّ عَلَيْهِ صَدْرُ الْآيَةِ: ﴿النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾، وَهَذَا يَشْمَلُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ ضَرُورَةً. اهـ.
فالدليل يرد قول ابن العربي، الله عزوجل يقول: ﴿النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فالدليل عام يشمل الرجال والنساء، وكذلك ما بعده ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ عام يشمل الرجال والنساء.
أما قول عائشة: أَنَا أُمُّ رِجَالِكُمْ وَلَسْتُ أُمَّ نِسَائِكُمْ. رواه ابن سعد في «الطبقات»(10/171وسنده ضعيف جدًّا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 هَل يَدخُلُ النِّسَاءُ فِي الخِطَابِ لِلذُّكُورِ؟
مثل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾[هود: 118]. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾[هود: 118الصحيح أنهن يدخلن قال تَعَالَى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)﴾[الأحزاب: 21]. وقال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)﴾[الحشر: 7]. ولا يخرجن إلا بدليل يخصصهن، وفي القاعدة: الأصل عموم التشريع إلا ما خصصه الدليل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هل يقال في إخوة أمهات المؤمنين أخوال المؤمنين كمعاوية بن أبي سفيان وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق؟ فيه خلاف بين أهل العلم، وقد ذكر هذه المسألة شيخ الإسلام في «منهاج السنة»(4/369-370).
والذين قالوا: إخوة أمهات المؤمنين أخوال المؤمنين قصدُهم إثبات مصاهرتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لا دليل على ذلك أنه يقال: أخوال المؤمنين، وهذا الذي رجحه الشنقيطي في «أضواء البيان» في تفسير سورة الأحزاب(رقم الآية: 6).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وَهَل يُطلَقُ عَلَى بَنَاتِهِنَّ أَخَوَاتُ المُؤمِنِينَ؟
ليس على هذا دليل، ولكن هن أخوات المؤمنين من حيث الأُخوة الإيمانية ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾[الحجرات: 10]. أما باعتبار أن أمهاتهن أمهات المؤمنين، فيقال لبناتهن: أخوات المؤمنين، هذا ليس عليه دليل، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هَل يُقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم: أَبُو المُؤمِنِينَ؟
ذهب بعضهم إلى أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أبو المؤمنين، ودليلهم ما يلي:
قوله تعالى: ﴿ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [الأحزاب: 6]. قال الشنقيطي رَحِمَهُ الله في «أضواء البيان»(6/232): يُفْهَمُ مِنْ هذه الآية أَنَّهُ هُوَ صلى الله عليه وسلم أَبٌ لَهُمْ.
 وقراءة ﴿ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ .
 وقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ أُعَلِّمُكُمْ» رواه أبو داود في «سننه»(8) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وذكره والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله في «الصحيح المسند»(1326).
 ومنع ذلك بعض أهل العلم؛ لقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾، والجواب عن هذه الآية كما قال الحافظ ابن كثير: (وَلَكِنَّ المُرَادَ أَبَاهَمُ فِي النَّسَبِ)، فالآية تنفي الأبوة في النسب، أما الأبوة الإيمانية وأبوة التربية والتعليم فلا تنفيه الآية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 [مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ]
وَأَزوَاجُهُ أَفضَلُ نِسَاءِ الأُمَّةِ
من خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن أزواجه أفضل نساء الأمة، ولم يقيد الحافظ ابن كثير فضل نسائه على هذه الأمة، بل أطلق؛ ليعم نساء هذه الأمة وغيرها.
لِتَضعِيفِ أُجْرِهِنَّ، بِخِلَافِ غَيرِهِنَّ قال تعالى: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا(30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)﴾[الأحزاب: 30-31].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أفضل نساء النّبِيّ صلى الله عليه وسلم
أفضل نساء النّبِيّ صلى الله عليه وسلم خديجة وعائشة، واختلفوا أيهما أفضل خديجة أو عائشة، قال ابن القيم في «بدائع الفوائد»(3/684) عن شيخه شيخ الإسلام رَحِمَهُما اللهُ: أنه سئل عن خديجة وعائشة أمي المؤمنين أيهما أفضل؟
 فأجاب: بأن سَبْقَ خديجة وتأثيرها في أول الإسلام ونصرها وقيامها في الدين لم تشركها فيه عائشة ولا غيرها من أمهات المؤمنين، وتأثير عائشة في آخر الإسلام وحمل الدين وتبليغه إلى الأمة وإدراكها من العلم ما لم تشركها فيه خديجة ولا غيرها مما تميزت به غيرها، فتأمل هذا الجواب الذي لو جئت بغيره من التفضيل مطلقًا لم تخلص من المعارضة. اهـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأين أفضل عائشة أو فاطمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما؟
قال ابن القيم رَحِمَهُ الله في «بدائع الفوائد»(3/1101): الخلافُ في كون عائشة أفضلَ من فاطمة أو فاطمة أفضلُ، إذا حُرِّرَ محلُّ التفضيل صار وفاقًا، فالتفضيل بدون التفصيل لا يستقيمُ.
فإن أُريْدَ بالفضل كثرةُ الثواب عند الله؛ فذلك أمر لا يُطَّلَعُ عليه إلا بالنَّصِّ؛ لأنه بحَسْب تفاضُل أعمال القلوب لا بمجرَّد أعمال الجوارح، وكم من عامِلَين أحدُهما أكثرُ عملًا بجوارحه، والآخرُ أرفعُ درجة منه في الجنة.
وإن أُريْدَ بالتفضيل التفضيل بالعلم؛ فلا ريبَ أن عائشة أعلمُ وأنفعُ للأمَّة، وأدَّت إلى الأمَّة من العلم ما لم يؤَدِّ غَيْرُها، واحتاج إليها خاصُّ الأمَّةِ وعامَّتها.
وإن أريد بالتفضيل شرَف الأصل وجلالة النَّسَب؛ فلا ريب أن فاطمةَ أفضل؛ فإنها بضعةٌ من النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك اختصاصٌ لم يَشْرَكْها فيه غيرُ إخوتها.
وإن أريد السيادةُ؛ ففاطمةُ سيّدَةُ نساء الأمَّة.
وإذا ثبتتْ وجوهُ التفضيل ومواردُ الفضل وأسبابُه، صارَ الكلامُ بعلمٍ وعدل، وأكثرُ الناس إذا تكلَّم في التفضيل لم يفصِّلْ جِهَات الفضل ولم يوازن بينها، فيبخسُ الحق، وإن انْضَافَ إلى ذلك نوع تعصُّبٍ وهوىً لمن يُفَضِّلُهُ تكلَّمَ بالجهلِ والظلمِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ تَحرِيمُ نِكَاحِ زَوجَاتِهِ اللَّاتِي تُوُفِّيَ عَنهُنَّ إِجمَاعًا
هذا بإجماع أهل العلم أنه لا يجوز نكاح زوجاته بعده؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)﴾[الأحزاب: 53وأيضًا لأنهن أزواجه في الجنة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 المَرأَةُ الَّتِي لَم تَتَزِوَّجِ بَعدَ مَوتِ زَوجِهَا هِيَ لَهُ فِي الآخِرَةِ
فمن لم تتزوج بعد وفاة زوجها فهي له في الآخرة، وإذا تزوجت بعده فقد جاء حديث: «الْمَرْأَةُ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا» أي: في الجنة، والحديث ذكره الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ في «السلسلة الصحيحة» (1281).
وكَمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا الدَّردَاءِ قَالَت لَهُ زَوجَتُهُ عِندَ الاحتِضَارِ: يَا أَبَا الدَّردَاءِ، إِنَّكَ خَطَبتَنِي إِلَى أَهلَي فَزَوَّجُوكَ، وَإِنِّي أَخطِبُكَ اليَومَ إِلَى نَفسِكَ، قَالَ: فَلَا تَزَوَّجِي بَعدِي. فَخَطَبَهَا بَعدَ مَوتِهِ مُعَاوِيَةُ-وَهُوَ أَمَيرٌ- فَأَبَت عَلَيهِ.
وَرَوَى البَيهَقِيُّ مِن حَدِيثِ عِيسَى بنِ عَبدِ الرَّحمَنِ السُّلَمِيِّ، عَن أَبِي إِسحَاقَ، عَن صَلِةَ، عَن حُذَيفَةَ، أَنَّهُ قَالَ لِامرَأَتِهِ: إِن سَرَّكِ أَن تَكُونِي زَوجَتِي فِي الجَنَّةِ فَلَا تَزَوَجِّي بَعدِي فَإِنَّ المَرأَةَ فِي الجَنَّةِ لِآخِرِ أَزوَاجِهَا فِي الدُّنيَا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَنْ طلقها النّبِيّ صلى الله عليه وسلم في حالِ حياته
في المسألة أقوال:
 فمنهم من قال: يحرم الزواج بها مطلقًا، أي: دخل بها أو لم يدخل. ومنهم من قال: تحرم على غيره إن كان قد دخل بها، ومنهم من قال: تحل حتى وإن كان قد دخل بها.
الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ يؤيد هذا القول الأخير؛ مستدلًا بآية التخيير﴿ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51)﴾[الأحزاب: 51].، فخيرهن الله بين الدنيا وبين البقاء عند النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ووجه الدلالة أنها لو كانت إذا طلقت لا تحل لغيره لما كان في تخييرها فائدة.
قال ابن كثير في «البداية والنهاية»(5/302) عن هذا القول: وَهَذَا قَوِيٌّ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
أما من دخل صلى الله عليه وسلم بها وتوفي عنها وهي في عصمته، فلا يجوز لأحد الزواج بها إجماعًا، والدليل قول الله: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)﴾.
ومن تزوج بها ثم فارقها قبل أن يدخل بها تقدم فيه خلاف، والحافظ رَحِمَهُ اللهُ في «البداية والنهاية»(5/302) يذكر هذه المسألة، ويقول: مَنْ تَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بها، فهذه تحل لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْقِسْمِ نِزَاعًا.
قال: وَأَمَّا مَنْ خَطَبَهَا وَلَمْ يَعْقِدْ عقده عَلَيْهَا، فَأَوْلَى لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ وَأَوْلَى. اهـ.
وهذه المسألة مجرد خِطبة من غير عقد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حُكمُ قَاذِفِ أُمِّ المُؤمِنِينَ عَائِشَةَ بِمَا بَرَّأَهَا اللهُ مِنهُ وَحُكمُ ذَلِكَ فِيمَن عَدَاهَا مِن زَوجَاتِهِ صلى الله عليه وسلم وَرَضِيَ عَنهُنَّ
قاذف عائشة أم المؤمنين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يقتل إجماعًا ردة لا حدًّا؛ لأنه لو كان حدًّا يكون قتله كفارة له، ولكنه يقتل ردة؛ لأنه مكذب للقرآن، قال عَزَّ وَجَل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)﴾[النور: 11-12]. الآيات.
قال النووي رحمه الله في «شرح صحيح مسلم»(17/117): وَهِيَ بَرَاءَةٌ قَطْعِيَّةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ، فَلَوْ تَشَكَّكَ فِيهَا إِنْسَانٌ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ صَارَ كَافِرًا مُرْتَدًّا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.
وقال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (23)} [النور: 23]: وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ قَاطِبَةً عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّهَا بَعْدَ هَذَا وَرَمَاهَا بِمَا رَمَاهَا بِهِ بَعْدَ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنَّهُ كَافِرٌ؛ لِأَنَّهُ مُعَانِدٌ لِلْقُرْآنِ، وَفِي بَقِيَّةِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ قَوْلَانِ: أَصَحُّهُمَا أَنَّهُنَّ كَهِي، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وقال رَحِمَهُ الله في «البداية والنهاية»(14/376) عن هذه المسألة: يَكْفُرُ إِنْ كَانَ قَدْ قَذَفَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِجْمَاعِ.
 وَفِي مَنْ قَذَفَ سِوَاهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ قَوْلَانِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكْفُرُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَضِيَ عَنْهُنَّ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 حُكمُ سَابِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
هذا من خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قتل من سبه؛ والدليل قوله عَزَّ وَجَل: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65)لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)﴾ [التوبة: 65-66]. وحَدِيثُ ابنِ عَبَّاسٍ فِي الأَعمَى الَّذِي قَتَلَ أُمَّ وَلَدِهِ لَمَّا وَقَعَت فِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَلَا اشهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ» رواه أبو داود (4361وهو في «الصحيح المسند»(605)لوالدي رَحِمَهُ الله.
 وقد نقل شيخ الإسلام رَحِمَهُ اللهُ في «الصارم المسلول» إجماع العلماء أن من سب النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فهو كافر مرتد يجب قتله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَنْ سَبَّهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم
هذا من خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه إذا سب رجلًا، والمراد: رجلًا مؤمنًا، كما في الحديث: عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إِنِّي اتَّخَذتُ عِندَكَ عَهدًا لَن تُخلِفَهُ، إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّ المُؤمِنِينَ آذَيتُهُ، أَو شَتَمتُهُ، أَو جَلَدتُهُ، أَو لَعَنتُهُ، فَاجعَلهَا لَهُ صَلَاةً وَزَكَاةً وَقُربَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيكَ يَومَ القِيَامَةِ». رواه البخاري ومسلم، فإذا سب رجلًا مؤمنًا أن الله يجعله رحمة له وكفارة وقربة تقربه إلى ربه.
وهنا تنبيه مهم ذكره الإمام النووي في «شرح صحيح مسلم»(16/152وقال: وَإِنَّمَا كَانَ يَقَعُ هَذَا مِنْهُ فِي النَّادِرِ وَالشَّاذِّ مِنَ الْأَزْمَانِ، وَلَمْ يَكُنْ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا لَعَّانًا، وَلَا مُنْتَقِمًا لِنَفْسِهِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُمْ قَالُوا: ادْعُ عَلَى دَوْسٍ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا»، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِيفَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ»، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

المصدر
https://alwadei967.blogspot.com/2023/01/50_3.html


كاتب الموضوع
أم عبدالله الوادعية [آلي]
مشاركات: 1299
اشترك في: جمادى الآخرة 1437

(51) اختصار درس الفصول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

مشاركة بواسطة أم عبدالله الوادعية [آلي] »

(51) اختصار درس الفصول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

 
[هَل مِنَ خَصَائِصِ الأنبياء أَنَّ من لَبِسَ لَأمَةَ الحَربِ لَا يَخلَعُهَا حَتَّى يُقَاتِلَ عَدُوَّهُ]
اللَّأْمَة مَهْموزة: الدِّرْع. وَقِيلَ: السِّلاح. ولَأْمَةُ الحَرب: أدَاتُه. «النهاية»(4/220).
قد ذكر هذا بعضهم من خصوصيات الأنبياء أن من لبس لباس الحرب من السلاح والدروع ونحو ذلك فيحرم عليه أن يخلعها حتى يقاتل أو يقضي الله أمرًا آخر، مثل: أن يهزم العدو، ودليل هذا قول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ لَا يَنبَغِي لِنَّبِيِّ إِذَا أَخَذَ لَأمَةَ الحَربِ أَن يَرجِعَ حَتَّى يُقَاتِلَ» وهذا الحديث علقه البخاري في تبويب حديث (7369)من غير ذكر القصة، وقد رواه الإمام أحمد رَحِمَهُ اللهُ بتمامه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وفيه أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدْرُس وهو مدلس وقد عنعن؛ لم يصرح بالسماع عن جابر بن عبدالله، ولكن للحديث بعض الشواهد.
وصنيع ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ في «زاد المعاد» يدل على أن هذا ليس من الخصوصية، فقد استنبط في «زاد المعاد»(3/189) فوائد من قصة غزوة أحد، وذكر منها:
 أَنَّ الْجِهَادَ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، حَتَّى إِنَّ مَنْ لَبِسَ لَأْمَتَهُ وَشَرَعَ فِي أَسْبَابِهِ، وَتَأَهَّبَ لِلْخُرُوجِ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنِ الْخُرُوجِ حَتَّى يُقَاتِلَ عَدُوَّهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هَل مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ وُجُوبُ المُشَاوَرَةِ؟
عدَّ بعضهم من خصوصيات النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وجوب مشاورة الصحابة في أمور الحرب ونحوها، واستدلوا بقوله تَعَالَى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾، والصحيح أنه ليس من الخصائص؛ لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غني عن المشاورة، ولكن فعل ذلك لأجل أن يقتدي الحكامُ بعده، وهذا يكون دليلًا على عدم الخصوصية.
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هَل مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ وُجُوبُ مُصَابَرَةِ العَدُوِّ وَإِن زَادُوا عَلَى الضِّعفِ؟
وهذا عده بعضهم من خصوصيات النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وهو قول الشافعية، والدليل أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال في صلح الحديبية: «فَإِن أَبَوا فَوَاللهِ لَأَقَاتِلَهُم-يَعنِي: قُرَيشًا-عَلَى هَذَا الأَمرِ حَتَّى تَنفَرِدَ سَالِفَتِي» رواه البخاري (2731).
وما رواه الإمام مسلم (1775) عن عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، الحديث وفيه قَالَ: فَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ قِبَلَ الْكُفَّارِ، قَالَ عَبَّاسٌ: وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكُفُّهَا إِرَادَةَ ألَّا تُسْرِعَ. الحديث.
فاستدلوا بهذين الدليلين وما في معناهما أنه يجب على النّبِيّ صلى الله عليه وسلم المصابرة عند لقاء العدو، وإن زاد العدد على الضعف.
 والذي يظهر أنه ليس هناك خصوصية؛ لأن الله تَعَالَى يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)﴾[آل عمران: 200]. وأن الحكم واحد للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته، وأما ما استُدل به على الخصوصيةفليس كذلك، ولكنه يدل على شجاعة النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وإقدامه وغيرته على دين الله عَزَّ وَجَل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصَّفِيُّ مِنَ المَغنَمِ مِن خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم
وما هو الصفي؟ هُوَ: أَن يَختَارَ فَيَأخُذَ مَا يَشَاءُ: عَبدًا، أَو أَمَةً، أَو سِلَاحًا، أَو نَحوَ ذَلِكَ قَبلَ القِسمَةِ.
من خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان له الصفي من الغنيمة، ومن الأدلة عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَتْ صَفِيَّةُ مِنَ الصَّفِيِّ» رواه أبو داود (2994وهو في «الصحيح المسند»(1617)لوالدي رَحِمَهُ الله.
قَالَ ابْن عبد الْبر رَحِمَهُ اللهُ: سهم الصفي مَشْهُور فِي صَحِيح الْآثَار مَعْرُوف عِنْد أهل الْعلم، وَلَا يخْتَلف أهل السّير فِي أن صَفِيَّة مِنْهُ، وَأجْمع الْعلمَاء على أنه خَاص بِهِ، وَذكر الرَّافِعِيّ أن ذَا الفقار كَانَ من الصفي. نقله عنه السيوطي رَحِمَهُ اللهُ في «الخصائص الكبرى»(2/421).
قال ابن كثير: كَانَ لَهُ خُمسُ خُمسِ الغَنِيمَةِ، وَأَربَعَةُ أَخمَاسِ الفَيءِ، كَمَا هُوَ مَذهَبُنَا، لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ.
الغنيمة: ما أخذ من مال الكفار بقتال، والفيء: ما أُخِذَ من مال الكفار بغير قتال.
ومصرف الغنيمة مذكورٌ في قول الله تَعَالَى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(41)﴾[الأنفال: 41].
وفي الآية دليل أن الغنيمة تقسَّمُ إلى خمسة أسهم، ثم يجعل أربعة على جهة.
 والسهم الخامس يقسم إلى خمسة، وخمس الغنيمة يكون لله عَزَّ وَجَل ولرسوله، والأربعة التي هي من الخمس يكون سهم لذوي القربى-أقرباء النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهم بنو هاشم، وزاد بعضهم بني عبد المطلبوسهم للأيتام، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل –وهو المسافر الذي انقطعت به النفقة-.
أقرباء النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لهم الخمس؛ لهذا بعضهم يحتج بحل الصدقة لبني هاشم؛ لأنه ما بقي الخمس، وهذا غير صحيح ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)﴾[مريم: 64]. الله يعلم أنه سيأتي زمان وما يعطون، فيبقى الدليل على عمومه «إِنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ».
والخمس الذي هو لله وللنبي صلى الله عليه وسلم هذا يرد إلى المسلمين، كما قال النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «وَلَا يَحِلُّ لِي مِنْ غَنَائِمِكُمْ مِثْلُ هَذَا إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ» رواه أبو داود (2755) عن عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، وهو في «الصحيح المسند»(2029)لوالدي رَحِمَهُ الله.
والأسهم الأربعة تقسم بين المجاهدين ومن يرى الإمام أن يُعطى حسب مصلحة الإسلام.
وأما الفيء مصارفه مبينة في قوله تَعَالَى: ﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)﴾[الحشر: 7]. الخمسنفس مصارف الغنيمة، والفيء يقسم خمسة أقسام، وأربعة أخماسه خاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والخمس يقسم خمسة أقسام: واحد لله ولرسوله، وواحد لذي القربى إلخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَهُ أَن يَحكُمَ بِعِلمِهِ
وهذه المسألة من الخصائص النبوية أنه له صلى الله عليه وسلم أن يحكم بعلمه –أي: يقضي بعلمهلعدم التهمة، أي: أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لا يتهم، ودليل هذه الخصوصية مع كونه لا يتهم قصة هند بنت عتبة حِينَ اشتَكَت مِن شُحِّ زَوجِهَا أَبِي سُفيَانَ، فَقَالَ: «خُذِي مِن مَالِهِ بِالمَعرُوفِ مَا يَكفِيكِ وَيَكفِي بَنِيكِ»، فقد حكم صلى الله عليه وسلم بعلمه؛ إذ لم يسأل عن البينة ولا أحضر الزوج؛ ليسأله.
أما غير النّبِيّ صلى الله عليه وسلم هل له أن يقضي بعلمه؟
قال ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ: (وَفِي حُكمِ غَيرِهِ-أي: غير النّبِيّ صلى الله عليه وسلم-بِعِلمِهِ خِلَافٌ مَشهُورٌ حَاصِلُهُ ثَلَاثَةُ أَقوَالٍ، ثَالِثُهَا: يَحكُمُ فِي غَيرِ حُدُودَ اللهِ) أي: في الأشياء التي لا تتعلق بالحدود كمن اختصم مع صاحب له في أرض والقاضي يعلم أنها أرض فلان، فعلى هذا القول يحكم القاضي بعلمه وأنها لفلان.
أما في الأشياء التي تتعلق بالحدود، مثلًا: رآه يزني، يسرق، يقتل، يشرب الخمر، فلا يحكم بعلمه؛ لأجل التهمة، وقد ذكر الأقوال في هذه المسألة ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ في «الطرق الحكمية»(168).
وذكر ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ في «إعلام الموقعين»(3/115) أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْحُكْمِ بِعِلْمِهِ؛ لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى حُكْمِهِ بِالْبَاطِلِ وَيَقُولُ: حَكَمْت بِعِلْمِي. اهـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 مَسأَلَةٌ: مَنِ استَهَانَ بِحَضرَتِهِ صلى الله عليه وسلم أَو زَنَى
هذه مسألة ذكرت في خصوصيات النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن من استهان بحضرته أو زنى يكفر، وقد ذكر هذه المسألة الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ في «التلخيص الحبير»(3/303وقال: أَمَّا الِاسْتِهَانَةُ فَبِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الزِّنَا فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ يَقَعُ بِحَيْثُ يُشَاهِدُهُ فَمُمْكِنٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْتَحِقُ بِالِاسْتِهَانَةِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِحَضْرَتِهِ أَنْ يَقَعَ فِي زَمَانِهِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِقِصَّةِ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ.
وهذا تفصيل حسن في هذه المسألة.
وقوله: (الِاسْتِهَانَةُ فَبِالْإِجْمَاعِ) أي: أنه يكفر؛ لأن فيه تنقصًا للنبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (وَأَمَّا الزِّنَا فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ) لو زنى بحضرة النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، يراه وهو يزني، ممكن يكفر كما قال الحافظ؛ لأن فيه تنقصًا للنبي صلى الله عليه وسلم.
 
 

المصدر
https://alwadei967.blogspot.com/2023/01/51.html


كاتب الموضوع
أم عبدالله الوادعية [آلي]
مشاركات: 1299
اشترك في: جمادى الآخرة 1437

(52) اختصار درس الفصول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

مشاركة بواسطة أم عبدالله الوادعية [آلي] »

(52) اختصار درس الفصول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

 
حُكمُ التَّسَمِّي بِاسمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
يُستحب التسمي باسم النّبِيّ صلى الله عليه وسلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «تَسَمُّوا بِاسمِي وَلَا تَكَنُّوا بِكُنيَتِي».
قال الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ في «الفصول»(348): (يَجُوزُ التَّسَمِّي بِاسمِهِ بِلَا خِلَافٍ).
 والتسمي بأسماء الأنبياء وكذا التسمية بأسماء الصالحين مستحب، كما في «صحيح مسلم»(2135) عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ».
وهذا رد على من كره التسمي بأسماء الأنبياء، وصاحب هَذَا القَوْل قصد صِيَانة أسمائهم عَن الابتذال، وَمَا يعرض لَهَا من سوء الْخطاب عِنْد الْغَضَب وَغَيره.
وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، يقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللهِ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ» رواه مسلم (2132) عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
ولا نستدل بحديث: «أحب الأسماء عند الله ما حُمِّد وعُبِّد»، هذا الحديث كان والدي رَحِمَهُ اللهُ ينبه أنه لا يصح.
وقال الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ في «السلسلة الضعيفة»(411): لا أصل له، كما صرح به السيوطي رَحِمَهُ اللهُ وغيره.
ومن حق الولد على أبويه: حسن اختيار الاسم، وقد كان النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يغيِّر الاسم القبيح، فمثلًا: غيَّر اسم (عاصية) وقال لها: أنت جميلة. رواه مسلم (2139)عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وكذا عرض على حزْن أن يتسمى سهلًا، فتمسَّك باسمه كعادة الكبار، وحَزْن صحابي والد المسيب.
وكذا الأسماء التي فيها تزكية، كان النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يغيرها، مثل: (برة) غيَّره إلى (زينبلأن (برة) فيه تزكية، ويشبه هذا (أبرار).
فعلى كلِّ مسلم أن يحرص على اختيار الاسم الحسن لولده، وأن يحذر أيضًا من تسمية ولده بأسماء الكفار؛ فإن هذا من الولاء لهم والتشبه بهم.
وكذا يُجتنب الأسماء التي فيها تعبيد لغير الله، كـ عبد شمس، عبد الكعبة، عبد النبي..
وقد قال ابن حزم رحمه الله تعالى في «مراتب الإجماع»(154): وَاتَّفَقُوا على تَحْرِيم كل اسْم معبَّد لغير الله عز وَجل، كَعبد الْعُزَّى وَعبد هُبل وَعبد عَمْرو وَعبد الْكَعْبَة، وَمَا أشبه ذَلِك، حاشا عبد الْمطلب.
استثنى عبد المطلب، وهذا رأى ابن حزم رحمه الله تعالى، وليس بصحيح، وقد خالفه العلماء في هذا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 حُكمُ التَّكَنِّي بِكُنيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
فيه أقوال:
القول الأول: المَنعُ مُطلَقًا، هو الذي رجحه والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ اللهُ، فقد سألته عن هذه المسألة، فقال: بالمنع من التكني بكنية النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وهو قول الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ، والدليل حديث جابر وما في معناه: «تَسَمُّوا بِاسمِي وَلَا تَكَنُّوا بِكُنيَتِي».
وعلى هذا يكون هذا من الخصائص.
 وأما حديث أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «وَمَنْ تَسَمَّى بِاسْمِي لَا يَكْتَنِ بِكُنْيَتِي، وَمَنْ تَكَنَّى بِكُنْيَتِي فَلَا يَتَسَمَّ بِاسْمِي» رواه أبو داود(4966) عَنْ جَابِرٍ، فهذا الحديث استفدت من والدي رَحِمَهُ اللهُ أنه لا يقوى على معارضة ما في «الصحيحين»، وقال الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ في تحقيق «مشكاة المصابيح»(21): منكر.
أما القول الثاني: الجواز مطلقًا، إنما الممنوع في حياة النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن يتكنى بأبي القاسم، واستدلوا بحديث أَنَسٍ، قَالَ: نَادَى رَجُلٌ رَجُلًا بِالْبَقِيعِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَمْ أَعْنِكَ إِنَّمَا دَعَوْتُ فُلَانًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي» رواه مسلم (2131). قالوا: هذا المعنى وهو اللَّبس كان في حياة النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وقد زال بعد موته.
القول الثالث: التفصيل وهو: المنع من التكني بأبي القاسم لمن كان اسمه محمدًا، فلا يجمع بين الاسم والكنية، ويجوز التكني بأبي القاسم لمن ليس اسمه محمدًا.
وقد سألت والدي رحمه الله، وقلت له: موجود من السلف من تكنَّى بأبي القاسم؟
فأجاب رَحِمَهُ الله: لعله لم يبلغه الدليل، أو تأوَّل أن النهي عن الجمع بين كنية النّبِيّ صلى الله عليه وسلم واسمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 مِن خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَولَادَ بَنَاتِهِ يَنتَسِبُونَ إِلَيهِ
هذا من خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن أولاد بناته ينتسبون إليه، بخلاف أولادبنات غيره فينتسبون إلى آبائهم لا إلى آباء أمهاتهم، والشاعر يقول:

بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وبَنَاتُنَا
۞
بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الأَبَاعِدِ
ويستثنى من هذا أولاد بنات النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهم ينتسبون إليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 مِن خَصَائِصِه صلى الله عليه وسلم أَنَّ كُلَّ نَسَبٍ وَسَبَبٍ يَنقَطِعُ إِلَّا نَسَبَهُ وَسَبَبَهُ
يوم القيامة كل سبب ونسب ينقطع نفعه وبره وخيره، إلا سبب ونسب رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ فإنه ينفع نسبه وسببه بإذن الله، ولكن هذا للمؤمن ومن كان على نهجه وهداه، فإن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ» رواه مسلم (2699) عن أبي هريرة. ويقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا» رواه البخاري (2753ومسلم (206) عن أبي هريرة.
 ويقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَهْلَ بَيْتِي هَؤُلَاءِ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِي، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. إِنَّ أَوْلِيَائِي مِنْكُمُ الْمُتَّقُونَ، مَنْ كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا» رواه ابن أبي عاصم في «السنة»(212) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ.
فما تقدم من خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، أما غير النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فإن الأنساب والأسباب ينقطع نفعها يوم القيامة؛ لما يفيده هذا الحديث، ولقول ربنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101)﴾[المؤمنون: 101].
النسب يكون بالولادة، والسبب: ما كان عن طريق المصاهرة.
وقوله: «وَإِنَّ الأَنسَابَ يَومَ القِيَامَةِ تَنقَطِعُ غَيرَ نَسَبِي وَسَبَبِي وَصِهرِي» فيه قولان:
قال ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ: (قِيلَ: مَعنَاهُ أَن أُمَّتَهُ يَنتَسِبُونَ إِلَيهِ يَومَ القِيَامَةِ) يعني يقال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
(وَقِيلَ: يَنتَفِعُ يَومَئِذٍ بِالانتِسَابِ إِلَيهِ، وَلَا يَنتَفِعُ بِسِائِرِ الأَنسَابِ) وهذا القول رجحه الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ أن المراد الانتفاع بنسب النّبِيّ صلى الله عليه وسلم دون سائر الأنساب، وهذا كما تقدم المراد لمن كان من أتباع النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وعلى طريقه وهداه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 مَا اختَصَّهُ رَبُهُ سُبحَانَهُ مِنَ الشَّجَاعَةِ وَالقُوَّةِ
من أوصاف النّبِيّ صلى الله عليه وسلم الخلقيةأنه أشجع الناس، روى البخاري (2820ومسلم (2307)عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبَقَهُمْ عَلَى فَرَسٍ»، وَقَالَ: «وَجَدْنَاهُ بَحْرًا».
وكان لا يفر من عدو قلَّ أو كثر، ويدل لذلك وقعة حنين وغزوة بدر، يقول علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَنَحْنُ نَلُوذُ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ أَقْرَبُنَا إِلَى الْعَدُوِّ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ بَأْسًا. رواه أحمد (654وهو في «الصحيح المسند»(973)لوالدي رَحِمَهُ الله.
وأما قوة النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فهي أنواع، منها:
·   قوته في العبادة والعزيمة؛ فقد كان أكمل الناس عبادة، وكان يقوم طويلًا من الليل حتى تتفطر قدماه.
·   قوته في الحِلْمِ والصبر واحتمالِ الأذى.
·   قوته في الوصال في الصوم، فكان يواصل اليوم بعد اليوم.
·   قوته في الشجاعة وثبات القلب؛ فقد كان أشجع الناس.
·   قوته البدنية، ويدل له حديث أنس: «كَانَ صلى الله عليه وسلم يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، فِي اللَّيْلَةِ الوَاحِدَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ»، والحديث رواه البخاري (284).
وهذا من خوارق العادة، ومن معجزات النّبِيّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مع كونه أكمل الناس عبادة لربه وأخشاهم له، ومع زهده وقلة أكله يطيق الطواف على نسائه في يوم واحد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التَّنبِيهُ عَلَى مَا وَرَدَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم يَرَى فِي الظُّلمَةِ كَمَا يَرَى فِي النَّهَارِ
قال ابن كثير: أَمَّا الحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الحَافِظُ البَيهَقِيُّ فِي كِتَابِ «دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ» عَن عَائِشَةَ؛ قَالَت: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَرَى فِي الظُّلمَةِ كَمَا يَرَى فِي الضَّوءِ»؛ فَإِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، ضَعَّفَهُ الحَافِظَانِ ابنُ عَدِيٍّ وَالبَيهَقِيُّ وَغَيرُهُمَا.
فليس فيه خصوصية للنّبِيّ صلى الله عليه وسلم، أنه يرى في الظلمة كما يرى في الضوء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 التَّنبِيهُ عَلَى مَا وَرَدَ عَن بَنَاتِ نَعشٍ
ليس فيه خصوصية أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يبصر بنات نعش ثمانية كواكب، والناس يرونها سبعة، هذا من الأخبار التي لا تصح، والخصوصية إنما تثبت بدليل صحيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 حال حديث: «كُلُّ بَنِي آدَمَ فَإِنَّهُم يُنسَبُونَ إِلَى عُصبَتِهِم؛ إِلَّا بِنِي فَاطِمَةَ...»
قَالَ عُثمَانُ بنُ أَبِي شَيبَةَ: عَن جَرِيرٍ، عَن شَيبَةَ بنِ نَعَامَةَ، عَن فَاطِمَةَ بِنتِ الحُسَينِ، عَن فَاطِمَةَ الكُبرَى؛ قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ بَنِي آدَمَ فَإِنَّهُم يُنسَبُونَ إِلَى عُصبَتِهِم؛ إِلَّا بِنِي فَاطِمَةَ؛ فَإِنَّهُم يُنسَبُونَ إِلَيَّ، وَأَنَا عُصبَتُهُم» الحديث لا يصح؛ فيه شيبة بن نعامة ضعيف، وفيه انقطاع؛ فاطمة بنت الحسين لم تدرك فاطمة بنت النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، والحديث ذكره ابن الجوزي في «العلل المتناهية»، والشيخ الألباني في «السلسة الضعيفة»(4324).

المصدر
https://alwadei967.blogspot.com/2023/01/52.html

أضف رد جديد